نظرًا لتوقف عرض الإعلانات على الموقع بسبب حظره من شركات الإعلانات ، فإننا نعتمد الآن بشكل كامل على دعم قرائنا الكرام لتغطية تكاليف تشغيل الموقع وتوجيه الفائض نحو دعم المترجمين. للمساهمة ودعم الموقع عن طريق الباي بال , يمكنك النقر على الرابط التالي
paypal.me/IbrahimShazly
هذا المحتوى ترفيهي فقط ولايمت لديننا بأي صلة. لا تجعلوا القراءة تلهيكم عن صلواتكم و واجباتكم.

الشطرنج الأبدي 41

مآسي.

مآسي.

الفصل 41 — مآسي.

في تلك اللحظة، شعر الفارس أولتير بمدى تعقيد مواجهة عدوين أثناء حماية أحدهم. من ناحية، إستهدفه أحدهم بالجليد معيقاً إياه، ومن ناحيةٍ أخرى كان الآخر بسحرٍ ذو طبيعةٍ غامضة، ما جعله أخطر إلى حدٍ ما!

أطلق أليتاليس تنهيدة عميقة. لم يبدو خصمه معززاً عادياً. وبطبيعة الحال، كان هذا أمراً مسلّماً به؛ وإلا لما قد يعين كحارسٍ للأميرة؟

“يلفنا الغموض، ولا نعلم حتى أين نحن. فبدلاً من العيش والنجاة للعودة، أنقتتل وننهب خيرات أنفسنا؟”هز كاليد رأسه، قال بهدوء مجدداً:”أيّها الناس، كفَُوا وإخزوا.”

“ووش.”

“ووش.”

ظهر أرسيلوف بقرب أليتاليس في مرحلةٍ ما، فاركاً لحيته المسودة بيده النحيلة، كان صوته خشناً وجافاً:”هيه، يافتى إذهب وأقتل الأميرة. فأليس هذا بمرادك؟ وعليك بالإسراع، فخطرٌ آخر يلوح بالأفق.”

ثم في زوبعة عملاقة، إنتشر صدى صوتٍ أثيري في كامل الساحة!!

للوهلة الأولى، كان أرسيلوف وكأنه يملك حقداً على الإمبراطورية. ولكن لمشعوذِ مثله، لم يكن من المهم إحتياج سببٍ لقتل الأميرة أو غيرها من البشر — إذا أراد ذلك.

قالت الأميرة:”العقيد قريب، لابد من شعوره بشيءٍ خاطئ الآن. علينا التجمـ—”

في الواقع، أتى لمشاهدة الإعدام بغية رؤية الفوضى تبدأ. وحين ثار أليتاليس ضد الأميرة، أصبح سعيداً. ثم قرر مساعدته لكونه مثيراً للإهتمام، كان سيجني المزيد من الفوضى عبر قتله للأميرة، ناهيك عن إنزعاجه الطفيف من مطاردته المستمرة — من سحرة البلاط.

التعويذة — [سلانغيتونك]!

كان شريراً أراد المتعة.

وبالفعل، بدأت بالتذكر. كما قال سيدها؛ لن يمر سوى بضع أيام قبل أن تختفي آثار التلوث على روحها. فور أن غادرت تلك المنطقة الشريرة، بات عقلها يصفى تدريجياً، وأصبحت صور الذكريات المبهمة في ذهنها أوضح عمّا كانت.

“همف.”

لولاه لما حصل أيٌ من هذا الآن، لكان أغاريس ميتاً، ولما أقحم هنا، بطريقةٍ ما، كان هو سبب كُل سوء حظه؛ كان ظالمه.

شخر أليتاليس، مشمئزاً بوضوح من تلقي المساعدة من شخصٍ كهذا، لكن في مثل هذا المنعطف — أنّى له الرفض؟ فلم يكن الآن سوى سهماً في منتهاه؛ منهكاً كشمعةٍ في مهب الريح. 

تغيرت التجاعيد على محيا أليتاليس قليلاً، وكأنه محيّر. لم يجب. بعد ثوان، إنحرفت زوايا فمه اليابس، في إبتسامة نادرة. قال:”…أنتِ لاتعلمين؟”

في الواقع، كان هذا المشعوذ، هو من ساعده بتدمير القيود السحرية التي وضعتها الأميرة عائشة عليه حين الإعدام. كانت أداةً سحرية. لولا ذلك، لعانى قليلاً قبل تحطيمها بصعوبة، والذي كان سيكبده الكثير.

مع إختفاء الرياح و وضوح الأبصار، حدّق من إستطاع في كاليد، كونه محور البداية، علموا جميعاً بغريزية كونه الأقوى في الساحة!

لكنه ساعده في “القيود” لا في إعادة نواته.

——

جهُلَ أليتاليس بفاعل ذلك؛ أكان شخصاً أم شيئاً.

بعد ثوان، حين رأى موطئ قدمه التالي، رأى عيناً أرجوانية تحدق به. إرتفع الإحساس بالخطر في عقل الفارس أولتير، راناً فيه كإنذار حرائق. في تلك اللحظة، إقشعر وتيبس على الفور، كان قد فقد الإحساس بجسده!

من ناحيةٍ أخرى، كان تعبير الأميرة عائشة بارداً بلا خوف.

“تشقق…”

رأى الفارس المدرّع خدشاً طفيفاً تلألأت دماءه المتجمدة على ساق الأميرة الناعمة. في الواقع، كانت الأميرة سليمة ولم يحدث هذا من الجليد أو السقوط، بل أحدثتها تعويذةٌ لها بالخطأ. لم يكن سوى خدش بسيط، لكن لفارسٍ فخور كان ندبةً عارٍ وعلامة فشل.

رأى الفارس المدرّع خدشاً طفيفاً تلألأت دماءه المتجمدة على ساق الأميرة الناعمة. في الواقع، كانت الأميرة سليمة ولم يحدث هذا من الجليد أو السقوط، بل أحدثتها تعويذةٌ لها بالخطأ. لم يكن سوى خدش بسيط، لكن لفارسٍ فخور كان ندبةً عارٍ وعلامة فشل.

“أنا أعتذر، لقد أخفقت.”أخفض أولتير رأسه ولم يجرؤ على النظر إلى وجهها، راكعاً بساقٍ واحدة، كان صوته منخفضاً:”سيفنى اليوم، سأتأكد من إتمام مهمتي.”

“سوو!!”

“لا، هذا ليس خطأك.”تعمّق العبوس على وجه الأميرة، وقالت بنبرة خطيرة:”لقد خدعني. من كان ليعتقد إنه في الرتبة الرابعة؟ كان مشلولاً بلا شك، كانت نواته غير موجودة. لما قد تكبّد عناء كل هذا إذن؟ علينا المغادرة فوراً، قتله سيستنزفنا، ولديه رفقة.”

“سموكِ النجدة!”

كان لديها الكثير من الأسئلة.

“يدي…؟ مابها يدي؟؟”

لكن حتى لو كان أليتاليس في الرتبة الرابعة، فقد آمن الفارس أولتير بسيفه وقدرته على قتل أليتاليس. كان سيافاً بارعاً، كان سيد سيف! لكنه مع ذلك أطبق شفتيه، ولم يدلي برأيه. في النهاية، كان القرارا النهائي للأميرة، لا هو.

“سووش!!”

قالت الأميرة:”العقيد قريب، لابد من شعوره بشيءٍ خاطئ الآن. علينا التجمـ—”

“سوووش!!”

“رووورووور…”همس أرسيلوف بكلمةٍ غريبة بطرف لسانه، بينما أغمض عيناً واحدة، توقف عن الحركة، وأوصل صوته لأليتاليس:”أسرع، سأشغله لثلاث دقائق.”

بنفحة ريح، مزّق أولتير مجموعة من الكرمات المتجمدة الشديدة، وقال بصوتٍ رتيب:”هل أجنحة الرياح متوفرة بعد؟ أفضّل أن تتراجع الأميرة مؤقتاً حتى يصل العقيد كالسفير. آنذاك نستطيع قتلهما أو إعتقالهما — إن أردتِ.”

 لا يَصدُقُ الوَصفُ حَتّى يَصدُقُ النَظَرُ[1].”

مقارنةً بقتلهما، كان إعتقالهما أصعب — بأضعاف. لكّن أولتير لم يبال بالتكلفة، كان سيتبع أوامر الأميرة في كل الأحوال.

تنهد قليلاً:”موته هنا ليس بذلك السوء أيضاً.”

فكرت الأميرة لثوان، نظرت حولها بأعين عميقة، ثم فجأة، إشتد الرياح الباردة حولهم، حين إلتقطها الفارس أولتير بعيداً!

في تلك اللحظة، هبت ريحٌ مرئية كالسحاب المظلم، حملت معها هالةً مشؤومة. لم تكن سريعة لحد اللحاق بالفارس أولتير، لكنها لم تضعه أبداً. طاردته بين الصقائع والثلوج، بين الأشجار والأشخاص. ناهيك عن ذلك، كان أليتاليس يطارد خلفه أيضاً!

“سووش، سووش…!”

“إنه أنت!!”زمجر أليتاليس ببغضٍ وقسوة، وإسود وجهه، متذكراً إياه فوراً. كان الشاب الذي منعه من قتل أغاريس منذ فترة!

التعويذة — [لعنة الإنحدار]!

توقف عن الكلام، ثم لوح بيده، وقال:”إنصرفوا الآن.”

في تلك اللحظة، هبت ريحٌ مرئية كالسحاب المظلم، حملت معها هالةً مشؤومة. لم تكن سريعة لحد اللحاق بالفارس أولتير، لكنها لم تضعه أبداً. طاردته بين الصقائع والثلوج، بين الأشجار والأشخاص. ناهيك عن ذلك، كان أليتاليس يطارد خلفه أيضاً!

تجاهله أليتاليس غير مبال بالكلمات، مهاجماً إياه. إندفعت الكرمات العملاقة نحو كاليد كمدٍ بحري، مجمدةً ماحولها. كادت قطع الجليد المسننة أن تنال منه لولا سرعتة بديهته وتحركاته السريعة كالريح. أطلق كاليد نفساً متنهداً؛ ثم تحرك!

في تلك اللحظة، شعر الفارس أولتير بمدى تعقيد مواجهة عدوين أثناء حماية أحدهم. من ناحية، إستهدفه أحدهم بالجليد معيقاً إياه، ومن ناحيةٍ أخرى كان الآخر بسحرٍ ذو طبيعةٍ غامضة، ما جعله أخطر إلى حدٍ ما!

من زاوية ظهره، ومن وجهه المائل، برقت عين أليتاليس اليسرى، حين رأى الفارس أولتير ما أوشك أن يوقفه بذهول؛ مالم يكن من المفترض أن يظهر له.

“ووش!”

“سووش، سووش!!”

“سووش!”

بين أليتاليس والأميرة، لم يتحرّك أيٌّ منهما. لم يعلما في أي رتبةٍ كان هذا الشاب المجهول؛ لكنهما علما برغبته: لم يرد المزيد من القتال!

إقتربت منه الكرمات والرياح؛ حين إندفعت تيارات الرياح من نصله ممزقةً كل ما أعاقها بهدوء!

window.pubfuturetag = window.pubfuturetag || [];window.pubfuturetag.push({unit: "663b2a7000a9d3471ea9a021", id: "pf-8890-1"}) بنفحة ريح، مزّق أولتير مجموعة من الكرمات المتجمدة الشديدة، وقال بصوتٍ رتيب:”هل أجنحة الرياح متوفرة بعد؟ أفضّل أن تتراجع الأميرة مؤقتاً حتى يصل العقيد كالسفير. آنذاك نستطيع قتلهما أو إعتقالهما — إن أردتِ.”

“ووش.”

ضحك أرسيلوف بنبرةٍ شريرة:”هيه، ماكان عليك التدخل!”

“ووش!”

“سووش!!” 

بعد ثوان، حين رأى موطئ قدمه التالي، رأى عيناً أرجوانية تحدق به. إرتفع الإحساس بالخطر في عقل الفارس أولتير، راناً فيه كإنذار حرائق. في تلك اللحظة، إقشعر وتيبس على الفور، كان قد فقد الإحساس بجسده!

“أنا أعتذر، لقد أخفقت.”أخفض أولتير رأسه ولم يجرؤ على النظر إلى وجهها، راكعاً بساقٍ واحدة، كان صوته منخفضاً:”سيفنى اليوم، سأتأكد من إتمام مهمتي.”

“رووورووور…”همس أرسيلوف بكلمةٍ غريبة بطرف لسانه، بينما أغمض عيناً واحدة، توقف عن الحركة، وأوصل صوته لأليتاليس:”أسرع، سأشغله لثلاث دقائق.”

“الجو بارد…”

فور أن أنهى كلامه، إندفعت السحابة المظلمة عبر الرياح بسرعة، وسقطت على جسد أولتير. بعد ثانية، أصدر الفارس هالةً مشؤومة، بادئاً بجذب ماحوله من جليدٍ ورمال حوله. كبؤرة جاذبية!

[1]: من ديوان المتنبي.

بسرعة، تحررت الأميرة من عناق حارسها الذي بدا وكأنه قد أصيب بتعويذة، إرتفعت الأجنحة الأثيرية من ظهرها، بعد ثانية، بدأت بالتذبذب. عابسةً ألغت المهارة، قبل أن تنظر حولها بهدوء. كان الجليد يملئ ناظرها؛ لكنه لم يمنع بصرها شيئاً.

كان شريراً أراد المتعة.

بعيداً، رأت أرسيلوف الجاثم بهالةٍ مماثلة لما يصدره أولتير. وقبلَه كان أليتاليس قادماً برياحه الباردة!

متأملاً في هذا المشهد، فتح كاليد شفتيه، لكن تنهد في النهاية.

‘قدرة قطعة أثرية؟’ناظرةً إلى فارسها الذي غطت الصخور والرمال والجليد البارد دروعه الفضية، عبست الأميرة بشك.

“لقد قيل لي أنه يوجد طعامٌ مجاني…”

“سووش!”

“ويحك. آه، لا. رويدك!”رفع كاليد الذي ظهر فجأةً كلتا يديه ببادرة سلام، مرتعباً من مد الكرمات الذي غطاه ظله. لم يفهم فجأةً لم قرر قتله هو بدلاً من الأميرة. وبالنظر إلى عيني مصاص الدماء الملطختين بالدماء، شعر وكأنه قاتل عائلته. أيّ حقدٍ كان هذا؟

خلال ثوان، قطع أليتاليس المسافة بينهما و وصل إليها!

عبس أليتاليس بإحكام، شاعراً بالمانا خاصته تُستنزف على معدلٍ متسارع، ولعن منقذ الأميرة في نفسه. كان قد أهدر المزيد من المانا بسببه!

“سووش…سووش…سووش!”

وبالفعل، بدأت بالتذكر. كما قال سيدها؛ لن يمر سوى بضع أيام قبل أن تختفي آثار التلوث على روحها. فور أن غادرت تلك المنطقة الشريرة، بات عقلها يصفى تدريجياً، وأصبحت صور الذكريات المبهمة في ذهنها أوضح عمّا كانت.

“تشقق!!”

تنهد قليلاً:”موته هنا ليس بذلك السوء أيضاً.”

مزقت أريشٌ ملونة عبر الجليد، نحو أليتاليس بحدة في مساراتٍ متعددة، وحين أوشكت أن تصل لوجهه البارد، تجمدت على الفور مصبحةً كُتلاً من الصخور الجليديةعلى الأرض.

“لا، هذا ليس خطأك.”تعمّق العبوس على وجه الأميرة، وقالت بنبرة خطيرة:”لقد خدعني. من كان ليعتقد إنه في الرتبة الرابعة؟ كان مشلولاً بلا شك، كانت نواته غير موجودة. لما قد تكبّد عناء كل هذا إذن؟ علينا المغادرة فوراً، قتله سيستنزفنا، ولديه رفقة.”

حدق أليتاليس بها، كانت الرياح حوله كستار من صقيع، لكّن الأميرة قد رأت يده المرفوعة.

“أمِن العقل حين العيش بالفقر، الإنشغال بعذاب الغير؟ ألا يجب أن ينظر كُّل إمرءٍ فيكم إلى ماعليه أن يقدّم لنفسه الآن، بدلاً من هذا النهب والقتل؟”

“ووش.”

في تلك اللحظة، ظهر أولتير كالبرق بلا آوان، كان قد تحرر من لعنة الإنحدار منذ برهة؛ فقد ألغاها كاليد. ثم قدم إلى هنا خلسةً بلا ضجة. في البداية، خطط للوقوف قرب الأميرة لحمايتها مجدداً. لكن كيف لفارسٍ أن يترك مجرماً تسبب في إخفاقه طليقاً؟

إمتدت كرمة سميكة على طول يده كالثعابين، كانت زرقاء داكنة، برأسٍ فضي متفتح البتلات. برق وسطه بضوءٍ أبيض متوهج بظلام خافت. تجمّعت الرياح حوله بهدوء، منذرةً بخطر لايوصف!

“أخبرتك — ستفنى اليوم!”

“شا!!”

تجاهله أليتاليس غير مبال بالكلمات، مهاجماً إياه. إندفعت الكرمات العملاقة نحو كاليد كمدٍ بحري، مجمدةً ماحولها. كادت قطع الجليد المسننة أن تنال منه لولا سرعتة بديهته وتحركاته السريعة كالريح. أطلق كاليد نفساً متنهداً؛ ثم تحرك!

“ووش…ووش…”

شخر أليتاليس، مشمئزاً بوضوح من تلقي المساعدة من شخصٍ كهذا، لكن في مثل هذا المنعطف — أنّى له الرفض؟ فلم يكن الآن سوى سهماً في منتهاه؛ منهكاً كشمعةٍ في مهب الريح. 

في تلك اللحظة، شعرت الأميرة بالقشعريرة تمتد على عمودها الفقري، رفعت يدها على الفور، حيث لمع سوارها البلوري بضوءٍ مخضّر. فجأة، وقبل أن تفعِّل كنزها، أُمسِكَت من ظلٍ خاطف على حين غرة، عندما إنفجرت تيارات الجليد مصطدمةً بموقعها!

مقارنةً بقتلهما، كان إعتقالهما أصعب — بأضعاف. لكّن أولتير لم يبال بالتكلفة، كان سيتبع أوامر الأميرة في كل الأحوال.

“إنفجار!!”

كانت نظرته هادئة، إنعكس ظل الثلوج البيضاء في عينيه القرمزيتين. رفع إصبعه، وفي اللحظة التالية، ظهرت آلة عودٍ ذهبية في يد كاليد اليسرى، عندما برقت أحرفٌ متنوعة متشابكةٌ حولها، ما جعل أوتارها تتحرك لوحدها—

“تشقق!! تشقق!!”

صرخ:”أيا رفيق؛ ما العنف إلا سبيل لمزيدٍ من الضلال. هل لّنا أن—”

في تلك البقعة، إنتشر الجليد كالنار في الهشيم، من الأرض، بدأت الكرمات ذات الأحجام البشرية بالبزوغ، مندمجةً معاً في أشجارٍ جليدية سميكة. مخفضةً من درجة حرارة المنطقة لأدنى من الصفر. 

“تشقق!!”

التعويذة — [سلانغيتونك]!

فجاة، أحاطت تيارات الجليد ذات أشكل الثعابين والأزهار بكاليد من كل الجهات، مغلقةً دربه من الهرب.

عبس أليتاليس بإحكام، شاعراً بالمانا خاصته تُستنزف على معدلٍ متسارع، ولعن منقذ الأميرة في نفسه. كان قد أهدر المزيد من المانا بسببه!

“لا!”صرخت كلير بذعر، كانت هالتها مشتتة، بدأت المانا حولها بالثوران. ولإدراكه بمدى سوء حالتها، تحرك كاليد نحوها فورياً. فبدلاً من إنقاذ من أوكِّد موته، قرر إنجاد من مازال يتنفس.

 بعد ثانية، إنعكس ظلٌ في عينيه. كان شاباً حسن الملبس، حُمر العينين، أخضر الشعر. بقناعٍ أسود نصفي غريب. أمسك بالحسناء في حضنه كما يجب؛ كأميرة بلباقة وأدب.

“أزيز…إحتراق!”

“إنه أنت!!”زمجر أليتاليس ببغضٍ وقسوة، وإسود وجهه، متذكراً إياه فوراً. كان الشاب الذي منعه من قتل أغاريس منذ فترة!

صدم أليتاليس من مدى سرعة كاليد وتفاديه للجليد؛ كان كهمسات الرياح، متنقلاً بمرونة بين مدود الصقيع المنتشرة وأشجارها. مستغلاً الثغرات البسيطة، إنزلق من أسفلها وجوانبها. ولم تقل سرعته شيئاً رغم حمله للأميرة.

لولاه لما حصل أيٌ من هذا الآن، لكان أغاريس ميتاً، ولما أقحم هنا، بطريقةٍ ما، كان هو سبب كُل سوء حظه؛ كان ظالمه.

“فماذا بعد ذلك؟ الرضى بما نُهب؟ أو التمتع بما حصل؟”

شعر أليتاليس بالغضب يستعر في صدره كفحمٍ موقد، رغم ذلك، تمكّن من تمالك جام غضبه، مركزاً على هدفٍ واحد — الأميرة عائشة محور هذا الساحة!

التعويذة — [لعنة الإنحدار]!

ظن الجميع أنه ينوي قتلها لكنه لم يكن بذلك الحمق، لقد نوى أخذها رهينة. فلم يرى سبيلاً للنجاة إلا بذلك!

لم يعلق كاليد على المشهد، وكذا صمت الجميع. أشاح نظره، وقال برتابة وأسف:”أيّها الناس، كفَُوا وإخزوا.”

إذا قتلها فسيصبح عدواً لفصيلٍ بأكمله؛ والذي يحتوي على ثلاثةٍ في الرتبة الثالثة! ناهيك عند عدد الصعاليك الصغار في الرتبة الثانية. والذي لم يكن في صالحه الآن. لم يكن ليبالي بهم؛ إذا كان في ذروته، بالأحرى كان ليراهم كحشرات مزعجة. ربما سيدفع تكلفة باهظة لقتل الثلاثة في الرتبة الثالثة إذا قاتلوه معاً، لكنه كان سينتصر في النهاية.

“لما يحدث هذا…؟”

لكن في حالته هذه — مستنزفاً ومصاباً، لم يملك سوى ربع قوته الكاملة. بأخذ الأميرة كرهينة، كان ليستطيع إستعادة حقيبته البعدية، وأخذ مقدارٍ من البلورات السحرية بالمقابل، وإخلاء سبيله أيضاً.

“أيا حسناء، هلّا سايرتي منقذكِ قليلاً؟”إبتسم كاليد بمرارة، متفادياً تيارات الثعابين  كسمكةٍ في الماء، كان مرناً ورشيقاً للغاية. قال بعد ثوان:”ماقولكِ في الثبوت بضع لحظاتٍ أخرى؟”

كانت حقيبته البعدية مهمة!

التعويذة — [قصيدة الفجر]!

لم يكن عداءه مع الأميرة دموياً بعد. بالأحرى كان المجال للتعاون مفتوحاً؛ كان مستعداً للتراجع خطوةً للخلف مؤقتاً، ولا الأميرة أرادت معادة شخصٍ في الرابعة الرابعة — في هذا البعد السري على الأقل. بالإضافة لذلك، لم يعلم أليتاليس لكم كانت نواته لتستمر معه بعد عودتها فجأة.

“اللعنة على هذا الهراء، أتقول إعدام؟؟ هذا…هذا إعدامٌ لنا!”

“همف!”شخر أليتاليس، إختلطت عواطف الإثارة والغضب والألم والفرح في صدره. لكنه قمعها، مبقياً تركيزه فحسب. صارخاً بزيف:” مجدداً؟ لما تعيق طريقي بإستمرار!!”

“لم يكن يجب أن يحصل هذا، لم يرتكب عمّي أي خطأ…لم…”

دون التراجع، تقدّم إلى الأمام، تشكّل الجليد أمامه على هيئة كرماتٍ سميكة مسننة لاتعد ولاتحصى؛ وإندفعت في كُل الإتجاهات؛ نحو كاليد الذي تغيّر تعبيره.

في ثنايا الصقيع والثلوج، وخلف بقايا الأشجار المتجمدة والرياح ترسّمت فوضىً من الدم والقتل، من النهب والعنف. بلا كوابحٍ أظهر البشر رغباتهم حيثما ظنوا أن لا عين تراقبهم، بغطاء الستر أظهروا حقيقتهم.

التعويذة — [بحر سالنغا]!

——

“سووش!! سووش!!”

لإحقاق الحق، لم تشعر الأميرة عائشة بالخطر أو الفزع من أليتاليس. بل كانت مرتاحةً وهادئة، كانت لها اليد العليا — إلى حدٍ ما بوجود الفارس أولتير والعقيد كالسيفر القادم. ناهيك عن كونها أميرة لمملكة فولنهايم! بهذه الهوية، كم كنزاً للحماية قد وضع عليها؟ كم قطعةً أثرية قد إمتلكت؟

“ويحك. آه، لا. رويدك!”رفع كاليد الذي ظهر فجأةً كلتا يديه ببادرة سلام، مرتعباً من مد الكرمات الذي غطاه ظله. لم يفهم فجأةً لم قرر قتله هو بدلاً من الأميرة. وبالنظر إلى عيني مصاص الدماء الملطختين بالدماء، شعر وكأنه قاتل عائلته. أيّ حقدٍ كان هذا؟

‘أإستخدم تعويذةً أخرى؟’ لم يخفف كاليد من سرعته، وإختفى في طيات الجليد والرياح؛ كجزءٍ منها. حتى الأميرة كانت مصدومة من سرعته الخاطفة، ومازادها صدمةً هو عدم شعورها بالإنزعاج من تحركه على الإطلاق.

صرخ:”أيا رفيق؛ ما العنف إلا سبيل لمزيدٍ من الضلال. هل لّنا أن—”

فجاة، أحاطت تيارات الجليد ذات أشكل الثعابين والأزهار بكاليد من كل الجهات، مغلقةً دربه من الهرب.

تجاهله أليتاليس غير مبال بالكلمات، مهاجماً إياه. إندفعت الكرمات العملاقة نحو كاليد كمدٍ بحري، مجمدةً ماحولها. كادت قطع الجليد المسننة أن تنال منه لولا سرعتة بديهته وتحركاته السريعة كالريح. أطلق كاليد نفساً متنهداً؛ ثم تحرك!

“لم يكن يجب أن يحصل هذا، لم يرتكب عمّي أي خطأ…لم…”

“سوو!!”

مع إختفاء الرياح و وضوح الأبصار، حدّق من إستطاع في كاليد، كونه محور البداية، علموا جميعاً بغريزية كونه الأقوى في الساحة!

“سووش!!” 

في ثنايا الصقيع والثلوج، وخلف بقايا الأشجار المتجمدة والرياح ترسّمت فوضىً من الدم والقتل، من النهب والعنف. بلا كوابحٍ أظهر البشر رغباتهم حيثما ظنوا أن لا عين تراقبهم، بغطاء الستر أظهروا حقيقتهم.

صدم أليتاليس من مدى سرعة كاليد وتفاديه للجليد؛ كان كهمسات الرياح، متنقلاً بمرونة بين مدود الصقيع المنتشرة وأشجارها. مستغلاً الثغرات البسيطة، إنزلق من أسفلها وجوانبها. ولم تقل سرعته شيئاً رغم حمله للأميرة.

صدم أليتاليس من مدى سرعة كاليد وتفاديه للجليد؛ كان كهمسات الرياح، متنقلاً بمرونة بين مدود الصقيع المنتشرة وأشجارها. مستغلاً الثغرات البسيطة، إنزلق من أسفلها وجوانبها. ولم تقل سرعته شيئاً رغم حمله للأميرة.

على غرار أولتير الذي مزّق كل ما أعاقه بسيفه وإندفاعه حين ركضه، كان كاليد كالريح.

“أمِن العقل حين العيش بالفقر، الإنشغال بعذاب الغير؟ ألا يجب أن ينظر كُّل إمرءٍ فيكم إلى ماعليه أن يقدّم لنفسه الآن، بدلاً من هذا النهب والقتل؟”

لقد شعر أليتاليس لوهلة وكأنه عديم فائدة، بدأً من أغاريس وصولاً إلى أولتير وحتى هذا الشخص — المجهول. ألم يستهينوا بالرتبة الرابعة كثيراً؟

ظهر أرسيلوف بقرب أليتاليس في مرحلةٍ ما، فاركاً لحيته المسودة بيده النحيلة، كان صوته خشناً وجافاً:”هيه، يافتى إذهب وأقتل الأميرة. فأليس هذا بمرادك؟ وعليك بالإسراع، فخطرٌ آخر يلوح بالأفق.”

إلى حدٍ ما، كان هو نفسه المتسبب في ذلك. فلم يستخدم تعاويذ الرتبة الرابعة سوى ضد أغاريس — المسخ المجنون! والذي قرر تصنيفه كـ”شذوذ”. كيف لرتبةٍ ثالثة مبكرة مثله أن يهزمه هكذا؟ كان هذا الشخص إمّا دجالاً أو جهبيذاً مجنوناً.

“لم يكن يجب أن يحصل هذا، لم يرتكب عمّي أي خطأ…لم…”

لكن الآن، لم تكن المانا خاصته لتتحمل ذلك، سوى مرةً أو مرة ونصف كحد. كان مخزونه منذ عادت إليه نواته فجأة حين أوشك أن يعدم، نحو 25٪ من مخزونه الكامل. ولم يعد سوى 12٪ الآن.

“أيتها الأرض العظيمة، أطيعي ماناتي و….[صدمة الأرض]!”

ورغم هذا، فقد ضخّمت مانا الرتبة الرابعة خاصته، تعاويذه في الرتبة الثالثة. ما جعله خصماً صعباً حتى بدون ذروته!

مزقت أريشٌ ملونة عبر الجليد، نحو أليتاليس بحدة في مساراتٍ متعددة، وحين أوشكت أن تصل لوجهه البارد، تجمدت على الفور مصبحةً كُتلاً من الصخور الجليديةعلى الأرض.

تردد أليتاليس، لكن سرعان ماهدأ. أجعلته أيامٌ من الخمول يتردد؟ سخر من نفسه.

لمع نصله الفضي بضوءٍ خاطف، مستخدماً إحدى أساليبه؛ أخلى الدرب أمامه من الجليد وباقي العوائق بعاصفة ريحٍ شرسة!

من ناحيةٍ أخرى، شعر كاليد الذي أقحم نفسه في المعركة لإنقاذ الأميرة، وكأنه يمسك بهرّة مدللة. كانت هذه الحسناء الذكية، تناضل في عناقه للتحرر قائلة بصوتٍ كالصقيع في برودته:”لا تلمسني.”

“كُليّ آسىً له، لا أعلم عنه شيئاً، لكنه إمتلك إرادةً صلبة.”نظر كاليد إلى عيني أليتاليس الميت. إنتشر السائل الأحمر في كل مكان، لكنه لم يخفف من بروق تلكما العينين اللتان لم تحتويا على شيءٍ سوى السكون، كان مطمئناً. قال للفتاة المغشي عليها:”لا تَعذُلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ، قَد قُلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ[2].”

لإحقاق الحق، لم تشعر الأميرة عائشة بالخطر أو الفزع من أليتاليس. بل كانت مرتاحةً وهادئة، كانت لها اليد العليا — إلى حدٍ ما بوجود الفارس أولتير والعقيد كالسيفر القادم. ناهيك عن كونها أميرة لمملكة فولنهايم! بهذه الهوية، كم كنزاً للحماية قد وضع عليها؟ كم قطعةً أثرية قد إمتلكت؟

للوهلة الأولى، كان أرسيلوف وكأنه يملك حقداً على الإمبراطورية. ولكن لمشعوذِ مثله، لم يكن من المهم إحتياج سببٍ لقتل الأميرة أو غيرها من البشر — إذا أراد ذلك.

بدلاً من إنقاذ نفسها من خطر أليتاليس، كانت تفكر في أفضل الطرق الممكنة للإستفادة من الوضع.

كانت حقيبته البعدية مهمة!

“أيا حسناء، هلّا سايرتي منقذكِ قليلاً؟”إبتسم كاليد بمرارة، متفادياً تيارات الثعابين  كسمكةٍ في الماء، كان مرناً ورشيقاً للغاية. قال بعد ثوان:”ماقولكِ في الثبوت بضع لحظاتٍ أخرى؟”

“غونغ…غينغ…!”

“أتركني.”كان صوت الأميرة مقتضباً، بتعبيرها البارد والغاضب إلى حدٍ ما، قمعت نبرتها:”لا أحتاج إلى المساعدة، أستطيع إنقاذ نفسي.”

“ووش!”

“أخطئتِ.”كان صوت كاليد رتيباً وهادئاً، قال:”ألم تصلكِ قصص البطل منقذ الحسناء؟ رأيت في لحاظك الإستنجاد وطلب العون.”

لم تكن سوى كلير.

أحب كاليد الحسناوات. بالنسبة له، كانوا من جمال الحياة ومحاسنها. فكيف له تجاهل “الأميرة” في حالتها هذه؟

جهُلَ أليتاليس بفاعل ذلك؛ أكان شخصاً أم شيئاً.

“…”شعرت الأميرة عائشة بوقاحة كلماته هذه، ولم تستطع الرد على لوهلة.

غير بعيد، وجدت فتاةً شابة، سوداء الشعر، حُمرة العينين، شاحبة البشرة، بملابس سحرة ساترة وملثمة، أصغر من حجمها قليلاً، ولم تكن مناسبةً لها على الإطلاق.

لم يكن إستخدامها لسحرها للتحرر منه خياراً حكيماً؛ فأقل خطأٍ عنى الإنقحام مع الجليد، ماسيعني الإصابة بدوره. لم يكن هذا شيئاً تريده الأميرة. يالها من مزحة، أكان بحر الجليد حولهما موجوداً عبثاً؟ أقل خطأٍ عنى التجمّد.

“طنين!!”

“سووش، سووش!!”

لقد شعر أليتاليس لوهلة وكأنه عديم فائدة، بدأً من أغاريس وصولاً إلى أولتير وحتى هذا الشخص — المجهول. ألم يستهينوا بالرتبة الرابعة كثيراً؟

“تشقق…”

في اللحظة التالية، تجمّد أرسيلوف في الجو. توقفت تعويذاته أيضاً، وفي ثانية، إرتدت مساراتها وإتجهت نحوه بدلاً من ذلك.

فجاة، أحاطت تيارات الجليد ذات أشكل الثعابين والأزهار بكاليد من كل الجهات، مغلقةً دربه من الهرب.

على غرار أولتير الذي مزّق كل ما أعاقه بسيفه وإندفاعه حين ركضه، كان كاليد كالريح.

‘أإستخدم تعويذةً أخرى؟’ لم يخفف كاليد من سرعته، وإختفى في طيات الجليد والرياح؛ كجزءٍ منها. حتى الأميرة كانت مصدومة من سرعته الخاطفة، ومازادها صدمةً هو عدم شعورها بالإنزعاج من تحركه على الإطلاق.

أطلق أليتاليس تنهيدة عميقة. لم يبدو خصمه معززاً عادياً. وبطبيعة الحال، كان هذا أمراً مسلّماً به؛ وإلا لما قد يعين كحارسٍ للأميرة؟

أراد كاليد تهدئة أليتاليس بلسانه الفصيح، حين تضخمت فجأةً الأصوات المتشابكة في أذنيه فجأة، بمختلف النبرات والألحان:

“أتركني.”كان صوت الأميرة مقتضباً، بتعبيرها البارد والغاضب إلى حدٍ ما، قمعت نبرتها:”لا أحتاج إلى المساعدة، أستطيع إنقاذ نفسي.”

“الجو بارد…”

التعويذة — [بحر سالنغا]!

“لقد قيل لي أنه يوجد طعامٌ مجاني…”

فور أن أنهى كلامه، إندفعت السحابة المظلمة عبر الرياح بسرعة، وسقطت على جسد أولتير. بعد ثانية، أصدر الفارس هالةً مشؤومة، بادئاً بجذب ماحوله من جليدٍ ورمال حوله. كبؤرة جاذبية!

“أنجدوني…”

لم يقل شيئاً، نقر على عوده بضع نقرات، بصدىً آسٍ هادئ.

“لما يحدث هذا…؟”

“رووورووور…”همس أرسيلوف بكلمةٍ غريبة بطرف لسانه، بينما أغمض عيناً واحدة، توقف عن الحركة، وأوصل صوته لأليتاليس:”أسرع، سأشغله لثلاث دقائق.”

“لم يكن من المفترض أن يحصل هذا…”

“لا!”صرخت كلير بذعر، كانت هالتها مشتتة، بدأت المانا حولها بالثوران. ولإدراكه بمدى سوء حالتها، تحرك كاليد نحوها فورياً. فبدلاً من إنقاذ من أوكِّد موته، قرر إنجاد من مازال يتنفس.

“إبتعد أيها المتحرش الحقير!”

صدم أليتاليس من مدى سرعة كاليد وتفاديه للجليد؛ كان كهمسات الرياح، متنقلاً بمرونة بين مدود الصقيع المنتشرة وأشجارها. مستغلاً الثغرات البسيطة، إنزلق من أسفلها وجوانبها. ولم تقل سرعته شيئاً رغم حمله للأميرة.

“سموكِ النجدة!”

“…”شعرت الأميرة عائشة بوقاحة كلماته هذه، ولم تستطع الرد على لوهلة.

“يدي…؟ مابها يدي؟؟”

‘قدرة قطعة أثرية؟’ناظرةً إلى فارسها الذي غطت الصخور والرمال والجليد البارد دروعه الفضية، عبست الأميرة بشك.

“تلقّى هذه — [كرة النار]!”

لكن…دائماً ماشعرت مصاصة الدماء الشابة بنقصان شيءٍ ما.

“أزيز…إحتراق!”

“آغهه!!”تأوه بصوتٍ عال، شاعراً بتعاويذه تخترقه. طنّ جسده بألم، حين إنجذب للأرض كنيزكٍ ساقط، وبـ”إنفجار!!” خرّ على الأرض. بدأت الرمال تغطيه بالتدريج، حتى بات لايرى منه شيء. أصبح صخرةً عملاقة  في الأرض؛ ككهف.

“آغهه!!”

“اهرب…انت على الاقل…”

“أيتها الأرض العظيمة، أطيعي ماناتي و….[صدمة الأرض]!”

“رش!!”

“اهرب…انت على الاقل…”

كان لديها الكثير من الأسئلة.

“اللعنة على هذا الهراء، أتقول إعدام؟؟ هذا…هذا إعدامٌ لنا!”

“تلقّى هذه — [كرة النار]!”

خلال ثوانٍ، رأى وسمع كاليد قصصاً مختلفة. مُشكّلةً صورةً واضحة في ذهنه.

التعويذة — [لحن الإرتداد]!

في ثنايا الصقيع والثلوج، وخلف بقايا الأشجار المتجمدة والرياح ترسّمت فوضىً من الدم والقتل، من النهب والعنف. بلا كوابحٍ أظهر البشر رغباتهم حيثما ظنوا أن لا عين تراقبهم، بغطاء الستر أظهروا حقيقتهم.

في اللحظة التالية، تجمّد أرسيلوف في الجو. توقفت تعويذاته أيضاً، وفي ثانية، إرتدت مساراتها وإتجهت نحوه بدلاً من ذلك.

حاول البعض تهدئة الغير، وتبلطج آخرون نهب الضعفاء!

أراد كاليد تهدئة أليتاليس بلسانه الفصيح، حين تضخمت فجأةً الأصوات المتشابكة في أذنيه فجأة، بمختلف النبرات والألحان:

في البداية، دبرت الأميرة عائشة لمكيدة لإعدام أليتايس بغية تهدئة هؤلاء الرعية من خطر “مستنزف الدم”. لكن لم يحدث ذلك، وإنتشرت الفوضى. زاد البؤس أضعافاً عمّا كان عليه، منافياً لمغزاها الأساسي — تماماً.

منذ ذلك الحين، وهي تهوم هنا وهناك، بحثاً عنه. كانت فاقدةً للذاكرة، ولم تعرف سوى شخصٍ واحد في هذا العالم. لذلك ماكان لها إلا العودة إليه — رغم تهديده. لم تتواصل مع أحد؛ وأخفت نفسها جيداً كما قال سيدها لها أن تفعل؛ فلم يكن مصاصوا الدماء محبوبين على ما يبدو.

“ووش!!”

“ووش!”

 في تلك اللحظة، توقف كاليد عن الحركة. إنفجرت الرياح حوله ناشرةً زخمه في كُل مكان. وضع الأميرة بقربه بلطف، والتي مالبثت ساكنةً أن نظرت إليه بشكٍ وجدية. حين ظهر أليتاليس أمامهما بتياراته الجليدية!

ضحك أرسيلوف بنبرةٍ شريرة:”هيه، ماكان عليك التدخل!”

“سووش!! سووش!!”

لكن…دائماً ماشعرت مصاصة الدماء الشابة بنقصان شيءٍ ما.

كانت نظرته هادئة، إنعكس ظل الثلوج البيضاء في عينيه القرمزيتين. رفع إصبعه، وفي اللحظة التالية، ظهرت آلة عودٍ ذهبية في يد كاليد اليسرى، عندما برقت أحرفٌ متنوعة متشابكةٌ حولها، ما جعل أوتارها تتحرك لوحدها—

“ووش…ووش…”

“غينغ!!!!”

للوهلة الأولى، كان أرسيلوف وكأنه يملك حقداً على الإمبراطورية. ولكن لمشعوذِ مثله، لم يكن من المهم إحتياج سببٍ لقتل الأميرة أو غيرها من البشر — إذا أراد ذلك.

ثم في زوبعة عملاقة، إنتشر صدى صوتٍ أثيري في كامل الساحة!!

“ووش..”

كانت أصداء اللحن الرقيق كافيةً لتجميد كُل شيءٍ في نطاقها، توقفّ الصقيع، توقف أليتاليس. غير متوقفٍ عند ذلك الحد، نقر كاليد على أوتار عوده عازفاً، وأنشد بيتاً:

“سووش!!”

“ظُلمٌ لِذا اليَومِ وَصفٌ قَبلَ رُؤيَتِهِ 

خطط أليتاليس لإستعادة أملاكه، وفجأة، إشتدت النغزة التي كانت تطن في ظهره منذ فترة، وفي تلك اللحظة، تيبّس. إتسع بؤبؤاه، وإرتفع كلا حاجبيه.

 لا يَصدُقُ الوَصفُ حَتّى يَصدُقُ النَظَرُ[1].”

تجاهله أليتاليس غير مبال بالكلمات، مهاجماً إياه. إندفعت الكرمات العملاقة نحو كاليد كمدٍ بحري، مجمدةً ماحولها. كادت قطع الجليد المسننة أن تنال منه لولا سرعتة بديهته وتحركاته السريعة كالريح. أطلق كاليد نفساً متنهداً؛ ثم تحرك!

“غينغ!!”

“أيتها الأرض العظيمة، أطيعي ماناتي و….[صدمة الأرض]!”

زاد إنتشار الصدّى بكثافةٍ أوسع، راداً الصقيع بثلجه مخلياً ماحول كاليد، وقاشعاً الغطاء عمّا يبعُد عنه.

تنهد قليلاً:”موته هنا ليس بذلك السوء أيضاً.”

ظهر في مشاعد متنوعة في مرآ الشاب مخضرّ الشعر، من أناسٍ متجمدين حتى الموت، وآخرين في تماثيل جليدية. إنتشرت العديد من النباتات المختلطة بالأشجار المتجمدة. كانت العديد من التعويذات متوقفةً في الهواء كما هي؛ كرات النار والصخور المسننة؛ سيوف الضوء ونصال الماء؛ تلاشت جميعها فُجأءةً مع رياحٍ ذهبية!

بدأت وقفتها تختل، إبيض شعرها قليلاً، وكذا إزداد شحوب بشرتها أيضاً. كانت هالة الرتبة الثالثة الصادرة منها تفقد السيطرة.

التعويذة — [قصيدة الفجر]!

في اللحظة التالية، تجمّد أرسيلوف في الجو. توقفت تعويذاته أيضاً، وفي ثانية، إرتدت مساراتها وإتجهت نحوه بدلاً من ذلك.

مع إختفاء الرياح و وضوح الأبصار، حدّق من إستطاع في كاليد، كونه محور البداية، علموا جميعاً بغريزية كونه الأقوى في الساحة!

“تشقق!! تشقق!!”

كان تعبير كاليد لايزال هادئاً، وحين أوشك أن يفتح فمه، ظهر أرسيلوف في الجو قافزاً عبر إحدى الأفرع الجليدية. متجهاً إليه بسحره!

“ووش…ووش…”

ضحك أرسيلوف بنبرةٍ شريرة:”هيه، ماكان عليك التدخل!”

‘أإستخدم تعويذةً أخرى؟’ لم يخفف كاليد من سرعته، وإختفى في طيات الجليد والرياح؛ كجزءٍ منها. حتى الأميرة كانت مصدومة من سرعته الخاطفة، ومازادها صدمةً هو عدم شعورها بالإنزعاج من تحركه على الإطلاق.

التعويذة — [لعنة الإنحدار]!

“كُليّ آسىً له، لا أعلم عنه شيئاً، لكنه إمتلك إرادةً صلبة.”نظر كاليد إلى عيني أليتاليس الميت. إنتشر السائل الأحمر في كل مكان، لكنه لم يخفف من بروق تلكما العينين اللتان لم تحتويا على شيءٍ سوى السكون، كان مطمئناً. قال للفتاة المغشي عليها:”لا تَعذُلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ، قَد قُلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ[2].”

التعويذة — [نيازك الليل]!

“رش!!”

إنطلقت ثلاث غيومٍ مظلمة نحو كاليد، موزعةً حوله؛ ومختبئةً خلفها برقت صخورٌ مسننة الرأس مظلمة الهالة!

في تلك اللحظة، هبت ريحٌ مرئية كالسحاب المظلم، حملت معها هالةً مشؤومة. لم تكن سريعة لحد اللحاق بالفارس أولتير، لكنها لم تضعه أبداً. طاردته بين الصقائع والثلوج، بين الأشجار والأشخاص. ناهيك عن ذلك، كان أليتاليس يطارد خلفه أيضاً!

“غونغ…غينغ…!”

بدلاً من إنقاذ نفسها من خطر أليتاليس، كانت تفكر في أفضل الطرق الممكنة للإستفادة من الوضع.

في ثانية، لعب كاليد على عوده الصغير مصدراً لحناً رتيباً متعدد الأصوات. كان جميلاً متقلباً. إنتشر سريعاً بهدوء.

“أخطئتِ.”كان صوت كاليد رتيباً وهادئاً، قال:”ألم تصلكِ قصص البطل منقذ الحسناء؟ رأيت في لحاظك الإستنجاد وطلب العون.”

في اللحظة التالية، تجمّد أرسيلوف في الجو. توقفت تعويذاته أيضاً، وفي ثانية، إرتدت مساراتها وإتجهت نحوه بدلاً من ذلك.

“سووش، سووش…!”

“آغهه!!”تأوه بصوتٍ عال، شاعراً بتعاويذه تخترقه. طنّ جسده بألم، حين إنجذب للأرض كنيزكٍ ساقط، وبـ”إنفجار!!” خرّ على الأرض. بدأت الرمال تغطيه بالتدريج، حتى بات لايرى منه شيء. أصبح صخرةً عملاقة  في الأرض؛ ككهف.

“غينغ…”

التعويذة — [لحن الإرتداد]!

كان أليتاليس الذي لمع نجم الموت خلفه، يبتسم له!

لم يعلق كاليد على المشهد، وكذا صمت الجميع. أشاح نظره، وقال برتابة وأسف:”أيّها الناس، كفَُوا وإخزوا.”

 بعد ثانية، إنعكس ظلٌ في عينيه. كان شاباً حسن الملبس، حُمر العينين، أخضر الشعر. بقناعٍ أسود نصفي غريب. أمسك بالحسناء في حضنه كما يجب؛ كأميرة بلباقة وأدب.

“أمِن العقل حين العيش بالفقر، الإنشغال بعذاب الغير؟ ألا يجب أن ينظر كُّل إمرءٍ فيكم إلى ماعليه أن يقدّم لنفسه الآن، بدلاً من هذا النهب والقتل؟”

شعر أليتاليس بالغضب يستعر في صدره كفحمٍ موقد، رغم ذلك، تمكّن من تمالك جام غضبه، مركزاً على هدفٍ واحد — الأميرة عائشة محور هذا الساحة!

“فماذا بعد ذلك؟ الرضى بما نُهب؟ أو التمتع بما حصل؟”

زاد إنتشار الصدّى بكثافةٍ أوسع، راداً الصقيع بثلجه مخلياً ماحول كاليد، وقاشعاً الغطاء عمّا يبعُد عنه.

“يلفنا الغموض، ولا نعلم حتى أين نحن. فبدلاً من العيش والنجاة للعودة، أنقتتل وننهب خيرات أنفسنا؟”هز كاليد رأسه، قال بهدوء مجدداً:”أيّها الناس، كفَُوا وإخزوا.”

جهُلَ أليتاليس بفاعل ذلك؛ أكان شخصاً أم شيئاً.

“هذه الأرض فسيحة، لعلّ في خيراتها مالا نعلمه. إهدفوا إليها؛ فهذا الرضى وهذا الفرض. أعطوا لأنفسكم قيمةً ترضوها؛ وتعاونوا على الخير.”

إلى حدٍ ما، كان هو نفسه المتسبب في ذلك. فلم يستخدم تعاويذ الرتبة الرابعة سوى ضد أغاريس — المسخ المجنون! والذي قرر تصنيفه كـ”شذوذ”. كيف لرتبةٍ ثالثة مبكرة مثله أن يهزمه هكذا؟ كان هذا الشخص إمّا دجالاً أو جهبيذاً مجنوناً.

توقف عن الكلام، ثم لوح بيده، وقال:”إنصرفوا الآن.”

“ووش.”

في تلك اللحظة، لم يتحدث أحد. بكى الكثيرون، وبكل إمتنان، غادروا بعيداً. بقي البعض ينظرون لكاليد بتأمل، بينما لم يجرؤ أي أحدٍ على القتال بعد رؤية مصير أرسيلوف.

لمع نصله الفضي بضوءٍ خاطف، مستخدماً إحدى أساليبه؛ أخلى الدرب أمامه من الجليد وباقي العوائق بعاصفة ريحٍ شرسة!

بين أليتاليس والأميرة، لم يتحرّك أيٌّ منهما. لم يعلما في أي رتبةٍ كان هذا الشاب المجهول؛ لكنهما علما برغبته: لم يرد المزيد من القتال!

“لم يكن يجب أن يحصل هذا، لم يرتكب عمّي أي خطأ…لم…”

خطط أليتاليس لإستعادة أملاكه، وفجأة، إشتدت النغزة التي كانت تطن في ظهره منذ فترة، وفي تلك اللحظة، تيبّس. إتسع بؤبؤاه، وإرتفع كلا حاجبيه.

“أنجدوني…”

غير بعيد، وجدت فتاةً شابة، سوداء الشعر، حُمرة العينين، شاحبة البشرة، بملابس سحرة ساترة وملثمة، أصغر من حجمها قليلاً، ولم تكن مناسبةً لها على الإطلاق.

“ووش!”

لم تكن سوى كلير.

شعر أليتاليس بالغضب يستعر في صدره كفحمٍ موقد، رغم ذلك، تمكّن من تمالك جام غضبه، مركزاً على هدفٍ واحد — الأميرة عائشة محور هذا الساحة!

بعد أن إنفجرت بوابة البعد السري بفعل فاعل، وبينما كانت مركزةً على الهرب إثر أمرٍ تلقته — من سيدها. لمستها إحدى تيارات الأشفاق الثائرة، ناقلةً إياها إلى حقلٍ مختلف!

التعويذة — [لعنة الإنحدار]!

منذ ذلك الحين، وهي تهوم هنا وهناك، بحثاً عنه. كانت فاقدةً للذاكرة، ولم تعرف سوى شخصٍ واحد في هذا العالم. لذلك ماكان لها إلا العودة إليه — رغم تهديده. لم تتواصل مع أحد؛ وأخفت نفسها جيداً كما قال سيدها لها أن تفعل؛ فلم يكن مصاصوا الدماء محبوبين على ما يبدو.

من زاوية ظهره، ومن وجهه المائل، برقت عين أليتاليس اليسرى، حين رأى الفارس أولتير ما أوشك أن يوقفه بذهول؛ مالم يكن من المفترض أن يظهر له.

لكن مع مرور الأيام، تذكرت حقيقةً قالها ذات مرة:

التعويذة — [نيازك الليل]!

— لن يستمر تلوث روحك طويلاً، ستتذكرين كل شيءٍ عمّا قريب. همم، بمحفزٍ كافٍ؟ نعم، ربما.

شعر أليتاليس بالغضب يستعر في صدره كفحمٍ موقد، رغم ذلك، تمكّن من تمالك جام غضبه، مركزاً على هدفٍ واحد — الأميرة عائشة محور هذا الساحة!

وبالفعل، بدأت بالتذكر. كما قال سيدها؛ لن يمر سوى بضع أيام قبل أن تختفي آثار التلوث على روحها. فور أن غادرت تلك المنطقة الشريرة، بات عقلها يصفى تدريجياً، وأصبحت صور الذكريات المبهمة في ذهنها أوضح عمّا كانت.

بدلاً من إنقاذ نفسها من خطر أليتاليس، كانت تفكر في أفضل الطرق الممكنة للإستفادة من الوضع.

الكل في الكل، كانت الأمور تسري جيداً.

التعويذة — [لعنة الإنحدار]!

لكن…دائماً ماشعرت مصاصة الدماء الشابة بنقصان شيءٍ ما.

“أنا أعتذر، لقد أخفقت.”أخفض أولتير رأسه ولم يجرؤ على النظر إلى وجهها، راكعاً بساقٍ واحدة، كان صوته منخفضاً:”سيفنى اليوم، سأتأكد من إتمام مهمتي.”

وحين سمعت بإعدام “مصاص دماء” مجرم، لم تستطع ترك ذلك. بطريقةٍ ما، لم ترد التواصل مع الآخرين، ولم تبغي أكثر من العودة لمكان سيدها؛ لكنها لم تستطع ترك هذا الإعدام يمضي دون رؤيته أيضاً.

بصمت، ذهبت إلى ساحة الإعدام. ومنذ ذلك الحين، إختلج ألمٌ لايطاق في صدرها — برؤية المعدم الهزل حمر العينين على المنصة.

فجاة، أحاطت تيارات الجليد ذات أشكل الثعابين والأزهار بكاليد من كل الجهات، مغلقةً دربه من الهرب.

لم تفهم كلير سبب ذلك. لكنها لم تكن بالحمقاء، علمت مباشرةً بإرتباطهما بعلاقة دم!

ظهر في مشاعد متنوعة في مرآ الشاب مخضرّ الشعر، من أناسٍ متجمدين حتى الموت، وآخرين في تماثيل جليدية. إنتشرت العديد من النباتات المختلطة بالأشجار المتجمدة. كانت العديد من التعويذات متوقفةً في الهواء كما هي؛ كرات النار والصخور المسننة؛ سيوف الضوء ونصال الماء؛ تلاشت جميعها فُجأءةً مع رياحٍ ذهبية!

وبالإنغماس في هذه الفوضى بعد حين، بعبور القتالات والثلوج، تمكّنت بطريقةٍ ما من شق طريقها إليه أخيراً.

“تشقق!! تشقق!!”

“من…أنت…وأنا؟”أمسكت كلير بصدرها، أملاً منها في قمع قلبها الذي كاد أن ينفجر من مكانه، بتعبيرها المتألم، إنزلقت دمعةٌ من عينها اليسرى، ناظرةً إلى مصاص الدماء الآخر:”ماذا حدث لك؟”

“رووورووور…”همس أرسيلوف بكلمةٍ غريبة بطرف لسانه، بينما أغمض عيناً واحدة، توقف عن الحركة، وأوصل صوته لأليتاليس:”أسرع، سأشغله لثلاث دقائق.”

تغيرت التجاعيد على محيا أليتاليس قليلاً، وكأنه محيّر. لم يجب. بعد ثوان، إنحرفت زوايا فمه اليابس، في إبتسامة نادرة. قال:”…أنتِ لاتعلمين؟”

“لا، هذا ليس خطأك.”تعمّق العبوس على وجه الأميرة، وقالت بنبرة خطيرة:”لقد خدعني. من كان ليعتقد إنه في الرتبة الرابعة؟ كان مشلولاً بلا شك، كانت نواته غير موجودة. لما قد تكبّد عناء كل هذا إذن؟ علينا المغادرة فوراً، قتله سيستنزفنا، ولديه رفقة.”

“سووش!!!”

كان لديها الكثير من الأسئلة.

“أخبرتك — ستفنى اليوم!”

أطلق أليتاليس تنهيدة عميقة. لم يبدو خصمه معززاً عادياً. وبطبيعة الحال، كان هذا أمراً مسلّماً به؛ وإلا لما قد يعين كحارسٍ للأميرة؟

في تلك اللحظة، ظهر أولتير كالبرق بلا آوان، كان قد تحرر من لعنة الإنحدار منذ برهة؛ فقد ألغاها كاليد. ثم قدم إلى هنا خلسةً بلا ضجة. في البداية، خطط للوقوف قرب الأميرة لحمايتها مجدداً. لكن كيف لفارسٍ أن يترك مجرماً تسبب في إخفاقه طليقاً؟

في ثنايا الصقيع والثلوج، وخلف بقايا الأشجار المتجمدة والرياح ترسّمت فوضىً من الدم والقتل، من النهب والعنف. بلا كوابحٍ أظهر البشر رغباتهم حيثما ظنوا أن لا عين تراقبهم، بغطاء الستر أظهروا حقيقتهم.

قرر الفارس في نفسه إستغلال هذا السكون لإغتيال المجرم وإتمام الإعدام. كان سلوكه وقحاً وجباناً؛ لكن لإتمام مهمته، لم يبال أولتير بالثمن — كان هذا هو ثمن العمل لدى الملوك؛ النتائج فوق كُل شيء!

“سوو!!”

“طنين!!”

“سووش!”

“سووش!!”

“ووش..”

لمع نصله الفضي بضوءٍ خاطف، مستخدماً إحدى أساليبه؛ أخلى الدرب أمامه من الجليد وباقي العوائق بعاصفة ريحٍ شرسة!

لم يقل شيئاً، نقر على عوده بضع نقرات، بصدىً آسٍ هادئ.

فن القديس السابع — [رياح السفك]!

“إبتعد أيها المتحرش الحقير!”

في تلك اللحظة، مرّ الوقت ببطء، أحاطت الرياح الزوبعية بسيف الفارس أولتير الفضي. ممزقةً نحو كتف أليتاليس. حاول كلاً من كاليد وكلير التحرك بغية إيقافه، لكن لم يبدو وكأنهما رأيا مالمحه أولتير بوضوح.

“رووورووور…”همس أرسيلوف بكلمةٍ غريبة بطرف لسانه، بينما أغمض عيناً واحدة، توقف عن الحركة، وأوصل صوته لأليتاليس:”أسرع، سأشغله لثلاث دقائق.”

من زاوية ظهره، ومن وجهه المائل، برقت عين أليتاليس اليسرى، حين رأى الفارس أولتير ما أوشك أن يوقفه بذهول؛ مالم يكن من المفترض أن يظهر له.

تردد أليتاليس، لكن سرعان ماهدأ. أجعلته أيامٌ من الخمول يتردد؟ سخر من نفسه.

“ووش..”

“سووش!!!”

كان أليتاليس الذي لمع نجم الموت خلفه، يبتسم له!

“رش!!”

“سووش!!”

حدق أليتاليس بها، كانت الرياح حوله كستار من صقيع، لكّن الأميرة قد رأت يده المرفوعة.

“رش!!”

في الواقع، كان هذا المشعوذ، هو من ساعده بتدمير القيود السحرية التي وضعتها الأميرة عائشة عليه حين الإعدام. كانت أداةً سحرية. لولا ذلك، لعانى قليلاً قبل تحطيمها بصعوبة، والذي كان سيكبده الكثير.

عاد الوقت للتحرك كالبرق، قبل أن يصل أي أحد، مزقت الزوبعة بشراسةٍ كتف أليتاليس وصولاً لقلبه. راشةً حولها رذاذ دمٍ تلألأ بالثلج. ممزقةً بلا رحمة وبشاعة، كامل النصف الأيسر من جسد أليتاليس.

لم يعلق كاليد على المشهد، وكذا صمت الجميع. أشاح نظره، وقال برتابة وأسف:”أيّها الناس، كفَُوا وإخزوا.”

“أيها الوغد!”في تلك اللحظة، تجمّد تعبير كاليد، و ومضت صدمةٌ في عينيه القرمزتيين بلمعان الدم الملطخ في الهواء. تحرك على الفور، لكّنه أدرك بأنه قد كان أبطء قليلاً. فبدلاً من ذلك، حول أنظاره لمكانٍ آخر.

لإحقاق الحق، لم تشعر الأميرة عائشة بالخطر أو الفزع من أليتاليس. بل كانت مرتاحةً وهادئة، كانت لها اليد العليا — إلى حدٍ ما بوجود الفارس أولتير والعقيد كالسيفر القادم. ناهيك عن كونها أميرة لمملكة فولنهايم! بهذه الهوية، كم كنزاً للحماية قد وضع عليها؟ كم قطعةً أثرية قد إمتلكت؟

“لا!”صرخت كلير بذعر، كانت هالتها مشتتة، بدأت المانا حولها بالثوران. ولإدراكه بمدى سوء حالتها، تحرك كاليد نحوها فورياً. فبدلاً من إنقاذ من أوكِّد موته، قرر إنجاد من مازال يتنفس.

“همف.”

تنهد قليلاً:”موته هنا ليس بذلك السوء أيضاً.”

“أمِن العقل حين العيش بالفقر، الإنشغال بعذاب الغير؟ ألا يجب أن ينظر كُّل إمرءٍ فيكم إلى ماعليه أن يقدّم لنفسه الآن، بدلاً من هذا النهب والقتل؟”

“عمي، لما قد…تركتنا؟ هل كنا في النهاية…عبئاً؟”كان تعبير كلير لايزال يتغير، بينما تساقطت قطرات الدموع من عينيها كنهر, إختنق صوتها كقطة صغيرة:”لا، هذا خطأ. الأمر ليس كذلك…أنا لا أقصد هذا…”

في البداية، دبرت الأميرة عائشة لمكيدة لإعدام أليتايس بغية تهدئة هؤلاء الرعية من خطر “مستنزف الدم”. لكن لم يحدث ذلك، وإنتشرت الفوضى. زاد البؤس أضعافاً عمّا كان عليه، منافياً لمغزاها الأساسي — تماماً.

بدأت وقفتها تختل، إبيض شعرها قليلاً، وكذا إزداد شحوب بشرتها أيضاً. كانت هالة الرتبة الثالثة الصادرة منها تفقد السيطرة.

شخر أليتاليس، مشمئزاً بوضوح من تلقي المساعدة من شخصٍ كهذا، لكن في مثل هذا المنعطف — أنّى له الرفض؟ فلم يكن الآن سوى سهماً في منتهاه؛ منهكاً كشمعةٍ في مهب الريح. 

“لم يكن يجب أن يحصل هذا، لم يرتكب عمّي أي خطأ…لم…”

عاد الوقت للتحرك كالبرق، قبل أن يصل أي أحد، مزقت الزوبعة بشراسةٍ كتف أليتاليس وصولاً لقلبه. راشةً حولها رذاذ دمٍ تلألأ بالثلج. ممزقةً بلا رحمة وبشاعة، كامل النصف الأيسر من جسد أليتاليس.

ضيق كاليد عينيه، تنهد و أفقدها وعيها بضرب رقبتها، ثم رفعها من خصرها، و وضعها على كتفه بخفة.

التعويذة — [قصيدة الفجر]!

“كُليّ آسىً له، لا أعلم عنه شيئاً، لكنه إمتلك إرادةً صلبة.”نظر كاليد إلى عيني أليتاليس الميت. إنتشر السائل الأحمر في كل مكان، لكنه لم يخفف من بروق تلكما العينين اللتان لم تحتويا على شيءٍ سوى السكون، كان مطمئناً. قال للفتاة المغشي عليها:”لا تَعذُلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ، قَد قُلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ[2].”

مع إختفاء الرياح و وضوح الأبصار، حدّق من إستطاع في كاليد، كونه محور البداية، علموا جميعاً بغريزية كونه الأقوى في الساحة!

واضعاً كلير على كتفه، تحرك كاليد بخطىً هادئة فوق برك الدم. لم ينظر إلى الفارس سافك الدم، أو إلى الأميرة الحسناء التي تركها منذ قليل. بدأت الرياح الباردة بالخفوت، وتلامعت بقاياها الثلجية فوق مُنتجها السّاحر.

في البداية، دبرت الأميرة عائشة لمكيدة لإعدام أليتايس بغية تهدئة هؤلاء الرعية من خطر “مستنزف الدم”. لكن لم يحدث ذلك، وإنتشرت الفوضى. زاد البؤس أضعافاً عمّا كان عليه، منافياً لمغزاها الأساسي — تماماً.

متأملاً في هذا المشهد، فتح كاليد شفتيه، لكن تنهد في النهاية.

لكن الآن، لم تكن المانا خاصته لتتحمل ذلك، سوى مرةً أو مرة ونصف كحد. كان مخزونه منذ عادت إليه نواته فجأة حين أوشك أن يعدم، نحو 25٪ من مخزونه الكامل. ولم يعد سوى 12٪ الآن.

“غينغ…”

لم تفهم كلير سبب ذلك. لكنها لم تكن بالحمقاء، علمت مباشرةً بإرتباطهما بعلاقة دم!

لم يقل شيئاً، نقر على عوده بضع نقرات، بصدىً آسٍ هادئ.

 في تلك اللحظة، توقف كاليد عن الحركة. إنفجرت الرياح حوله ناشرةً زخمه في كُل مكان. وضع الأميرة بقربه بلطف، والتي مالبثت ساكنةً أن نظرت إليه بشكٍ وجدية. حين ظهر أليتاليس أمامهما بتياراته الجليدية!

“ووش…”

في الواقع، كان هذا المشعوذ، هو من ساعده بتدمير القيود السحرية التي وضعتها الأميرة عائشة عليه حين الإعدام. كانت أداةً سحرية. لولا ذلك، لعانى قليلاً قبل تحطيمها بصعوبة، والذي كان سيكبده الكثير.

ثم أدار رأسه، محدقاً بصمت بالفارس المدجج بالعتاد، وقبل أن يتحدث الأخير، إختفى في رياحٍ ذهبية.

من ناحيةٍ أخرى، شعر كاليد الذي أقحم نفسه في المعركة لإنقاذ الأميرة، وكأنه يمسك بهرّة مدللة. كانت هذه الحسناء الذكية، تناضل في عناقه للتحرر قائلة بصوتٍ كالصقيع في برودته:”لا تلمسني.”

——

لكن حتى لو كان أليتاليس في الرتبة الرابعة، فقد آمن الفارس أولتير بسيفه وقدرته على قتل أليتاليس. كان سيافاً بارعاً، كان سيد سيف! لكنه مع ذلك أطبق شفتيه، ولم يدلي برأيه. في النهاية، كان القرارا النهائي للأميرة، لا هو.

[1]: من ديوان المتنبي.

“سووش!!”

[2]: من ديوان ابن زريق البغدادي.

أطلق أليتاليس تنهيدة عميقة. لم يبدو خصمه معززاً عادياً. وبطبيعة الحال، كان هذا أمراً مسلّماً به؛ وإلا لما قد يعين كحارسٍ للأميرة؟

“أخبرتك — ستفنى اليوم!”

---

ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن

أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات
لا تنسى وضع تعليق للمترجم فهذا يساعده على الاستمرار ومواصلة العمل عندما يرى تشجيعًا.

التعليقات

اعدادات القارئ

لايعمل مع الوضع اليلي
لتغير كلمة إله الى شيء أخر
إعادة ضبط