نظرًا لتوقف عرض الإعلانات على الموقع بسبب حظره من شركات الإعلانات ، فإننا نعتمد الآن بشكل كامل على دعم قرائنا الكرام لتغطية تكاليف تشغيل الموقع وتوجيه الفائض نحو دعم المترجمين. للمساهمة ودعم الموقع عن طريق الباي بال , يمكنك النقر على الرابط التالي
paypal.me/IbrahimShazly
هذا المحتوى ترفيهي فقط ولايمت لديننا بأي صلة. لا تجعلوا القراءة تلهيكم عن صلواتكم و واجباتكم.

خاصة الجحيم والشياطين 10

عرس الشياطين وفشل ذريع

عرس الشياطين وفشل ذريع

 

جثة والدتي ترمى للخنازير لتأكلها وها أنا أشاهد المشهد بأم عيني لكن لماذا أنا حزين؟!

انتظر بترقب، اتابع بفارغ الصبر، أجلس بضجر وأنام بأرق وكل هذا فقط من أجل القادم.

لا أحد من اجلي ولا مهرب، أنها بضعف قوتي، ماذا افعل؟! ماذا افعل؟! سحقا للجحيم، لا لا.

مر يوم واثنان وثلاثة ولم يأتي زعيم القرية لمنزلنا لكنه أتى أخيراً باليوم الرابع والجحيم معد وينتظره.

هل يحق لي قول: “أمي انظري لي أنا أصبحت وحش رغم ضعفي وأنا من حولتهم أرانب رغم قوتهم” ؟!

كل شيء جاهز ويلح علي لبدء تنفيذه.

سقطت أرضاً منهكا لا استطيع المواصلة، بكل صعوبة استطعت ابعاد قطعة الحطب عن وجهي الذي احرقتُه بيدي وشوهتُه بشكل كامل وبالكاد استطعت إبعاد الحطبة التي احرقت ودمرت يدي ووجهي.

بدلت زجاجة النبيذ التي حضرتها أمي بزجاجة أخرى تحوي منوم ثقيل مركز وما أن شرب الاثنان حتى ارتميا نائمين بعد بعض الوقت.

لماذا لم تعتذر من قبل؟! لماذا لم تأتي متأسفاً قبل أن أفعل فعلتي؟! لماذا لم تأتي وتأخذني بحضنك يا أبي؟! لماذا قررت التخلي عني طوال هذا الوقت وبلحظة موتك تعتذر لي؟! ألتجعلني أحزن على موتك؟! ألتعمق حزني وندمي؟!

رفعت هذا الخنزير الضخم للسرير وجعلت والدتي تنام بجانبه وانهيت ما خططت له بالضبط وبكل دقة وتفصيل.

انظري لي وتأكدي أن هذه الدموع ليست كاذبة وأنا اكتفيت من التمثيل، أرجوك ردي علي فأخبرك بصدق مشاعري وبشديد أسفي، ردي علي يا “مامااااااا”.

تطلب إنجاز الأمر الكثير من العمل والدقة وصاحب هذا الإنجاز الكثير من الألم وخالجني شعور رهيب وأنا أُتمه لكنني لم أتردد وواصلت التقدم وأسرعت به حتى أنهيته على أكمل وجه.

نهضت وتابعت السير باتجاه مختلف، لا أريد من أحد أن يجدني، لا أريد العودة كأرنب مجدداً.

لإنهائه سعادة ممتزجة بخوف وقلق فكل أفعالي ستظهر نتائجها الأخيرة بهذه الليلة.

أصل وانخرط بين الجموع والشياطين تحيّني، تلقي علي التحية وتضرب ظهري لتمنحني الدفعة المعنوية وكأني بطلهم ومن حقق لهم هذا الإنجاز العظيم ويا له من إنجاز.

ركضت مسرعاً ولهثت ولهثت حتى وصلت القرية واتجهت للحانة التي يكون بها الرجل المنشود عادةً.

نصر مبني على مثل هذه التضحية نصر ناقص وعليل.

صرخت باكياً وقلت: “لقد قتلها .. أمي … القاتل قتلها … إنه الخاطف هناك بالمنزل ساعدونيييي”.

انتهت الخنازير من أكل جثة والدتي فأتى إلي رجل ووقف أمامي حدق بي للحظة فحدقت به ببرود أيضاً فأمسكني من رقبتي ورفعني وقال: “أما زلت حزين على تلك النجسة الحقيرة يا ابن الحرام اللعين؟! كله بسببك لو كنت اخبرتنا من البداية”.

ارتميت على الأرض متصنع الرهبة والخوف القاتل وبلحظة صوت زلزال مدوي صدر من وقع اقدام رجال الفايكنج وانطلاقهم كأنهم يد واحد تحركت بدون تفكير صرف منها.

أنا لا أرى نفسي وأنا أسير بخطوات زاحفة، لا أشعر بجسدي الذي يراه الجميع بل أشعر بخيالاتي.

لم يتبقى رجل بالحانة، جميعهم إلى منزلي، جميعهم إلى مصيرهم، جميعهم إلى الظلمة، جميعهم إلى الجحيم.

شر شروري وعزف ألحاني وقرع طبولي وقناع وجهي الملاكي.

سأجعل هذه القرية بأكملها تماماً كهذه الحانة الفارغة، سأخرجهم من متاع ونعيم أغلقوا على انفسهم بداخله إلى عذاب وجحيم يخنقهم بضيقه.

لإنهائه سعادة ممتزجة بخوف وقلق فكل أفعالي ستظهر نتائجها الأخيرة بهذه الليلة.

سأجعل قريتهم تهجر ومنازلهم تدمر وسمعتهم تحتضر أما انفسهم؟! سأجعلها تتوسل.

أسير ببطء واتصنع الخسارة والبكاء والحزن وأنا سعيد وجميع من يركض بجانبي يتجاهلني ويتابع طريقه.

سرت وصوت وقع أقدامي يطرب أذني بلحن الموت والدمار، لحن خسارة ويأس، لحن نهاية وانتقام.

أنت آسف؟! لماذا؟! لماذا تتأسف مني أنا؟!

نظرت حولي وتفحصت محيطي وأدركت لذة ما بعدها لذة، يآااه هذا جميل!!

لا ترحلي قبل أن تصدقيني، أين هي روحك؟!

كلهم يركضون لبحيرة جميلة أسفلها أشد البراكين، سيرمون أنفسهم بالبحيرة التي أعددتها وسيحترقون بالحمم التي أخفيتها وهكذا سيكون نصري.

هل يحق لي قول: “أمي انظري لي أنا أصبحت وحش رغم ضعفي وأنا من حولتهم أرانب رغم قوتهم” ؟!

صاحت نساء القرية بالخبر وبدأت الحشود تركض وتتوافد لمنزلي حيث تنتظرهم الشياطين.

تَردَدَ صوت أقتلوه وارموه من أفواههم، كنت بين الحشد لا أملك فرصة، لا مهرب ولا مخرج، لا لا أريد الموت.

أنا حزين واتألم بخوف، أنا متعب وأسير بإرهاق ومن يراني يقول: “كم هذا الفتى بائس حزين!!” لكن كل هذا تمثيل.

هذا رائع، رائع للغاية، إنه رائع بحق، وواااااه هذا رائع.

أسير ببطء واتصنع الخسارة والبكاء والحزن وأنا سعيد وجميع من يركض بجانبي يتجاهلني ويتابع طريقه.

الجميع حولي يبتسم وسعيد بما يحصل لجثة والدتي وأنا الوحيد الحزين، أنا من قاد الأمور لتأول إلى ما ألت إليه وها أنا الوحيد الحزين لهذا الحال.

أغطي فمي بكلتا يدي واتصنع أنني أحاول كبت صوت بكائي لكنني بالحقيقة أخفي ابتسامتي بيدي، ابتسامتي التي تكاد تصل لأذني.

تراجعت وتراجعت بيأس وخوف لا نظير له، هذه المرأة أسوأ شخص بالقرية، لا أريدها، لا أريد أن تأخذني، نحن وحدنا هنا وهي ستقودني لجحيمها ولظلامها الخاص.

روحي سئمت التمثيل وراحت تنازع وتخرج من جسدي وها هي تنبثق من جسدي وتخرج حرة تطفو بسعادة.

نصر مبني على مثل هذه التضحية نصر ناقص وعليل.

تتقدمني بعدة خطوات ثم تنفجر ضاحكة ضحكة لم يسمعها أحد سواي.

كلهم يركضون لبحيرة جميلة أسفلها أشد البراكين، سيرمون أنفسهم بالبحيرة التي أعددتها وسيحترقون بالحمم التي أخفيتها وهكذا سيكون نصري.

أنا لا استطيع الضحك وأسير لكني أتخيل، فقط أتخيل، أتخيل نفسي وهي سعيدة وكأنها طفل يتراقص ببساتين خضراء أو بالأحرى كشيطان يتراقص ببحيرة دماء.

مددت جسدي على الأرض بمكاني وغفوت كنائم ومستيقظ، نائم بجسدي ومستيقظ لأحلامي.

وأنا أتخيل لا أرى كل هؤلاء اللذين يعبرون بجانبي، لا أسمع أصواتهم ولا أهتم بوجودهم وأتابع سيري ببطء وأنا اتصطنع أني خائف ويائس.

لوحت بالعصا أمامها لأهرب لكنها بكل سهولة وبساطة حملت كرسي وضربت يدي بكل قوتها واسقطت الحطبة.

أنا لا أرى نفسي وأنا أسير بخطوات زاحفة، لا أشعر بجسدي الذي يراه الجميع بل أشعر بخيالاتي.

لقد انتهى كل شيء وها أنا اسقط على الأرض واكتفي بتخبئة رأسي بين يدي، أنا بالفعل حزين لكن ماذا الآن؟! لقد انتصرت، لقد حققت مسعاي، لا ينتصر الإنسان كل يوم كهكذا انتصار لذا علي أن ابتسم.

أتخيل نفسي أرقص بجنون فتارةً اجلس على أربع وأضحك بجنون وتارةً أخرى أستلقي وأنفجر بضحكة يتألم لها بطني فلا استطيع النهوض بعدها.

يرقصون حول يأس البشر وحزنهم، حزن وخوف أنا صنعته وأنا من قدمته على طبق من ذهب لهؤلاء الشياطين المجانين.

الشياطين سعيدة أيضاً بنتصاري، إنهم يفرشون الطريق لي ببساط أحمر، يقفون على كلا الجانبين كمرحبين بوصول سيدهم ويتقدم بعضهم للرقص معي وأنا أرتمي بين هذا وذلك.

أشرت بإصبع يدي لشمايكل الذي رُمي غير قادر على الحركة من شدة الضرب، قلت: “أنت هو الخاطف، أنت من قتلها”.

أرقص مع هذا ويفلتني فأروح للآخر أرقص معه ويفلتني وهكذا أتقدم راقص بخيالاتي.

وأنا أتخيل لا أرى كل هؤلاء اللذين يعبرون بجانبي، لا أسمع أصواتهم ولا أهتم بوجودهم وأتابع سيري ببطء وأنا اتصطنع أني خائف ويائس.

هذا الشيطان يبتسم لي وهذا يهنئني وهذا يضع عنق جماجم حول رأسي، هذا ينحني لي وهذا يقدم لي شراب دماء مخفف ببعض النبيذ.

أبكي فرحاً لا حزناً وأبدو يائس وأنا أفيض بالأمل، أمل برؤية تفككهم وخسارتهم وبؤسهم.

أنا بحالة ثمالة لا مثيل لها وأشعر بالطرب لسماع الشياطين على طول طريقي تصرخ وتهتف بأسمي لعظمة إنجازي.

هناك وبوسط القرية سأقوم بتجديل شعري لوحدي، سأكون اخر الفايكنج في هذه الجزيرة القذرة، انتظروا جحيمي فهو قادم.

اقتربت من الوصول فقال لي كبير الشياطين: “سيدي من فضلك عد للواقع”.

نظرت حولي وتفحصت محيطي وأدركت لذة ما بعدها لذة، يآااه هذا جميل!!

لشدة سعادتي تخيلت كل هذا وأنا أسير وأعتصر وجهي بيدي متصنع الخوف والحزن.

كلهم يركضون لبحيرة جميلة أسفلها أشد البراكين، سيرمون أنفسهم بالبحيرة التي أعددتها وسيحترقون بالحمم التي أخفيتها وهكذا سيكون نصري.

أبكي فرحاً لا حزناً وأبدو يائس وأنا أفيض بالأمل، أمل برؤية تفككهم وخسارتهم وبؤسهم.

إنه عرس امتلأ بالدماء وألحان شجية شريرة تسعد قلبي وتشفيه، ألحان الموت واليأس والجحيم، ألحان العدل والظلام الذي لا مثيل له.

أمامي طريق طويل مظلم بنهايته يتجمع البشر حول الفاجعة وهذا ما أراه ويراه الجميع لكني أرى أيضاً أمر آخر هم لا يروه، أنا أرى الشياطين وهذه المرة شياطين حقيقية وليست بخيال.

هل أنا فخور بتباهي بمثل هذا الكلام أمام جثتها؟! هل هذا نصر حقيقي؟!

حول منزلي اجتمع البشر واجتمعت الشياطين، البشر حزينون خائفون ساكنون وخاملون، الشياطين فرحون راقصون مفعمون بالطاقة والحيوية.

أرقص مع هذا ويفلتني فأروح للآخر أرقص معه ويفلتني وهكذا أتقدم راقص بخيالاتي.

يرقصون حول يأس البشر وحزنهم، حزن وخوف أنا صنعته وأنا من قدمته على طبق من ذهب لهؤلاء الشياطين المجانين.

جميع أهل القرية يظنونه يعتذر من أجل قتل والدتي ويلمونه بنظراتهم على اعتذاره من لقيط مثلي وتجاهله الاعتذار من أهالي بقية الأطفال.

أحدهم يحمل إناء وينثر الحلوى فوق الجميع والآخر يحمل إناء وينثر الزخرف والزركش فوقهم.

نظرت للخنازير وهي تنهش وتأكل بالعظام المتبقية، هذا مرعب، لا لا لا، لا أريد ذلك، اي أحد أرجوكم، أي مهرب، أريد الركض، لن أعود أقسم بذلك.

أحدهم يعزف ببوق كبير والآخر يقرع الطبول.

قوة غاشمة، أنها تفوقني بكل شيء، لا مهرب ولا منجى، سأشوى بالجحيم، كان علي التضحية بشيء مقابل الهرب ولم يكن احراق يدي كافي.

إنه عرس امتلأ بالدماء وألحان شجية شريرة تسعد قلبي وتشفيه، ألحان الموت واليأس والجحيم، ألحان العدل والظلام الذي لا مثيل له.

أمامي طريق طويل مظلم بنهايته يتجمع البشر حول الفاجعة وهذا ما أراه ويراه الجميع لكني أرى أيضاً أمر آخر هم لا يروه، أنا أرى الشياطين وهذه المرة شياطين حقيقية وليست بخيال.

أصل وانخرط بين الجموع والشياطين تحيّني، تلقي علي التحية وتضرب ظهري لتمنحني الدفعة المعنوية وكأني بطلهم ومن حقق لهم هذا الإنجاز العظيم ويا له من إنجاز.

أنا بحالة ثمالة لا مثيل لها وأشعر بالطرب لسماع الشياطين على طول طريقي تصرخ وتهتف بأسمي لعظمة إنجازي.

اتقدم وأنا مفعم بالطاقة المكبوتة بداخلي محافظاً على يدي كغطاء لوجهي ومصطنعاً حزن وأنا أخفي ابتسامة تكاد تصل لأذني.

خذ مني أيامي، خذ مني أسابيعي، خذ مني أشهر وسنين، خذ حياتي خذ متعتي خذ أنفاسي خذ جسدي ولا ترحمني.

شر شروري وعزف ألحاني وقرع طبولي وقناع وجهي الملاكي.

لا إجابة، سقطت على ركبتي جاثي ولا أحد يجرؤ على الإقتراب أو إيقاف مجنون مثلي.

أنا شيطان ورغم ضعفي إلا أنهم جميعاً مجتمعين من أجلي، من أجل جريمة أنا ارتكبتها ومن أجل مكيدة أنا حكتها وأوقعتهم بشباكها.

 

تخطيت العديد من الحمقى المخدوعين بالمشهد ووصلت لمنزلي حيث وجدت زعيم القرية الذي أوقعته بفخي مهشم الوجه وعليل الجسد وهناك العديد من الرجال يضريونه بشدة.

نظرت للخنازير وهي تنهش وتأكل بالعظام المتبقية، هذا مرعب، لا لا لا، لا أريد ذلك، اي أحد أرجوكم، أي مهرب، أريد الركض، لن أعود أقسم بذلك.

إنها أيادي كثيرة تضربه، أيادي ضخمة وجبارة ولا تكاد تتوقف عن ضربه، إنها أيادي أنا حركتها ووجهتها فها هي تتحرك وفق رغباتي ووفق مشيئة أنا قدرتها.

سيرمون جثة والدتي للخنازير؟! لماذا؟! أحتى عندما يرتكب أحد مثل هذه الجريمة البشعة ينسبون خطأه لوالدتي؟! لماذا؟!

كنت مستمتع بشدة وبالكاد أستطيع إيقاف البسمة التي أوشكت على الإرتسام على شفتي لكن فجأة توقف الضرب.

بعد كل ما حدث وبعد كل ما رأيته سأعود بقراري وسأعود لهذه القرية اللعينة، عندما أفكر بالأمر أدرك حقيقة، أنا الذي يكره والدته بعد كل ما فعلته بي حزنت كل ذلك الحزن لموتها إذا ما قدر الحزن الذي هم حزنوه؟!

أوقفهم ساتو الرجل الذي كان يرغب بشدة أن يصبح زعيم القرية التالي فتراجع الرجال وتوقفوا عن ضرب زعيمهم.

تدريجياً ارتفع صوت ضحكي حتى انفجرت ضاحكاً بالحقيقة لا بالخيال، أضحك بصوت مرتفع وبكامل قوتي، أضحك لشر ولكني أبكي.

طلب ساتو من الزعيم الحالي الإعتراف بجرائم لم يرتكبها لكن الزعيم نفى أي صلة له بالأمر لذا حان وقت تدخلي.

قال ساتو: “اتركوه، أنه ليس الوقت المناسب لاتخاذ القرار، هيا غادر أيها الصعلوك القذر”.

دخلت الحشد كشيطان زاحف من بين الأقدام ونظرت لزعيم القرية أو بالأحرى شمايكل، هو لم يعد زعيم بعد الآن وأصبحت حياته رهن إشارتي وكلامي لذا لن أدعوه بزعيم بعد الآن، إنه شمايكل وكفى.

نظرت لجثة والدتي التي تأكلها الخنازير وكان هذا أسوأ مشهد رأيته بحياتي، إنها ميتة أيها الشياطين، إنها ميتة فتوقفوا عن تعذيبها، لم ترحموها قبل وفاتها وحتى بعد وفاتها تأبوا أن تضعوها تحت التراب؟!!

أشرت بإصبع يدي لشمايكل الذي رُمي غير قادر على الحركة من شدة الضرب، قلت: “أنت هو الخاطف، أنت من قتلها”.

سأجعل هذه القرية بأكملها تماماً كهذه الحانة الفارغة، سأخرجهم من متاع ونعيم أغلقوا على انفسهم بداخله إلى عذاب وجحيم يخنقهم بضيقه.

نهض بصعوبة وبكل ما تبقى له من طاقة ومد يده لي، مدها معبراً عن قوتي ومعبراً عن ضعفه فما كان مني إلا أن أتابع تقطيع الأرنب وتمزيقه بعنف لأنه سيكون وجبة عشائي الدسمة هذه الليلة.

رفعت هذا الخنزير الضخم للسرير وجعلت والدتي تنام بجانبه وانهيت ما خططت له بالضبط وبكل دقة وتفصيل.

قال: “لا أنا لست هو صدقني، أنا لم اقتل والدتك”.

لماذا لم تعتذر من قبل؟! لماذا لم تأتي متأسفاً قبل أن أفعل فعلتي؟! لماذا لم تأتي وتأخذني بحضنك يا أبي؟! لماذا قررت التخلي عني طوال هذا الوقت وبلحظة موتك تعتذر لي؟! ألتجعلني أحزن على موتك؟! ألتعمق حزني وندمي؟!

خلعت قميصي وتصنعت موقف الشخص المظلوم وأشرت على جسدي قائلاً: “انت من كان يضرب والدتي ويغتصبها منذ سنوات وبالنهاية انزلتني لذلك القبو وقمت باغتصابي وتعذيبي وأجبرت والدتي على الصمت وأدعاء أنها من فعلت ذلك، كنت مجرماً ولم تكتفي بجرائمك بهذا المنزل بل بدأت تنقلها خارجه، أنت، نعم أنت، أنت المجرم”.

أبكي فرحاً لا حزناً وأبدو يائس وأنا أفيض بالأمل، أمل برؤية تفككهم وخسارتهم وبؤسهم.

صدم بشدة ونظر حوله مناجياً ومكذباً وقال: “لا تصدقوه إنه كاذب، هي من فعلت به كل ذلك، لست أنا، اقسم انني لم اضرب هذا الفتى اللعين أبدا”

سأجعل هذه القرية بأكملها تماماً كهذه الحانة الفارغة، سأخرجهم من متاع ونعيم أغلقوا على انفسهم بداخله إلى عذاب وجحيم يخنقهم بضيقه.

“توقف عن النحيب والصراخ” ساتو قال.

أنا جننت، أنا فقدت عقلي، أنظر هنا وهناك وابحث كالمجنون وأنا أصرخ وأنادي على أمي، الجميع يراها جثة بالمنزل لكني أرى روحها بيننا وها أنا أبحث عنها.

صدم شمايكل ونظر لساتو ثم نظر إلي فنظرت له باستصغار وأنا أشعر برغبة دفينة بالنظر لمنزلنا لا أعلم لماذا؟!

أنا شيطان ورغم ضعفي إلا أنهم جميعاً مجتمعين من أجلي، من أجل جريمة أنا ارتكبتها ومن أجل مكيدة أنا حكتها وأوقعتهم بشباكها.

منزلنا الذي قتلت والدتي وعذبتها به، منزلنا الذي يحوي جثة الشخص الوحيد الذي نظر لي بحب وحنان.

بدلت زجاجة النبيذ التي حضرتها أمي بزجاجة أخرى تحوي منوم ثقيل مركز وما أن شرب الاثنان حتى ارتميا نائمين بعد بعض الوقت.

بهذه اللحظة ضعفت وشعرت برغبة بالنظر لجثة أمي التي رقدت بالمنزل لكن الشياطين حولي بدأت تعزف بقوة وتناديني، تصنع جو صاخب لتنسيني حزني وضعفي وتذكرني بالأجواء الاحتفالية التي أقيمت فرحاً بانتصاري.

سأجعل هذه القرية بأكملها تماماً كهذه الحانة الفارغة، سأخرجهم من متاع ونعيم أغلقوا على انفسهم بداخله إلى عذاب وجحيم يخنقهم بضيقه.

كبير الشياطين يقول بأذني: “هيا لنرقص ونفرح، انظر لتعاستهم كم هي رائعة، هيا ابتسم وأبقي نظرك على وجوههم البائسة”.

لقد انتهى كل شيء وها أنا اسقط على الأرض واكتفي بتخبئة رأسي بين يدي، أنا بالفعل حزين لكن ماذا الآن؟! لقد انتصرت، لقد حققت مسعاي، لا ينتصر الإنسان كل يوم كهكذا انتصار لذا علي أن ابتسم.

نعم علي الابتسام وعلي الفرح، هذه الوجوه بائسة وحزينة بسببي أنا الضعيف اللذي لطالما استحقروه وعذبوه لكن لماذا؟!

هل أنا فخور بتباهي بمثل هذا الكلام أمام جثتها؟! هل هذا نصر حقيقي؟!

لماذا بهذه اللحظة لا استطيع الاستمتاع بعذابهم وحزنهم وألمهم وما بيدي سوى النظر؟! النظر لجثة ماما.

نظرت للخنازير وهي تنهش وتأكل بالعظام المتبقية، هذا مرعب، لا لا لا، لا أريد ذلك، اي أحد أرجوكم، أي مهرب، أريد الركض، لن أعود أقسم بذلك.

أنا بطل لأني قتلتها؟! هل هذا ما تظنه الشياطين؟! هل هم سعيدين على نقيضي بموتها؟!

لم يتبقى رجل بالحانة، جميعهم إلى منزلي، جميعهم إلى مصيرهم، جميعهم إلى الظلمة، جميعهم إلى الجحيم.

كان موتها متطلب وكان علي قتلها، كان علي تعذيبها وما كنت سأنجح لو لم أفعل.

انتظر بترقب، اتابع بفارغ الصبر، أجلس بضجر وأنام بأرق وكل هذا فقط من أجل القادم.

هل هي هنا الآن؟! هل هي تراني الآن؟! إن كانت تراني هل هي فخورة بي؟!

صدم شمايكل ونظر لساتو ثم نظر إلي فنظرت له باستصغار وأنا أشعر برغبة دفينة بالنظر لمنزلنا لا أعلم لماذا؟!

هل يحق لي قول: “أمي انظري لي أنا أصبحت وحش رغم ضعفي وأنا من حولتهم أرانب رغم قوتهم” ؟!

كلهم يركضون لبحيرة جميلة أسفلها أشد البراكين، سيرمون أنفسهم بالبحيرة التي أعددتها وسيحترقون بالحمم التي أخفيتها وهكذا سيكون نصري.

هل أنا فخور بتباهي بمثل هذا الكلام أمام جثتها؟! هل هذا نصر حقيقي؟!

كان ذلك السبيل الوحيد لجعلها تتركني، كان علي التضحية للهرب، أحرقت وجهي أمامها لأنني لا أريد ان أكون جميل بنظرها ولأريها أنني مستعد للتضحية من أجل الابتعاد عنها.

نصر مبني على مثل هذه التضحية نصر ناقص وعليل.

نظرت حولي وسقطت أرضاً، كان الجميع مؤيد، كانت الوجوه محتقرة، حادة، قاتمة، قاتلة ومرعبة.

هل ما زالت هنا؟! روحها لا زالت عالقة؟! هل خرجت وانتهى أمرها؟!

وصلت لحدي وبلغت ذروة الجنون واليأس وكله خطؤهم.

أنا أشعر بها فوق رأسي، وكأن روحها تنظر لي وتنظر لدموعي، هل كانت تراقبني؟! هل كانت ترى تمثيلي قبل لحظات؟!

دخلت الحشد كشيطان زاحف من بين الأقدام ونظرت لزعيم القرية أو بالأحرى شمايكل، هو لم يعد زعيم بعد الآن وأصبحت حياته رهن إشارتي وكلامي لذا لن أدعوه بزعيم بعد الآن، إنه شمايكل وكفى.

هذا ليس بتمثيل، لم أعد أمثل وهذه الدموع حقيقية ومن أجلك، أمي هل أنت هنا؟! هل تريني؟! أنا هنا أبكي من أجلك وأنا آسف.

الثلج على الارض ويدي تلامسه ووجهي غمس به كلياً لكن لا فائدة، الألم لا يزول أبدا.

لا ترحلي قبل أن تصدقيني، أين هي روحك؟!

أنت آسف؟! لماذا؟! لماذا تتأسف مني أنا؟!

أمي أين أنت؟!

تراجعت وتراجعت بيأس وخوف لا نظير له، هذه المرأة أسوأ شخص بالقرية، لا أريدها، لا أريد أن تأخذني، نحن وحدنا هنا وهي ستقودني لجحيمها ولظلامها الخاص.

أنا كنت أشعر بها، قبل لحظات كانت تنظر إلي، من خلفي؟!! من اليمين؟! من اليسار؟!

أحدهم يعزف ببوق كبير والآخر يقرع الطبول.

أنا جننت، أنا فقدت عقلي، أنظر هنا وهناك وابحث كالمجنون وأنا أصرخ وأنادي على أمي، الجميع يراها جثة بالمنزل لكني أرى روحها بيننا وها أنا أبحث عنها.

حول منزلي اجتمع البشر واجتمعت الشياطين، البشر حزينون خائفون ساكنون وخاملون، الشياطين فرحون راقصون مفعمون بالطاقة والحيوية.

جميع الحاضرين ينظرون لي لكني لا أراهم لأني أبحث عن أمي.

هل هي هنا الآن؟! هل هي تراني الآن؟! إن كانت تراني هل هي فخورة بي؟!

هل هي خلف ذلك الرجل؟! هل هي بين ذلك الحشد؟! هل هي تركض بذلك الاتجاه؟!

 

أركض هنا وهناك وأصرخ وأنادي عليها فاصطدم بهذا تارة ويدفعني ذاك تارةً أخرى ولكني لا أهتم فأنا أريد البحث عنها ولا زلت متأكد أنها تنظر لي، هناك عيون تنظر لي من بين الحشود أو من مكان ما.

كان موتها متطلب وكان علي قتلها، كان علي تعذيبها وما كنت سأنجح لو لم أفعل.

صرخت وأنا أركض: “ماماااا”.

نهض بصعوبة وبكل ما تبقى له من طاقة ومد يده لي، مدها معبراً عن قوتي ومعبراً عن ضعفه فما كان مني إلا أن أتابع تقطيع الأرنب وتمزيقه بعنف لأنه سيكون وجبة عشائي الدسمة هذه الليلة.

بحثت خلف ثلاثة رجال ولم أجدها فتراجعت بسرعة وناديت عليها بأعلى صوتي، ركضت خلف مجموعة أناس آخرين وناديت عليها ولم أجدها، لربما تكون بين ذلك الجمع الكثيف لكنها أيضاً ليست هنا ومهما ناديت عليها لا تجيبني.

كانت السيدة كريستينا بقوة رجل بالغ ولم تكن لدي فرصة، ستعذبني وستغتصبني ولن أستطيع الهرب.

ردي علي، من فضلك ردي علي وصدقيني، أعلم انك لا تزالين هنا وأنا أراك حية رغم موتك.

أحرك شفتي ولا أصدر سوى صوت أشبه بصوت اختناق الهواء وعندما ينتهي كل شيء أسقط.

انظري لي وتأكدي أن هذه الدموع ليست كاذبة وأنا اكتفيت من التمثيل، أرجوك ردي علي فأخبرك بصدق مشاعري وبشديد أسفي، ردي علي يا “مامااااااا”.

أشرت بإصبع يدي لشمايكل الذي رُمي غير قادر على الحركة من شدة الضرب، قلت: “أنت هو الخاطف، أنت من قتلها”.

لا إجابة، سقطت على ركبتي جاثي ولا أحد يجرؤ على الإقتراب أو إيقاف مجنون مثلي.

لا إجابة، سقطت على ركبتي جاثي ولا أحد يجرؤ على الإقتراب أو إيقاف مجنون مثلي.

لا زالت تنظر إلي، أشعر بعيون تراقبني وتحدق بي بشدة، عدت والتفت يمنة ويسرة ولكن لا فائدة، إنها ليست بين الجمع لكن لربما من الأعلى من السماء، من السماء؟! هل روحها أصبحت بالسماء؟!

جميع أهل القرية يظنونه يعتذر من أجل قتل والدتي ويلمونه بنظراتهم على اعتذاره من لقيط مثلي وتجاهله الاعتذار من أهالي بقية الأطفال.

أجثوا على ركبتي وأرفع رأسي ويدي للسماء وامطر بعيني على وجنتي وأحرك شفتاي بلا صوت.

صدم بشدة ونظر حوله مناجياً ومكذباً وقال: “لا تصدقوه إنه كاذب، هي من فعلت به كل ذلك، لست أنا، اقسم انني لم اضرب هذا الفتى اللعين أبدا”

ما عدت أستطيع الكلام وصوتي رحل وتركني، مهما صرخت لا صوت لي.

أنا القاتل الذي يسير بجنازة ضحيته ويبكي عليها، أنا الناجح الذي داس على شهادته وتقيأ عند رؤيتها.

أقول: “مامااااا” ولا اسمع صوت يخرج من شفتي.

تطلب إنجاز الأمر الكثير من العمل والدقة وصاحب هذا الإنجاز الكثير من الألم وخالجني شعور رهيب وأنا أُتمه لكنني لم أتردد وواصلت التقدم وأسرعت به حتى أنهيته على أكمل وجه.

أحرك شفتي ولا أصدر سوى صوت أشبه بصوت اختناق الهواء وعندما ينتهي كل شيء أسقط.

هذا ليس بتمثيل، لم أعد أمثل وهذه الدموع حقيقية ومن أجلك، أمي هل أنت هنا؟! هل تريني؟! أنا هنا أبكي من أجلك وأنا آسف.

لقد انتهى كل شيء وها أنا اسقط على الأرض واكتفي بتخبئة رأسي بين يدي، أنا بالفعل حزين لكن ماذا الآن؟! لقد انتصرت، لقد حققت مسعاي، لا ينتصر الإنسان كل يوم كهكذا انتصار لذا علي أن ابتسم.

فقط لو كنت تخليت عن الزعامة وتزوجت بأمي لكنا سعيدين، لكنت الآن حي ولكنت أناديك: “بابا”.

عدت ورفعت رأسي ونظرت للسماء، حدقت قليلاً فرأيت كل الناس ينسحبون من أمامي ويأخذون جثة والدتي معهم فبقيت أحدق بظهورهم، إنهم ينسحبون خائبين خاسرين ويتركوني منتصر محقق ما سعيت له وهذا يدفعني للابتسام.

لماذا لم تعتذر من قبل؟! لماذا لم تأتي متأسفاً قبل أن أفعل فعلتي؟! لماذا لم تأتي وتأخذني بحضنك يا أبي؟! لماذا قررت التخلي عني طوال هذا الوقت وبلحظة موتك تعتذر لي؟! ألتجعلني أحزن على موتك؟! ألتعمق حزني وندمي؟!

ابتسم وأنا ابصر ظهورهم وعندما يختفون أضحك، نعم أضحك بصوت منخفض لكني لا أستطيع إيقافه أكثر.

أنا بطل لأني قتلتها؟! هل هذا ما تظنه الشياطين؟! هل هم سعيدين على نقيضي بموتها؟!

تدريجياً ارتفع صوت ضحكي حتى انفجرت ضاحكاً بالحقيقة لا بالخيال، أضحك بصوت مرتفع وبكامل قوتي، أضحك لشر ولكني أبكي.

جميع الحاضرين ينظرون لي لكني لا أراهم لأني أبحث عن أمي.

أنا خاسر ومنتصر، أنا حزين وسعيد، أنا مجنون ومتماسك، أنا نادم ومفتخر.

هربت بسرعة وبسرعة ولم اتوقف، ليس لدي طريق اسلكها وما أريد الوصول إليه هو مكان بعيد عن هذا المكان.

أنا أبكي وأضحك، أعبس وابتسم، أسقط وأنهض، أتمالك نفسي وأتهالك.

ما بيدي حيلة وهذا نتاج ضعفي، انتقامي فاشل وبائس وعليل.

أنا القاتل الذي يسير بجنازة ضحيته ويبكي عليها، أنا الناجح الذي داس على شهادته وتقيأ عند رؤيتها.

أمي أين أنت؟!

هكذا أنا أصبحت متناقض، لدي الشعور ولدي عكسه ونقيضه.

لإنهائه سعادة ممتزجة بخوف وقلق فكل أفعالي ستظهر نتائجها الأخيرة بهذه الليلة.

مددت جسدي على الأرض بمكاني وغفوت كنائم ومستيقظ، نائم بجسدي ومستيقظ لأحلامي.

سأعود، نعم اقسم أنني سأعود، سأعود أقوى وبيدي الشعلة التي تحرقهم.

نهضت على ضوء الشمس وتوجهت للقرية حيث بدأ الإعدام، لقد فتشت الكلاب مزرعة شمايكل وأخرجت الجثث من أرضه التي دفنت أنا شخصياً الجثث بها قبل عدة ايام وتم تأكيد التهمة على الجاني وها هو يعدم.

أبي قطعت رأسه بيدي وأمي عذبتها وقتلتها بيدي وهذا ما اقترفته يداي وهذا ما أعده انتقامي.

شمايكل يتجاهل النظر للجميع وينظر لي، حتى وهو على مقصلة الإعدام ينظر لي ويقول: “أنا آسف”.

أجثوا على ركبتي وأرفع رأسي ويدي للسماء وامطر بعيني على وجنتي وأحرك شفتاي بلا صوت.

أنت آسف؟! لماذا؟! لماذا تتأسف مني أنا؟!

أركض هنا وهناك وأصرخ وأنادي عليها فاصطدم بهذا تارة ويدفعني ذاك تارةً أخرى ولكني لا أهتم فأنا أريد البحث عنها ولا زلت متأكد أنها تنظر لي، هناك عيون تنظر لي من بين الحشود أو من مكان ما.

جميع أهل القرية يظنونه يعتذر من أجل قتل والدتي ويلمونه بنظراتهم على اعتذاره من لقيط مثلي وتجاهله الاعتذار من أهالي بقية الأطفال.

كانت السيدة كريستينا بقوة رجل بالغ ولم تكن لدي فرصة، ستعذبني وستغتصبني ولن أستطيع الهرب.

لقد أدرك شمايكل الحقيقة واعتذر، لقد أدرك أن شروره وشرور أهل قريته هي من دفعتني لفعلتي فراح يعتذر كزعيم، يعتذر نيابة عن نفسه وعن أهل قريته وتقص رقبته وتنتهي حياته.

تَردَدَ صوت أقتلوه وارموه من أفواههم، كنت بين الحشد لا أملك فرصة، لا مهرب ولا مخرج، لا لا أريد الموت.

لماذا لم تعتذر من قبل؟! لماذا لم تأتي متأسفاً قبل أن أفعل فعلتي؟! لماذا لم تأتي وتأخذني بحضنك يا أبي؟! لماذا قررت التخلي عني طوال هذا الوقت وبلحظة موتك تعتذر لي؟! ألتجعلني أحزن على موتك؟! ألتعمق حزني وندمي؟!

قال ساتو: “اتركوه، أنه ليس الوقت المناسب لاتخاذ القرار، هيا غادر أيها الصعلوك القذر”.

فقط لو كنت تخليت عن الزعامة وتزوجت بأمي لكنا سعيدين، لكنت الآن حي ولكنت أناديك: “بابا”.

أسير ببطء واتصنع الخسارة والبكاء والحزن وأنا سعيد وجميع من يركض بجانبي يتجاهلني ويتابع طريقه.

أبي قطعت رأسه بيدي وأمي عذبتها وقتلتها بيدي وهذا ما اقترفته يداي وهذا ما أعده انتقامي.

ارتعبت وخفت وركضت بسرعة خارج المنزل ولكن بأول خطوة على الثلج سقطت فأمسكني الوحش ورماني بالمنزل.

هل الانتقام يقود الإنسان للسعادة؟! إذا كان كذلك لما أنا الوحيد الذي يجلس ويبكي أمام منصة الإعدام ولما جميعهم صامتون.

أوقفهم ساتو الرجل الذي كان يرغب بشدة أن يصبح زعيم القرية التالي فتراجع الرجال وتوقفوا عن ضرب زعيمهم.

لقد قررت أني بانتقامي سأكون سعيد منتصر فرح وها أنا خاسر حزين بائس ولكن كل هذا الآن لا يهم فما يهم ما يقوله أهل القرية الآن.

صدم بشدة ونظر حوله مناجياً ومكذباً وقال: “لا تصدقوه إنه كاذب، هي من فعلت به كل ذلك، لست أنا، اقسم انني لم اضرب هذا الفتى اللعين أبدا”

يتشاور أهل القرية فيما بينهم ويؤيدون كلام واحد وهو التالي: “شمايكل كان رجل فتنه الشيطان، أغواه وقاده للطريق الخاطئ.

كل شيء جاهز ويلح علي لبدء تنفيذه.

تلك المرأة اللعينة والدت ذلك الطفل اللعين أوراغيري هي من أغوت شمايكل وزرعت بنفسه حب الشهوة والإنحراف فراح يرتكب جرائمه فهو قبل ما يزيد عن عشرة سنين ترك زوجته ولم ينجب أطفال منها وعاش وحيداً يذهب إلى شيطانة الأغواء كل ليلة.

انظري لي وتأكدي أن هذه الدموع ليست كاذبة وأنا اكتفيت من التمثيل، أرجوك ردي علي فأخبرك بصدق مشاعري وبشديد أسفي، ردي علي يا “مامااااااا”.

منذ زمن طويل كانت ساحرة قرية الفايكنج، كانت لعنة وجلبت لقريتنا الغضب لذا علينا التخلص منها.

تدريجياً ارتفع صوت ضحكي حتى انفجرت ضاحكاً بالحقيقة لا بالخيال، أضحك بصوت مرتفع وبكامل قوتي، أضحك لشر ولكني أبكي.

إنها لا تدفن كما يدفن أحد من القرية بل جثتها تأكلها الخنازير ثم تحرق الخنازير التي أكلتها.

أنا حزين واتألم بخوف، أنا متعب وأسير بإرهاق ومن يراني يقول: “كم هذا الفتى بائس حزين!!” لكن كل هذا تمثيل.

الساحرات يمتن بأبشع الطرق، يمتن محترقات مصلوبات لكنها ميتة بالفعل لذلك ستأكل الخنازير من جسدها وتأكل روحها ثم ستحرق الخنازير ليحترق جسد الساحرة ولتحترق روحها أيضاً”.

منزلنا الذي قتلت والدتي وعذبتها به، منزلنا الذي يحوي جثة الشخص الوحيد الذي نظر لي بحب وحنان.

سيرمون جثة والدتي للخنازير؟! لماذا؟! أحتى عندما يرتكب أحد مثل هذه الجريمة البشعة ينسبون خطأه لوالدتي؟! لماذا؟!

مر يوم واثنان وثلاثة ولم يأتي زعيم القرية لمنزلنا لكنه أتى أخيراً باليوم الرابع والجحيم معد وينتظره.

ما بيدي حيلة وهذا نتاج ضعفي، انتقامي فاشل وبائس وعليل.

ركضت مسرعاً ولهثت ولهثت حتى وصلت القرية واتجهت للحانة التي يكون بها الرجل المنشود عادةً.

جثة والدتي ترمى للخنازير لتأكلها وها أنا أشاهد المشهد بأم عيني لكن لماذا أنا حزين؟!

لا ترحلي قبل أن تصدقيني، أين هي روحك؟!

علي تناسي الخسارة والتركيز على ما حققته فها أنا حي ولا زلت استطيع النهوض مجدداً فأنا من سيجعلهم يندمون على ما فعلوه بجثة والدتي.

سيرمون جثة والدتي للخنازير؟! لماذا؟! أحتى عندما يرتكب أحد مثل هذه الجريمة البشعة ينسبون خطأه لوالدتي؟! لماذا؟!

نعم، يجب أن أكون سعيد لنجاح خطتي، خطتي التي تطلبت قتل والدتي بسبيل نجاحها والتي لم أهتم من البداية لكمية التضحيات التي شملتها لكن لماذا نظرة واحدة جعلت كل قواي تنخار؟!

أحدهم يحمل إناء وينثر الحلوى فوق الجميع والآخر يحمل إناء وينثر الزخرف والزركش فوقهم.

نظرت لجثة والدتي التي تأكلها الخنازير وكان هذا أسوأ مشهد رأيته بحياتي، إنها ميتة أيها الشياطين، إنها ميتة فتوقفوا عن تعذيبها، لم ترحموها قبل وفاتها وحتى بعد وفاتها تأبوا أن تضعوها تحت التراب؟!!

أنا كنت أشعر بها، قبل لحظات كانت تنظر إلي، من خلفي؟!! من اليمين؟! من اليسار؟!

الجميع حولي يبتسم وسعيد بما يحصل لجثة والدتي وأنا الوحيد الحزين، أنا من قاد الأمور لتأول إلى ما ألت إليه وها أنا الوحيد الحزين لهذا الحال.

جثة والدتي ترمى للخنازير لتأكلها وها أنا أشاهد المشهد بأم عيني لكن لماذا أنا حزين؟!

يبتسمون بشر امتلأت به نفوسهم ويستمتعون بما تشاهده عيونهم وراضين بتحقيق الشر الذي سكن أرواحهم.

صدم شمايكل ونظر لساتو ثم نظر إلي فنظرت له باستصغار وأنا أشعر برغبة دفينة بالنظر لمنزلنا لا أعلم لماذا؟!

بقيت أنظر بيأس وبرود ولا أفعل شيء، حتى أني لم أعد أبكي عندما أدرركت الحقيقة، هذا المشهد أقسى من أن تبكي عليه، إنه أكثر رعب من ذلك.

سأعود، نعم اقسم أنني سأعود، سأعود أقوى وبيدي الشعلة التي تحرقهم.

انتهت الخنازير من أكل جثة والدتي فأتى إلي رجل ووقف أمامي حدق بي للحظة فحدقت به ببرود أيضاً فأمسكني من رقبتي ورفعني وقال: “أما زلت حزين على تلك النجسة الحقيرة يا ابن الحرام اللعين؟! كله بسببك لو كنت اخبرتنا من البداية”.

أنا شيطان ورغم ضعفي إلا أنهم جميعاً مجتمعين من أجلي، من أجل جريمة أنا ارتكبتها ومن أجل مكيدة أنا حكتها وأوقعتهم بشباكها.

أحكم قبضته وألمني بشدة وظهر ذلك جليا للعيان فأمسك ساتو يده وقال: “اتركه إنه مجرد طفل”.

أمامي طريق طويل مظلم بنهايته يتجمع البشر حول الفاجعة وهذا ما أراه ويراه الجميع لكني أرى أيضاً أمر آخر هم لا يروه، أنا أرى الشياطين وهذه المرة شياطين حقيقية وليست بخيال.

غضب ذلك الرجل وألقاني أرضاً بقوة وقال صارخاً بوجه ساتو: “ليس مجرد طفل، أنه بالسادسة عشر من عمره، إنه يجلب السخط لقريتنا منذ ست عشرة سنة، انظر لابني انه بنفس عامه وبنفس شهره وها هو رجل حقيقي وأنت تقول عن هذا اللقيط طفل”.

كلهم يركضون لبحيرة جميلة أسفلها أشد البراكين، سيرمون أنفسهم بالبحيرة التي أعددتها وسيحترقون بالحمم التي أخفيتها وهكذا سيكون نصري.

نعم هو محق، بالمظهر الخارجي ابنه رجل حقيقي أملك بسببه اسوأ ذكرياتي وأكثرها بؤساً.

أبي قطعت رأسه بيدي وأمي عذبتها وقتلتها بيدي وهذا ما اقترفته يداي وهذا ما أعده انتقامي.

قال الابن: “نعم والدي محق علينا رميه مع والدته لتأكله الخنازير فنريح هذه القرية من السخط الذي جلبه منذ ولادته، منذ ولد جفت الاراضي وتدمرت الكثير من المحاصيل وحصل الفيضان بالقرية وموجات الحر القاتلة واخر مصائبه جرائم قتل ومن ينفذها؟! زعيم القرية، اكثر شخص موثوق بين الفايكنج والذي اختاره جميع الفايكنج وبايعوه ومن السبب؟! إنه هذا الطفل ووالدته، هيا ارموه للخنازير”.

دفعني اليأس والخوف لحمل قطعة حطب طويلة من الموقد.

نظرت حولي وسقطت أرضاً، كان الجميع مؤيد، كانت الوجوه محتقرة، حادة، قاتمة، قاتلة ومرعبة.

ما عدت أستطيع الكلام وصوتي رحل وتركني، مهما صرخت لا صوت لي.

تَردَدَ صوت أقتلوه وارموه من أفواههم، كنت بين الحشد لا أملك فرصة، لا مهرب ولا مخرج، لا لا أريد الموت.

غضب ذلك الرجل وألقاني أرضاً بقوة وقال صارخاً بوجه ساتو: “ليس مجرد طفل، أنه بالسادسة عشر من عمره، إنه يجلب السخط لقريتنا منذ ست عشرة سنة، انظر لابني انه بنفس عامه وبنفس شهره وها هو رجل حقيقي وأنت تقول عن هذا اللقيط طفل”.

نظرت للخنازير وهي تنهش وتأكل بالعظام المتبقية، هذا مرعب، لا لا لا، لا أريد ذلك، اي أحد أرجوكم، أي مهرب، أريد الركض، لن أعود أقسم بذلك.

كبير الشياطين يقول بأذني: “هيا لنرقص ونفرح، انظر لتعاستهم كم هي رائعة، هيا ابتسم وأبقي نظرك على وجوههم البائسة”.

يد اقتربت مني من الخلف ثم خرج من فمي صوت صرخة قوية أوقفت الجميع، كانت صرخة نابعة من أعماق غياهب جحيم قلبي.

أجثوا على ركبتي وأرفع رأسي ويدي للسماء وامطر بعيني على وجنتي وأحرك شفتاي بلا صوت.

قال ساتو: “اتركوه، أنه ليس الوقت المناسب لاتخاذ القرار، هيا غادر أيها الصعلوك القذر”.

قال ساتو: “اتركوه، أنه ليس الوقت المناسب لاتخاذ القرار، هيا غادر أيها الصعلوك القذر”.

لم تستطع قدماي حملي، زحفت بين الحشد وتلقيت عدة ركلات حتى نزلت الدماء من جسدي وحتى ابتعدت عن الجموع.

بسقت الدماء من فمي ومسحت دماء وجهي بمنديلي ما افسده بشكل كامل، نظرت للونه الاحمر الذي سكن عليه بعض البياض.

بسقت الدماء من فمي ومسحت دماء وجهي بمنديلي ما افسده بشكل كامل، نظرت للونه الاحمر الذي سكن عليه بعض البياض.

أنا حزين واتألم بخوف، أنا متعب وأسير بإرهاق ومن يراني يقول: “كم هذا الفتى بائس حزين!!” لكن كل هذا تمثيل.

كان بياض الثلج الذي بدأ يتساقط بقوة بذلك اليوم، كان المنزل بعيد للغاية بأقصى الغرب وانا الآن بأقصى الشرق.

بحثت خلف ثلاثة رجال ولم أجدها فتراجعت بسرعة وناديت عليها بأعلى صوتي، ركضت خلف مجموعة أناس آخرين وناديت عليها ولم أجدها، لربما تكون بين ذلك الجمع الكثيف لكنها أيضاً ليست هنا ومهما ناديت عليها لا تجيبني.

تابعت السير والبرد اشتد على جسدي وأعاق قدمي واستغرق الأمر مدة طويلة للغاية حتى وصلت.

أشرت بإصبع يدي لشمايكل الذي رُمي غير قادر على الحركة من شدة الضرب، قلت: “أنت هو الخاطف، أنت من قتلها”.

البرد شديد لكن لا بأس، لقد وصلت للمنزل، سأشعل الموقد واتدفأ.

رفعت هذا الخنزير الضخم للسرير وجعلت والدتي تنام بجانبه وانهيت ما خططت له بالضبط وبكل دقة وتفصيل.

سأكل كل الطعام الذي بالمنزل واجلس حيث أريد، سأرتاح هذه الليل وسأغادر غداً لكن ما هذه الرائحة؟!

بهذه اللحظة ضعفت وشعرت برغبة بالنظر لجثة أمي التي رقدت بالمنزل لكن الشياطين حولي بدأت تعزف بقوة وتناديني، تصنع جو صاخب لتنسيني حزني وضعفي وتذكرني بالأجواء الاحتفالية التي أقيمت فرحاً بانتصاري.

دخلت المنزل وشممت رائحة الموقد المشتعل ورأيت ضوء النار الساطع بالغرفة، النار لم تكن الشيء البارز بالغرفة بل ما برز هو ذلك الوحش المرعب الذي انتظرني على الكنبة.

منزلنا الذي قتلت والدتي وعذبتها به، منزلنا الذي يحوي جثة الشخص الوحيد الذي نظر لي بحب وحنان.

ارتعبت وخفت وركضت بسرعة خارج المنزل ولكن بأول خطوة على الثلج سقطت فأمسكني الوحش ورماني بالمنزل.

أنا بحالة ثمالة لا مثيل لها وأشعر بالطرب لسماع الشياطين على طول طريقي تصرخ وتهتف بأسمي لعظمة إنجازي.

كانت السيدة كريستينا بقوة رجل بالغ ولم تكن لدي فرصة، ستعذبني وستغتصبني ولن أستطيع الهرب.

أمي أين أنت؟!

رفعت رأسي يائساً ناظراً لها وهي تخلع ملابسها العلوية وسألت نفسي معاتباً: “لماذا عدت لهنا؟! لماذا لم اهرب مباشرة؟!”.

سيرمون جثة والدتي للخنازير؟! لماذا؟! أحتى عندما يرتكب أحد مثل هذه الجريمة البشعة ينسبون خطأه لوالدتي؟! لماذا؟!

حتى عتابي لم يكن قوياً وكان حاملاً فأنا الآن مجرد خاسر لا يملك أي شيء لفعله.

تلك المرأة اللعينة والدت ذلك الطفل اللعين أوراغيري هي من أغوت شمايكل وزرعت بنفسه حب الشهوة والإنحراف فراح يرتكب جرائمه فهو قبل ما يزيد عن عشرة سنين ترك زوجته ولم ينجب أطفال منها وعاش وحيداً يذهب إلى شيطانة الأغواء كل ليلة.

قالت وهي تقترب: “لا تخف يا عزيزي لن اسمح لهم بقتلك، سأخبرهم أنني سأخذك واربيك لتصبح شخص جيد بالقرية، سأقنعهم أنك لست المخطئ، سأضع كل اللوم على والدتك الحقيرة المتوفية، هيا لا تخف، تعال واحتضني، تعال لحضن سيدتك يا عبدي”.

هذا ليس بتمثيل، لم أعد أمثل وهذه الدموع حقيقية ومن أجلك، أمي هل أنت هنا؟! هل تريني؟! أنا هنا أبكي من أجلك وأنا آسف.

اقتربتْ مني خطوة واقترب الجحيم ألف خطوة فما كان مني إلا التراجع، هذا ليس بفوز حققته، هذه خسارة كبرى ومن جميع الجهات، إذا أمسكتني سأخسر فرصتي بمعاودة النهوض ولن يكون هناك انتقام مستقبلي من أجلي.

لا أنا لست جميل، أنا لست جميل، تألمت نفسياً ووصلت لحدي، صرخت بأعلى صوتي وأمسكت حطبة مشتعلة من الموقد وأحرقت بها وجهي اللطيف الذي تحبه.

لا أنا لا أريد أن تأخذني، لو قتلوني أفضل، أنا فقط أريد الموت، لا أريدها، لا أريد رؤيتها، لا أريد لمسها ولا اريد قربها.

أركض هنا وهناك وأصرخ وأنادي عليها فاصطدم بهذا تارة ويدفعني ذاك تارةً أخرى ولكني لا أهتم فأنا أريد البحث عنها ولا زلت متأكد أنها تنظر لي، هناك عيون تنظر لي من بين الحشود أو من مكان ما.

لا أحد من اجلي ولا مهرب، أنها بضعف قوتي، ماذا افعل؟! ماذا افعل؟! سحقا للجحيم، لا لا.

هذا ليس بتمثيل، لم أعد أمثل وهذه الدموع حقيقية ومن أجلك، أمي هل أنت هنا؟! هل تريني؟! أنا هنا أبكي من أجلك وأنا آسف.

تراجعت وتراجعت بيأس وخوف لا نظير له، هذه المرأة أسوأ شخص بالقرية، لا أريدها، لا أريد أن تأخذني، نحن وحدنا هنا وهي ستقودني لجحيمها ولظلامها الخاص.

نعم علي الابتسام وعلي الفرح، هذه الوجوه بائسة وحزينة بسببي أنا الضعيف اللذي لطالما استحقروه وعذبوه لكن لماذا؟!

تراجعت ووصلت للموقد وهي تخلع ملابسها القطعة تلو الأخرى فوصلت لحالة يأس عندما وصلت للموقد المشتعل خلفي.

أنا شيطان ورغم ضعفي إلا أنهم جميعاً مجتمعين من أجلي، من أجل جريمة أنا ارتكبتها ومن أجل مكيدة أنا حكتها وأوقعتهم بشباكها.

دفعني اليأس والخوف لحمل قطعة حطب طويلة من الموقد.

سأعود، نعم اقسم أنني سأعود، سأعود أقوى وبيدي الشعلة التي تحرقهم.

كانت ساخنة جداً وأنا امسكتها بيدي ولم أبالي باحتراقها، أقنعت نفسي أن هذا ليس بألم، هذا ليس بألم، هذا ليس بألم، أنها الجحيم، هذه المرأة أسوأ من أسوأ شيطان، علي تحمل ألم الإحتراق هذا والهرب.

فقط لو كنت تخليت عن الزعامة وتزوجت بأمي لكنا سعيدين، لكنت الآن حي ولكنت أناديك: “بابا”.

لوحت بالعصا أمامها لأهرب لكنها بكل سهولة وبساطة حملت كرسي وضربت يدي بكل قوتها واسقطت الحطبة.

رفعت رأسي يائساً ناظراً لها وهي تخلع ملابسها العلوية وسألت نفسي معاتباً: “لماذا عدت لهنا؟! لماذا لم اهرب مباشرة؟!”.

قوة غاشمة، أنها تفوقني بكل شيء، لا مهرب ولا منجى، سأشوى بالجحيم، كان علي التضحية بشيء مقابل الهرب ولم يكن احراق يدي كافي.

يتشاور أهل القرية فيما بينهم ويؤيدون كلام واحد وهو التالي: “شمايكل كان رجل فتنه الشيطان، أغواه وقاده للطريق الخاطئ.

قالت: “آاااه كم انت لطيف، هل أصبحت تحب الألم لهذه الدرجة؟! لا بأس سأعطيك أياه واعطيك ذروته، سأضربك، سأعذبك، سأحرقك وسأستعبدك، نعم سأستعبدك، سأستعبد هذا الوجه اللطيف الجميل، تعال إلي ايها الجميل، هيا أقترب”.

بحثت خلف ثلاثة رجال ولم أجدها فتراجعت بسرعة وناديت عليها بأعلى صوتي، ركضت خلف مجموعة أناس آخرين وناديت عليها ولم أجدها، لربما تكون بين ذلك الجمع الكثيف لكنها أيضاً ليست هنا ومهما ناديت عليها لا تجيبني.

لا أنا لست جميل، أنا لست جميل، تألمت نفسياً ووصلت لحدي، صرخت بأعلى صوتي وأمسكت حطبة مشتعلة من الموقد وأحرقت بها وجهي اللطيف الذي تحبه.

تلك المرأة اللعينة والدت ذلك الطفل اللعين أوراغيري هي من أغوت شمايكل وزرعت بنفسه حب الشهوة والإنحراف فراح يرتكب جرائمه فهو قبل ما يزيد عن عشرة سنين ترك زوجته ولم ينجب أطفال منها وعاش وحيداً يذهب إلى شيطانة الأغواء كل ليلة.

شعرت بألم جحيمي وصرخت دون إرادتي فما كان منها إلا أن افسحت المجال لي وطلبت مني التوقف عن الجنون، لكن لا لن افعل، أحكمت قبضتي على قطعة الحطب التي تستمر بإحراق وجهي وركضت بسرعة خارجاً.

لقد قررت أني بانتقامي سأكون سعيد منتصر فرح وها أنا خاسر حزين بائس ولكن كل هذا الآن لا يهم فما يهم ما يقوله أهل القرية الآن.

هربت بسرعة وبسرعة ولم اتوقف، ليس لدي طريق اسلكها وما أريد الوصول إليه هو مكان بعيد عن هذا المكان.

أنا لا أرى نفسي وأنا أسير بخطوات زاحفة، لا أشعر بجسدي الذي يراه الجميع بل أشعر بخيالاتي.

سقطت أرضاً منهكا لا استطيع المواصلة، بكل صعوبة استطعت ابعاد قطعة الحطب عن وجهي الذي احرقتُه بيدي وشوهتُه بشكل كامل وبالكاد استطعت إبعاد الحطبة التي احرقت ودمرت يدي ووجهي.

علي تناسي الخسارة والتركيز على ما حققته فها أنا حي ولا زلت استطيع النهوض مجدداً فأنا من سيجعلهم يندمون على ما فعلوه بجثة والدتي.

كان ذلك السبيل الوحيد لجعلها تتركني، كان علي التضحية للهرب، أحرقت وجهي أمامها لأنني لا أريد ان أكون جميل بنظرها ولأريها أنني مستعد للتضحية من أجل الابتعاد عنها.

نظرت للخنازير وهي تنهش وتأكل بالعظام المتبقية، هذا مرعب، لا لا لا، لا أريد ذلك، اي أحد أرجوكم، أي مهرب، أريد الركض، لن أعود أقسم بذلك.

الثلج على الارض ويدي تلامسه ووجهي غمس به كلياً لكن لا فائدة، الألم لا يزول أبدا.

ارتميت على الأرض متصنع الرهبة والخوف القاتل وبلحظة صوت زلزال مدوي صدر من وقع اقدام رجال الفايكنج وانطلاقهم كأنهم يد واحد تحركت بدون تفكير صرف منها.

وصلت لحدي وبلغت ذروة الجنون واليأس وكله خطؤهم.

صرخت وأنا أركض: “ماماااا”.

نهضت وتابعت السير باتجاه مختلف، لا أريد من أحد أن يجدني، لا أريد العودة كأرنب مجدداً.

جثة والدتي ترمى للخنازير لتأكلها وها أنا أشاهد المشهد بأم عيني لكن لماذا أنا حزين؟!

كنت قد اعتزمت على المغادرة وعدم العودة للقرية أبداً، بعد موت والدتي أدركت أن الانتقام أمر لا اقوى عليه وأمر يحتاج لشر لا أجده عظيم بداخلي.

سأجعل هذه القرية بأكملها تماماً كهذه الحانة الفارغة، سأخرجهم من متاع ونعيم أغلقوا على انفسهم بداخله إلى عذاب وجحيم يخنقهم بضيقه.

لم أشعر بالسعادة بعد نجاح خطتي بل شعرت بالألم لذلك قررت عدم العودة.

كانت السيدة كريستينا بقوة رجل بالغ ولم تكن لدي فرصة، ستعذبني وستغتصبني ولن أستطيع الهرب.

بعد كل ما حدث وبعد كل ما رأيته سأعود بقراري وسأعود لهذه القرية اللعينة، عندما أفكر بالأمر أدرك حقيقة، أنا الذي يكره والدته بعد كل ما فعلته بي حزنت كل ذلك الحزن لموتها إذا ما قدر الحزن الذي هم حزنوه؟!

بدلت زجاجة النبيذ التي حضرتها أمي بزجاجة أخرى تحوي منوم ثقيل مركز وما أن شرب الاثنان حتى ارتميا نائمين بعد بعض الوقت.

تقطعت من الداخل لمجرد رؤية جثة والدتي تؤكل بطريقة بشعة من قبل الخنازير إذا ماذا حدث لهم عندما رأوا ابناء قريتهم وجلدتهم جثث مغتصبة ومعذبة حتى الموت؟!

أبكي فرحاً لا حزناً وأبدو يائس وأنا أفيض بالأمل، أمل برؤية تفككهم وخسارتهم وبؤسهم.

هذا رائع، رائع للغاية، إنه رائع بحق، وواااااه هذا رائع.

ارتميت على الأرض متصنع الرهبة والخوف القاتل وبلحظة صوت زلزال مدوي صدر من وقع اقدام رجال الفايكنج وانطلاقهم كأنهم يد واحد تحركت بدون تفكير صرف منها.

الألم والتفكك وحرقة القلب تعتصر قلوبهم جميعاً، لكن ذلك ليس إلا البداية فقط، هذا مجرد وداع صغير وحسب، الجحيم الذي سيعيشونه سيحطمهم واقسم بذلك، لن يتبقى منهم أحد.

شمايكل يتجاهل النظر للجميع وينظر لي، حتى وهو على مقصلة الإعدام ينظر لي ويقول: “أنا آسف”.

سأعود، نعم اقسم أنني سأعود، سأعود أقوى وبيدي الشعلة التي تحرقهم.

رفعت رأسي يائساً ناظراً لها وهي تخلع ملابسها العلوية وسألت نفسي معاتباً: “لماذا عدت لهنا؟! لماذا لم اهرب مباشرة؟!”.

خذ مني أيامي، خذ مني أسابيعي، خذ مني أشهر وسنين، خذ حياتي خذ متعتي خذ أنفاسي خذ جسدي ولا ترحمني.

هكذا أنا أصبحت متناقض، لدي الشعور ولدي عكسه ونقيضه.

هناك وبوسط القرية سأقوم بتجديل شعري لوحدي، سأكون اخر الفايكنج في هذه الجزيرة القذرة، انتظروا جحيمي فهو قادم.

نظرت للخنازير وهي تنهش وتأكل بالعظام المتبقية، هذا مرعب، لا لا لا، لا أريد ذلك، اي أحد أرجوكم، أي مهرب، أريد الركض، لن أعود أقسم بذلك.

مر يوم واثنان وثلاثة ولم يأتي زعيم القرية لمنزلنا لكنه أتى أخيراً باليوم الرابع والجحيم معد وينتظره.

---

ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن

أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات
لا تنسى وضع تعليق للمترجم فهذا يساعده على الاستمرار ومواصلة العمل عندما يرى تشجيعًا.

التعليقات

اعدادات القارئ

لايعمل مع الوضع اليلي
لتغير كلمة إله الى شيء أخر
إعادة ضبط