تناول مشروبات (والعياذ بالله)
كانت الحياة في مختبر لويس للدفع الطائر ربما أبسط حياة عاشها تشانغ هينج على الإطلاق. كان موظفو المختبر، باستثناء المدير التنفيذي الأشقر للموارد البشرية، والمدير جيم، الذي كان يهز الكونغرس كل صباح للحصول على المزيد من الأموال، من أكثر الباحثين نزاهة وحماسة الذين قابلهم تشانغ هينج على الإطلاق. لم يتآمروا ضد بعضهم البعض ولم يتجادلوا، ولأن المهمة الانتقالية لم تكن لها مهمة رئيسية، لم يكن هناك تهديد لبقاء تشانغ هينج. قضى تشانغ هينج أيامه بسلام ودون أحداث مأساوية.
كان وي تشونغ هوا يعطيه دروسًا في الهندسة كل يوم، أشبه بدورة تدريبية مكثفة في الواقع. ولأنه كان يعلم أن طالبه متأخر عن خريجي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الفعليين، لم يبخل المهندس في الإنفاق، فكان ينقل كل ما يعرفه، كلما سنحت له الفرصة. ثم في نهاية كل يوم، كان تشانغ هينج يشتري المشروبات للطيارين الذين يرتادون الحانة القريبة براتب التدريب. وفي الشهر الثاني، صعد بنجاح على متن طائرة، وفي الشهر الرابع، حصل على تجربة الطيران دون سرعة الصوت على متن طائرة تي-33. ولم يكن بعيدًا عن قيادة طائرة بمفرده.
لكن وي تشونغ هوا استقال من وكالة ناسا بعد فترة وجيزة، مشيرًا إلى شوقه إلى بيئة المدرسة. وكان من المقرر أن يتوجه الرجل إلى معهد بروكلين للكليات والتقنيات المتعددة للتدريس كأستاذ. وقد أثارت الكارثة برمتها قلق جلينان، رئيس وكالة ناسا، وعلى الرغم من بذل قصارى جهده لإقناع وي تشونغ هوا، لم يكن هناك ما يمنعه من المغادرة. وهكذا، انتهى الأمر بالأشخاص في المختبر إلى إقامة حفلة وداع صغيرة لوي تشونغ هوا. لم ينضم تشانغ هينج إلى الحفلة، بل قاد وي تشونغ هوا وزوجته إلى محطة القطار في سيارة شيفروليه مستعارة.
كان من بين القلائل الذين عرفوا حقًا نوايا وو تشونغ هوا الحقيقية. على الرغم من أن البقاء في المختبر كان ليكون أكثر فائدة، إلا أنه كان مجرد لعبة حقًا، وبغض النظر عن المكان أو الجدول الزمني أو عدد المرات التي مر بها، فإن شخصًا ما في مكان ما سيتخذ نفس الاختيار، بغض النظر عن ذلك. بمعرفة هذه الأشياء، لم يحاول تشانغ هينج حتى إقناع وي تشونغ هوا بالبقاء.
في الواقع، كان وي تشونغ هوا قد ساعده بالفعل كثيرًا. الآن، على الرغم من أنه لا يزال متأخرًا عن خريج هندسة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، فقد مرت أربعة أشهر، ومن الصفر، أصبح تشانغ هينغ الآن قادرًا على أداء المهام المطلوبة للبحث وكان على دراية كبيرة بأبحاث وي تشونغ هوا. لم يواجه أي مشكلة في القيام بأشياء مثل جمع البيانات وملء النماذج النهائية. حتى لو حل شخص آخر محل وي تشونغ هوا، يمكن لتشانغ هينغ الاستمرار في العمل في المختبر من خلال التمثيل، مع الأخذ في الاعتبار أنه يعرف بالفعل ما كان يفعله.
كان تشانغ هينج يراقب القطار الذي كان يحمل وو تشونغ هوا وزوجته وهو يبتعد. وبعد أن سمع أن بديل وو تشونغ هوا كان في طور النقل من مختبر لانغلي، ولن يصل قبل الغد، لم يهرع إلى المختبر. باستثناء الانتظار، لم يكن هناك الكثير ليفعله هو ومساعدته. وهذا لا يعني سوى يوم إجازة من العمل، ونظراً لمدى روعة اليوم؛ قرر تشانغ هينج التجول في كليفلاند بالسيارة المستعارة التي كان يستقلها.
اشترى اثنين من أسطوانات الفينيل لباتي بيج، وبرجر، وتورتيلا الذرة، فحقق إنجازًا غير متوقع يستحق ثلاث نقاط. بعد ذلك، أطعم الحمام في حديقة المدينة، بينما كان يتجول ببطء. كان يومًا جميلًا، وليس يومًا يضيع هكذا بين الخرسانة والزجاج. لم يعد تشانغ هينج إلى المختبر إلا قبل غروب الشمس. كان قد خرج للتو من السيارة عندما اندفعت الفتاة الشقراء وأمسكت بـ
هـ.
“رائع! لقد حصلنا للتو على طيار اختبار. إنه في الممر في الطابق الأول. ولكن حدث أمر ما في الكونغرس، وعليّ أن أسرع. سأحتاج منك أن تأخذه في جولة حول المختبر والمدرج.”
قالت كلماتها وهي تدفع كومة من المستندات بين يدي تشانغ هينج. “بينما تفعل ذلك، من فضلك أعطها للأستاذة ماجي من أجلي…”
…سيارة جاكوار XK120 السوداء كانت متوقفة على مسافة ليست بعيدة وظلت تصدر صوتًا عاليًا.
تعثرت الشقراء، وأرسلت قبلة إلى تشانغ هينج. “عندما أعود غدًا، سأعد لك فنجانًا من القهوة. إنه موعد!”
قبل أن يتمكن من الإجابة، رفعت تنورتها وركضت إلى السيارة بكعبها العالي.
وهكذا، أصبح تشانغ هينج موظف الاستقبال في المختبر. هز رأسه وحمل الأشياء إلى الممر ورأى شخصًا ينتظره هناك بالفعل.
بدا الرجل شابًا جدًا، ربما في العشرينيات من عمره. ولكن على عكس أغلب الشباب في هذا العمر، كان يتمتع بنوع من التفكير العميق، وكأنه دائمًا ما يفكر في شيء ما. وفي الوقت نفسه، كانت حركاته الدقيقة والحاسمة تحمل طابع جندي محنك.
ولم يكن الجزء الأخير غير عادي – فالكثير من طياري الاختبار في المختبر جاءوا من خلفية عسكرية.
عندما رأى تشانغ هينج يقترب، نهض من مقعده بأدب.
“كيف حالك يا سيدي؟ أنا ديفيد، متدرب في المختبر. لا بد أنك طيار الاختبار الجديد. طلبت مني جين أن أطلعك على المكان الذي ستعمل فيه.”
“شكرًا لك”، قال الرجل وهو يمد يده. “نيل أرمسترونج، طيار بحري متقاعد”.
كان صوته عميقًا وحازمًا.
توقف تشانغ هينج في مكانه وهو يمسك بيد نيل، وتجمد لثانية واحدة. “ما الأمر؟”
“أوه، لا شيء! يسعدني أن ألتقي بك، السيد أرمسترونج،” قال تشانغ هينج بسرعة.
“المتعة لي.”
“إذا لم يكن لديك مانع، يجب أن أحصل على هذه المستندات للأستاذة ماجي قبل أن نبدأ الجولة.”
أومأ ارمسترونج برأسه.
لم يكن تشانغ هينغ يتوقع أن يلتقي نيل أرمسترونج ـ أول رجل يهبط على سطح القمر. ليس الآن، في عام 1955 على الأقل. وإذا نظرنا إلى الوراء، فسوف نجد أن أرمسترونج عمل بالفعل لدى وكالة ناسا كطيار اختبار لفترة معينة. وفي ذلك الوقت، بدا رائد الفضاء الأسطوري شاباً، ووفقاً لحسابات تشانغ هينغ، كان من المفترض أن يكون أرمسترونج في الخامسة والعشرين من عمره فقط. وبعد أن أنهى خدمته في البحرية، عاد لإكمال تعليمه الجامعي. ولم يكن قد حصل بعد على درجة الماجستير في هندسة الطيران. وفي وقت لاحق من حياته، وبعد أن صنع التاريخ في مهمة ناجحة إلى القمر، ظل بعيداً عن الأضواء، وعاش حياة هادئة بالتدريس في إحدى الجامعات. ولم يقبل تقريبًا أي مقابلات، ولم يكتب سيرة ذاتية واحدة. والواقع أن قِلة من الناس كانوا يعلمون أن أرمسترونج لم يلتقط قط صورة لنفسه على سطح القمر. والصورة التي انتشرت على نطاق واسع للهبوط على سطح القمر التقطها في الواقع زميله في الطاقم باز ألدرين. وكان ظل أرمسترونج بالكاد مرئياً من انعكاس خوذة ألدرين. أما الصورة الشهيرة الأخرى، وهي بصمة القدم على سطح القمر، فقد كانت أيضًا بفضل ألدرين.
على عكس زميله المشاغب إلى حد ما، كان أرمسترونج رجلاً متواضعًا وغير متكلف؛ فقط القلائل الذين راسلوه كانوا يعرفون ما مر به عندما كان شابًا.
لكن تشانغ هينج كان أكثر اهتمامًا بمهارات أرمسترونج في الطيران، وهو عبقري حصل على رخصة الطيران عندما كان في السادسة عشرة من عمره فقط. قبل الحصول على رخصة القيادة، أو حتى الانضمام إلى وكالة ناسا، كان قد قاد أكثر من 200 نوع مختلف من الطائرات. كان هذا أحد الأسباب الرئيسية لاختياره ليكون رائد فضاء. ومع ذلك، لم يكن تشانغ هينج متأكدًا من شيء واحد. هل سيؤثر اجتماعهما في عام 1955 على المهمة بعد أربعة عشر عامًا؟
بعد تسليم الوثائق للأستاذة ماجي، عاد تشانغ هينج مسرعًا إلى أرمسترونج. “إذن، هل وصلت إلى كليفلاند؟”.
“نعم. لقد تقدمت بطلب إلى مركز درايدن لأبحاث الطيران في قاعدة إدواردز الجوية، ولكن نظرًا لأن المكان ممتلئ، فقد تم تعييني هنا في الوقت الحالي”، أجاب أرمسترونج. “إذا كان الأمر كذلك، فيجب أن نتناول المشروبات بعد الجولة”.
---
ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن
أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات