البديهيات مفقودة (فصل جانبي)
الليلة لم تكن كسابقاتها. الرياح، باردة بشكل غير معتاد، هبت عبر شوارع سيلفاريوم الضيقة وكأنها تهمس بأسرار قديمة منسية. تحت السماء المظلمة التي يهيمن عليها القمر الدموي، بدت الأبراج المتصدعة والأبنية البالية وكأنها هياكل عظمية عملاقة، شاهدة على عصر مضى، تركت لتنهار ببطء تحت وطأة الزمن.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com صمت إيفان لوهلة، مستذكرًا تلك الأيام الأولى. لم يكن هو نفسه، لم يكن يعرف حتى من يكون حينها. كان مجرد مزيج من الغضب والخوف.
صافرات الإنذار المعتادة قطعت السكون، صاخبة مثل نداءات موت معلنة. انطلقت كتيبة الملك في الأرجاء، خطواتهم كانت إيقاعاً ثقيلاً يخترق الشوارع المظلمة والمبللة بالأمطار المتجمعة في برك صغيرة بين الحجارة العتيقة. كانت الأرض تحتهم ملساء من الرطوبة، تلمع تحت ضوء مصابيح الغاز المهتز بفعل الرياح، تلك المصابيح التي تلقي بظلال مشوهة وطويلة على الجدران المنهارة. أما الشوارع، فقد خلت من سكانها كما لو أن المدينة لفظتهم إلى جحورها، ليختبئوا من الليل ووحوشه.
رد عليها ببرود مختصر: “هذا الأمر سر، آسف.” كانت كلارا تتوقع الإجابة، لكنها لم تستطع إلا أن تشعر بخيبة أمل خفيفة.
لكن تلك الليلة، شيء ما كان مختلفًا.
“لهذا السبب أطلب منك أن تستمر في الراحة وممارسة التمارين. العقل والجسد يحتاجان للوقت.”
انفصل قسم من الكتيبة، يقوده الملازم إيفان ديمونت، رجلاً ذا ملامح صارمة لا تعكس إلا شبح التعبير. كان يرتدي معطفًا ثقيلًا داكن اللون، يرفرف مع كل حركة وكأنه يمتزج مع الليل. رأسه مغطى بقبعة سوداء متينة، ذات حواف عريضة تقيه الأمطار المتساقطة بخفة، تاركة قطرات تتجمع ثم تنزلق على طول المعطف لتتلاشى في الشوارع القاتمة. معه تسير كتيبته، جنود مدججون بالسلاح، يتنقلون بين الأزقة وكأنهم أشباح في ظلمة الليل، أسلحتهم الباردة تلمع في الظلام، يلتف حولهم ضوء المصابيح الغازية الشاحبة.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
الطرق كانت ضيقة، الجدران المتهالكة على جانبي الشارع تتكدس فوق بعضها البعض، تشقها نوافذ صغيرة ذات إطارات خشبية باهتة، تغطيها الستائر الثقيلة التي لا تُفتح أبدًا. الواجهات كانت قديمة، يغلب عليها اللون الداكن بفعل الغبار الذي تراكم على مر العقود. الأبواب العتيقة المصنوعة من خشب البلوط تزينها زخارف معقدة، لكنها فقدت بريقها منذ زمن طويل، محفورة بأثر الزمن والرطوبة. كان بوسع أي مارة أن يشعروا بأن هذه الأبنية قد شهدت أكثر مما تتحمله.
“هناك شيء غير طبيعي هنا…” همس أحد الجنود بصوت منخفض، عينيه تحدقان في الأزقة الفارغة المحيطة بهم. لم يكن هناك أي حركة، كأن المدينة نفسها توقفت عن التنفس.
.
جلس إيفان بهدوء أمام الطاولة المعدنية، متأملًا الكيان الجالس مقابله. من الواضح أنه كان إنسانًا في وقتٍ ما، لكن تحوّله إلى ما هو عليه الآن جعله أقرب إلى كابوس حي. فريدريك، الذي صار يعرف الآن بـالمسخ المسكون، بدا كأنه تجسيد لعالم آخر، بشرة مشوهة تمتزج فيها الألوان بين الأحمر والرمادي بطريقة غير متجانسة، وكأنها خرائط معقدة على سطح جسمه الهزيل. كان فريدريك طويل القامة، أطول مما كان يتوقعه أي شخص، لكن هزاله الشديد جعل وزنه لا يتجاوز 130 كيلوجرامًا. ومع ذلك، ورغم هذا الجسد الضعيف، كان قد شاهد بالأمس كيف خدش فريدريك سطح الطاولة المعدنية الصلبة بكفه العاري، وكأن القوة الحقيقية تختبئ تحت مظهره الهش. بجوار مقعده، وقفت مشاية ذات أربع عجلات، علامة على هشاشة جسده الجسدي، لكنها لم تكن كافية لإخفاء الخطر الكامن داخله.
إيفان لم يرد، لكنه شعر بنفس الانزعاج. عادةً ما كانت هذه الشوارع تعج بالناس قبل غروب الشمس، لكن الآن، كان الصمت هو الحاكم. الرياح، رغم قسوتها، لم تُصدر سوى صوت خافت وهي تعبث بأطراف المعاطف الثقيلة، مما زاد من وطأة الترقب في قلوبهم. الليل كان مختلفًا هذه المرة، وكانت الكتيبة تشعر بهذا.
صمت فريدريك للحظة، ثم رفع رأسه ببطء، وكأنه يعيد شريط الذكريات المؤلمة في ذهنه. “حاولت أن أتجاهل الأمر، لكن الحقيقة كانت أكبر مما أستطيع تحملها.”
بينما كانوا يقتربون من هدفهم، بدأت البيوت التي مروا بها تأخذ طابعًا غريبًا. الجدران القديمة بدت وكأنها تتنفس ببطء، تتشقق وتتمدد تحت ثقل الظلال الداكنة. النوافذ المتربة كانت أشبه بأعين ميتة تحدق في الفراغ، لا تنبض بالحياة بل بالصمت. الشارع، الذي بدا وكأنه يمتد بلا نهاية، كان ضيقًا بشكل لا يبعث على الراحة، وكأن الجدران تقترب من بعضها البعض لتحاصرهم.
وفي نهاية هذا الممر المتعرج، ظهر أمامهم المنزل. كان بناءً ضخماً، يظهر ككائن مهيب في وسط الظلام. واجهته الأمامية كانت تزينها أعمدة حجرية شاهقة، متآكلة بفعل الزمن، تقف متباعدة وكأنها أسنان متكسرة. على جانبي الباب الكبير، كانت الأبواب محاطة بزخارف حديدية ملتوية، كما لو أنها تحاول الإمساك بأي شخص يجرؤ على الاقتراب. الجدران العالية مغطاة بطبقة من النباتات المتسلقة، أوراقها تلتف حول الطوب القديم مثل أصابع ميتة تبحث عن حياة لم تعد موجودة.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com .
وفي نهاية هذا الممر المتعرج، ظهر أمامهم المنزل. كان بناءً ضخماً، يظهر ككائن مهيب في وسط الظلام. واجهته الأمامية كانت تزينها أعمدة حجرية شاهقة، متآكلة بفعل الزمن، تقف متباعدة وكأنها أسنان متكسرة. على جانبي الباب الكبير، كانت الأبواب محاطة بزخارف حديدية ملتوية، كما لو أنها تحاول الإمساك بأي شخص يجرؤ على الاقتراب. الجدران العالية مغطاة بطبقة من النباتات المتسلقة، أوراقها تلتف حول الطوب القديم مثل أصابع ميتة تبحث عن حياة لم تعد موجودة.
النوافذ، الكبيرة والمستديرة في أعلاها، كانت مغلقة تمامًا، لا أثر لأي ضوء يتسرب منها. ستائر داكنة، ثقيلة مثل ظلال الليل نفسه، تخفي ما بداخلها. بدا المنزل وكأنه كائن حي يختبئ وراء هذه الستائر، يراقب بصمت كل من يقترب.
ارتسمت على وجه كلارا تعبيرات من يفهم تمامًا ما يعنيه. قالت بنبرة هادئة لكنها حازمة: “أنت شخص قوي، إيفان، لا يمكنك التراجع الآن.”
نظر إيفان إلى المذبح بعينين متسعتين: “ما هذا السحر؟”
توقف الجنود عند هذا المنزل، تتسلل الرهبة إلى قلوبهم. إيفان، بوجهه الصارم وعينيه اللتين تحملان بريق العزيمة، تقدم خطوة للأمام، وقف أمام الباب الثقيل، الهواء حوله يتثاقل، وكأنهم يقفون على حافة عالم آخر، عالم غارق في الظلام والمجهول.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com وقف إيفان، جسده مشدود بالضغط، وقال: “لماذا أشعر أن هناك شيئًا آخر لم تخبريني به بعد؟”
“صباح الخير،” قال فريدريك بصوت مبحوح، تردد في نبرته لكنه لم يخلُ من شيء يشبه السخرية.
“لقد وصلنا…” قال إيفان بصوت خافت، عيناه تتفحصان الأبواب العتيقة، والمجهول الذي ينتظر خلفها.
“كيف تشعر هذا الصباح، ديمونت؟” سأل الدكتور بنبرة هادئة، محاولًا إخفاء قلقه المتزايد.
.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
.
.
.
.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com .
إستيقظ إيفان ديمونت على شعوره بالألم في كل جزء من جسده. استلقى على فراشه الصلب في غرفة خافتة الإضاءة داخل مستشفى عسكري قديم، حيث الجدران المصفرة بالبقع تبدو شاهدة على مرور الزمن والتآكل. الستائر المفتوحة قليلاً سمحت بدخول ضوء شمس بعد الظهيرة الباهت، مما أعطى الغرفة طابعًا كئيبًا. بلاط الأرضية الأبيض الذي انطفأ بريقه بمرور الزمن بدا باردًا تحت قدميه. بجانب سريره، كان هناك طاولة صغيرة عليها بعض الزهور، أرسلها له قائده العسكري في محاولة باردة لتعزيته.
تنهدت كلارا ببطء، وأخذت لحظة لتجميع أفكارها قبل أن ترد: “هناك طائفة صغيرة تعمل على تعديل البشر بطرق غامضة لا نفهمها بعد، ويقودها شخص يُدعى السيد ليل . هذا الرجل تواصل مع كيان على الأقل مشابه لذلك الذي واجهناه أثناء التحقيق في ‘الكيان الممزق’.”
إيفان كان قد فقد سبعة أشهر من حياته، غارقًا في غيبوبة طبية طويلة. في البداية، حاول الأطباء إيقاف التخدير بعد فترة من العلاج، لكن جسده لم يستجب. لقد استيقظ أخيرًا، ليس على صوت الحياة، بل على أصوات الأطباء والممرضات وهم يحيطون به، يسألون عن حاله. لكنه لم يكن قادرًا على فعل شيء سوى الصراخ.
“صباح الخير،” قال فريدريك بصوت مبحوح، تردد في نبرته لكنه لم يخلُ من شيء يشبه السخرية.
ظهر الدكتور أندرسون عند مدخل الغرفة، بنظرة مختلطة بين الاحترافية والقلق. كان رجلاً في منتصف العمر، شعره الرمادي المتناثر يعكس سنواته الطويلة في مهنته. ارتدى معطفه الأبيض الذي بدا أطول من المعتاد، وتحرك بخطوات مدروسة نحو إيفان.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
“كيف تشعر هذا الصباح، ديمونت؟” سأل الدكتور بنبرة هادئة، محاولًا إخفاء قلقه المتزايد.
شعر إيفان بالغضب يشتعل بداخله. “لماذا أعادوه إلى هناك؟ ذالك المكان عبارة عن جحيم حي.
“لم أنم منذ استيقاظي… الألم لا يفارقني.” أجاب إيفان بصوت متحجر، تعبيرات وجهه تعكس الألم الداخلي الذي يعيشه.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
جلس إيفان بهدوء أمام الطاولة المعدنية، متأملًا الكيان الجالس مقابله. من الواضح أنه كان إنسانًا في وقتٍ ما، لكن تحوّله إلى ما هو عليه الآن جعله أقرب إلى كابوس حي. فريدريك، الذي صار يعرف الآن بـالمسخ المسكون، بدا كأنه تجسيد لعالم آخر، بشرة مشوهة تمتزج فيها الألوان بين الأحمر والرمادي بطريقة غير متجانسة، وكأنها خرائط معقدة على سطح جسمه الهزيل. كان فريدريك طويل القامة، أطول مما كان يتوقعه أي شخص، لكن هزاله الشديد جعل وزنه لا يتجاوز 130 كيلوجرامًا. ومع ذلك، ورغم هذا الجسد الضعيف، كان قد شاهد بالأمس كيف خدش فريدريك سطح الطاولة المعدنية الصلبة بكفه العاري، وكأن القوة الحقيقية تختبئ تحت مظهره الهش. بجوار مقعده، وقفت مشاية ذات أربع عجلات، علامة على هشاشة جسده الجسدي، لكنها لم تكن كافية لإخفاء الخطر الكامن داخله.
ابتسم الدكتور بحذر وهو يقلب صفحات التقرير بين يديه. “حسنًا، لقد حصلت على نتائج تخطيط كهربية عضلاتك، وأعتقد أن الأمر قد يثير اهتمامك.”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com “كل شخص يتفاعل مع الصدمات بطرق مختلفة، ما تمر به من ألم نفسي قد يترجم إلى شعور جسدي.” حاول الدكتور أن يفسر بحذر.
“وما الذي تقوله هذه النتائج؟” سأل إيفان، وهو يعرف مسبقًا أن الإجابة لن تكون مريحة.
ألفريد، بملامحه الجامدة التي لا تكاد تتغير، أومأ برأسه بإشارة موافقة. ثم استدار وأشار بيده إلى اثنين من الجنود: ثيودور هارتنيل وإليزابيث ويلكوكس. كان ثيودور، بفكه المحدد وعيونه الجليدية، صورة للثبات الذي قد يثير التوتر لدى من حوله. أما إليزابيث، فكان شعرها الأحمر المتلألئ تحت ضوء الشمس المتسلل من خلال الغيوم الداكنة، وكأنه شعلة في الظلام. كانت ترتدي سلسلة متدلية حول عنقها، تمائمها المعدنية تتراقص بخفة مع كل حركة.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
“النتائج… طبيعية تمامًا. لا توجد مشاكل عضوية.”
وضع فريدريك رأسه بين يديه، محنيًا جسده النحيل فوق الطاولة، مرفقيه يرتكزان على سطحها البارد. بدا أن التفكير في الأحداث يعيد له ذكريات ثقيلة. “المخلوقات لم تكن كما بدت في البداية… لقد تغيرت. عندما واجهناها أول مرة، هاجمت بوحشية، بلا نظام. لكنها لاحقًا… بدت وكأنها تعمل بتنسيق.”
“طبيعية؟ كيف يكون ذلك؟” قبضت يدا إيفان على الأغطية بتوتر.
أومأ إيفان برأسه بخفة، وقد بدا وكأن عينيه تغوصان في ظلال المكان، تتأملان كل زاوية وكل حجر. وقف على مسافة وهو يراقب الجنود أثناء قيامهم بالتفتيش، وعقله ينشغل بالتفكير في الأسرار التي قد تكمن خلف هذه الجدران المتهالكة. بعد دقائق معدودة، سمع صوت إليزابيث يناديه من الداخل.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
“بعد غيبوبة طويلة كهذه، من المتوقع أن تفقد كتلة عضلية نتيجة الضمور. لكن ما حدث معك غير مألوف، جسدك لم يتأثر.”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com .
أصوات خطوات الأطباء في الممر البعيد كانت تكاد تُسمع، لكن إيفان لم يكن بحاجة إلى سماع المزيد. ما سمعه للتو كان يُرسخ إحساسه بأن شيئًا خاطئًا يحدث داخله.
“لهذا السبب أطلب منك أن تستمر في الراحة وممارسة التمارين. العقل والجسد يحتاجان للوقت.”
“إذن لماذا الألم لا يتركني؟” سأل إيفان، صوته يمزج بين الاستفهام والغضب المكبوت.
“بعد غيبوبة طويلة كهذه، من المتوقع أن تفقد كتلة عضلية نتيجة الضمور. لكن ما حدث معك غير مألوف، جسدك لم يتأثر.”
لم يكن هذا خطأها على أي حال. لم يكن ما حدث نتيجة سحر، بل كان شيئًا آخر. كيان فضائي هائل، غريب من عالم آخر، كان يتغذى على المفاهيم بشكل عنيف ومروع. في عمق هذا الكيان كان الجوع، جوع غير مرئي يعذب العقل ويهز الوعي. إيفان كان يعاني من مرارة استحالة التصدي لهذا الكيان، وكان يتساءل في نفسه: “كيف كان بإمكانها أن تعلم؟”
“كل شخص يتفاعل مع الصدمات بطرق مختلفة، ما تمر به من ألم نفسي قد يترجم إلى شعور جسدي.” حاول الدكتور أن يفسر بحذر.
الليلة لم تكن كسابقاتها. الرياح، باردة بشكل غير معتاد، هبت عبر شوارع سيلفاريوم الضيقة وكأنها تهمس بأسرار قديمة منسية. تحت السماء المظلمة التي يهيمن عليها القمر الدموي، بدت الأبراج المتصدعة والأبنية البالية وكأنها هياكل عظمية عملاقة، شاهدة على عصر مضى، تركت لتنهار ببطء تحت وطأة الزمن.
لكن إيفان لم يكن راضيًا. تلك الكلمات لم تكن تشفيه، بل زادت من شعوره بالغموض الذي يلتف حوله. لقد رأى أشياء لا يمكن نسيانها، عايش أحداثًا تخترق أعماق الوعي، لكنها لم تكن مجرد “صدمة” كما يقولون.
ألفريد، بملامحه الجامدة التي لا تكاد تتغير، أومأ برأسه بإشارة موافقة. ثم استدار وأشار بيده إلى اثنين من الجنود: ثيودور هارتنيل وإليزابيث ويلكوكس. كان ثيودور، بفكه المحدد وعيونه الجليدية، صورة للثبات الذي قد يثير التوتر لدى من حوله. أما إليزابيث، فكان شعرها الأحمر المتلألئ تحت ضوء الشمس المتسلل من خلال الغيوم الداكنة، وكأنه شعلة في الظلام. كانت ترتدي سلسلة متدلية حول عنقها، تمائمها المعدنية تتراقص بخفة مع كل حركة.
“هل قرأت ملفي؟ ملف 7523؟” سأله إيفان بنبرة تملؤها الشك.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com وقف إيفان، جسده مشدود بالضغط، وقال: “لماذا أشعر أن هناك شيئًا آخر لم تخبريني به بعد؟”
“بالطبع، لقد حصلت على الإذن اللازم لمعرفة التفاصيل عندما بدأنا علاجك.” قال الدكتور بنبرة محترمة.
“إذن يجب أن تعرف أن ما مررت به لم يكن مجرد صدمة بسيطة.”
في قلبه، كانت مشاعر الندم والتساؤل تتصارع. كان يعلم أنه لا يمكن لوم إليزابيث بالكامل، فحتى لو كانت قريبة منه، فإن الغموض الذي أحاط بالكيان كان أكبر من أي تفسير بسيط. فريدريك الذي كان يعتبره مصدرًا للمعرفة، كان قد غمره في ضباب من الغموض، ويبدو أن كل التفاصيل كانت مفقودة في تفاصيل هذا الكيان القاسي. “كيف كان يمكنني أن أعلم أن هذا الكيان كان يتواجد في كل شيء من حولنا؟” تساءل بمرارة، وهو يحاول التقاط شظايا الذاكرة الضبابية والغامضة التي تجمعت في عقله.
“أعلم أنك أنت وفريق العمليات الخاصة كنتم جزءًا من عملية معقدة، لكن ما حدث يُفسر بالعلم. ذهبت إلى مكان بعيد… واقع غريب، تعرضت لأمور تفوق الإدراك.” قال الدكتور محاولًا إظهار فهمه للوضع، لكنه لم يكن يدرك حجم الفوضى التي عايشها إيفان.
“أنا لا أقول أنني لم أتحسن. لكنني لم أعد كما كنت. هذا الشيء أفسدني.”
“مع كل احترامي لك، هذا مجرد هراء علمي!” صرخ إيفان فجأة، غاضبًا من تلك التفسيرات الباردة. “ما رأيته لم يكن مجرد هلوسة. هناك شيء في هذا العالم يريد أن يبتلع كل شيء. إنه ضخم، غريب… ويسيطر على كل ذرة حوله.”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
ابتعد إيفان ديمونت عن فرقة العمليات وأخرج جهاز التسجيل الخاص به. كان الهواء مفعمًا برائحة الرطوبة والعفن، بينما كانت جدران المباني المتآكلة ترتفع من حوله، شاهدةً على عصر مضى. كل خطوة كان يخطوها بين الأنقاض تعزف نغمة خافتة من التدهور والخراب. قال بصوت هادئ مبحوح من التأمل: “تبدو هذه المباني وكأنها شهدت مئات السنين من التآكل. استنادًا إلى السجلات التي وجدتها في أنقاض موقع الآثار، أظن أن هذه المباني قديمة لدرجة أنها تحكي قصصًا نسيناها منذ زمن بعيد. ورغم أن تصميمها يبدو غريبًا عن أي شيء في حضارتنا، إلا أن البناء صلب، كأنه تحدى الزمن.”
“أفهم ذلك، لكن الاختبارات التي أجريناها عليك تشير إلى أنك في حالة جيدة.” قال الدكتور بحذر، محاولًا تهدئة الوضع.
نظر إيفان مجددًا إلى المذبح، وكأن هناك شيئًا غامضًا يجذبه نحو هذا الشيء. “لدينا كاهن كارسيست في القصر الشمالي. ربما يجب أن أطرح عليه بعض الأسئلة حول هذا.”
“لا يهمني ما تقوله النتائج! لقد حاول هذا الشيء أكلي من الداخل إلى الخارج. لقد حول الناس إلى وحوش مفترسة، وحاول أن يفعل نفس الشيء معي.”
ابتسم الدكتور قليلاً وهو يقترب من إيفان. “أنت أفضل بكثير الآن. لقد تحسنت حالتك مقارنة بالأيام الأولى عندما كنت تهاجم الجميع وتصرخ على الطاقم الطبي.”
“مع كل احترامي لك، هذا مجرد هراء علمي!” صرخ إيفان فجأة، غاضبًا من تلك التفسيرات الباردة. “ما رأيته لم يكن مجرد هلوسة. هناك شيء في هذا العالم يريد أن يبتلع كل شيء. إنه ضخم، غريب… ويسيطر على كل ذرة حوله.”
الليلة لم تكن كسابقاتها. الرياح، باردة بشكل غير معتاد، هبت عبر شوارع سيلفاريوم الضيقة وكأنها تهمس بأسرار قديمة منسية. تحت السماء المظلمة التي يهيمن عليها القمر الدموي، بدت الأبراج المتصدعة والأبنية البالية وكأنها هياكل عظمية عملاقة، شاهدة على عصر مضى، تركت لتنهار ببطء تحت وطأة الزمن.
صمت إيفان لوهلة، مستذكرًا تلك الأيام الأولى. لم يكن هو نفسه، لم يكن يعرف حتى من يكون حينها. كان مجرد مزيج من الغضب والخوف.
وفجأة، تحول العالم من حوله. لم يعد في المبنى، ولم يعد يسمع أصوات الجنود أو يشعر بالهواء الرطب. كان في مكان آخر، مظلم تمامًا. شعر وكأنه يسقط من مكان مرتفع، لكن لم يكن هناك أرض تحت قدميه. كانت السماء مليئة بالضباب، والأفق يتلاشى في العدم. أصابته دوامة من الدوار، وعيناه تحاولان التكيف مع الظلام المتزايد.
“أنا لا أقول أنني لم أتحسن. لكنني لم أعد كما كنت. هذا الشيء أفسدني.”
لم يكن هذا خطأها على أي حال. لم يكن ما حدث نتيجة سحر، بل كان شيئًا آخر. كيان فضائي هائل، غريب من عالم آخر، كان يتغذى على المفاهيم بشكل عنيف ومروع. في عمق هذا الكيان كان الجوع، جوع غير مرئي يعذب العقل ويهز الوعي. إيفان كان يعاني من مرارة استحالة التصدي لهذا الكيان، وكان يتساءل في نفسه: “كيف كان بإمكانها أن تعلم؟”
“لهذا السبب أطلب منك أن تستمر في الراحة وممارسة التمارين. العقل والجسد يحتاجان للوقت.”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com اقترب إيفان من المذبح، وملامح وجهه توحي بمزيج من الفضول والرعب. كانت العظام منحوتة بشكل دقيق، وكأنها شكلت بشكل طبيعي لتتخذ هذه الهيئة. همس بصوت منخفض: “كيف تم صنع هذا الشيء؟”
“بخير…” قال إيفان متثاقلاً، وهو يعلم أن الأمر لن ينتهي بهذه السهولة.
“إذن يجب أن تعرف أن ما مررت به لم يكن مجرد صدمة بسيطة.”
ارتسمت على وجه كلارا تعبيرات من يفهم تمامًا ما يعنيه. قالت بنبرة هادئة لكنها حازمة: “أنت شخص قوي، إيفان، لا يمكنك التراجع الآن.”
نهض الدكتور مغادرًا الغرفة بهدوء، لكنه لم يدرك أن إيفان لم يكن يستمع. لقد كان يغوص في أفكاره.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
إنهم لا يفهمون. لن يفهموا أبدًا.
انحنى فريدريك ببطء، وضعية جسده أصبحت مثقلة بالندم. “لأنني اتصلت به… الكيان الذي كان يسيطر عليهم.”
الطرق كانت ضيقة، الجدران المتهالكة على جانبي الشارع تتكدس فوق بعضها البعض، تشقها نوافذ صغيرة ذات إطارات خشبية باهتة، تغطيها الستائر الثقيلة التي لا تُفتح أبدًا. الواجهات كانت قديمة، يغلب عليها اللون الداكن بفعل الغبار الذي تراكم على مر العقود. الأبواب العتيقة المصنوعة من خشب البلوط تزينها زخارف معقدة، لكنها فقدت بريقها منذ زمن طويل، محفورة بأثر الزمن والرطوبة. كان بوسع أي مارة أن يشعروا بأن هذه الأبنية قد شهدت أكثر مما تتحمله.
أخذ إيفان نفسًا عميقًا، محاولًا كبح مشاعر التوتر التي بدأت تتراكم داخله. “هل يتعلق الأمر بـ فريدريك؟”
كان الجو ثقيلاً في صباح فبراير، حين تسلل ضوء الشمس الخافت عبر النوافذ العالية، ليضفي على الغرفة جوًا من التوتر الذي لم يتبدد برغم دفء النهار.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
جلس إيفان بهدوء أمام الطاولة المعدنية، متأملًا الكيان الجالس مقابله. من الواضح أنه كان إنسانًا في وقتٍ ما، لكن تحوّله إلى ما هو عليه الآن جعله أقرب إلى كابوس حي. فريدريك، الذي صار يعرف الآن بـالمسخ المسكون، بدا كأنه تجسيد لعالم آخر، بشرة مشوهة تمتزج فيها الألوان بين الأحمر والرمادي بطريقة غير متجانسة، وكأنها خرائط معقدة على سطح جسمه الهزيل. كان فريدريك طويل القامة، أطول مما كان يتوقعه أي شخص، لكن هزاله الشديد جعل وزنه لا يتجاوز 130 كيلوجرامًا. ومع ذلك، ورغم هذا الجسد الضعيف، كان قد شاهد بالأمس كيف خدش فريدريك سطح الطاولة المعدنية الصلبة بكفه العاري، وكأن القوة الحقيقية تختبئ تحت مظهره الهش. بجوار مقعده، وقفت مشاية ذات أربع عجلات، علامة على هشاشة جسده الجسدي، لكنها لم تكن كافية لإخفاء الخطر الكامن داخله.
“صباح الخير،” قال فريدريك بصوت مبحوح، تردد في نبرته لكنه لم يخلُ من شيء يشبه السخرية.
وقف إيفان لحظة، ثم رفع يده بإشارة مطمئنة دون أن يلتفت، متمتمًا لنفسه: “هناك دائمًا أشياء نجهلها.” وضع إيفان يده على جهاز التسجيل مرة أخرى، عيناه تلتقطان بقايا الهياكل العظمية المتناثرة حوله كأشباح ماضية: “ثمة عظام هنا، ربما بقايا مئات… لا، آلاف الأشخاص. لكن أين الجثث؟ كيف يمكن لمدينة بهذا الحجم أن تختفي أجساد سكانها هكذا؟” توقف عن التسجيل، ثم رفع صوته لينادي على ألفريد: “ألفريد، أريد استكشاف أحد هذه المباني.”
“صباح الخير، فريدريك،” رد إيفان بحذر، مدركًا أن هذه الجلسة ستكون أصعب مما توقع. “هل نمت جيدًا؟ هل كانت غرفتك مريحة بما فيه الكفاية؟”
عندما استيقظ، كان العالم من حوله يبدو غريبًا، كأنما ينظر إلى واقعه من وراء زجاج مغبش.
رمقه فريدريك بنظرة مستقيمة وحادة، وكأنه يتفحصه بدقة أكبر مما هو ظاهر. “أفضل بكثير من الأيام التي قضيتها بين أنقاض ذالك المكان.”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
“أجل، لا مقارنة بين غرفة بسرير حقيقي وبين مرتبة بالية في زاوية مظلمة.” حاول إيفان تخفيف حدة التوتر بكلمات بسيطة، لكن تأثيرها كان ضئيلًا على فريدريك، الذي بدا وكأنه غير معني بالحديث عن مثل هذه التفاصيل الصغيرة.
وفي نهاية هذا الممر المتعرج، ظهر أمامهم المنزل. كان بناءً ضخماً، يظهر ككائن مهيب في وسط الظلام. واجهته الأمامية كانت تزينها أعمدة حجرية شاهقة، متآكلة بفعل الزمن، تقف متباعدة وكأنها أسنان متكسرة. على جانبي الباب الكبير، كانت الأبواب محاطة بزخارف حديدية ملتوية، كما لو أنها تحاول الإمساك بأي شخص يجرؤ على الاقتراب. الجدران العالية مغطاة بطبقة من النباتات المتسلقة، أوراقها تلتف حول الطوب القديم مثل أصابع ميتة تبحث عن حياة لم تعد موجودة.
“لقد وصلنا…” قال إيفان بصوت خافت، عيناه تتفحصان الأبواب العتيقة، والمجهول الذي ينتظر خلفها.
“ما الذي تريد مناقشته اليوم، أيها العميل؟” سأله فريدريك ببرود، نبرته تقطع أي محاولة لتخفيف الجو.
النوافذ، الكبيرة والمستديرة في أعلاها، كانت مغلقة تمامًا، لا أثر لأي ضوء يتسرب منها. ستائر داكنة، ثقيلة مثل ظلال الليل نفسه، تخفي ما بداخلها. بدا المنزل وكأنه كائن حي يختبئ وراء هذه الستائر، يراقب بصمت كل من يقترب.
أخذ إيفان نفسًا عميقًا، يعلم أن هذه الجلسة لن تكون عادية. “بالأمس تحدثنا عن الهجمات التي أدت إلى وفاة أفراد فريقنا. نحن بحاجة إلى فهم ما حدث هناك بشكل أوضح، فريدريك.”
.
وضع فريدريك رأسه بين يديه، محنيًا جسده النحيل فوق الطاولة، مرفقيه يرتكزان على سطحها البارد. بدا أن التفكير في الأحداث يعيد له ذكريات ثقيلة. “المخلوقات لم تكن كما بدت في البداية… لقد تغيرت. عندما واجهناها أول مرة، هاجمت بوحشية، بلا نظام. لكنها لاحقًا… بدت وكأنها تعمل بتنسيق.”
نظرت إليزابيث إلى إيفان بعينيها الثاقبتين، وتحدثت بنبرة متماسكة: “السيد ديمونت، سنقوم أولاً بتأمين المكان. تأكد من عدم وجود أعداء أو تدابير سحرية مضادة قبل أن نسمح لك بالدخول.”
رفع إيفان حاجبيه قليلًا، مستشعرًا أن الحديث يتخذ منحى أكثر تعقيدًا. “تنسيق؟ ماذا تقصد؟”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
زارته إليزابيث مرارًا منذ استيقاظه، وملامح وجهها مغطاة بالأسى والندم، تعتذر عن عدم قدرتها على إدراك ما حدث له في الوقت المناسب.
“في البداية، كانت تصرفاتهم غريزية، مثل حيوانات جائعة. لكن عندما تراجعنا إلى موقع آثار القرص الدائري، بدأت تلك المخلوقات تتصرف وكأنها تتبع خطة. محاصرتنا، اختيار اللحظات المناسبة للهجوم. كان هناك شيء خلف كل هذا.”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com .
“لا يهمني ما تقوله النتائج! لقد حاول هذا الشيء أكلي من الداخل إلى الخارج. لقد حول الناس إلى وحوش مفترسة، وحاول أن يفعل نفس الشيء معي.”
“هل تتحدث عن نوع من التخاطر؟” سأله إيفان، محاولًا أن يجد تفسيرًا منطقيًا لهذا التنسيق الغريب.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
فرد فريدريك ظهره قليلاً، نظرته أصبحت أكثر عمقًا وعيونه مملوءة بشيء من الظلال. “لا، لم يكن تخاطرًا. لو كان كذلك، لشعرت به. كان الأمر أشبه بشيء أعظم منهم جميعًا يتحكم فيهم من الخلف ولهذا السبب أحتاج إلى العودة إلى هناك.”
.
أخذ إيفان نفسًا عميقًا، يعلم أن هذه الجلسة لن تكون عادية. “بالأمس تحدثنا عن الهجمات التي أدت إلى وفاة أفراد فريقنا. نحن بحاجة إلى فهم ما حدث هناك بشكل أوضح، فريدريك.”
أخذ إيفان لحظة للتفكير، محاولًا أن يستوعب ما يسمعه. “كيان يتحكم بهم؟ ولمَ لم تخبرني عن هذا من قبل؟ ما علاقتك بهذا الكيان؟”
“ما الذي تريد مناقشته اليوم، أيها العميل؟” سأله فريدريك ببرود، نبرته تقطع أي محاولة لتخفيف الجو.
صمت فريدريك للحظة، ثم رفع رأسه ببطء، وكأنه يعيد شريط الذكريات المؤلمة في ذهنه. “حاولت أن أتجاهل الأمر، لكن الحقيقة كانت أكبر مما أستطيع تحملها.”
شعر إيفان بأن هناك ما هو أكثر مما قيل حتى الآن، فقرر أن يسلك طريقًا آخر في الحوار. “إذن، فلنتحدث عما حدث في النهاية. ما الذي جرى بالتحديد؟”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
أخذ فريدريك نفسًا عميقًا، ورأى إيفان أن قبضتيه كانتا ترتجفان بشكل طفيف. “لقد ماتوا جميعًا، كلهم… المخلوقات اقتحمت المكان، ومزقتهم إربًا. لم يكن بوسعي فعل شيء، سوى المشاهدة.”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com “ربما عليّ أن أتحدث إلى فريدريك.”كان هذا التفكير يراوده باستمرار. “لم أكن أعلم حينها أنه قضى أكثر من عشرين عامًا في مراقبة ذلك الكيان اللقيط الذي يتغذى على الضباب.”
رفعت كلارا حاجبًا رفيعًا، ثم نقرت بخفة على الملفات التي تحملها. “حدثت بعض التطورات أثناء فترة نقاهتك، إيفان. تطورات تتعلق بما حدث في ‘الضباب المكسور’. وأحتاج منك أن تكون مستعدًا.”
“لكنك نجوت، أليس كذلك؟” سأل إيفان بنبرة حذرة.
“ما الذي تريد مناقشته اليوم، أيها العميل؟” سأله فريدريك ببرود، نبرته تقطع أي محاولة لتخفيف الجو.
دخلت كلارا كرافت، المديرة الصارمة للمركز الطبي، بخطوات واثقة. كانت ترتدي زيًا أنيقًا يشع بالاحترافية، ولكن أكثر ما لفت الانتباه كان البرود الذي يحيط بها، مثل هالة من الثلج حولها. جلست على كرسي قريب، ووضعت ساقًا فوق الأخرى بخفة، بينما كانت توازن ثلاثة ملفات سميكة على ركبتيها.
انحنى فريدريك ببطء، وضعية جسده أصبحت مثقلة بالندم. “لأنني اتصلت به… الكيان الذي كان يسيطر عليهم.”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
شعر إيفان بالغضب يشتعل بداخله. “لماذا أعادوه إلى هناك؟ ذالك المكان عبارة عن جحيم حي.
شعر إيفان بزيادة في دقات قلبه، إدراكه بأن هناك شيئًا أكبر يلوح في الأفق. “كيان؟ من هو هذا الكيان؟”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
نهض فريدريك بصعوبة، معتمدًا على مشايته ليقف. سار بخطوات ثقيلة نحو الباب، لكن أحد الحراس المسلحين أوقفه عند العتبة. نظر فريدريك للحارس، ثم أعطى إيفان نظرة مملوءة بالتعب.
أجابت إليزابيث بصوت منخفض، وكأنها تهمس لنفسها: “إنه نوع من السحر العضوي… ‘سحر اللحوم’. يستخدم للتحكم في النمو الطبيعي للمادة الحية. نوع من السحر البدائي المرتبط بالطوائف القديمة.”
حدّقت كلارا في الملفات على السرير، ثم نظرت إليه بفضول وهي تسأله: “إلى أين ستذهب؟”
“هل انتهيت من تمارينك؟” سألت بنبرة رسمية، لا تهتم كثيرًا بالإجابة.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
بعد 6 أشهر
رد ثيودور، الذي كان يقف بالقرب، بنبرة باردة: “أعتقد أنه نُحِت أو نَمَا بطريقة غير طبيعية. يبدو وكأنه حي، لكنه متجمد في لحظة ما.”
.
“كيف تشعر هذا الصباح، ديمونت؟” سأل الدكتور بنبرة هادئة، محاولًا إخفاء قلقه المتزايد.
.
نظرت إليزابيث إلى إيفان بعينيها الثاقبتين، وتحدثت بنبرة متماسكة: “السيد ديمونت، سنقوم أولاً بتأمين المكان. تأكد من عدم وجود أعداء أو تدابير سحرية مضادة قبل أن نسمح لك بالدخول.”
.
وقف إيفان لحظة، ثم رفع يده بإشارة مطمئنة دون أن يلتفت، متمتمًا لنفسه: “هناك دائمًا أشياء نجهلها.” وضع إيفان يده على جهاز التسجيل مرة أخرى، عيناه تلتقطان بقايا الهياكل العظمية المتناثرة حوله كأشباح ماضية: “ثمة عظام هنا، ربما بقايا مئات… لا، آلاف الأشخاص. لكن أين الجثث؟ كيف يمكن لمدينة بهذا الحجم أن تختفي أجساد سكانها هكذا؟” توقف عن التسجيل، ثم رفع صوته لينادي على ألفريد: “ألفريد، أريد استكشاف أحد هذه المباني.”
.
رد إيفان بلهجة رسمية وهو ينظر في عينيها، محاولاً ألا يُظهر الكثير من الشفقة: “لدي خطة جاهزة للتنفيذ، لكنني بحاجة إلى الموافقة أولاً. بعد الحصول على تلك الموافقة، سأبدأ التنفيذ.”
.
تجمد إيفان في مكانه للحظة، ثم سأل بدهشة: “ماذا تقصدين؟ هل هناك المزيد من الكيانات المماثلة لذلك اليعسوب العملاق؟”
كان العرق يتصبب من ظهره كأنه شلال صغير، بينما كانت أشعة الشمس الدافئة تتسلل عبر الزجاج المقوى لغرفة العلاج. الجو كان خانقًا، رغم برودة المكان، وكان كل شيء يبدو أصعب مما يجب. عضلاته كانت ترتجف، وذهنه كان مشوشًا، مثل سيفين يتصادمان في رأسه بلا هوادة. والأمر الأسوأ، تلك الرغبة المفاجئة التي كانت تعتمل في داخله طوال الوقت، شعور عدائي كاد أن يدفعه لمهاجمة كل من يقترب منه. لقد تغير شيء بداخله، شيء لا يستطيع فهمه حتى الآن.
ابتعد إيفان ديمونت عن فرقة العمليات وأخرج جهاز التسجيل الخاص به. كان الهواء مفعمًا برائحة الرطوبة والعفن، بينما كانت جدران المباني المتآكلة ترتفع من حوله، شاهدةً على عصر مضى. كل خطوة كان يخطوها بين الأنقاض تعزف نغمة خافتة من التدهور والخراب. قال بصوت هادئ مبحوح من التأمل: “تبدو هذه المباني وكأنها شهدت مئات السنين من التآكل. استنادًا إلى السجلات التي وجدتها في أنقاض موقع الآثار، أظن أن هذه المباني قديمة لدرجة أنها تحكي قصصًا نسيناها منذ زمن بعيد. ورغم أن تصميمها يبدو غريبًا عن أي شيء في حضارتنا، إلا أن البناء صلب، كأنه تحدى الزمن.”
“لا يهمني ما تقوله النتائج! لقد حاول هذا الشيء أكلي من الداخل إلى الخارج. لقد حول الناس إلى وحوش مفترسة، وحاول أن يفعل نفس الشيء معي.”
بينما كان إيفان يمارس تمارينه اليومية على الأرضية، كان يشعر بجسده يُقاومه. كل عضلة كانت متصلبة، وكأنها غريبة عنه. كان الأمر وكأنه يعيد اكتشاف جسده، بعد أن عاش في جسد آخر لفترة طويلة. كانت هذه العودة إلى الجسد الطبيعي تشبه ارتداء بدلة جديدة لأول مرة، ضيقة على المقاس وغير مريحة. ربما كان الطبيب أندرسون محقًا؛ كان إيفان بحاجة إلى وقت أكثر للتعافي. لكن، بعد أن فقد سبعة أشهر من حياته بسبب ذلك الكيان اللعين، لم يكن إيفان مستعدًا لقضاء المزيد من الوقت في الانتظار.
على بُعد عدة أمتار، نادى عليه القائد ألفريد كينغستون بنبرة متزنة ولكنها محذرة: “إيفان، لا تبتعد كثيرًا. المنطقة ليست آمنة بالكامل. هناك أشياء نجهلها.”
“هل انتهيت من تمارينك؟” سألت بنبرة رسمية، لا تهتم كثيرًا بالإجابة.
تنهّد إيفان ببطء، ونظر إلى الملفات المتناثرة أمامه. كانت ثقيلة، ليست فقط بوزنها المادي، ولكن بثقلها المعنوي. أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يعترف بصوت منخفض: “لا أعرف ماذا أفعل هنا. ليس لدي القوة للغوص في كل هذا بعد الآن.”
وقف إيفان لحظة، ثم رفع يده بإشارة مطمئنة دون أن يلتفت، متمتمًا لنفسه: “هناك دائمًا أشياء نجهلها.” وضع إيفان يده على جهاز التسجيل مرة أخرى، عيناه تلتقطان بقايا الهياكل العظمية المتناثرة حوله كأشباح ماضية: “ثمة عظام هنا، ربما بقايا مئات… لا، آلاف الأشخاص. لكن أين الجثث؟ كيف يمكن لمدينة بهذا الحجم أن تختفي أجساد سكانها هكذا؟” توقف عن التسجيل، ثم رفع صوته لينادي على ألفريد: “ألفريد، أريد استكشاف أحد هذه المباني.”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
أصوات خطوات الأطباء في الممر البعيد كانت تكاد تُسمع، لكن إيفان لم يكن بحاجة إلى سماع المزيد. ما سمعه للتو كان يُرسخ إحساسه بأن شيئًا خاطئًا يحدث داخله.
ألفريد، بملامحه الجامدة التي لا تكاد تتغير، أومأ برأسه بإشارة موافقة. ثم استدار وأشار بيده إلى اثنين من الجنود: ثيودور هارتنيل وإليزابيث ويلكوكس. كان ثيودور، بفكه المحدد وعيونه الجليدية، صورة للثبات الذي قد يثير التوتر لدى من حوله. أما إليزابيث، فكان شعرها الأحمر المتلألئ تحت ضوء الشمس المتسلل من خلال الغيوم الداكنة، وكأنه شعلة في الظلام. كانت ترتدي سلسلة متدلية حول عنقها، تمائمها المعدنية تتراقص بخفة مع كل حركة.
“إذن يجب أن تعرف أن ما مررت به لم يكن مجرد صدمة بسيطة.”
نظرت إليزابيث إلى إيفان بعينيها الثاقبتين، وتحدثت بنبرة متماسكة: “السيد ديمونت، سنقوم أولاً بتأمين المكان. تأكد من عدم وجود أعداء أو تدابير سحرية مضادة قبل أن نسمح لك بالدخول.”
“إذن يجب أن تعرف أن ما مررت به لم يكن مجرد صدمة بسيطة.”
أومأ إيفان برأسه بخفة، وقد بدا وكأن عينيه تغوصان في ظلال المكان، تتأملان كل زاوية وكل حجر. وقف على مسافة وهو يراقب الجنود أثناء قيامهم بالتفتيش، وعقله ينشغل بالتفكير في الأسرار التي قد تكمن خلف هذه الجدران المتهالكة. بعد دقائق معدودة، سمع صوت إليزابيث يناديه من الداخل.
شعر إيفان بزيادة في دقات قلبه، إدراكه بأن هناك شيئًا أكبر يلوح في الأفق. “كيان؟ من هو هذا الكيان؟”
دخل المبنى بتروٍ، وبمجرد أن خطى إلى الداخل، انتشرت الرطوبة حوله مثل عباءة، وكأنها تحاول سحب حرارة جسده. كان الضوء ضعيفًا، وما تبقى منه كان يخترق النوافذ المتشققة بصعوبة، ليرسم أشكالًا مشوشة على الجدران المتداعية. وقفت إليزابيث بجوار مذبح مصنوع من العظام الملتوية، وكأن الأوتار قد التفت حولها لتصنع مشهدًا مروّعًا. الدماء عليه كانت لا تزال تلمع، وكأنها حديثة العهد.
.
تقدم إيفان بخطوات حذرة، وعيناه تتفحصان المذبح. “هل تم استخدامه مؤخرًا؟”
هزت إليزابيث رأسها بخفة وهي تنظر إلى الغبار الذي يكسو المكان. “لا أعتقد ذلك. الغبار يغطي كل شيء هنا، حتى الأرضية. آثار أقدامنا هي الوحيدة الموجودة.”
“وما الذي تقوله هذه النتائج؟” سأل إيفان، وهو يعرف مسبقًا أن الإجابة لن تكون مريحة.
“إذن لماذا الدماء لا تزال رطبة؟”
توقف الزمن للحظة، وكأن الغرفة بأكملها كانت تنتظر إجابتها. هزت كتفيها بتردد، وقالت: “لا أعلم.”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
اقترب إيفان من المذبح، وملامح وجهه توحي بمزيج من الفضول والرعب. كانت العظام منحوتة بشكل دقيق، وكأنها شكلت بشكل طبيعي لتتخذ هذه الهيئة. همس بصوت منخفض: “كيف تم صنع هذا الشيء؟”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
أومأ إيفان برأسه بخفة، وقد بدا وكأن عينيه تغوصان في ظلال المكان، تتأملان كل زاوية وكل حجر. وقف على مسافة وهو يراقب الجنود أثناء قيامهم بالتفتيش، وعقله ينشغل بالتفكير في الأسرار التي قد تكمن خلف هذه الجدران المتهالكة. بعد دقائق معدودة، سمع صوت إليزابيث يناديه من الداخل.
رد ثيودور، الذي كان يقف بالقرب، بنبرة باردة: “أعتقد أنه نُحِت أو نَمَا بطريقة غير طبيعية. يبدو وكأنه حي، لكنه متجمد في لحظة ما.”
وقف إيفان لحظة، ثم رفع يده بإشارة مطمئنة دون أن يلتفت، متمتمًا لنفسه: “هناك دائمًا أشياء نجهلها.” وضع إيفان يده على جهاز التسجيل مرة أخرى، عيناه تلتقطان بقايا الهياكل العظمية المتناثرة حوله كأشباح ماضية: “ثمة عظام هنا، ربما بقايا مئات… لا، آلاف الأشخاص. لكن أين الجثث؟ كيف يمكن لمدينة بهذا الحجم أن تختفي أجساد سكانها هكذا؟” توقف عن التسجيل، ثم رفع صوته لينادي على ألفريد: “ألفريد، أريد استكشاف أحد هذه المباني.”
“هل قرأت ملفي؟ ملف 7523؟” سأله إيفان بنبرة تملؤها الشك.
نظر إيفان إلى المذبح بعينين متسعتين: “ما هذا السحر؟”
ما هذا المكان؟
أجابت إليزابيث بصوت منخفض، وكأنها تهمس لنفسها: “إنه نوع من السحر العضوي… ‘سحر اللحوم’. يستخدم للتحكم في النمو الطبيعي للمادة الحية. نوع من السحر البدائي المرتبط بالطوائف القديمة.”
ضيق إيفان عينيه وسأل: “هل تعتقدين أنه من طائفة الطلسم الفاني؟”
ابتسمت إليزابيث بمرارة، وقالت: “ربما. هم بالتأكيد يستخدمون هذا النوع من السحر.”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com وقف إيفان، جسده مشدود بالضغط، وقال: “لماذا أشعر أن هناك شيئًا آخر لم تخبريني به بعد؟”
نظر إيفان مجددًا إلى المذبح، وكأن هناك شيئًا غامضًا يجذبه نحو هذا الشيء. “لدينا كاهن كارسيست في القصر الشمالي. ربما يجب أن أطرح عليه بعض الأسئلة حول هذا.”
“لا يوجد عودة إلى الوراء في هذه المرحلة؛ كل ما أحتاجه منك هو اللحاق بالتفاصيل. ‘لغز الضباب المكسور’ هو تحقيق بدأته كتيبة الفرسان التاسعة بشأن طائفة يبدو أن لها صلات بما يُعرف بـ ‘الكيان الممزق’. أما ملف طائفة الظلال’ فهو تحقيق لم تكن جزءًا منه، لكنه يرتبط بالأحداث التي واجهتها أثناء تحقيقنا في الشذوذ.”
ابتسم الدكتور قليلاً وهو يقترب من إيفان. “أنت أفضل بكثير الآن. لقد تحسنت حالتك مقارنة بالأيام الأولى عندما كنت تهاجم الجميع وتصرخ على الطاقم الطبي.”
تقدمت إليزابيث بخطوة وقالت: “ألم يكن في موقع الآثار عندما اختفى؟”
ابتسم الدكتور بحذر وهو يقلب صفحات التقرير بين يديه. “حسنًا، لقد حصلت على نتائج تخطيط كهربية عضلاتك، وأعتقد أن الأمر قد يثير اهتمامك.”
“نعم، هذا صحيح. لكنه قد يعرف شيئًا.”
ما هذا المكان؟
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com “ربما عليّ أن أتحدث إلى فريدريك.”كان هذا التفكير يراوده باستمرار. “لم أكن أعلم حينها أنه قضى أكثر من عشرين عامًا في مراقبة ذلك الكيان اللقيط الذي يتغذى على الضباب.”
تقدم إيفان نحو المذبح ببطء، كان بإمكانه أن يشعر بالقوة الغريبة المنبعثة منه. ركع أمامه، وتأمل في تفاصيله الدقيقة: العظام المتشابكة، الأوتار المتداخلة، والجلد الذي كان يغطي أجزاء منه. بدا المذبح وكأنه مخلوق حي، لكنه متجمد في لحظة معينة من الزمن. “ماريا، هل هذا الشيء نشط؟”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
أجابت إليزابيث: “هناك بقايا من السحر الفاسد، لكنني أعتقد أن قدرتك على تحسس السحر قد تكون قادرة على تعطيل أي شيء متبقٍ.”
أخذ إيفان نفسًا عميقًا، ثم قال: “احذري مني.” مد يده بحذر، ولَمَس المذبح بأطراف أصابعه. كان البرد يسري في جسده وكأنه يتغلغل إلى عظامه.
وفجأة، تحول العالم من حوله. لم يعد في المبنى، ولم يعد يسمع أصوات الجنود أو يشعر بالهواء الرطب. كان في مكان آخر، مظلم تمامًا. شعر وكأنه يسقط من مكان مرتفع، لكن لم يكن هناك أرض تحت قدميه. كانت السماء مليئة بالضباب، والأفق يتلاشى في العدم. أصابته دوامة من الدوار، وعيناه تحاولان التكيف مع الظلام المتزايد.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com “في البداية، كانت تصرفاتهم غريزية، مثل حيوانات جائعة. لكن عندما تراجعنا إلى موقع آثار القرص الدائري، بدأت تلك المخلوقات تتصرف وكأنها تتبع خطة. محاصرتنا، اختيار اللحظات المناسبة للهجوم. كان هناك شيء خلف كل هذا.”
ما هذا المكان؟
مِلكِي…
ثم أكملت كلارا كلامها بنبرة هادئة لكنها جادة: “تم رفع التقرير إلى الوزير السابع، وقد تم طلب التعاون مع المكتبة.”
اجتاحت جسده موجة باردة، وكأن روحه تُسحب منه. شعر بجوع عميق، جوع يلتهمه من الداخل. الضباب كان يتسلل إلى داخله، يملأ فمه وأذنيه وعينيه. ثم جاء الألم… ألم لا يوصف.
لم يرفع إيفان عينيه عن الأرض وهو يستعد لإنهاء تمرينه. كانت الحصيرة تحت جسده دافئة بفعل الحرارة المتصاعدة من جسده. همس بصوت متعب: “السيدة المديرة… ما الذي أتى بك إلى هنا؟”
أومأ إيفان برأسه بخفة، وقد بدا وكأن عينيه تغوصان في ظلال المكان، تتأملان كل زاوية وكل حجر. وقف على مسافة وهو يراقب الجنود أثناء قيامهم بالتفتيش، وعقله ينشغل بالتفكير في الأسرار التي قد تكمن خلف هذه الجدران المتهالكة. بعد دقائق معدودة، سمع صوت إليزابيث يناديه من الداخل.
.
كان استخراج إيفان من الواقع البديل المسمى “الضباب المكسور” أشبه بمحاولة الإمساك بظلال ذاكرة بعيدة. الصور والأصوات كانت تتلاشى من ذهنه، مخلفة وراءها ضبابًا ثقيلاً يضغط على صدره. كل شيء كان يبدو مشوشًا وكأنما خرج لتوه من حلم طويل وكابوسي. الأطباء أخبروه لاحقًا أنه كان يهذي حين أُدخل إلى المستشفى، يهتف بكلمات غير مفهومة، يحرك يديه في الهواء وكأنه يطارد أشباحًا. عدوانيته تجاه الموظفين كانت شديدة، حتى أن بعضهم وصفه بالمسكون أو الملعون. بعد عدة أيام من المقاومة، قرروا وضعه في غيبوبة صناعية، جسده وروحه بحاجة إلى الراحة، إلى الهدوء. تلك الغيبوبة كانت فرصة لجسده ليشفى، وعقله ليعيد ترتيب قطع أحجيته المبعثرة، بمساعدة تطهير سحري دقيق كان يُجرى في الخفاء.
حدّق إيفان في الملفات أمامه، وبدأت الأفكار تتداخل في ذهنه.
عندما استيقظ، كان العالم من حوله يبدو غريبًا، كأنما ينظر إلى واقعه من وراء زجاج مغبش.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
“ما الذي تريد مناقشته اليوم، أيها العميل؟” سأله فريدريك ببرود، نبرته تقطع أي محاولة لتخفيف الجو.
زارته إليزابيث مرارًا منذ استيقاظه، وملامح وجهها مغطاة بالأسى والندم، تعتذر عن عدم قدرتها على إدراك ما حدث له في الوقت المناسب.
نظر إيفان إلى المذبح بعينين متسعتين: “ما هذا السحر؟”
لم يكن هذا خطأها على أي حال. لم يكن ما حدث نتيجة سحر، بل كان شيئًا آخر. كيان فضائي هائل، غريب من عالم آخر، كان يتغذى على المفاهيم بشكل عنيف ومروع. في عمق هذا الكيان كان الجوع، جوع غير مرئي يعذب العقل ويهز الوعي. إيفان كان يعاني من مرارة استحالة التصدي لهذا الكيان، وكان يتساءل في نفسه: “كيف كان بإمكانها أن تعلم؟”
“لهذا السبب أطلب منك أن تستمر في الراحة وممارسة التمارين. العقل والجسد يحتاجان للوقت.”
في قلبه، كانت مشاعر الندم والتساؤل تتصارع. كان يعلم أنه لا يمكن لوم إليزابيث بالكامل، فحتى لو كانت قريبة منه، فإن الغموض الذي أحاط بالكيان كان أكبر من أي تفسير بسيط. فريدريك الذي كان يعتبره مصدرًا للمعرفة، كان قد غمره في ضباب من الغموض، ويبدو أن كل التفاصيل كانت مفقودة في تفاصيل هذا الكيان القاسي. “كيف كان يمكنني أن أعلم أن هذا الكيان كان يتواجد في كل شيء من حولنا؟” تساءل بمرارة، وهو يحاول التقاط شظايا الذاكرة الضبابية والغامضة التي تجمعت في عقله.
ابتسمت كلارا برفق، لكن البرود لم يختفِ من صوتها: “بعد مراجعة كل الملفات، قمت بإعادة تصنيفها للإشارة إلى ارتباطها. لا أخطط لفعل ذلك دائمًا، لكن هذه الشذوذات الثلاثة متصلة بطريقة تتجاوز الأحداث الفردية.”
أجابت إليزابيث بصوت منخفض، وكأنها تهمس لنفسها: “إنه نوع من السحر العضوي… ‘سحر اللحوم’. يستخدم للتحكم في النمو الطبيعي للمادة الحية. نوع من السحر البدائي المرتبط بالطوائف القديمة.”
بينما كان إيفان يمارس تمارينه اليومية على الأرضية، كان يشعر بجسده يُقاومه. كل عضلة كانت متصلبة، وكأنها غريبة عنه. كان الأمر وكأنه يعيد اكتشاف جسده، بعد أن عاش في جسد آخر لفترة طويلة. كانت هذه العودة إلى الجسد الطبيعي تشبه ارتداء بدلة جديدة لأول مرة، ضيقة على المقاس وغير مريحة. ربما كان الطبيب أندرسون محقًا؛ كان إيفان بحاجة إلى وقت أكثر للتعافي. لكن، بعد أن فقد سبعة أشهر من حياته بسبب ذلك الكيان اللعين، لم يكن إيفان مستعدًا لقضاء المزيد من الوقت في الانتظار.
لكن تلك الليلة، شيء ما كان مختلفًا.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com “أجل، لا مقارنة بين غرفة بسرير حقيقي وبين مرتبة بالية في زاوية مظلمة.” حاول إيفان تخفيف حدة التوتر بكلمات بسيطة، لكن تأثيرها كان ضئيلًا على فريدريك، الذي بدا وكأنه غير معني بالحديث عن مثل هذه التفاصيل الصغيرة.
كان العرق يتصبب من ظهره كأنه شلال صغير، بينما كانت أشعة الشمس الدافئة تتسلل عبر الزجاج المقوى لغرفة العلاج. الجو كان خانقًا، رغم برودة المكان، وكان كل شيء يبدو أصعب مما يجب. عضلاته كانت ترتجف، وذهنه كان مشوشًا، مثل سيفين يتصادمان في رأسه بلا هوادة. والأمر الأسوأ، تلك الرغبة المفاجئة التي كانت تعتمل في داخله طوال الوقت، شعور عدائي كاد أن يدفعه لمهاجمة كل من يقترب منه. لقد تغير شيء بداخله، شيء لا يستطيع فهمه حتى الآن.
أومأت كلارا برأسها ببطء: “نعم، وأعتقد أنها ليست الوحيدة. تذكّر تلك الجثة التي اكتشفناها، اليعسوب العملاق الذي له أطراف شبيهة بأيدي البشر؟ نحن الآن نعتقد أنها ليست كيانًا منفردًا، بل جزء من سلسلة من الشذوذات.”
“ربما عليّ أن أتحدث إلى فريدريك.”كان هذا التفكير يراوده باستمرار. “لم أكن أعلم حينها أنه قضى أكثر من عشرين عامًا في مراقبة ذلك الكيان اللقيط الذي يتغذى على الضباب.”
ابتسمت كلارا برفق، لكن البرود لم يختفِ من صوتها: “بعد مراجعة كل الملفات، قمت بإعادة تصنيفها للإشارة إلى ارتباطها. لا أخطط لفعل ذلك دائمًا، لكن هذه الشذوذات الثلاثة متصلة بطريقة تتجاوز الأحداث الفردية.”
بينما كان يغرق في أفكاره المظلمة، قاطعه صوت ناعم لكنه مهيب، بلكنة سلافية ثقيلة، “أنت تبدو أفضل حالاً، يا إيفان.” جاء الصوت من مدخل الغرفة، متبوعًا بخطوات خفيفة لكنها واثقة تملأ الفراغ.
لم يرفع إيفان عينيه عن الأرض وهو يستعد لإنهاء تمرينه. كانت الحصيرة تحت جسده دافئة بفعل الحرارة المتصاعدة من جسده. همس بصوت متعب: “السيدة المديرة… ما الذي أتى بك إلى هنا؟”
ارتسمت على وجه كلارا تعبيرات من يفهم تمامًا ما يعنيه. قالت بنبرة هادئة لكنها حازمة: “أنت شخص قوي، إيفان، لا يمكنك التراجع الآن.”
شعر إيفان بزيادة في دقات قلبه، إدراكه بأن هناك شيئًا أكبر يلوح في الأفق. “كيان؟ من هو هذا الكيان؟”
دخلت كلارا كرافت، المديرة الصارمة للمركز الطبي، بخطوات واثقة. كانت ترتدي زيًا أنيقًا يشع بالاحترافية، ولكن أكثر ما لفت الانتباه كان البرود الذي يحيط بها، مثل هالة من الثلج حولها. جلست على كرسي قريب، ووضعت ساقًا فوق الأخرى بخفة، بينما كانت توازن ثلاثة ملفات سميكة على ركبتيها.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
“هل انتهيت من تمارينك؟” سألت بنبرة رسمية، لا تهتم كثيرًا بالإجابة.
نهض إيفان ببطء، يشد كتفيه المتعبين، ويدلك رقبته المتصلبة. “تقريبًا… ولكن ما الذي جاء بك إلى هنا، كلارا؟”
شعر إيفان بأن قلبه ينبض بسرعة متزايدة، وبدأت علامات القلق تظهر على ملامحه. “هل لهذا أي علاقة بالكيان الذي تعقبني سابقا؟”
رفعت كلارا حاجبًا رفيعًا، ثم نقرت بخفة على الملفات التي تحملها. “حدثت بعض التطورات أثناء فترة نقاهتك، إيفان. تطورات تتعلق بما حدث في ‘الضباب المكسور’. وأحتاج منك أن تكون مستعدًا.”
“بالطبع، لقد حصلت على الإذن اللازم لمعرفة التفاصيل عندما بدأنا علاجك.” قال الدكتور بنبرة محترمة.
أخذ إيفان نفسًا عميقًا، محاولًا كبح مشاعر التوتر التي بدأت تتراكم داخله. “هل يتعلق الأمر بـ فريدريك؟”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com “في البداية، كانت تصرفاتهم غريزية، مثل حيوانات جائعة. لكن عندما تراجعنا إلى موقع آثار القرص الدائري، بدأت تلك المخلوقات تتصرف وكأنها تتبع خطة. محاصرتنا، اختيار اللحظات المناسبة للهجوم. كان هناك شيء خلف كل هذا.”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
“ليس تمامًا، لكنه جزء من الأمر. تم نقله مرة أخرى إلى ‘الظلال المحجوبة’، وأغلقنا البوابة خلفه. قال إن وجوده هناك هو الشيء الوحيد الذي يمنع الكيان من العودة إلى عالمنا.”
نهض الدكتور مغادرًا الغرفة بهدوء، لكنه لم يدرك أن إيفان لم يكن يستمع. لقد كان يغوص في أفكاره.
شعر إيفان بالغضب يشتعل بداخله. “لماذا أعادوه إلى هناك؟ ذالك المكان عبارة عن جحيم حي.
تنهدت كلارا بصوت هادئ لكنها مستسلمة، وكأنها اعتادت على تلك الأسئلة الصعبة. “لقد طلب ذلك بنفسه إيفان. وأوضح أن هذا هو الحل الوحيد لإبقاء الكيان بعيدًا. لو بقي هنا، ربما كنا نخسر أكثر من مجرد حياة واحدة.”
“بالطبع، لقد حصلت على الإذن اللازم لمعرفة التفاصيل عندما بدأنا علاجك.” قال الدكتور بنبرة محترمة.
نظرت إليه بتعاطف غريب، وملامحها شاحبة من التفكير. “ماذا تقصد؟”
أخذت المديرة الملفات الثلاثة، ووضعتها بين يديه. “أريدك أن تراجع هذه الملفات. الملف الأول عن ‘لغز الضباب المكسور’، الثاني يتعلق بـ ‘طائفة الظلال ، والثالث عن ‘الكيان الممزق’. ستفهم كل شيء بعد أن تقرأها.”
لم يرفع إيفان عينيه عن الأرض وهو يستعد لإنهاء تمرينه. كانت الحصيرة تحت جسده دافئة بفعل الحرارة المتصاعدة من جسده. همس بصوت متعب: “السيدة المديرة… ما الذي أتى بك إلى هنا؟”
كانت يدي إيفان ترتجف بينما كان يمسك بالملفات. نظر إليها ثم قال بصوت ضعيف: “أنا لست في حالة جيدة يا كلارا. لا أستطيع… لا أستطيع التعامل مع كل هذا الآن. ما حدث لي… لقد دمرني.”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
“طبيعية؟ كيف يكون ذلك؟” قبضت يدا إيفان على الأغطية بتوتر.
“لا يوجد عودة إلى الوراء في هذه المرحلة؛ كل ما أحتاجه منك هو اللحاق بالتفاصيل. ‘لغز الضباب المكسور’ هو تحقيق بدأته كتيبة الفرسان التاسعة بشأن طائفة يبدو أن لها صلات بما يُعرف بـ ‘الكيان الممزق’. أما ملف طائفة الظلال’ فهو تحقيق لم تكن جزءًا منه، لكنه يرتبط بالأحداث التي واجهتها أثناء تحقيقنا في الشذوذ.”
“نعم، هذا صحيح. لكنه قد يعرف شيئًا.”
إيفان عبس للحظة، ثم سأل بنبرة مستغربة: “لماذا تحمل الملفات هذه العلامة الموحدة؟ ألا يبدو هذا غير عادي بعض الشيء؟”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
ابتسمت كلارا برفق، لكن البرود لم يختفِ من صوتها: “بعد مراجعة كل الملفات، قمت بإعادة تصنيفها للإشارة إلى ارتباطها. لا أخطط لفعل ذلك دائمًا، لكن هذه الشذوذات الثلاثة متصلة بطريقة تتجاوز الأحداث الفردية.”
“هل قرأت ملفي؟ ملف 7523؟” سأله إيفان بنبرة تملؤها الشك.
جلست على حافة سرير المستشفى، تعبيرات وجهها تعكس تعقيدات الأمور التي لم تكن مستعدة لمواجهتها. بعد برهة، همست: “لماذا لا يوجد سلام في هذا العالم؟”
“أفهم ذلك، لكن الاختبارات التي أجريناها عليك تشير إلى أنك في حالة جيدة.” قال الدكتور بحذر، محاولًا تهدئة الوضع.
رد إيفان بلهجة رسمية وهو ينظر في عينيها، محاولاً ألا يُظهر الكثير من الشفقة: “لدي خطة جاهزة للتنفيذ، لكنني بحاجة إلى الموافقة أولاً. بعد الحصول على تلك الموافقة، سأبدأ التنفيذ.”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
حدّقت كلارا في الملفات على السرير، ثم نظرت إليه بفضول وهي تسأله: “إلى أين ستذهب؟”
“لم أنم منذ استيقاظي… الألم لا يفارقني.” أجاب إيفان بصوت متحجر، تعبيرات وجهه تعكس الألم الداخلي الذي يعيشه.
فرد فريدريك ظهره قليلاً، نظرته أصبحت أكثر عمقًا وعيونه مملوءة بشيء من الظلال. “لا، لم يكن تخاطرًا. لو كان كذلك، لشعرت به. كان الأمر أشبه بشيء أعظم منهم جميعًا يتحكم فيهم من الخلف ولهذا السبب أحتاج إلى العودة إلى هناك.”
رد عليها ببرود مختصر: “هذا الأمر سر، آسف.” كانت كلارا تتوقع الإجابة، لكنها لم تستطع إلا أن تشعر بخيبة أمل خفيفة.
ابتسم الدكتور بحذر وهو يقلب صفحات التقرير بين يديه. “حسنًا، لقد حصلت على نتائج تخطيط كهربية عضلاتك، وأعتقد أن الأمر قد يثير اهتمامك.”
تنهّد إيفان ببطء، ونظر إلى الملفات المتناثرة أمامه. كانت ثقيلة، ليست فقط بوزنها المادي، ولكن بثقلها المعنوي. أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يعترف بصوت منخفض: “لا أعرف ماذا أفعل هنا. ليس لدي القوة للغوص في كل هذا بعد الآن.”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
إيفان لم يكن مستعدًا للاعتراف بضعفه، لكن هذا ما كان يشعر به بوضوح. جسده كان مستنزفًا، وروحه ثقيلة.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
وفجأة، تحول العالم من حوله. لم يعد في المبنى، ولم يعد يسمع أصوات الجنود أو يشعر بالهواء الرطب. كان في مكان آخر، مظلم تمامًا. شعر وكأنه يسقط من مكان مرتفع، لكن لم يكن هناك أرض تحت قدميه. كانت السماء مليئة بالضباب، والأفق يتلاشى في العدم. أصابته دوامة من الدوار، وعيناه تحاولان التكيف مع الظلام المتزايد.
نظرت إليه بتعاطف غريب، وملامحها شاحبة من التفكير. “ماذا تقصد؟”
أومأ إيفان برأسه بخفة، وقد بدا وكأن عينيه تغوصان في ظلال المكان، تتأملان كل زاوية وكل حجر. وقف على مسافة وهو يراقب الجنود أثناء قيامهم بالتفتيش، وعقله ينشغل بالتفكير في الأسرار التي قد تكمن خلف هذه الجدران المتهالكة. بعد دقائق معدودة، سمع صوت إليزابيث يناديه من الداخل.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com “ربما عليّ أن أتحدث إلى فريدريك.”كان هذا التفكير يراوده باستمرار. “لم أكن أعلم حينها أنه قضى أكثر من عشرين عامًا في مراقبة ذلك الكيان اللقيط الذي يتغذى على الضباب.”
وقف إيفان للحظة، شعوره بالعجز يزداد. “أنا لست باحثًا يا كلارا. أنا مجرد رجل اكتشف فجأة أن لديه قدرات سحرية وحدث أن تم تجنيده، وسعدت بإيجاد مكان لي في جيش الملك، لكن ما حدث في هذا العام كان أبعد من طاقتي. الحقيقة هي أنني لا أستطيع مواكبة كل هذه الفوضى.”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
ارتسمت على وجه كلارا تعبيرات من يفهم تمامًا ما يعنيه. قالت بنبرة هادئة لكنها حازمة: “أنت شخص قوي، إيفان، لا يمكنك التراجع الآن.”
استدار إيفان، شعوره بالقلق يتزايد. “هل تتحدثين عن احتمال وجود المزيد من هذه البزاقات العملاقة؟”
“أفهم ذلك، لكن الاختبارات التي أجريناها عليك تشير إلى أنك في حالة جيدة.” قال الدكتور بحذر، محاولًا تهدئة الوضع.
صمت إيفان لبرهة، محاولاً البحث عن الكلمات. “لقد أمضيت عامًا كاملًا في العمل على هذه القضايا في مدينة فالدروك، وها أنا اليوم لا أزال عالقًا في هذا الكابوس. لماذا لا تخبرينني فقط لماذا يجب ألا أستقيل؟”
ثم أكملت كلارا كلامها بنبرة هادئة لكنها جادة: “تم رفع التقرير إلى الوزير السابع، وقد تم طلب التعاون مع المكتبة.”
ظلت كلارا صامتة لبرهة، تجلس منتصبة، ويديها متشابكتين على حجرها. عيناها كانت تحدق في الفراغ كما لو كانت تراجع ذكريات مؤلمة، قبل أن تتنفس ببطء وتبدأ الحديث: “أردت مناقشة ذلك بعد أن تقرأ الملفات، لكن لا بأس. لدي شعور قوي بأن الجثة التي وجدناها تحت مدينة فالدروك لم تكن حالة فريدة من نوعها. لدينا المزيد من الأدلة.”
نظرت إليه بتعاطف غريب، وملامحها شاحبة من التفكير. “ماذا تقصد؟”
تجمد إيفان في مكانه للحظة، ثم سأل بدهشة: “ماذا تقصدين؟ هل هناك المزيد من الكيانات المماثلة لذلك اليعسوب العملاق؟”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com اجتاحت جسده موجة باردة، وكأن روحه تُسحب منه. شعر بجوع عميق، جوع يلتهمه من الداخل. الضباب كان يتسلل إلى داخله، يملأ فمه وأذنيه وعينيه. ثم جاء الألم… ألم لا يوصف.
أومأت كلارا برأسها ببطء: “نعم، وأعتقد أنها ليست الوحيدة. تذكّر تلك الجثة التي اكتشفناها، اليعسوب العملاق الذي له أطراف شبيهة بأيدي البشر؟ نحن الآن نعتقد أنها ليست كيانًا منفردًا، بل جزء من سلسلة من الشذوذات.”
تقدم إيفان بخطوات حذرة، وعيناه تتفحصان المذبح. “هل تم استخدامه مؤخرًا؟”
استدار إيفان، شعوره بالقلق يتزايد. “هل تتحدثين عن احتمال وجود المزيد من هذه البزاقات العملاقة؟”
“بعد غيبوبة طويلة كهذه، من المتوقع أن تفقد كتلة عضلية نتيجة الضمور. لكن ما حدث معك غير مألوف، جسدك لم يتأثر.”
ردت عليه بصوت ثابت: “لا أستطيع إثبات ذلك بعد، لكن إذا قرأت ملفات ‘لغز الضباب المكسور’ و طائفة الظلال، أعتقد أنك ستفهم ما أعنيه.”
وقف إيفان، جسده مشدود بالضغط، وقال: “لماذا أشعر أن هناك شيئًا آخر لم تخبريني به بعد؟”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
تنهدت كلارا ببطء، وأخذت لحظة لتجميع أفكارها قبل أن ترد: “هناك طائفة صغيرة تعمل على تعديل البشر بطرق غامضة لا نفهمها بعد، ويقودها شخص يُدعى السيد ليل . هذا الرجل تواصل مع كيان على الأقل مشابه لذلك الذي واجهناه أثناء التحقيق في ‘الكيان الممزق’.”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com نهض إيفان ببطء، يشد كتفيه المتعبين، ويدلك رقبته المتصلبة. “تقريبًا… ولكن ما الذي جاء بك إلى هنا، كلارا؟”
شعر إيفان بأن قلبه ينبض بسرعة متزايدة، وبدأت علامات القلق تظهر على ملامحه. “هل لهذا أي علاقة بالكيان الذي تعقبني سابقا؟”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com “النتائج… طبيعية تمامًا. لا توجد مشاكل عضوية.”
“ربما، لكن هذا غير واضح تمامًا. ما هو واضح هو أن الوضع أكبر مما يمكن لكتيبتنا التعامل معه بمفرده. نحن بحاجة إلى توسيع فرق البحث، وإلى إطلاق برنامج جديد يركز على اكتشاف الشذوذ، وربما استخدام تقنيات خارج نطاق قدرتنا . لأنني إذا كنت على حق، فإن السيد ليل ورعاته لم يقتربوا حتى من إنهاء تدخلهم في عالمنا.”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com كان استخراج إيفان من الواقع البديل المسمى “الضباب المكسور” أشبه بمحاولة الإمساك بظلال ذاكرة بعيدة. الصور والأصوات كانت تتلاشى من ذهنه، مخلفة وراءها ضبابًا ثقيلاً يضغط على صدره. كل شيء كان يبدو مشوشًا وكأنما خرج لتوه من حلم طويل وكابوسي. الأطباء أخبروه لاحقًا أنه كان يهذي حين أُدخل إلى المستشفى، يهتف بكلمات غير مفهومة، يحرك يديه في الهواء وكأنه يطارد أشباحًا. عدوانيته تجاه الموظفين كانت شديدة، حتى أن بعضهم وصفه بالمسكون أو الملعون. بعد عدة أيام من المقاومة، قرروا وضعه في غيبوبة صناعية، جسده وروحه بحاجة إلى الراحة، إلى الهدوء. تلك الغيبوبة كانت فرصة لجسده ليشفى، وعقله ليعيد ترتيب قطع أحجيته المبعثرة، بمساعدة تطهير سحري دقيق كان يُجرى في الخفاء.
حدّق إيفان في الملفات أمامه، وبدأت الأفكار تتداخل في ذهنه.
إيفان كان قد فقد سبعة أشهر من حياته، غارقًا في غيبوبة طبية طويلة. في البداية، حاول الأطباء إيقاف التخدير بعد فترة من العلاج، لكن جسده لم يستجب. لقد استيقظ أخيرًا، ليس على صوت الحياة، بل على أصوات الأطباء والممرضات وهم يحيطون به، يسألون عن حاله. لكنه لم يكن قادرًا على فعل شيء سوى الصراخ.
حدّق إيفان في الملفات أمامه، وبدأت الأفكار تتداخل في ذهنه.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
ثم أكملت كلارا كلامها بنبرة هادئة لكنها جادة: “تم رفع التقرير إلى الوزير السابع، وقد تم طلب التعاون مع المكتبة.”
وقف إيفان لحظة، ثم رفع يده بإشارة مطمئنة دون أن يلتفت، متمتمًا لنفسه: “هناك دائمًا أشياء نجهلها.” وضع إيفان يده على جهاز التسجيل مرة أخرى، عيناه تلتقطان بقايا الهياكل العظمية المتناثرة حوله كأشباح ماضية: “ثمة عظام هنا، ربما بقايا مئات… لا، آلاف الأشخاص. لكن أين الجثث؟ كيف يمكن لمدينة بهذا الحجم أن تختفي أجساد سكانها هكذا؟” توقف عن التسجيل، ثم رفع صوته لينادي على ألفريد: “ألفريد، أريد استكشاف أحد هذه المباني.”
وضع فريدريك رأسه بين يديه، محنيًا جسده النحيل فوق الطاولة، مرفقيه يرتكزان على سطحها البارد. بدا أن التفكير في الأحداث يعيد له ذكريات ثقيلة. “المخلوقات لم تكن كما بدت في البداية… لقد تغيرت. عندما واجهناها أول مرة، هاجمت بوحشية، بلا نظام. لكنها لاحقًا… بدت وكأنها تعمل بتنسيق.”
لم يصدق إيفان ما سمعه. توقف للحظة، كأن عقله يحاول استيعاب الأمر. “المكتبة؟ فعلاً؟! نطق بالكلمات ببطء، وكأن صدى ما قيل للتو أعاد إليه ذكريات غامضة. فكرة التعاون مع المكتبة كانت أبعد مما قد تخيل، فالمكتبة لطالما كانت مصدرًا للأسرار المحظورة والمخاوف التي لم يجرؤ أحد على الاقتراب منها.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
---
ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن
أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات
