نظرًا لتوقف عرض الإعلانات على الموقع بسبب حظره من شركات الإعلانات ، فإننا نعتمد الآن بشكل كامل على دعم قرائنا الكرام لتغطية تكاليف تشغيل الموقع وتوجيه الفائض نحو دعم المترجمين. للمساهمة ودعم الموقع عن طريق الباي بال , يمكنك النقر على الرابط التالي
paypal.me/IbrahimShazly
هذا المحتوى ترفيهي فقط ولايمت لديننا بأي صلة. لا تجعلوا القراءة تلهيكم عن صلواتكم و واجباتكم.

ري زيرو: بدء الحياة في عالم أخر من الصفر 1

1 - المقدمة + الفصل الاول - في مكان العودة

1 - المقدمة + الفصل الاول - في مكان العودة

المقدمة

استقبلت نفحات الهواء البارد الموجودة في الأنقاض سوبارو بهدوء غريب.
تعالى صدى وقع خطوات سوبارو المترددة كلما تقدم خطوة، وبالرغم من أن ذلك الصوت أجج القلق بداخل قلبه، إلا أنه كان دليله الوحيد على أنه ما يزال صامدًا، مستمرًا في المشي!
فحتى مع عجزه عن رؤية أي شيء أمامه، كان صوت وقع أقدامه الشيء الوحيد الذي أكّد له أنه على قيد الحياة.

2 سيطر الجو الخانق على عربة التنين المتوجهة للقصر. “…” وضعت كروش عربة كبيرة متصلة ببتلاش كجزء من مكافئتها لسوبارو، كانت تلك العربة كبيرة بما يكفي لتتسع لعشرة ركاب، ناهيك عن وجود بعض المساحات الفارغة بداخلها، لم يكن في داخل العربة هذه المرة سوى سوبارو وإميليا وريم -النائمة على السرير البسيط-، ومع جلوس سوبارو قرب الأميرة النائمة، ووجود إميليا على مقربة منهم، سيطر الصمت المحرج على أنحاء العربة كلها. “يبدو أننا أخطأنا في وضع بيترا في عربة مختلفة، هاه؟” تم وضع أطفال القرية المتجهين إلى العاصمة في عربة أخرى في طريق العودة، لقد تم ترتيب هذا الأمر بهدف مراعات القرويين ظنًا منه أنهم لن يرغبوا في سماع أحاديث متعلقة بالانتخابات الملكية، ولكن ذلك أتى بنتائج عكسية على ما يبدو. بالتأكيد كانت هنالك الكثير من الأمور التي يجب عليهم مناقشتها، ولكن لم يكن هنالك دافع لـ – “أمم، ألا يزعجك عدم حديثنا هكذا؟ أعني لا يمكنني تحمل هذا الصمت الغريب، والجو الخانق” “لمً تتدخل في شؤون الآخرين فجأة؟ مهلاً … أنت هنـا؟!” “بالطبع أنـا هنا!! لقد كنتُ هنا طوال الوقت!! برأيك لماذا تعاونت معك وتعرضت للأذى من قبل طائفة الساحرة يا سيد ناتسكي؟!” “أليست هذه إحدى هواياتك؟” “لا توجد قطة في العالم لديها ما يكفي من الأرواح لممارسة هذا النوع من الهويات!!!” أطلّ عليهم من النافذة الفاصلة بين معقد السائق وعربة الركاب التاجر أوتو سوين الذي تعاون معهم في المعركة النهائية ضد طائفة الساحرة، والذي تطوع لمرافقتهم باعتباره سائقًا للعربة في رحلة العودة، ابتسم سوبارو له ابتسامة متألمة. “أمزح معك، هدفك هو التحدث مع روزوال واقناعه بشراء كل بضاعتك، لم أنسَ هذا” “أنا أعتمد عليك! أعتمد عليك بحق!! حياتي كلها معلقة بهذا!!”

“…”

أظهر سوبارو لكروش ابتسامة حرجة بينما أشار إلى عربة التنين التي في بداية الصف، بدت تلك العربة أفخم وأرقى من باقي العربات، حيث تم ربطها بتنين أرضي أسود جميل في المقدمة، كان ذلك التنين الأسود هو ما حصل عليه سوبارو كمكافأة على دوره في المطارة.

خيّم الظلام على المكان بأسره، والحقيقة أنه قد مرّ بعض الوقت منذ أن فقد سوبارو المسار الذي وجده مصادفة بعد أن تحسس الجدار بيديه، تابع سوبارو المشي في الطريق الذي بدا بلا نهاية. وبالرغم من أنه كان يمشي، إلا أنه شعر أنه كان عالقًا في الفراغ طوال الوقت بلا حراك! كما لو كانت حركته السابقة مجرد هلوسة أوهمت عقله.
صحيح أن سماعه لوقع أقدامه خفف من هذا القلق، لكن السبب الذي أتى بسوبارو إلى هذا المكان في المقام الأول كان العامل الأساسي الذي حثه على المضيّ قدمًا في ذلك الدرب.
وهكذا، تابع سوبارو المشي معتمدًا على صوت خطاه، لم يستطع التوقف، لم يكن ليسمح لنفسه بذلك، حتى مع رغبة الاستسلام التي اجتاحت قلبه، والعبء الذي أرهق كاهله، كان عليه أن يستجمع رباطة جأشه ويتابع السير.
إن لم يجمع شتات نفسه، كيف سيواجهها-؟
“فهمت، إذن فهذا هو الدافع الذي يجعلك تريد المواصلة، ربمّا عليّ القول (يا له من أمر مثير للفضول)!”
تجمد سوبارو في اللحظة التي سمع فيها ذلك الصوت، شعور الضياع في الدرب الذي بدا بلا نهاية تلاشى فجأة، كما تلاشى الظلام الذي كان يظنه سيستمر إلى الأبد في غمضة عين، ليتجلّى له عالم متشبع بالألوان أشبه بلوحة رسّام محترف أمام عينيه بصورة مبهرة، عشب أخضر تحت قدميه، وسماء زرقاء صافية فوق رأسه، أدرك سوبارو لحظتها أنه كان واقفًا على سهل عشبي، والذي لا ينبغي أن يكون واقفًا عليه.
شعر بنسيم لطيف يداعب شعره، لينقبض حلقه بعدها من هول الصدمة.
“ننغه…”
“هلّا توقفت عن العبث عندك وأتيت إلى هنا؟”
بينما وقف سوبارو متجمدًا في مكانه، نادى عليه صوتٌ من الخلف، وعندما استدار باتجاهه لاحظ وجود مظلة على تلةٍ صغيرة توفرُ ظلًا للطاولة البيضاء والكرسي الموجودان تحتها، على ذلك الكرسي جلست فتاة.

أظهر سوبارو لكروش ابتسامة حرجة بينما أشار إلى عربة التنين التي في بداية الصف، بدت تلك العربة أفخم وأرقى من باقي العربات، حيث تم ربطها بتنين أرضي أسود جميل في المقدمة، كان ذلك التنين الأسود هو ما حصل عليه سوبارو كمكافأة على دوره في المطارة.

“…”

بمجرد أن فرغت كروش من التحدث، مدت يدها إلى إميليا طلبًا لمصافحتها

ملأت هيئة تلك الفتاة عقل سوبارو بأفكارٍ بيضاء، بيضاء صافية لا تشوبها شائبة، كما لو أن كل الألوان اختفت بسبب وجودها. شعرها الطويل الممتد إلى أسفل ظهرها، بشرتها -التي بالكاد أظهرت جزءًا منها- لامعة كالخزف الأبيض، والتي كانت كفيلة بسرقة كل الانتباه في هذا العالم.
ارتدت تلك الفتاة ثيابًا سوداء -كالتي يرتدونها في المآتم- أظهرت أطرافها النحيلة، بينما أظهرت عيناها السوداوين ذكاءً حادًا غير عادي. كل تلك الأشياء كان علامات تثبت لسوبارو أن تلك الفتاة ستزول بالسرعة التي ظهرت فيها.
الأبيض والأسود: تم التعبير عن جمالها الأخّاذ بهذين هذين اللونين وحدهما.
لن يستغرق الأمر سوى نظرة خاطفة على مظهرها الآسر ليضع أي شخص تحت تأثير تعويذتها – لكن مشهد هذه الفتاة بث خوفًا عارمًا في روح سوبارو، وهو أمر لم يشعر به من قبل من قبل، حتى لقائه أول لقاء له مع الحوت الابيض لم يفاجئه بهذه الطريقة.
“يا إلهي، هل فاجأتك؟””
لم ينطق سوبارو بكلمة واحدة للفتاة التي اقتربت منه فجأة، وعندما رأت ردة فعله، امتلأت عينيها بالتسلية، توقفت تلك الفتاة مؤقتًا قبل أن تومأ برأسها كما لو كانت تقوم بتقييم الموقف:
“أوه، فهمت، لم أعرف بنفسي بعد، كم هذا محرج، لقد مر وقت طويل منذ أن تحدثت لشخص ما، لذا يبدو أن مشاعري غلبتني هذه المرة”
بعكس كلماتها ونبرة صوتها، بالكاد تغيرت تعابير وجهها، كل ما هنالك أن كتفاها انخفضا قليلًا، لتلتفت بعدها إلى سوبارو الذي كان ما يزال صامتًا ومتجمدًا من ضده خوفها، رفعت الفتاة يدها لتلمس صدرها وهي تقدم نفسها بهدوء شديد:
“اسمي إيكيدنا …”
خففت الفتاة حدة شفتيها لتظهر ابتسامة رفيعة، وتابعت تعريفها:
“أو ربما من الأفضل لي تسمية نفسي بساحرة الجشع؟”

“سيدة إميليا، أتظنين الطريقة التي تعيشين بها الآن مخزية؟” “…كـ…لا، لقد عشت حتى هذا الوقت وأنا مؤمنة أنه بغض النظر عمّا يظنه الآخرون بي، فالأمر غير مهم، طالما لا أوجه مشاعر الكره إلى نفسي”. “إذن لا يوجد هنالك ما تخشينه أو تندمي عليه، اصقلي نفسكِ وابذلي قصارى جهدكِ، اسلكي الطريق المستقيم واتبعي ما تمليه عليكِ نفسكِ… فأنتِ تمتلكين روحًا رائعة”

________________________________________________________

في البداية استنتج سوبارو أن هذه الرسالة -والتي سببت الكثير من سوء الفهم لأنها كانت فارغة- كانت مؤامرة من قبل طائفة الساحرة ، ولكنه كان مخطئًا في ذلك. فآنذاك، كان من المؤكد أن طائفة الساحرة لم تلتفت حتى لأمر سوبارو ، ولم تقدم أي فرصة لمبادلة حرف واحد من النوايا الحسنة بآخر. وفي الأساس، لم يكن تبادل مراسلات حسن النوايا من شيم طائفة الساحرة؛ فلطالما فضلوا العنف المباشر، وهو أمر يعرفه سوبارو حق المعرفة. وبهذا كان هنالك تفسير واحد لتك الرسالة الفارغة. “محتوى رسالة حسن النوايا تلك كتبته ريم، وأنا الذي طلبت منها إرساله، لذا إن كانت كروش قد سلمته إلى المرسول… فحقيقة التسليم هي الشيء الوحيد الذي بقي كما هو مخطط، إذ أنه تم مسح محتويات الرسالة”.

الفصل الأول: في مكان العودة
1
بالنسبة لسوبارو، بدت السماء الملبدة بالغيوم انعكاسًا دقيقًا لما في عقله.
“سيصبح المكان خاويًا بدونكم”
تحدثت تلك المرأة التي بدت وحيدة بينما كان سوبارو واقفًا أمام بوابة القصر. كانت امرأة مميزة ذات شعرٍ أخضر طويل منسدل، وعينان عسليتان متدرجة إلى بني. لم يستطع سوبارو تخطي شعور القلق الذي في قلبه خاصة بعد أن خفضت كروش كارستن عينيها وتحدثها بصوت رقيق كالفتيات الراقيات. بالرغم من معرفته الدافع وراء عبارتها تلك، إلا أنه ردّ عليها:
“كروش، أنا ممتن لما قلتهِ للتو، ولكن…”
حك سوبارو رأسه من الخلف محاولًا تجنب التواصل البصري معها، إذ أنه نظر للأمام مباشرة عوضًا عن ذلك حيث اصطفت عربّات تنين متعددة والتي كانت ملكًا لكارستن، كان على متنها القرويون المغادرين إلى العاصمة الملكة هربًا من الطوائف التي يقودها بيتلغيوس، وبما أن مطران الكسل قد هُزم شر هزيمة، أصبح خيار العودة إلى قصر وقرية إيرلهام خيارًا آمنًا، لهذا السبب كان عليهم العودة إلى القرية مع سوبارو الذي سيرافقهم إلى قصر روزوال الحقيقة أنه كانت أمامهم الكثير من الأمور والمشاكل التي تحتاج إلى حال، وإن تجاهلنا موضوع طائفة الساحرة، فسنجد أن التغير المفاجئ لكروش كان إحدى هذه الأمور، ولكن-

ازداد توتر سوبارو بسبب ردة فعلها، لقد تحدثت بسرعة لدرجة أنها جعلت الكلام عالقًا في حلقه، كانت بياتريس تنظر إلى الإنجيل الذي في يد سوبارو بنظرة خوف تملأ عينيها، ارتجفت شفتاها قليلًا كما لو كانت عاجزة عن تصديق ما تراه: “هذا الكتاب هو غنيمة المعركة، أخذتها من مطران طائفة الساحرة الذين حاصروا القصر” “… وماذا… حدث لمالكه؟” “لقد مات، تم سحقه تحت عجلة إحدى العربات، أنـا قتلته.” عندما طرحت بياتريس هذا السؤال الدقيق ، قال سوبارو الحقيقة بحزم دون إغفال عينيه. لكن إن أخذنا كلامه بالمعنى الدقيق، لم يكن بيتلغيوس روماني كونتي شخصًا بالمعنى الحرفي، بل كان روحًا شريرة تستخدم أجساد الآخرين كمضيفين تحت سيطرته، وبناءً على ذلك، قد لا يكون سبب الوفاة الذي قدمته سوبارو دقيقًا للغاية. لكن سوبارو هو الذي وجه الضربة النهائية بيتلغيوس، مما سلب حياته منه، رغم أن سوبارو داخل قلبه يعلم حق اليقين أن لا شيء أقل من ذلك من شأنه أن يهزمه، لذا تعمد سوبارو قتله. كان بيتلغيوس روماني كونتي أول من قتله سوبارو شخصيًا- لن يدعي سوبارو أنه لم يتردد أبدًا ، أو أنه لم يندم على تلطيخ يديه بدمائه، ولم يحاول خداع أي شخص آخر بعكس هذه الحقيقة لأنه لم يستطع الكذب على نفسه.

“يعزُّ علي المغادرة في مثل هذا الوقت، ولكن أيًا من المشاكل لن يتم حلها إن بقيت هنا، كما أنني لا أريد استغلال كرمكِ وضيافتكِ”
“لا أمانع حقًا بقاء السيد ناتسكي سوبارو والسيدة إميليا في مسكني إن كانت هذه رغبتهما… لكن لا يبدو أن ذلك خيارًا مقبولًا عندكما”
“شكرًا على كلماتكِ اللطيفة، لكني سأتوقف عند هذا الحد، فكلانا لديه الكثير من القضايا للتعامل معها، صحيح؟ خاصة أنتم، فلديكم موضوع طاقم التاجر الجشع لتتدبروا أمره، إن لم تحسنوا التعامل مع موضوعه، سيسرق كلُ من الحوت الابيض ومطران الكسل الفضل كله منكم!”
هزّ سوبارو رأسه رافضًا طلب كروش، وحثها على توخي الحذر من أتباع أنستاشيا. سيكون من الأدق وصف الانتصار على الحوت الابيض و مطران الكسل بأنه نتاج تعاون لقوات ثلاثة مرشحين ملكيين، وبالرغم من ذلك، ظهرت أناستاشيا وحدها على أنها هي صاحبة الفضل والمنتصرة بشكل واضح.
كان فصيل كروش قد تفوق على الأعداء الذين لم يذوقوا طعم الهزيمة لأكثر من أربعة قرون، لكن الثمن الذي دفعته زعيمتهم لم يكن هينًا.
من جهة أخرى، فسوبارو وبقية أنصار إميليا الذين قادوا معركة هزيمة الكسل قد تسببوا في سقوط العديد من الضحايا أيضًا، لا يقول سوبارو أن خسارتهم كانت فادحة مقارنة بما تحملته كروش وشعبها، ولكنه أصيب بجرح مؤلم، والذي كان يؤلمه في هذه اللحظة بالذات.
أما في الجانب الآخر، فقد كان فصيل أناستاشيا بما في ذلك المرشح والفارس سليمين تمامًا بالرغم من لعبهم دورًا كبيرًا في طرد كلا العدوين، بعبارة أخرى، تلقوا أدنى حدٍ من الضرر وحصدوا أكبر نصيب من الغنائم!
لذلك سيضطر الجميع لمراقبة حركة أناستاشيا، وما هذا إلا سبب إضافي للمحافظة على سرية التحالف بين فصيل إميليا وكروش.
“علينا العودة إلى الديار وتنظيم صفوفنا قبل أن نناقش أي شيء، عليّ التحدث أيضًا مع روزوال -الذي يرعى إميليا- ناهيكِ عن رغبتي في إعادة القرويين القلقين إلى أرض الوطن”

 

أظهرت له كروش ابتسامة طفيفة عابرة بينما نظرت إلى القرويين الموجودين على متن عربات التنين، لقد تم إخلاء سكان القرية وإرسال نصفهم إلى العاصمة الملكية، والنصف الآخر إلى منطقة آمنة أخرى بطريق منفصل تمامًا كما فعلت كروش مع شعبها، ذكُر أن كثيرًا من العائلات قد تفرق أفرادها أثناء الاضطرابات، وقد أراد سوبارو لم شملهم في أسرع وقت ممكن.
“سأعود إلى العاصمة فور أن تستقر الأوضاع، لذا أظن هذا مجرد وداعٍ مؤقت، بالإذن”
“حسنًا، سأكون بانتظارك، وحتى يحين ذلك الوقت، سأكون جاهزة لرد المعروف العظيم الذي قدمته لي متى احتجت”
“يا إلهي، أنتِ تكبرين المواضيع، نحن نساعد بعضنا البعض، هذا كل ما في الأمر، ناهيكِ عن كوني قد تلقيت مكافأتي بالفعل”

“من الأفضل لك أن تفي بذلك الوعد وإلا جعلتك تعاني قبل موتك بجعل المانا داخل جسدك تصاب بالجنووووووون” “هلّا توقفت عن قول هذه الأشياء المرعبة التي تدفع الشخص للجنون بصوتك الرقيق ووجهك الجميل هذا؟!””

أظهر سوبارو لكروش ابتسامة حرجة بينما أشار إلى عربة التنين التي في بداية الصف، بدت تلك العربة أفخم وأرقى من باقي العربات، حيث تم ربطها بتنين أرضي أسود جميل في المقدمة، كان ذلك التنين الأسود هو ما حصل عليه سوبارو كمكافأة على دوره في المطارة.

“أنـا أعرف شخصيتهما، السيد ورام. وبالنسبة لسبب غيابهم عن القصر، إذا كانت طائفة الساحرة تتحرك بسبب دخول السيدة إميليا في الانتخابات الملكية … فهذا هو القرار الطبيعي الذي يجب اتخاذه”. “هل سمعتِ عن عناصر الاختيار الملكية قبل أن يتم إيقافها ؟” “جاءت السيدة إميليا إلى القصر منذ حوالي نصف عام. كنت لا أزال هنا في القصر في ذلك الوقت. كان إعطائي إجازتي مرتبطًا بذلك أيضًا “. بينما رتب سوبارو الأشياء على جانب سرير ريم، واصلت فريدريكا إحضار كل شيء إلى جانب السرير. عقد سوبارو حاجبيه مستشعرًا أن هناك شيئًا ما حول المحادثة التي كان يجريها معها.

“لم تطلب سوى مكافأة بسيطة مقابل الجهد العظيم الذي بذلته، من كان يظن أنك ستطلب تنينًا أرضيًا واحدة كمكافأة على هزيمتك لأحد الوحوش الشيطانية العظيمة!”
“هييه! أنا مدين لهذه التنينة بحياتي، صحيح أني لم أقضِ وقتًا طويلًا معها، إلا أنها ساعدتني وواجهت معها الموت أكثر من أي شخص آخر! قد يكون ذلك لأني (أحد أقوى مصدر إزعاج لباتلاش) ، ولكن … ”
“لا داع للقلق إذن”

“استعمال كلمة استقالت ليس دقيقًا، لقد حصلت على إجازة لبعض الأسباب الشخصية … لقد انتهى بي المطاف بالعودة في وقت أقرب مما كنت أتوقع فحسب “. “كان قبل قدوم سوبارو إلى القصر … قبل ثلاثة أشهر ، إذن؟ على كلٍ، أنا سعيدة لرؤيتك مرة أخرى”. ابتسمت إميليا وفريدريكا لبعضهما البعض ، حيث كانتا مسرورتان بلم شملهما. منذ هذا الموقف، أصبحت فريدريكا تخفي فمها خلف كمها؛ قد تكون كلمات سوبارو الوقحة سببت لها عقدة من نوعٍ ما. شعر سوبارو بالخجل أكثر من زلة لسانه، لكن فريدريكا لم تتحدث عن ذلك لأنها كانت تشير إلى القصر بيدها. “بعد استدعائي ، وجدت القصر فارغًا تمامًا … كنت في حيرة من أمري. لحسن الحظ ، تمكنت من فهم ما يحدث بفضل خلال رسالة في مكتب السيد “. “رسالة” “أجل، رسالة كتبتها رام. على الرغم من أنها الشخص الذي استدعاني، لم تترك لي سوى تلك الكلمات التي في الرسالة … قد أعتبر لطيفة بقولي أن ما فعلته هو عادتها؟ ” ابتسم فريدريكا ابتسامة متوترة. من تلك الابتسامة ، شعرت سوبارو بثقل سنوات من الألفة والثقة بينها وبين رام. على الأرجح ، كانت لديها علاقة مماثلة مع ريم. “وما سبب استدعاء رام لك يا فريدريكا؟” تجاهل سوبارو الشعور الناشئ في صدره وهو يحث فريدريكا على مواصلة حديثها، فبعد ما قالته، كان للسؤال سوبارو إجابة واضحة. كان القصر في حالة تأهب قصوى بسبب استهداف طائفة الساحرة له قبل بضعة أيام بعبارة أخرى، استدعت رام فريدريكا كنوع من التعزيزات الطارئة للمعركة. “بحلول الوقت الذي وصلت فيه، كان المطبخ وحديقة القصر في حالة مروعة إلى حد ما.” “هناك سبب مقنع قيام رام بذلك! صحيح يا إميليا تان ؟! ” “لا تتسرع يا سوبارو. ليس الأمر كما لو أن هذا خطأ رام. يبدو أنها شعرت ببعض الخطر الذي قد يحل بالقصر لسبب ما… كما أنني أردتُ المساعدة أيضًا ، لكن … ” “آ-آه ، لا بأس يا إميليا تان، لم يكن شيئًا بيدكِ على أية حال…” “معه حق… كما أن رام قالت: «هذا لا شيء، اتركوا الأمر لي، وسأتدبر الأمر بطريقة ما.» ”

أثناء حديثهما، كان سوبارو كروش يراقبان تنين الأرض -باتلاش-، كانت تلك هي اللحظة التي سار فيها السياف ويلهلم وأبدى برفق عدم موافقته، بعد الانتهاء من التحقق من حالة العربات، انحنى شيطان السيف لينضم بعدها إلى المحادثة.
“يُقال إن سلالة ديانا هي الأكثر مزاجية من بين جميع سلالات تنانين الأرض، ومن النادر أن ترضخ لأحد في مثل هذا الوقت القصير، يبدو أن السيد سوبارو وتنين الأرض هذا أكثر توافقًا من غيرهم”.
“أظنك محق، فعندما كنت بصدد اختيار جبل قبل قتالي مع الحوت الابيض، اخترته بناءً على غريزتها، ولكن…”

4

كان موضوع التوافق بينهما حقيقة لا يمكن إنكارها، شعر سوبارو أن توافقهما كان أمرًا مقدرًا فهو لم يتوقع أصلًا أن بإمكانه التغلب على كل من الحوت الابيض والكسل بمساعدة أي تنين آخر عدى باتلاش، فقد أنقذت سوبارو عدة مرات حتى اقتنع بتلك الحقيقة.
“بعبارة أخرى، لن أرضى بأي تنين غيركِ…!”

6 “لكن أخبرني، لماذا خرجت من الحمام؟ أرجوك لا تقل شيئًا مخيفًا كوجود باب مخفي أو ممر مخفي متصل بالحمام…” “الأمر ليس هكذا أبدًا أيها الأحمق، إنها مجرد معجزة تحدث لمرة واحدة، وهي ناتجة عن رغبتي في عمل روتين كوميدي معك” “هذه ليست إجابة على سؤالي، بالرغم من أن ردك مخيف للغاية! ” بعد أن تم لم شمله مع أوتو، عادت مشاعر اليأس من التحدث مع بياتريس إلى قلب سوبارو بسبب تلك المحادثة غير المثمرة معها، وبدأ ينخرط في محادثة مع أوتو وهما متجهان إلى غرفة الضيوف، تمامًا كما قالت بياتريس، لقد أوضحت طريقة للوصول إلى الإجابات. بغض النظر عن كون تلك الطريقة العنيفة التي اتبعتها لم تؤد إلا إلى زيادة مخاوفه وشكوكه. “ها … طريق قاتم، أليس كذلك؟” “ما بالك تتنهد…؟ هل هذا التنهد يوحي بأن الحظ الجيد بدأ ينفذ منك؟ ” “أمامك طريق قاتم للغاية، لذا أنا أتنهد عوضًا عنك “. “أتقول أنه من حسن حظي أنك تنهدت مكاني؟! ألا يمكنك فعل مثل هذه الأشياء وراء ظهري؟” بسبب عجزه عن تحرير المشاعر المتضاربة داخل صدره، انقلب سوبارو على أوتو وبدأ يؤذيه بلسانه حتى وصل الإثنان إلى غرفة الضيوف بينما يواصلان هذه المحادثة التافهة. “أوه ، أرى أن السيد سوبارو معك، سأقوم بإعداد الشاي على الفور “. بدأت فريدريكا -التي ظنت أن أوتو سيعود للغرفة وحده- بسكب كوب من الشاي الطازج عندما لاحظت أن سوبارو كان برفقته، كان سوبارو يصدر صوتًا بأنفه وهو يشم الرائحة الدافئة لأوراق الشاي، جلس بجانب إميليا على الأريكة في الجزء الخلفي من الغرفة، ثم نظر إليها بطرف عينه لتلتقي نظراتهما في الوقت ذاته. “سوبارو، أرى أنك كنت برفقة أوتو، أنتما متوافقان مع بعضيكما حقًا” “سأعيد ذلك مرارًا وتكرارًا، لقد أخطأتِ الفهم، تنتهي علاقتي معه بمجرد أن أفي بوعدي بشراء كل بضاعته، لا شيء أكثر من ذلك!” “ماذا، يمكنك التحدث بصراحة حتى النهاية، لكن لمَ تضيف في كلامك إهانة لي؟ ياله من حديث لاطائل منه!” كان أوتو متعبًا ومحبطًا من سوبارو وهو يتجنبه ويستخدمه أداة للسخرية، آنذاك رفعت إميليا كوب الشاي الذي تم سكبه لها إلى فمها ، وأخذت رشفة وابتسمت في سوبارو قليلاً. “سوبارو، لا شك في كونك عنيدًا للغاية حتى تتصرف هكذا بالرغم من أنك أصبحت صديقًا لـويوليوس بعد كل ما حدث بينكما” “نحن الأولاد هكذا، يجب أن نكون عنيدين! أنا ما أزال متمسكًا بهذه الصورة النمطية! واسمحي لي أيضًا أن أشير إلى أنني أنا و ويوليوس لسنا أصدقاء، سأبقى أكره ذلك الرجل إلى الأبد” “صحيح، صحيح” تناقصت شفتا سوبارو عندما ظهر شاب وسيم في عقله، لكن إميليا كانت ترى الأشياء بشكل مختلف. لقد استوعب بتردد معين أنه كلما تحدث عن الأمر ، زاد عمق سوء الفهم. “ألا تجده فاتنًا أن يشعر المرء أنه كلما تجادل مع أحدهم، كلما صار أقرب له؟” “لم يعد هنالك أحد يستعمل كلمة (فاتن) في مثل هذا السياق هذه الأيام …! ناهيكِ عن أني ظننت أن تجادل الأشخاص باستمرار ما هو إلا دلالة على عدم توافقهم، أتقولين أن لهذه القاعدة استثناءات كثيرة؟” “حسنًا يا سوبارو، أخبرني… عندما دخلت في جدال كبير معك، هل ساءت الأمور أكثر؟” “يُحسب لكِ هذا يا إميليا تان” اعتلت وجه سوبارو نظرة محرجة جعلته على وشك الموت، ردت فعل سوبارو جعلت عيني إيميليا تضيق وينخفض صوتها لتهمس له: “إذن ، هل تمكنت من التحدث مع بياتريس بالشكل الصحيح ؟” لم تسأل إميليا عما إذا كان قد قابلها، سألت عما إذا كانوا قد تحدثوا. طرحت هذا السؤال لأنه ليس لديها أدنى شك في وصول سوبارو إلى أرشيف الكتب الممنوعة، لم يكن متأكدًا من أنه يجب أن يدعو هذه الثقة، لكن قد يقول المرء إنه لن يرد إلا على ثقتها في النهاية. “التقيت بها، التقيت بياتريس، ولكن فيما يتعلق بالتحدث معها بشكل صحيح … لست متأكدًا حقًا “. “… فهمت، لكنك تمكنت من مقابلتها يا سوبارو، في الوقت الذي كنت فيه في القصر ، لم نتمكن أنا ورام من مقابلة بياتريس ولو لمرة واحدة، انا فقط منزعجة قليلاً من ذلك “. تحدثت إميليا بهواء العبوس ، وهي تبرز لسانها بشكل رائع. لكن قلة القوة في صوت سوبارو قد نقلت شيئًا ما على ما يبدو ، لأن عيناها البنفسجيتين بدتا مترددتين في استمرار كلامها. لكن بدل رد إيمليا، أتى همس من تلك الفتاة الأخرى: “إذن، يمكنك حقًا الدخول إلى أرشيف الكتب الممنوعة للسيدة بياتريس…” “ماذا ، أكان عندكِ شك بي؟” أنزل سوبارو كتفيه مظهرًا حزنه على ما قالته فريدريكا لترد هي بدورها وتهز رأسها نافية “بالنظر إلى عدد لقاءاتي مع السيدة بياتريس خلال أكثر من عشر سنوات في خدمة السيد والتي تعد قليلة للغاية لم يسعني سوى أن أشك في الأمر عندما قلت: (سأذهب للتحدث قليلًا مع بيكو، لن أتأخر!) أو شيئًا كهذا ثم غادرت، لذا لم أستطع إلا الشك في الأمر” “آهه، ارررر، لا يمكنني القول أن الخطأ لم يكن خطئي بما أنني تركتكِ على هذا النحو، صحيح؟” “لأكون صريحة معك، توقعت أن الأمر سيأخذ منك ساعات حتى تتمكن من لقاء السيدة بياتريس” تذكر سوبارو كيف قال تلك الجملة التي يعذر فيها نفسه ثم هرع على عجل وترك الغرفة، وبينما كان سوبارو يفكر في تصرفه، تجاهلته فريدريكا ونظرت إلى إيميليا وهي تواصل حديثها: “بالرغم من شكوكي، قضت السيدة إيميليا وقتًأ طويلًا تتحدث فيه عن كونك جديرًا بالثقة، لذا كنت أنتظرك بشعور منقسم إلى نصفين، شك وأمل” “هاه” “مهلًا لحـ – فريدريكا؟!” ترك تصريح فريدريكا غير المتوقع سوبارو في حيرة من أمره، أما إيميليا فقد قفزت إميليا على قدميها واحمرت وجنتاها وهي تلوح بيديها لسوبارو نافية ما سمعه. “لم يكن الأمر كذلك، صحيح أني حدثت فريدريكا عنك يا سوبارو، ولكن ما قالته الآن مبالغة…!” “كلا، حتى أنا سمعتها تتحدث عنك، للأمانه، عندما أنصت لما قالته شيء واحد خطر في بالي، وهو ان حظك الذي يكسر الصخر يا سيد ناتسكي” “حتى أنت يا أوتو!!” لقد تم الغدر بإيميليا… ليس فقط من قبل قبل فريدريكا ، ولكن أيضًا من قبل أوتو، صفقت وجنتيها المحمرتين بيدها وألقت نظرة سريعة على سوبارو. ردة فعل إميليا الذي غالبًا ما كانت تخفيه عن سوبارو جعل هذا الآخر يشد قبضته. “لماذا لا تتحدثين عني هكذا عندما أكون متواجدًا …؟” “لا يمكنني التحدث بهذه الطريقة أمامك، إنه أمر محرج … صه، فريدريكا! غيري الموضوع!” ” يا إلهي، بالرغم من أنكِ قلتِ ما قلتيه فإن سحرك الطفولي دائمًا جذاب” أخفت فريدريكا فمها وهي تبتسم، وحولت نظرتها من إميليا الخجلة إلى سوبارو سوبارو ثم قالت: “سيد سوبارو ، لقد سمعت الكثير عنك من السيدة إميليا … لا، بل أكثر من الكثير.” “فريـ…در…يـ…كا!!!” “حسنًا، حسنًا، فهمت – إذن يا سيد سوبارو، لنعد إلى موضوعنا، سواءً عثرت على أرشيف الكتب الممنوعة أم لا، لن يكون ذلك عائقًا.” “لن يكون… ذلك عائقًا؟” عقد سوبارو حاجبيه إشارة إلى عدم فهمه بعد أن أدرك لم يستوعب مضمون تلك العبارة الغامضة، وفور أن فعل ذلك لمست إميليا كتفه بلطف وأومأت برأسها وأكملت: “سوبارو ، لم يكن لدينا شك في قدرتك على مقابلة بياتريس، لكن إجابتها على أسئلتك من عدمها قضية أخرى، أليس كذلك؟ أعني، كلاكما أنت وبياتريس عنيدان للغاية” “طريقتك اللطيفة في صياغة ذلك تزعجني حقًا، لكن معكِ حق، إذن ما العمل؟” “لقد قطعت وعدًا للقرويين ، كما أن لدي الكثير من الأشياء التي أريد سؤال روزوال عنها بنفسي – لذلك طلبت من فريدريكا أن تدلني على مكان الملجأ.” “ ______” حقيقة أن إميليا تصرفت بنفسها من أجل تحقيق هدفها الأصلي جعلت سوبارو عاجزًأ عن الحديث، كان الملجأ الذي سعت إليه إميليا هو نفس الملجأ الذي قالت عنه بياتريس بوجه وصوت حزينين أنه الطريقة التي سيصل فيها سوبارو إلى إجابات على أسئلته وخاوفه. كما أنها قالت أيضًا: أن “الفتاة نصف الوحش” ستدله على الطريق، لذا سأل سوبارو: “إذن، هل دلتكِ فريدريكا على الملجأ؟” “لقد خسرت أمام إصرار السيدة إميليا، لقد طُلب مني أن أفصح عن أقل قدر ممكن من المعلومات عنه… ولكن يبدو من الغريب إخفاء الأمر عنكما “. “احم، أنا موجود هنا أيضًا…” “سيكون من الغريب إخفاء الأمر عنكما” “هلّا توقفتِ عن استخدام صيغة المثنى وصححتِ خطأكِ النحوي من فضلكِ” إن وضعنا جدال فريدريكا وأوتو الصغير جانباً، فسنجد أن سوبارو قد تفاجـأ من حدوث تقدم في القضية في غيابه، أبقت إميليا يدها يدها على كتف سوبارو وخفضت حاجبيها: “سوبارو ، لا بأس عندك؟ ألست مستاءً لأني تصرفت دون استشارتك؟” “كـ -كلا، لست مستاء على الإطلاق، لقد كنتُ محتارًا بحق، لذا فقد أسديتي لي خدمة عظيمة!” “حقًا؟ أنا سعيدة حقًا، إذن، سوبارو… أريد طلب معروف منك…” كان سوبارو ما يزال يحاول استيعاب ما حدث، أما إميليا فقد بدت مرتاحة وخفضت عينيها وهي تتابع حديثها، بمجرد أن سمع سوبارو كلمة (معروف) انتابه شعور سيء. لقد تم استخدام كلمة (معروف) بنفس الطريقة من قبل- “مهلًا، لا تقولي لي أن المعروف الذي تريدنه مني هو… أن أبقى هنا في القصر؟” “ماذا؟” “إذا كان هذا ما ستقولينه، فلنتوقف على الفور! هذا الحديث انتهى! صحيح أن جسدي ليس في أحسن حالاته، وأن فيريس توقف عن كونه طبيبي، ولكن هذا لا يعني أني عاجز عن القتال وحدي! إن كان هناك ما أبرع فيه، فهو القتال باستخدام عقلي! حسنًا، ليس هذا كل شيء، ولكن…!” اتسعت عينا إميليا عندما حاول سوبارو يائسًا إثبات وجهة نظره، ولكنه كان يرى أن إظهار هذا الحماس كان ضروريًا. كان الوضع مشابهًا بالتأكيد لما حدث عندما توجهوا إلى العاصمة الملكية لأغراض الاختيار الملكي، ولكن الإختتلاف الجوهري كان الاستعداد في قلب سوبارو. لم يكن يتبع إميليا بلا حذر أو وضع خطة، ولكن هذه المرة كانت مختلفة عما حدث من قبل. “لا تحاولي إيقافي حتى، سأذهب معكِ، لن أدعكِ تتركينني خلفكِ! “بالطبع لن أتركك هنا، تعال معي” “إن قلتي أنكِ تتركيني، فاعلمي أن إجابتي هي لا، مستحيل، وألف لـ – ماذا، ما الذي قلته للتو؟” نظرًا لأن عواطف سوبارو الشديدة جعلت اختياره للمفردات محدود، بدا وكأن كلمات إميليا صفعت وجهه ، وأعادته إلى رشده، وعندما استوعب ذلك، أخذت إميليا يدها التي أمسكت سوبارو ووضعتها على صدرها وهي تتحدث “قلت تعال معي، سأشعر بقلق فضيع دون وجودك” “…..” “سوبارو ، أنا … أعتمد عليك، سوبارو ، أنا … بحاجة لقوتك. ” – لم يستطع سوبارو أن يصف بالكلمات تأثير نداء إميليا الهادئ على قلبه. بقي فمه مفتوحا، عاجزًا عن على قول كلمة واحدة لتخيم مشاعر القلق على وجه إميليا، اهتزت عيناها البنفسجيتان وهي تلعب بشعرها الفضي الطويل وقالت: “أممم… هل قلت شيئًا غريبًا؟” “…أنتِ المفتاح الذي يحفزني ويشعل الحماس في قلبي يا إميليا تان، سواءً أكان حماسي متأججًا أم خابتًا، فإن كلمة واحدة منكِ هي كل ما أحتاجه، بجدية، لا يمكني العيش بدونك!” غطى سوبارو وجهه براحة يده، مظهرًا امتنانه لوجود إميليا بتنهيدة عميقة، “إيه؟ إيه؟ ” كان هذا رد إيميليا المرتبكة التي صدمتها كلمات سوبارو الممتلئة بالمشاعر، ليتابع سوبارو حديثه بعدها، “ها قد رددت كلامكِ لك” مخرجًا لسانه لها. بعد كل شيء، كانت الكلام الذي رمته إميليا على سوبارو ذو تأثير أعمق وأقوى مما قاله هذا الآخر. “يبدو أنكما أوضحتما سوء الفهم” “أجل، نعتذر عن هذه اللقطات الشاعرية ~ لم أستطع تمالك نفسي”. “لقطات شاعرية…؟” عندما حاولت فريدريكا إعادة النظر في موضوع المحادثة ، التفت سوبارو باتجاهها مرة أخرى. بعيدًا عن كل شيء، بدا أن لدى إميليا علامة استفهام تحلق فوق رأسها، لكنها استعادت على الفور رباطة جأشها وحدقت في فريدريكا. أومأت فريدريكا برأسها نحو نظراتهما ، وحدقت بالثنائي وهي تتحدث. “كما قلت لكم ، ليس لدي أي اعتراض على أن أدلكم على طريق الملجأ، لكن أنا فقط… أحتاج قليلًا من الوقت للاستعداد … ربما يومين؟ ” “استعداد … آه ، إن كنتِ تقصدين بذلك ترك القصر فارغًا، فلا ينبغي أن يستغرق ذلك كثيـ…” “لا، أنـا سأبقى هنا في القصر، من واجب السيدة إميليا والسيد سوبارو التوجه نحو الملجأ، أما العناية في القصر فهو واجبي”. “مهلًا، ألن ترافقينا؟! كيف لنا أن نصل إلى الملجأ إذن؟” تفاجأ سوبارو من كلامها، لم يتوقع منها أن ترفض مرافقتهم، قتصر تعاون فريدريكا على إخبارهم بمكان الملجأ وليس أخذهم له، لوهلة فهم سبب قلق إميليا في المحادثة السابقة، لكن لفت إنتباه سوبارو شيئًا آخر في نفس الوقت. بعبارة أدق، لفت اننتابهه مشهد أوتو سوين المتكئ على ظهره ، بذراعين متقاطعتان وهيئة واثقة للغاية، وشكل يملأه الغرور والخيلاء. “هيه، أنت! ما أمر هذه الجلسة الواثقة أيها المنفوخ! نحن في منتصف محادثة مهمة لعلمك!” “هو هو هو، أنت ضعيف في التخمين يا سيد ناتسكي، كيف لك ألا تتساءل حتى عن سبب حضوري مثل هذه المحادثة المهمة في المقام الأول؟ ” “معك حق، يجب ألا يسمع الغرباء هذه المحادثة، أخبروني، أتوجد هنالك زنزانة في القصر؟ ” “لم أقصد أن يكون هذا ما سيؤول إليه الوضع عمندما أبديت بتعليقي كما تعلم!” “أجل، توجد زنزانة في القصر، وأؤكد لك أنها مريحة” “آنسة فريدريكا، ألم يكن بإمكانكِ ترك سؤاله بدون إجابة فحسب؟!” كان سوبارو يمزح عندما سأل عن وجود زنزانة، لكن هذه المزحة أخرجت شيئًا من جانب قصر روزوال المظلم إلى النور. في كلتا الحالتين، أخفض أوتو كتفاه في حزن لكونه متعاونًا عندما – “هيه، كلاكما! توقفا! يجب ألا تعاملا أوتو على أنه شخص منبوذ هنا” بدلاً من أن يرد أوتو عليهما، وقفت إميليا على قدميها في غضب واضح، واضعة يديها على خصرها ومحدقة بأولئك الإثنان اللذان بالغا في مزاحهما – سوبارو وفريدريكا- “يا له من شيء فظيع تقولانه لشخص بذل قصارى جهده بإظهاره مواقته على التعاون معكما، سيكون من الصعب الذهاب إلى الملجأ بدون مساعدة أوتو، أليس كذلك؟ ” “أوهه…! هل سمعت يا سيد “ناتسكي”؟ كان عليك أن تظهر ردة فعل مثلها على تعاوني!” “آآآآه، مضت فترة منذ أن قلت “إيميليا هي ملكتي”، لذا سأقولها الآن ” إيميييليا هي ملكتيييييي” (يرجى الرجوعة للترجمات السابقة لهذه العبارة) “إيميليا … ماذا؟” عندما قال سوبارو بحماس عبارته القديمة، وصل أوتو إلى أعلى درجات الحيرة، لكن سوبارو تجاهل حيرته عندما استوعب ما قالته إميليا عن مساعدة أوتو لهم. “بعبارة أخرى، قال أوتو أنه سيرافقنا حتى نصل الملجأ، لأكون صريحة معك، كان علي أن أترك كل عربة التنين متوجهة إلى باتلاش ، لذلك فهي مساعدة كبيرة ، ولكن…” “ولكن ماذا؟ هنالك شيء خلف طريقة الكلام هذه، أما زلتِ تشكين في حسن نيتي؟” “آسفة، التاجر الوحيد الذي أتوقع منه خدمات مجانية هو رجل لديه محل فواكه ووجه مخيف، قد يكون هذا الشخص جميلًا وفقًا للمعايير البشرية، ولكن من الأسهل الإعتقاد أن التاجر يريد شيئًا للضمان عوضًا عن فعل شيء عن حسن نية” تبادر إلى ذهنه الذهن أسماء ووجوه التجار الذين كان على اتصال بهم في العاصمة -كادمون، اناستاشيا، وروسيل-، من حيث الشخصية كان كادمون هو الأقرب له، ولكن من حيث الميول كان روسيل هو الأقرب. “يمكنني قراءة دوافعك الخفية، حقيقة الأمر هو أنه عندما يكون المرء متعاونًا مع إميليا ليتقترب منها قدر الإمكان ويترك انطباعًا جيدًا على داعمها روزوال، فإن الفائدة ستفوق حتى المبلغ المحصل عليه في حالة بيعه كل بضاعته، بعبارة أخرى، هدفك هو التقرب من روزوال، أليس كذلك؟ ” “حسنًا ، كشفت قليلًا عن أعمق أسراري …” “أوتو … هل هذا صحيح؟” “تؤلمني عيون السيدة إميليا الصادقة كثيرًا كثيرًا كثيرًا! أعتذر لكم بحق! ولكن ما قاله سوبارو صحيح، وهو أكبر دوافعي! لكن صدقوني، ليس في نيتي التسبب بأي ضرر لكم، لذا أرجوك سامحني !! ” بالرغم من محاولة أوتو لإنكار الأمر، إلا أنه لم ينجح في ذلك تمامًا، وفي النهاية اعترف بنواياه. هز سوبارو رأسه بضجر ردًا على سلوك أوتو. هذه المرة جاء دوره ليربت على كتف إميليا. “حسنًا، دعونا لا نقسو على أوتو، أنتِ تجعلين الأمر يبدو سهلاً يا إميليا تان ، ولكن من الصعب حقًا على الأشخاص التصرف نيابة عن شخص آخر بدافع الإخلاص وحسن النية “. “لا أعتقد أنني شخص صالح بالكامل… ولكن ألا ينطبق الشيء ذاته عليك يا سوبارو؟” “أنا أبذل كل ما بوسعي لخدمة إيميليا تان، لكن إن كان ذلك يتطلب مني القيام بأعمال نجسة بالكامل، فهل يعني هذا أني شخص صالح…؟!” عندما يريد المرء أن يجعل الناس يظنون به ظنًا حسنًا، يبدء بتحسين تصرفاته ومساعدة الآخرين، كانت هذه هي القاعدة المتبعة في سياق العلاقات الشخصية، ومع ذلك، ليس كل الأشخاص سيئين ليتم اعتماد هذه القاعدة كقاعدة أساسية بلا أية استثناءات، كانت مجرد قاعدة عامة. ببساطة كان البشر معقدين أكثر من أن يتم وصفهم بجملة واحدة. “حتى بالرغم من أن إحدى دوافعك الخفية أصبحت واضحة للعلن، فنحن نراك شخصًا صالحًا، لذا لا تقلق” “أن يبدر هذا الكلام منك يا سيد ناتسكي ليس أمرًا مطمئنًا، ولكن لا بأس…” رد سوبارو على أوتو المكتئب بابتسامة مثيرة اعادة انتباهه إلى فريدريكا. “حسنًا إذن، سيساعدنا أوتو، لذا علينا الاستماع لكِ ثلاثتنا وأنتِ تتحدثين عن الملجأ” “حسنًا، بالمناسبة، ألم يحدث السيد أيًا منكم عن الملجأ؟” جلس سوبارو ورفيقاه على الأريكة على استعداد للاستماع إلى حديثها، وبمجرد أن فعلوا طرحت عليهم فريدريكا هذا السؤال لينظر سوبارو وإميليا إلى بعضهما البعض، قالت إيميليا “لأكون صريحة معكِ، لم يقل لي شيئًا واضحًا عنه، لكن من المقتطفات التي سمعتها ، بدت وكأنها نوع من القاعدة السرية على بعد عدة ساعات من هنا … حقيقة أنه كان أول خيار لإجلاء الناس تجعلني أعتقد أنني لم أكن مخطئة. “ذات مرة … أخبرتني روزوال أنه مكان سيكون يومًا ما … ضروريًا بالنسبة لي …” “ضروري لك يوما ما …؟” ترك البيان غير المتوقع سوبارو يتطلع نحو إميليا بدهشة في عينيه. تلك النظرة دفعت إميليا إلى الاعتذار عن نظراتها. ولكن قبل أن يتمكن سوبارو من طرح سؤاله تابعت: “يبدو وكأنه شيء سيقوله السيد.” أغمضت فريديريكا عينيها ، بدت نبرة صوتها مضحكة. ثم أمسكت بحافة تنورتها ، وهي تنحني بعمق. وثم- “سأتحدث الآن عن كيفية الدخول إلى المكان الذي يُدعى ملاذ كليمالدي، يجب ألا تخبروا أي أحد بما سأقوله، وأيضًا ، عند الذهاب إلى الملجأ، هناك اسم واحد يجب ألا تنسوه “. “…” “غرافيل، يجب أن توليا الشخص الذي يحمل هذا الاسم كثيرًا من الانتباه، في الملجأ ، هذا الشخص هو الشخص الذي يجب عليك أنت والسيدة إميليا الاقتراب منه بأكبر قدر من الحذر “. كانت المشاعر المعقدة تتكون في عيون فريدريكا الزمردية وهي تضع هذا الاسم على شفتيها

عندما اقتربت بلاتلاش من سوبارو محتضنة إياه، ضرب هذا الآخر رقبتها بامتنان لتقوم بفرك جانب وجهها الفخور بجسده، مما جعل لجامها الصلب يضغط بقوة على يدي سوبارو.

“لكن عليّ القول أن شيئًا لم تتغير، ينبغي ألا تسيء استخدام السحر في بوابتك، ضع كلامي حلقة في أذنك، لقد تم سحب السم الموجود في البوابة بشكل كامل، لاكن هذا لا يعني أنه قد تم شفاؤها…. همم، في رأيي يجب أن تستريح بوابتك لمدة… شهرين” “شهرين، هاه؟ هذه ليست عقوبة تذكر بالنسبة لإنسان عاش سبعة عشر عامًا بلا سحر”

“آخخخخ! هذا مؤلم أكثر مما كنت أظن! صرت أعرف الآن شعور الخضروات عدما يتم بشرها!”
“حسنًا، الحقيقة أن تنانين الأرض تحب اللعب هكذا، يمكن القول أنها طريقتها في تعميق الثقة المتبادلة”
“حقًا؟! أليس تقوية العلاقة هذه أشبه بالقط الذي يتلاعب بالفأر؟!”

“ماذا تعنين بكون توقفك عن العمل وأخذ إجازة كان مرتبطًا بالتصويتات الملكي …؟” “كان واجبي في الأساس هو ترتيب الشؤون الشخصية للسيد من أجل الاختيار الملكي.” “الشؤون الشخصية؟” “كان من الواضح أن ترشيح السيدة إميليا -النصف عفريته- من شأنه أن يثير المشاكل. لذا قبل أن تبدأ تلك المشاكل، قام السيد بإبعاد كل من حوله عنه، فحتى في القصر، لم يترك سوى رام القادرة على الدفاع عن نفسها … رام وعلى الأرجح ريم، سمح للإثنتين فقط”. كانت هذه الإجابة مسؤولة عن الشعور الغريب الذي شعر به سوبارو عند وصوله القصر لأول مرة. بالنظر إلى الحجم الهائل لقصر روزوال، كان من المستحيل أن تتكفل ريم ورام فقط بخدمة القصر بأكمله، صحيح أن مهارة ريم أبقت القصر واقفا على قدميه، ولكن هذا لم يكن كافيًا. “بناء على تعليمات السيد ، تم إرسال العديد من الخدم لأداء الأعمال والواجبات في مكان آخر. وبصفتي أحد كبار الموظفين ، ساعدت في ذلك. لكن في النهاية أنا أيضًا غادرت القصر … على الرغم من أنني انتهى بي المطاف بالعودة كما ترى “. “…” كانت عودة فريدريكا إلى القصر نتيجة فقدان ريم. كانت سوبارو قد توصلت بالفعل إلى إجابة هذا السؤال، ولكن في نفس الوقت ، عندما سمعت كلماتها ظهرت شكوك داخل صدره. وبالتحديد ، كانت خطوات روزوال للتحضير للاختيار الملكي بعيدة كل البعد عن أفعاله منذ ذلك الحين.

قد يكون لجام التنين الذي بيد سوبارو مجرد مسرحية أطفال تمتع ويلهلم، إذ أن هدوء شيطان السيف جعل سوبارو يحك رأسه ويظهر تعابير الندم على وجهه.

 

“حسنًا، لنضع مسألة توافقي أنا وباتلاش جانبًا، ويلهلم، من المحزن أنني مضطر لتوديعك الآن، لكن اعتنِ جيدًا بتلك الإصابة، حسنًا؟”
“شكرًا على اهتمامك، بالحكم على كيفية توقف النزيف، يبدو أنني في حالٍ أفضل بكثير مما توقعت، رغم أن اعتبار ذلك حظًا أمر صعب…”

لم تستمر تلك المشاعر المشؤومة سوى بعض لحظات، كان سوبارو ما يزال تائهًا في بحر أفكاره عندما بدأ رأس فيريس يرتفع مرة أخرى، ليعود إلى سابق عهده، لكن كان في عينه بريق مؤذٍ لكل منهما، تابع فيري كلامه:

لقد كانوا يناقشون أمر إصابة الكتف الأيسر لويلهلم، تلك الإصابة التي سببتها له زوجته، قديسة السيف السابقة، حقيقة أن جرحه القديم قد فتح جعل عينا شيطان السيف تمتلئان بالمشاعر المتشابكة، ولكم يكن هنالك طريقة لتفسيرها إلا باستجواب مطران الخطيئة الذي هاجم كروش.
إن كان مطران الشراهة مسؤولا عن شيء غير الحوت الابيض، فسيكون وفاة زوجة شيطان السيف، لم يكن هنالك مشتبه رئيسي عداه. وبأخذ فرضية طائفة الساحرة في الحسبان، كان كم المؤكد أن سوبارو وأصدقاءه سيتصادمون معهم مجددًا يومًا ما، فقد كانت تلك الطائفة العدو الحقيقي لتحالفهم. عليهم هزيمة طائفة الساحرة واستعادة ما فقدوه، بما في ذلك ذكريات كروش وغيرها-
“سوباروووو، لقد وضعت ريم في السرير، تعال وانظر بنفسك”

المقدمة

نداء شخص ما لاسمه قطع حبل أفكاره على الفور، التفت سوبارو نحو المتحدث ليجده فارس كروش -فيريس- صاحب أذني القطة ذات اللون الكتاني الأيقوني وهو ينحني من عربة التنين.
مشى سوبارو إليه متبعًا تلويحة يده وأطل برأسه داخل العربة، ليدرك أنه قد تمت إزالة كل المقاعد من العربة العريضة واستبدالها بسرير بسيط، نامت عليه فتاة وحيدة تتسبب رؤيتها بألم في قلب سوبارو.
تم لف جسد تلك الفتاة ببطانية زرقاء رقيقة عوضًا عن ملابس الخادمة التي اعتادت ارتداءها، لقد تركها فاقدة للوعي بسبب نومها الذي لم ستيقظ منه أبدًا، وعدم وعيها بكل الأشخاص المتواجدين حولها.

“تبًا، لكنك تظل رجلًا!! اللعنة!! ما هذا يا إلهي…!!” “هيييه! السيدة كروس هي من أرادت مني ارتداء هذا! لقد قالت أن هذا الزي يناسبني ويجعلني أتألق! ناهيك عن كونه يظهر حقيقة جسدي وروحي!” “ولكن هذا…”

“لن تسقط ريم على ظهرها أو ما شابه عندما نتحرك، صحيح؟”
“أؤكد لك أني أعطيت لذلك أولوية قصوى، سواءً صدقتني أم لا، أنا معالج حقيقي، لذا فأنا لطيف مع كل مرضاي… رغم أني لست متأكدًا من كون تسمية ريم “مريض” المصطلح المناسب”

“سوف آخذ ذلك على محمل الجد. إن كانت أخت رام الصغيرة فأنا أعتبرها أختى أيضًا. أتساءل ما هو نوع رد فعل السيد ورام عند عودتهما ورؤيتها؟ ” “لا يمكنني توقع ردة فعل روزوال … ولا أريد حقًا التفكير في ردة فعل رام.”

حدق فيريس في وجه تلك الفتاة التي بدت نائمة بسلام، لتزل أكتافه، بالرغم من نبرة صوته المرحة إلا أن وجهه كان يحمل حزنًا عميقًا امتزج بخيبة أمل من نفسه، لم يكن سوبارو الوحيد المنزعج من عدم قدرته على فعل أي شيء، فقد كان هنالك شخص آخر يتألم بسبب عجزه عن المساعدة! كان فيريس لا يزال نادمًا على عدم قدرته على حماية سيدته وهي في أمس الحاجة له:

قد يكون لجام التنين الذي بيد سوبارو مجرد مسرحية أطفال تمتع ويلهلم، إذ أن هدوء شيطان السيف جعل سوبارو يحك رأسه ويظهر تعابير الندم على وجهه.

“هل ستعود إلى القصر حقًا؟”
“أجل، ليس وكأن ريم ستشفى ببقائها في مكان كهذا… آه، لم أقصد الإهانة!”
“لا بأس يا سوبارو، فهمتك، أنت مجرد شخص فظيع في اختيار كلماتك! (مياو)”

كانت إميليا في حيرة مما تود قوله، منزعجة لأنها لا تستطيع التحدث بشكل واضح عما في رأسها، إذا لم تكن هناك إجابة واضحة، فإن سوبارو لم يرغب في الضغط عليها للإجابة. إذا كانت التفاصيل المتعلقة بالمشاعر السلبية في صدرها مرتبطة سرًا بدخولها في الاختيار الملكي- “….سنتحدث عن كل شيء بعد أن نصل إلى روزوال” “سامحتني إذن؟” “لم ترتكبي أي خطأ، لذا ليس هنالك ما أسامحك عليه، لكن إن كان هنالك شيء قد أزعجني فستكون الأشياء التي تحدثت عنها… علاوة على ذلك، قد يعرف روزوال شيئًا ما عن حالة ريم أيضًا”

لم يكن أمام فيريس إلا أن يبتسم لمحاولات شرح سوبارو سبب اختباره السيء للكلمات، بعد ذلك تحولت عيناه فجأة محذرة ورفع اصبعه إلى سوبارو

أعلنت تلك الكلمات التي ذكرتها بياتريس أن دور سوبارو قد حان لإظهار عدم فهمه. لقد تذكر أنه سمع مصطلح عنصر الساحرة عدة مرات حتى الآن. ومع ذلك ، لكن بيتلغيوس كان هو الوحيد الذي سمعه يستخدمه، لم يعتقد أبدًا أنه سيكون لتلك الكلمة أي معنى بعد وفاة ذلك الرجل. حيرة سوبارو جعلت بياتريس تنزل وجهها ، واستقر الارتباك في عينيها مرة أخرى. “هيه، لا يمكنك إلقاء المصطلحات الغريبة على رجل لا يفهم شيئًا عما يحدث، ما الذي تعنينه بعنصر الكسل للساحرة؟ بصراحة ، لدي شعور بأنه أمر سيء! “. “ألا تعرف؟ أحقًا لا تعرف؟ إن كنت لا تعرف، فلماذا قتلت الكسل…؟! علاوة على ذلك ، ما الذي يفعله روزوال حتى الآن…؟ ” “كل ما فعلته هو إطفاء النار التي يشعلها الآخرين في طريقي! أما روزوال الحقير، فهو ما يزال في الملجأ! أما عن الذي يفعله أو يفكر فيه، فهذا هو الشيء الذي أردت سؤالكِ عنه! اللعنة!!” صرخ سوبارو بخوف بعد نفاد صبره وهو يتحدث مع بياتريس، جعلت صرخته تلك كل عواطفه ومشاعره نصل إلى بياتريس التي اختفت المشاعر من وجهها على الفور، وما كان من صمتها إلا أن جعل سوبارو يتوقف. كانت تعابير وجهها خليطًا بين الغضب والحزن والإرتباك وكل المشاعر الأخرى، جعل ذلك المنظر أنفاس سوبارو تتوقف كما لو كان يعاني ضيقًا في التنفس، آنذاك، تنهدت بياتريس تنهيدة طويلة وعميقة. “أتساءل… عما إن كانت كل الأجوبة التي تسعى خلفها موجودة في الملجأ” “ماذا؟” “خطة روزووال، ذلك الإنجيل، وحتى كسل الساحرة، إن كنت ترغب في العثور على تفسيرات لكل ذلك، فاذهب إلى هنالك بتفسك، هل ستريك “مخطط روزوال ، معنى الإنجيل ، حتى عن الساحرة, الفتاة نصف الوحش الطريق ، أتساءل؟” “مهلًا لحظة؟ لمَ انقلبتِ هكذا فجأة، كنتِ تتصرفين بتكبر وتجبر للتو، ما الذي جعلكِ تتحدثين هكذا فجأة، وعلاوة على ذلك ، يمكنكِ إخباري دون أن أضطر إلى الذهاب إلى الملجـ -” “يجب ألا تقول بيتي شيئًا… يحق لبيتي… ألا تقول أي شيء!” أسكت ذلك الجواب العنيد سوبارو الذي تذكر أنها كانت تتبنى موقفًا من الرفض مشابهًا لهذا سابقًا، كان هذا هو الرفض نفسه الذي أعطته له عندما رفضت يده التي قدمها عندما أراد إخراجها من القصر إلى بر الأمان. بعبارة أخرى ، كانت النتيجة هي نفسها تمامًا. “أتخططين لدفعي بعيدًا مرة أخرى؟! كتلك المرة؟” آنذاك، دًفع سوبارو من الخلف في اتجاه الباب المؤدي إلى الأرشيف، شعر بقوة خارقة للطبيعة تلوي الهواء لتوليد ضغط الرياح، حتى أصبح سوبارو في قبضة تلك الرياح التي جرت جسده نحو البوابة … ودفعته إلى الخارج. كان استخدامها لقوتها السحرية الممعروفة باسم “باساج (المرور)” أمرًا متوقعًا للغاية. “لقد وضحت لك طريقة الحصول على إجاباتك، أتساؤل إن كانت بيتي ستتعاطف معك أكثر؟ إن غطرستك وتسلطك المستمر أمر مزعج حقًا” “بياكو … بياتريس !!” صرخ سوبارو مادًا يده بإتجاهها، لكن بياتريس رفضت يده هازة رأسها وممعنة النظر فيه، أغلقت تلك الفتاة الجالسة على الكرسي عينيها وهزت رأسها بخفة من اليمين إلى الشمال” “لا أظن أن بيتي أداة تستعملها للتريحك من العناء…” “……” “لست أداة تريح الآخرين … لست موجودة لأقول لك ما تود سماعه متى وكيفما أردت” بدت بياتريس وكأنها تنفث صوتها، لم تستطع سوبارو الإنكار أو التشكي، لم يكن الأمر أن كلماتها قد أصابت كبد الحقيقة، ولكن ما شعر به كانت الصدمة ، كما لو أنه تعرض لضربة من اتجاه غير متوقع أبدًا. سلبت الفجوة الكبيرة في أفكار سوبارو قدرته على المقاومة، وسرعان ما ألقي باتجاه الباب ، سيقذف إلى ما وراءه ، وسيغلق عليه خلفه، ليجد نفسه أمام باب أرشيف الكتب الممنوعة مطرودًا من قلب الفتاة المعروفة باسم بياتريس. “لماذا … تظهرين ذلك الوجه الباكي مرة أخرى؟” خفضت بياتريس عينيها، ولم يكن هناك رد منها على سؤال سوبارو الأخير. “- دا !!” “جياه !!” تم قذف سوبارو من الباب المفتوح بشكل قوي إلى الوراء، ليجد في إحدى ممرات القصر، حيث تم نقله بشكل عشوائي إليه، لكن هذه المرة لم يكن سوبارو وحده في الممر، بل— “س-سيد سوبارو، كيف خرجتَ من الحمام الذي خرجتُ منه أنـا للتو…؟” “!!!” “وكم من الوقت تنوي الإستمرار بالجلوس علي؟ أيمكنك التحرك من فضلك؟” ناشد أوتو بتعبير مثير للشفقة على وجهه وهو مستلقي على الأرض وسوبارو عليه، ومع ذلك ، كان الشيء الوحيد في رأس سوبارو آنذاك هي آخر لحظة مع بياتريس. لماذا أظهرت مثل ذلك الوجه الحزين؟ ربما كانت هذه الإجابة أيضًا – “- إذا ذهبت إلى الملجأ ، فهل سأكتشف ذلك أيضًا؟” “أنا لا أعرف ما الذي تتحدث عنه، لكني أود حقًا أن تتحرك في أسرع وقت ممكن” عندما غمغم سوبارو بعناية ، رفع أوتو صوته من الأسفل بغضب بسبب استمرار سوبارو بتجاهله.

“الأهم من ذلك أن تعلم أن ريم ليست وحدها من تحتاج إلى الراحة، يجب أن تستريح أن أيضًا يا سوبارو”
“أنـا؟!”
“أجل، أنسيت لمَ أتيت إلى العاصمة الملكة في الأساس؟ هذه المرة، كل قتالاتك مع الكسل أنهكت جسدك… ألا تشعر.. بالخمول أو ما شابه؟!”
“كلا أبدًا، ولكن….”

قالت إميليا -الوحيدة التي لم تضحك- تلك الكلمات بإخلاص في عينيها، كما لو كانت تشير إلى أنه أيًا كانت نتائج تصرفات سوبارو، ستعترف بها وتواجهها، كان هذا دليلًا قاطعًا على أنها قبلت بسوبارو -اسمًا وشخصيةً-، فقد وقف سوبارو إلى جانبها حق الوقوف.

عندما طرح فيريس السؤال، قام سوبارو بتمديد رقبته وكتفيه، وأجابه أنه غير مصاب بإصابات بالغة، وقد عولجت كل جروحه الخارجية بالفعل، مما يعني أن جسده بخير، أما من ناحية قلق فيريس على بوابته….

كان سوبارو على وشك قول: (كروش لا تعلم شيئًا عن هذا)، لكنه أوقف نفسه قبل أن تغادر تلك الكلمات شفتيه، لكن فيريس عرف ذلك دون الحاجة لسماعها من سوبارو، كما أن الكلمات عاجزة عن إيصال ذلك بطريقة غير جارحة، لذا أغلق سوبارو شفتيه كما لو كان يعلم أن ما سيقوله لن يتسبب إلا بإزعاج فيريس.

“أنا لا أعتمد على السحر في حياتي اليومية بالأصل، لذا لن أفتقدها أو ما شابه”
“هذا شيء لا يقوله إلا المستخدمون الذين لا يعتمدون على السحر، لو كنت مكانك… حسنًا، في نظري أرى أن استخدام السحر له منفعته، خاصة في حالات الطوارئ… حسنًا، إن لم تكن مهتمًا بذلك فلا بأس”

حسب معرفة سوبارو، لم يكن هناك أحد في هذا العالم متصل بالعالمين العلوي والسفلي أفضل من روزوال، وبالنظر إلى التفاصيل التي قام بها المهرج غريب الأطوار بترشيح إميليا للاختيار الملكي، فقد حان الوقت لجعله يظهر ما لديه، هنالك أيضًا مسألة أفكاره المضربة حيث لم يستطع رفع إصبع واحد خلال هجوم طائفة الساحرة. “ولكن لما أننا سنؤجل الحديث إلى حين عودتنا للقصر…” “ماذا؟” “إن كنت لا تمانع يا سوبارو … أود أن تحدثني عن ريم.” – لوهلة، سبب ذلك الطلب ألمَ في قلب سوبارو، لم يكن لأنه سيرفض اقتراح إميليا، ولكنه محض شعور قلقل وتردد، هل يمكن لكلمات سوبارو أن تفي ريم حقها؟ ريم… الفتاة التي أنقذته” “آه، بالطبع، سيستغرق الحديث عنها وقتًا طويلًا بعض الشيء، لكني سأخبركِ بكل شيء، بالنسبة لي ذكرياتي عن ريم ثمينة مثل ذكرياتي عنك منذ أن قابلتك قبل شهرين، إميليا تان”. مختبئًا مشاعره وراء كلماته، بدأ سوبارو يتحدث عن كيف كانت حياته اليومية خلال هذين الشهرين، فبعد لقاء إميليا في العاصمة الملكية، استيقظ في القصر، ووجد في استقباله ريم ورام – “…..” بمجرد أن بدأ سوبارو بروي حكايته، لم يستطع التوقف، واصلت إميليا الاستماع لقصته بهدوء، وفي النهاية، تابع سوبارو الحديث بلا بتوقف حتى وصلوا إلى حدود ميزرس.

تنهد فيريس بنظرة استسلام على لامبالاة سوبارو وراحة باله:

2 سيطر الجو الخانق على عربة التنين المتوجهة للقصر. “…” وضعت كروش عربة كبيرة متصلة ببتلاش كجزء من مكافئتها لسوبارو، كانت تلك العربة كبيرة بما يكفي لتتسع لعشرة ركاب، ناهيك عن وجود بعض المساحات الفارغة بداخلها، لم يكن في داخل العربة هذه المرة سوى سوبارو وإميليا وريم -النائمة على السرير البسيط-، ومع جلوس سوبارو قرب الأميرة النائمة، ووجود إميليا على مقربة منهم، سيطر الصمت المحرج على أنحاء العربة كلها. “يبدو أننا أخطأنا في وضع بيترا في عربة مختلفة، هاه؟” تم وضع أطفال القرية المتجهين إلى العاصمة في عربة أخرى في طريق العودة، لقد تم ترتيب هذا الأمر بهدف مراعات القرويين ظنًا منه أنهم لن يرغبوا في سماع أحاديث متعلقة بالانتخابات الملكية، ولكن ذلك أتى بنتائج عكسية على ما يبدو. بالتأكيد كانت هنالك الكثير من الأمور التي يجب عليهم مناقشتها، ولكن لم يكن هنالك دافع لـ – “أمم، ألا يزعجك عدم حديثنا هكذا؟ أعني لا يمكنني تحمل هذا الصمت الغريب، والجو الخانق” “لمً تتدخل في شؤون الآخرين فجأة؟ مهلاً … أنت هنـا؟!” “بالطبع أنـا هنا!! لقد كنتُ هنا طوال الوقت!! برأيك لماذا تعاونت معك وتعرضت للأذى من قبل طائفة الساحرة يا سيد ناتسكي؟!” “أليست هذه إحدى هواياتك؟” “لا توجد قطة في العالم لديها ما يكفي من الأرواح لممارسة هذا النوع من الهويات!!!” أطلّ عليهم من النافذة الفاصلة بين معقد السائق وعربة الركاب التاجر أوتو سوين الذي تعاون معهم في المعركة النهائية ضد طائفة الساحرة، والذي تطوع لمرافقتهم باعتباره سائقًا للعربة في رحلة العودة، ابتسم سوبارو له ابتسامة متألمة. “أمزح معك، هدفك هو التحدث مع روزوال واقناعه بشراء كل بضاعتك، لم أنسَ هذا” “أنا أعتمد عليك! أعتمد عليك بحق!! حياتي كلها معلقة بهذا!!”

“لكن عليّ القول أن شيئًا لم تتغير، ينبغي ألا تسيء استخدام السحر في بوابتك، ضع كلامي حلقة في أذنك، لقد تم سحب السم الموجود في البوابة بشكل كامل، لاكن هذا لا يعني أنه قد تم شفاؤها…. همم، في رأيي يجب أن تستريح بوابتك لمدة… شهرين”
“شهرين، هاه؟ هذه ليست عقوبة تذكر بالنسبة لإنسان عاش سبعة عشر عامًا بلا سحر”

عندما طرح فيريس السؤال، قام سوبارو بتمديد رقبته وكتفيه، وأجابه أنه غير مصاب بإصابات بالغة، وقد عولجت كل جروحه الخارجية بالفعل، مما يعني أن جسده بخير، أما من ناحية قلق فيريس على بوابته….

في تلك اللحظة تذكر سوبارو أنه في الواقع لم يمر على استدعائه إلى هذا العالم الجديد شهران حتى، وعلى الرغم من أنه مرّ بأربعة أشهر -نفسيًا-، من منظور زمني في هذا العالم، فقد مضى شهريـ – مهلًا، عندما فكر سوبارو بكل ما مرّ به خلال تلك الأشهر، لم يكن واثقًا ما إن كانت شهرين عقوبة كبيرة أم صغيرة بالنسبة له!

“مم ، فهمت … ستكون بخير؟” “إذا أظهرت لي إميليا تان وجهًا مبتسمًا ، فسأضرب حتى مطران الخطيئة.” كان لدى إميليا تعبير مضطرب يعلو وجهها، لكن سوبارو تحدث بابتسامة صغيرة.لذا شرعت بعدها بتنفيذ طلبه، وخرجت من الغرفة لدعوة أوتو الذي كان على الأرجح ينتظر عند مدخل القصر في الداخل. قالت سوبارو وهو يراقب ظهرها مغادرة، “الآن ، إذن …” ثم عاد نحو الأريكة وأكمل حديثه، “هذه ريم ، أخت رام الصغيرة … أنتِ لا تتذكرينها ، أليس كذلك؟” “للأسف لا أتذكرها، ومع ذلك لا شك أنها أختها”. بمجرد أن بدأ سوبارو حديثه، عدل وضع ريم النائمة على ظهره، وضعت فريدريكا يدها على ذقنها ليتنهد سوبارو في ردها يشير إلى الممر بحركة من رأسه.

“حسنًا، ليس هنالك ما يدل على أن حوادث تشبه هذه ستستمر في الحدو- مهلاً! أكنت تلمح أن شيئًا ما سيحدث؟!”
“لسوء الحظ، شفاء رأسك من الداخل هو خارج تخصصي (مياو).”

“لا أريد أن أندم على أي شيء قمت به ، أو أن أنسى ما أنجزتيه وأجعلكِ تشعرين أنه خطأك بطريقة ما.”

ارتجف سوبارو بينما كان فيريس يلقي عليه كلماته، جعلت ردة فعل جسد سوبارو يدرك أن عليه إنهاء تلك المحادثة، لذا مدّ يده له:
“مياو؟”
“لقد كنتَ ذا عونٍ كبير لي، لا أظنني كنتُ سأحسن التصرف بدونك، لقد عالجت جروحي وبوابتي، لكن الأهم من ذلك، لم أكن لأتمكن من هزيمة الحوت الابيض والكسل مساعدتك… والشكر لريم أيضًا”
“….همم… أظنك لم تكن تقصد قول ما قلته للتو بطريقة لئيمة أو ساخرة، لكن هذا ما يفهم من كلامك عادة (مياو)”
“همم، أنا أقول ما على طرف لساني بلا تفكير، لذا خرجت الكلمات بتلك الطريقة”

كانت كروش عاجزة عن إخفاء ابتسامتها وهي تتحدث عن عبارتها السابقة، استمعت إميليا إلى كلامها بصمت، متأملة في كون هذه الكلمات إشارة إلى حقيقة أعمق.

لقد كان سوبارو يشعر بالامتنان بصدق، صحيح أن له خلافاته مع فيريس، وكان كلٌ منهما يشكل تهديدًا لوجود الأخر في بعض الأمور، لكن عندما وضح سوبارو مشاعره، فاقت مشاعر الامتنان لفيريس أي شيء آخر، لفترة وجيزة، ظلَّ فيريس صامتًا، يٌحدق في اليد التي مدّها إليه سوبارو ثم قال:

ترجمة فريق SinsReZero

“…أصابعك نحيلة! ويدك صغيرة للغاية!”
“أوه، أما أنت فأصابعك هي الشيء الرجولي الوحيد فيك!”
“فيري رائع، فلمَ لا تتوقف عن إهانته بهذا الشكل؟!”

“حسنًا، ليس هنالك ما يدل على أن حوادث تشبه هذه ستستمر في الحدو- مهلاً! أكنت تلمح أن شيئًا ما سيحدث؟!” “لسوء الحظ، شفاء رأسك من الداخل هو خارج تخصصي (مياو).”

بعد تردد دام بضع لحظات، صافحا بعضهما، تسببت تلك المصافحة بإندهاش سوبارو من ملمس يد فيريس، بينما ظهرت على وجه فيري إبتسامة ساحرة غريبة، كان منظره فاتنًا، ومع أصابعه النيحلة وبشرته الشاحبة، بدا وكأنه فتاة عذراء جميـ -…!

قد يكون لجام التنين الذي بيد سوبارو مجرد مسرحية أطفال تمتع ويلهلم، إذ أن هدوء شيطان السيف جعل سوبارو يحك رأسه ويظهر تعابير الندم على وجهه.

“تبًا، لكنك تظل رجلًا!! اللعنة!! ما هذا يا إلهي…!!”
“هيييه! السيدة كروس هي من أرادت مني ارتداء هذا! لقد قالت أن هذا الزي يناسبني ويجعلني أتألق! ناهيك عن كونه يظهر حقيقة جسدي وروحي!”
“ولكن هذا…”

“لنحرص على لقاء بعضنا في أقرب فرصة، سيدة إيميليا، سيد سوبارو، أظننا سنحافظ على علاقتنا الودية لفترة طويلة” ابتسمت كروش بسرور وهي تقول تلك الكلمات، موجهة أنظارها للزوج الواقف أمامها الذي لم يترك في قلبها مجالًا للشك، فحتى بعد أن فقدت ذكرياتها، لم تفقد شيئًا من نبل أخلاقها. كانت كروش صادقة للغاية، ولم يسبق لها أن استندت في تعاملاتها على الأكاذيب أو التخيلات، قد يكون ذلك انتقل بوضوح عبر صوتها المتألم مما جعل عينا وشفتا إميليا ترتعشان: “أنا- أنا مرشحة للمنافسة ضدكِ يا سيدة كروش، فحتى مع وجود تحالفٍ بيننا، سنصبح عدوتان في يوم من الأيام” “صحيح، عليّ أن أبذل قصارى جهدي كي لا أخسر أمامكِ يا سيدة إميليا” “لا تنسي أنني نصف عفريتة ذات شهر فضي….ألستِ خائفة…مني” “إيميليا، هذا…”

كان سوبارو على وشك قول: (كروش لا تعلم شيئًا عن هذا)، لكنه أوقف نفسه قبل أن تغادر تلك الكلمات شفتيه، لكن فيريس عرف ذلك دون الحاجة لسماعها من سوبارو، كما أن الكلمات عاجزة عن إيصال ذلك بطريقة غير جارحة، لذا أغلق سوبارو شفتيه كما لو كان يعلم أن ما سيقوله لن يتسبب إلا بإزعاج فيريس.

أثناء حديثهما، كان سوبارو كروش يراقبان تنين الأرض -باتلاش-، كانت تلك هي اللحظة التي سار فيها السياف ويلهلم وأبدى برفق عدم موافقته، بعد الانتهاء من التحقق من حالة العربات، انحنى شيطان السيف لينضم بعدها إلى المحادثة. “يُقال إن سلالة ديانا هي الأكثر مزاجية من بين جميع سلالات تنانين الأرض، ومن النادر أن ترضخ لأحد في مثل هذا الوقت القصير، يبدو أن السيد سوبارو وتنين الأرض هذا أكثر توافقًا من غيرهم”. “أظنك محق، فعندما كنت بصدد اختيار جبل قبل قتالي مع الحوت الابيض، اخترته بناءً على غريزتها، ولكن…”

“بغض النظر عمّا سيحدث في التصويتات الملكية، سأحمي السيدة كروس بأي ثمن”
“هاه؟”

“وهل من عادة روزوال التصرف بهذا الحذر بمجرد أن يسمع عن الأوضاع؟ خلال حادثة الوحش الشيطاني التي حدقت قبل فترة، أنهى روزال كل شيء بقوة غاشمة في غمضة عين! من الغريب أنه لم يفعل شيئًا هذه المرة!” امتلك روزوال قوة سحرية مكنته من الطيران في السماء، كانت تلك طريقة فعالة لتفقد أراضيه، حتى وإن افترضوا أنه لم يظهر إلى الآن بسبب حذره -وهو أمر مستبعد-، فإن رام مع قوة استبصارها معه، صحيح؟ كان من الواضح أنه خبر انتصارهم على طائفة الساحرة قد وصله بالفعل، لذا فإن حقيقة عدم عودته إلى قصره حتى الآن تعني- “هنالك تفسير واحد لعدم عودته حتى الآن… هل حدث شيء في الملجأ؟!”” أدارت سوبارو وإميليا وجهيهما تجاه بعضهما ليدركا أنهما وصلا لنفس الاستنتاج، ليتشارك أولئك الإثنان مخاوفهما من قبل باقي سكان قرية إيرلهام الذين كانوا يأملون في لم شملهم مع أفراد عائلاتهم وعادوا ولم يجدوهم. بأخذ الحالة العقلية للقرويين في الحسبان، أدركوا أن عليهم جميعًا معرفة ما حدث في أسرع وقت ممكن، كان عليهم أن يفعلوا ذلك ، لكن – “إذن ، إميليا تان … أتعرفين مكان الملجأ؟”

دفعته كلماته الباردة الغير متوقعة والتي تدفقت إلى إذني سوبارو إلى الصمت، كانت كلماته أشبه بالهمس الهادئ الذي حركّ مشاعر سوبارو المتجمدة، وعلى الرغم من أنه كان يتحدث مع فيري في تلك الأثناء، إلا أن سوبارو استغرق بضع لحظات حتى يدرك أن فيريس هو من قال تلك الكلمات لا أحد آخر.
طأطأ فيريس برأسه ليصبح سوبارو عاجزًا عن رؤية عينيه المختبئتان خلف شعره، ولكن راحة يده المتصلة بسوبارو كانت حارة
“فيريس….؟!”
“لهذااااا عليك الوفاء بوعدك، صحيح يا سوبارو؟”

“سيدة إميليا، أتظنين الطريقة التي تعيشين بها الآن مخزية؟” “…كـ…لا، لقد عشت حتى هذا الوقت وأنا مؤمنة أنه بغض النظر عمّا يظنه الآخرون بي، فالأمر غير مهم، طالما لا أوجه مشاعر الكره إلى نفسي”. “إذن لا يوجد هنالك ما تخشينه أو تندمي عليه، اصقلي نفسكِ وابذلي قصارى جهدكِ، اسلكي الطريق المستقيم واتبعي ما تمليه عليكِ نفسكِ… فأنتِ تمتلكين روحًا رائعة”

لم تستمر تلك المشاعر المشؤومة سوى بعض لحظات، كان سوبارو ما يزال تائهًا في بحر أفكاره عندما بدأ رأس فيريس يرتفع مرة أخرى، ليعود إلى سابق عهده، لكن كان في عينه بريق مؤذٍ لكل منهما، تابع فيري كلامه:

أظهر سوبارو لكروش ابتسامة حرجة بينما أشار إلى عربة التنين التي في بداية الصف، بدت تلك العربة أفخم وأرقى من باقي العربات، حيث تم ربطها بتنين أرضي أسود جميل في المقدمة، كان ذلك التنين الأسود هو ما حصل عليه سوبارو كمكافأة على دوره في المطارة.

“من الأفضل لك أن تفي بذلك الوعد وإلا جعلتك تعاني قبل موتك بجعل المانا داخل جسدك تصاب بالجنووووووون”
“هلّا توقفت عن قول هذه الأشياء المرعبة التي تدفع الشخص للجنون بصوتك الرقيق ووجهك الجميل هذا؟!””

تنهد فيريس بنظرة استسلام على لامبالاة سوبارو وراحة باله:

سحب فيريس يده، وضحك بينما نزل من عربة التنين ثم انحنى، شعر سوبارو بالإرهاق بمجرد النظر له، وعلى الرغم من أنها لم تكن سوى لحظات قصيرة، إلا أن سوبارو رأى جانبًا مخفيًا من فيريس، والذي بدوره أصبح كالعبء الذي نشأ على صدره. لابد أن تلك الكلمات الجادة كانت تمثل مشاعر فيريس الحقيقية، كانت أشبه بالتعبير عن مثابرته وتصميمه. لم يكن سوبارو محض متفرج على الأمر، هذا ما كان كلامهما متيقن منه

أظهرت له كروش ابتسامة طفيفة عابرة بينما نظرت إلى القرويين الموجودين على متن عربات التنين، لقد تم إخلاء سكان القرية وإرسال نصفهم إلى العاصمة الملكية، والنصف الآخر إلى منطقة آمنة أخرى بطريق منفصل تمامًا كما فعلت كروش مع شعبها، ذكُر أن كثيرًا من العائلات قد تفرق أفرادها أثناء الاضطرابات، وقد أراد سوبارو لم شملهم في أسرع وقت ممكن. “سأعود إلى العاصمة فور أن تستقر الأوضاع، لذا أظن هذا مجرد وداعٍ مؤقت، بالإذن” “حسنًا، سأكون بانتظارك، وحتى يحين ذلك الوقت، سأكون جاهزة لرد المعروف العظيم الذي قدمته لي متى احتجت” “يا إلهي، أنتِ تكبرين المواضيع، نحن نساعد بعضنا البعض، هذا كل ما في الأمر، ناهيكِ عن كوني قد تلقيت مكافأتي بالفعل”

“آه، سوبارو، هل سرير ريم جاهز؟”

عندما طرح فيريس السؤال، قام سوبارو بتمديد رقبته وكتفيه، وأجابه أنه غير مصاب بإصابات بالغة، وقد عولجت كل جروحه الخارجية بالفعل، مما يعني أن جسده بخير، أما من ناحية قلق فيريس على بوابته….

فور أن قفز فيريس من عربة التنين ظهرت إميليا عند البوابة الأمامية، فور أن أصبحت عربات التنين على وشك المغادرة، جاءت إميليا وقد جمعت شعرها الفضي في ضفيرة كلاسيكية.

2 سيطر الجو الخانق على عربة التنين المتوجهة للقصر. “…” وضعت كروش عربة كبيرة متصلة ببتلاش كجزء من مكافئتها لسوبارو، كانت تلك العربة كبيرة بما يكفي لتتسع لعشرة ركاب، ناهيك عن وجود بعض المساحات الفارغة بداخلها، لم يكن في داخل العربة هذه المرة سوى سوبارو وإميليا وريم -النائمة على السرير البسيط-، ومع جلوس سوبارو قرب الأميرة النائمة، ووجود إميليا على مقربة منهم، سيطر الصمت المحرج على أنحاء العربة كلها. “يبدو أننا أخطأنا في وضع بيترا في عربة مختلفة، هاه؟” تم وضع أطفال القرية المتجهين إلى العاصمة في عربة أخرى في طريق العودة، لقد تم ترتيب هذا الأمر بهدف مراعات القرويين ظنًا منه أنهم لن يرغبوا في سماع أحاديث متعلقة بالانتخابات الملكية، ولكن ذلك أتى بنتائج عكسية على ما يبدو. بالتأكيد كانت هنالك الكثير من الأمور التي يجب عليهم مناقشتها، ولكن لم يكن هنالك دافع لـ – “أمم، ألا يزعجك عدم حديثنا هكذا؟ أعني لا يمكنني تحمل هذا الصمت الغريب، والجو الخانق” “لمً تتدخل في شؤون الآخرين فجأة؟ مهلاً … أنت هنـا؟!” “بالطبع أنـا هنا!! لقد كنتُ هنا طوال الوقت!! برأيك لماذا تعاونت معك وتعرضت للأذى من قبل طائفة الساحرة يا سيد ناتسكي؟!” “أليست هذه إحدى هواياتك؟” “لا توجد قطة في العالم لديها ما يكفي من الأرواح لممارسة هذا النوع من الهويات!!!” أطلّ عليهم من النافذة الفاصلة بين معقد السائق وعربة الركاب التاجر أوتو سوين الذي تعاون معهم في المعركة النهائية ضد طائفة الساحرة، والذي تطوع لمرافقتهم باعتباره سائقًا للعربة في رحلة العودة، ابتسم سوبارو له ابتسامة متألمة. “أمزح معك، هدفك هو التحدث مع روزوال واقناعه بشراء كل بضاعتك، لم أنسَ هذا” “أنا أعتمد عليك! أعتمد عليك بحق!! حياتي كلها معلقة بهذا!!”

“أكل شيء على ما يرام؟ هل ستصمد حتى نصل إلى القصر؟”
“كل شيء على خير ما يرام، كما أنني وبتلاش متحمسان وجاهزان لقيادة مثيرة! سأريكِ بعض حركات (المناورة) كالتي أفعلها على الدراجة”
“لا أعلم لماذا، ولكن يراودني شعور سيء حيال ما تدعوه (بالمناورة)، لذا أمنعك من القيام بها”
“آه، يا خسارة، كنت أخطط للقيادة احترافية خطيرة للتأثير على قلب إيميليا تان، ناهيك عن استعراض حركة الجسر المعلق أمامها!”
تابع سوبارو نكاته المعتادة ثم ربت على عربة التنين الخشبية مما جعل عينا ايميليا تمتلئان بالقلق، لكنها لم تقل شيئا
“حسنًا، بالرغم من كل الحزن على فراقكم، حان الوقت الذي أريكم في الطريق، صحيح (مياو)؟”
وضع فيريس رسميا حدا لذلك الصمت المحرج الذي عمّ المكان بتصفيقه بيديه، وفور أن توجهت كل الأنظار نحوه، تحول الانتباه على الفور إلى كروش التي كانت وافقة بجانبه مباشرة.
“والآن يا سيده كروس، إن كانت لديكِ كلمات أخيرة تقولينها للسيدة إيميليا-”
“أجل، أظن أني لدي ما أقوله”

 

تراجع فيريس تاركًا خشبة المسرح للسيدة كروش التي اتخذت خطوة للأمام مع وجود الرجال الذين خدموها – فيريس وويلهلم- خلفها، ثم وقفت مواجهة لسوبارو وإيميليا:

“يعزُّ علي المغادرة في مثل هذا الوقت، ولكن أيًا من المشاكل لن يتم حلها إن بقيت هنا، كما أنني لا أريد استغلال كرمكِ وضيافتكِ” “لا أمانع حقًا بقاء السيد ناتسكي سوبارو والسيدة إميليا في مسكني إن كانت هذه رغبتهما… لكن لا يبدو أن ذلك خيارًا مقبولًا عندكما” “شكرًا على كلماتكِ اللطيفة، لكني سأتوقف عند هذا الحد، فكلانا لديه الكثير من القضايا للتعامل معها، صحيح؟ خاصة أنتم، فلديكم موضوع طاقم التاجر الجشع لتتدبروا أمره، إن لم تحسنوا التعامل مع موضوعه، سيسرق كلُ من الحوت الابيض ومطران الكسل الفضل كله منكم!” هزّ سوبارو رأسه رافضًا طلب كروش، وحثها على توخي الحذر من أتباع أنستاشيا. سيكون من الأدق وصف الانتصار على الحوت الابيض و مطران الكسل بأنه نتاج تعاون لقوات ثلاثة مرشحين ملكيين، وبالرغم من ذلك، ظهرت أناستاشيا وحدها على أنها هي صاحبة الفضل والمنتصرة بشكل واضح. كان فصيل كروش قد تفوق على الأعداء الذين لم يذوقوا طعم الهزيمة لأكثر من أربعة قرون، لكن الثمن الذي دفعته زعيمتهم لم يكن هينًا. من جهة أخرى، فسوبارو وبقية أنصار إميليا الذين قادوا معركة هزيمة الكسل قد تسببوا في سقوط العديد من الضحايا أيضًا، لا يقول سوبارو أن خسارتهم كانت فادحة مقارنة بما تحملته كروش وشعبها، ولكنه أصيب بجرح مؤلم، والذي كان يؤلمه في هذه اللحظة بالذات. أما في الجانب الآخر، فقد كان فصيل أناستاشيا بما في ذلك المرشح والفارس سليمين تمامًا بالرغم من لعبهم دورًا كبيرًا في طرد كلا العدوين، بعبارة أخرى، تلقوا أدنى حدٍ من الضرر وحصدوا أكبر نصيب من الغنائم! لذلك سيضطر الجميع لمراقبة حركة أناستاشيا، وما هذا إلا سبب إضافي للمحافظة على سرية التحالف بين فصيل إميليا وكروش. “علينا العودة إلى الديار وتنظيم صفوفنا قبل أن نناقش أي شيء، عليّ التحدث أيضًا مع روزوال -الذي يرعى إميليا- ناهيكِ عن رغبتي في إعادة القرويين القلقين إلى أرض الوطن”

“أولًا، بالرغم من أني قلت هذا مرات عديدة، إلا أنني ممتنة لكما كثيرًا، ممتنة لكما من أعماق قلبي، صحيح أني فقدت ذكرياتي، ولكن بفضل مساعدتكما، ارتبطت حياتنا وتوحدت رغباتي مع رغباتكما قبل فقداني لها، لذا شكرًا جزيلًا”
“كلا أبدًا… سيدة كروش، لا داعي لشكري بمثل هذه الكلمات، فقد قضيت معظم أيامي بعيدة عن كل ما يحدث بدلًا من فعل شيء”
“صحيح أنكِ كنتِ بعيدة، لكن لا تهتمي لذلك، حسنًا؟ لقد أنجزتِ الكثير من الأشياء بشكل صحيح، وأي نوعٍ من الشُكر أو العرفان حصلت أو سأحصل عليه فهو لكِ يا إيميليا”
“كل خطايا سوبارو سيكون للسيدة إيميليا نصب منها أيضًا (مياو)”
“لا تزد الطينة بلة يا هذا!!”
عندما تحرك سوبارو لطأنة إيميليا المتأسفة، أدخل فيريس نفسه في المحادثة بسرعة ساخرًا منه ومذكرًا إياه بما حدث في القصر الملكي، انفجرت ضحكات الجميع فور أن رفع سوبارو صوته.
قبل أيام قليلة، كان سوبارو يحلم حتى بالضحك على تلك الأحداث، بالطبع لا يعني هذا أن بإمكانه نسيان كيف ولماذا أصيب بهذه الجروح، ولكن-
“كل شيء على ما يرام، من الآن فصاعدًا، هنالك الكثير من الأشياء التي أحتاجها سأحدث سوبارو بها”
“…”

ارتجف سوبارو بينما كان فيريس يلقي عليه كلماته، جعلت ردة فعل جسد سوبارو يدرك أن عليه إنهاء تلك المحادثة، لذا مدّ يده له: “مياو؟” “لقد كنتَ ذا عونٍ كبير لي، لا أظنني كنتُ سأحسن التصرف بدونك، لقد عالجت جروحي وبوابتي، لكن الأهم من ذلك، لم أكن لأتمكن من هزيمة الحوت الابيض والكسل مساعدتك… والشكر لريم أيضًا” “….همم… أظنك لم تكن تقصد قول ما قلته للتو بطريقة لئيمة أو ساخرة، لكن هذا ما يفهم من كلامك عادة (مياو)” “همم، أنا أقول ما على طرف لساني بلا تفكير، لذا خرجت الكلمات بتلك الطريقة”

قالت إميليا -الوحيدة التي لم تضحك- تلك الكلمات بإخلاص في عينيها، كما لو كانت تشير إلى أنه أيًا كانت نتائج تصرفات سوبارو، ستعترف بها وتواجهها، كان هذا دليلًا قاطعًا على أنها قبلت بسوبارو -اسمًا وشخصيةً-، فقد وقف سوبارو إلى جانبها حق الوقوف.

_________________________________

“لنحرص على لقاء بعضنا في أقرب فرصة، سيدة إيميليا، سيد سوبارو، أظننا سنحافظ على علاقتنا الودية لفترة طويلة”
ابتسمت كروش بسرور وهي تقول تلك الكلمات، موجهة أنظارها للزوج الواقف أمامها الذي لم يترك في قلبها مجالًا للشك، فحتى بعد أن فقدت ذكرياتها، لم تفقد شيئًا من نبل أخلاقها.
كانت كروش صادقة للغاية، ولم يسبق لها أن استندت في تعاملاتها على الأكاذيب أو التخيلات، قد يكون ذلك انتقل بوضوح عبر صوتها المتألم مما جعل عينا وشفتا إميليا ترتعشان:
“أنا- أنا مرشحة للمنافسة ضدكِ يا سيدة كروش، فحتى مع وجود تحالفٍ بيننا، سنصبح عدوتان في يوم من الأيام”
“صحيح، عليّ أن أبذل قصارى جهدي كي لا أخسر أمامكِ يا سيدة إميليا”
“لا تنسي أنني نصف عفريتة ذات شهر فضي….ألستِ خائفة…مني”
“إيميليا، هذا…”

– لو اردتهم زيادة سرعة نشر الفصول ادعموا الرواية.

حاول سوبارو إيقاف كل ما كانت تحاول قوله، ولكن عندما رأى تعبير إميليا ، لم يتابع كلامه، طرحت إميليا هذا السؤال بنظرة يائسة وجادة في عينيها. في تلك المرحلة ، لا يمكن لأي شخص يفهم ولو جزءًا صغيرًا من مشاعرها أن يتدخل بلا تفكير، لكن بناءً على معرفة سوبارو بروح كروش صافية للغاية، فقد أوقف نفسه:

“أنـا أعرف شخصيتهما، السيد ورام. وبالنسبة لسبب غيابهم عن القصر، إذا كانت طائفة الساحرة تتحرك بسبب دخول السيدة إميليا في الانتخابات الملكية … فهذا هو القرار الطبيعي الذي يجب اتخاذه”. “هل سمعتِ عن عناصر الاختيار الملكية قبل أن يتم إيقافها ؟” “جاءت السيدة إميليا إلى القصر منذ حوالي نصف عام. كنت لا أزال هنا في القصر في ذلك الوقت. كان إعطائي إجازتي مرتبطًا بذلك أيضًا “. بينما رتب سوبارو الأشياء على جانب سرير ريم، واصلت فريدريكا إحضار كل شيء إلى جانب السرير. عقد سوبارو حاجبيه مستشعرًا أن هناك شيئًا ما حول المحادثة التي كان يجريها معها.

“—تتحدد قيمة الروح بقيمة أفعال المرء، وهذا ينطبق علينا وعلى الآخرين، يجب علينا جميعًا أن نعيش بأي طريقة تجعلنا نتألق أكثر، لنعيش بطريقة لا تجلب العار لأرواحنا فيما بعد”.
“…”
“الحقيقة أني لطالما كنتُ أقول هذا، سماعها الآن … وأنا في دور المستمع لا المتحدث، تبدو هذه الكلمات رنانة إلى حد ما، أليس كذلك؟”

 

كانت كروش عاجزة عن إخفاء ابتسامتها وهي تتحدث عن عبارتها السابقة، استمعت إميليا إلى كلامها بصمت، متأملة في كون هذه الكلمات إشارة إلى حقيقة أعمق.

قد يكون لجام التنين الذي بيد سوبارو مجرد مسرحية أطفال تمتع ويلهلم، إذ أن هدوء شيطان السيف جعل سوبارو يحك رأسه ويظهر تعابير الندم على وجهه.

“سيدة إميليا، أتظنين الطريقة التي تعيشين بها الآن مخزية؟”
“…كـ…لا، لقد عشت حتى هذا الوقت وأنا مؤمنة أنه بغض النظر عمّا يظنه الآخرون بي، فالأمر غير مهم، طالما لا أوجه مشاعر الكره إلى نفسي”.
“إذن لا يوجد هنالك ما تخشينه أو تندمي عليه، اصقلي نفسكِ وابذلي قصارى جهدكِ، اسلكي الطريق المستقيم واتبعي ما تمليه عليكِ نفسكِ… فأنتِ تمتلكين روحًا رائعة”

 

بمجرد أن فرغت كروش من التحدث، مدت يدها إلى إميليا طلبًا لمصافحتها

“—تتحدد قيمة الروح بقيمة أفعال المرء، وهذا ينطبق علينا وعلى الآخرين، يجب علينا جميعًا أن نعيش بأي طريقة تجعلنا نتألق أكثر، لنعيش بطريقة لا تجلب العار لأرواحنا فيما بعد”. “…” “الحقيقة أني لطالما كنتُ أقول هذا، سماعها الآن … وأنا في دور المستمع لا المتحدث، تبدو هذه الكلمات رنانة إلى حد ما، أليس كذلك؟”

“سعيدة أنه قد أتيحت لي فرصة التعرف عليكِ، لا أشعر بأي خوفٍ منكِ”.
“-!”

4

تصلب خدا إميليا وشعرت بألم في صدرها وهي تحدق في يد كروش الممدودة، انتظرت كروش رد إميليا دون أن تحاول استعجالها، وأخيرًا لمست إميليا يد كروش بلطف شديد لتتبادل المصافحة معها.

“تبًا، لكنك تظل رجلًا!! اللعنة!! ما هذا يا إلهي…!!” “هيييه! السيدة كروس هي من أرادت مني ارتداء هذا! لقد قالت أن هذا الزي يناسبني ويجعلني أتألق! ناهيك عن كونه يظهر حقيقة جسدي وروحي!” “ولكن هذا…”

“أرجو لكِ دوام الصحة والعافية، وأتطلع إلى لقائك مرة أخرى”
“أنـا .. كلا أعني، أتمنى لكِ الشيء ذاته -على الأرجح- سأكون قادرة على الوقوف أمامكِ بحزم آنذاك، سيدة كروش، حتى يحين ذلك الوقت، أرجو لك دوام العافية أيضًا”

بعد تردد دام بضع لحظات، صافحا بعضهما، تسببت تلك المصافحة بإندهاش سوبارو من ملمس يد فيريس، بينما ظهرت على وجه فيري إبتسامة ساحرة غريبة، كان منظره فاتنًا، ومع أصابعه النيحلة وبشرته الشاحبة، بدا وكأنه فتاة عذراء جميـ -…!

أقسمت المرشحتان الملكيتان على بذل قصارى جهديهما، وتبادلا الوعود باللقاء مرة أخرى، امتلأ قلب سوبارو بشعور الإنجاز بينما كان يشاهدهما يتبادلان القسم، لقد عانى سوبارو كثيرًا وتحمل الكثير من العذاب، وكانت هذه اللحظة التي رأى نتيجة إنجازه بشكل محسوس أخيرًا!
لم يكن قادرًا على الوصول إلى النهاية المثالية، ولكن…

“هذه قصة يصعب تصديقها”. توصل إلى الإجابة المعتادة على سؤاله في نفس الوقت الذي أنتهت فيه فريدريكا من الاستماع إلى قصته، قالت تلك الكلمات بهدوء، لم يكن في الكلمات أي دليل على إنكارها، تفحصت المكان بعينيها ثم قالت: “إذن هذه هي … غرفة ريم. إنه مرتبة للغاية، لكن … ” عندما دخل الاثنان الغرفة – غرفة نوم ريم – بدت وكأنها غرفة ضيوف ، إذ تمت إزالة جميع ممتلكاتها الشخصية. كان نفس المشهد الذي شاهده سوبارو من قبل عندما كان قد عاد عاجزًا بعد أن سرق الحوت الابيض ريم منه. في ذلك الوقت تم نسيان ريم من الوجود أيضًا. كانت غرفة نومها نظيفة وفارغة كما هو حالها الآن.

“لا أريد أن أندم على أي شيء قمت به ، أو أن أنسى ما أنجزتيه وأجعلكِ تشعرين أنه خطأك بطريقة ما.”

“عنصر…الساحرة..؟”

نظر سوبارو إلى عربة التنين قبل أن يغلق عينيه، متخيلًا ريم النائمة، كان هذا وقتًا للفرح لا للحزن، لذا لم يستطع استخدام ريم كعذر ليشعر بالحزن، فهي أيضا لم ترد ذلك، أو قد يكون ظنه هذا أنـانية منه.

اعتلى وجه فريدريكا -الطرف المتضرر- نظرة محتارة بعدما احمر وجه إميليا غضبًا. كانت إميليا محقة، وقد اعترف سوبارو بخطئه حيث جثا على ركبتيه على أرضية المدخل. شرع سوبارو في الانحناء برأسه بعمق نحو فريدريكا لإظهار أنه قد فكر في الخطأ الذي اقترفه. “كلا، ما قالته إميليا-تان صحيح، لقد كنت مخطئا بالفعل”. “اررر…” “أعتذر عن قول شيئًا فظيعًا لكِ في لقائنا الأول.=، اطبخيني، أو اقليني.. افعلي ما شئتِ بي … رغم أني أفضل أن يكون الأمر غير مؤلم قدر الإمكان”. اعتذر سوبارو بطريقة كانت أنثوية أكثر من كونها رجولية. فبعد أن قال مثل تلك الكلمات الفظة لامرأة التقى بها لأول مرة، لم يستطع أن يلوم فريدريكا على أي عقوبة تختارها. “أمم ، فريدريكا… اسمعي، سوبارو ليس طفلًا سيئًا. إنه فقط معتاد على قول أشيئا دون تفكير بين الحينة والأخرى… ” أضافت إميليا كلماتها الخاصة لتعزيز اعتذار سوبارو. التصقت الكلمات المفعمة بشعور الأمومة الغريب في ذهنه، لكن سوبارو كانت سعيدة لأنها تحدثت رغم ذلك. ظلت فريدريكا صامتة لبعض الوقت أمام أولئك الاثنان، لكن – “- تي هي. سيدة إميليا ، سيد سوبارو ، أنتما مضحكان للغاية … ”

“سيد ناتسكي سوبارو، أرجو لك دوام الصحة والعافية أيضًا، كما أدعو من أعماق قلبي … أن تساعد مآثرك المستقبلية هذه الفتاة على التعافي في أسرع وقت ممكن”.
“إن تطلب الأمر مآثري فقد لا يكون الوضع جيدًا، فأنا رجل عديم الفائدة -باستثناء بعض المواقف-، لذا عندما أستعير قوة أي شخص آخر لا علاقة به بالمشكلة في المقام الأول لإنجاز الأمور -مثلما حدث مع ريم ومعكِ يا كروش- سأحرص على إيجاد طريقة أفضل”
ابتستمت كروش بسرور رفعت يدها طلبًا لمصافحة سوبارو، خجل هذا الآخر من وضع يده على يدها، لذا بدلا من مصافحتها، ضرب براجة يده على راحة يدها ليظهر صوت تصفيق خفيف منهيًا بهذا اللمسة بين يده ويد كروش.
“سنلتقي مرة أخرى بالتأكيد”
قوبلت كلماته بانحناء بسيط من السيدة كروش وخادماها، ينظروا بعدها إلى سوبارو ورفاقه وهم يشقون طريقهم إلى وجهتهم.

“هيـه! فريدريكا، ما مقدار ما أخبرك به؟ ” “سيد سوبارو؟” “بناءً على ما قلتهِ لي، قام روزوال بجميع أنواع الاستعدادات للترشيح الملكي. من المنطقي أن نصف العفريتة وطائفة الساحرة مرتبطان، لذلك علم أنه سيكون أمرًا خطيرًا. و بالرغم من هذا…” هناك تراجعت كلمات سوبارو بينما استمر في التحديق في فريدريكا. “أين إجراءاته المضادة لطائفة الساحرة إذن؟ قالت ريم وكروش أنه لا بد أن هنالك اجراءات مضادة، لكني لا أظن أنه كان يثق ويعتمد علي، وإذا لم يكن الأمر كذلك ، فلماذا يأتي … ” جاءت مشاهد سكان قرية إيرلهام ، الذين ذُبحوا وعذبوا من قبل طائفة الساحرة ، وريم ورام ، ضحايا المعركة ضد الطائفة، في مقدمة ذهنه – كانت هذه هي المأساة التي حلت بمنطقة ميزرس. أين كانت الإجراءات المضادة في كل تلك الأحداث؟ لم يظهر روزوال في أي منها! “إذا كنت تعرفين أي شيء، أخبريني …!” “لسوء الحظ، لا أفهم طريقة تفكير السيد بالكامل. هناك على الأرجح شخصان فقط في هذا العالم يعتبرهما جديرين بالثقة “. “شخصان…؟ من؟ من هما هذان الشخصان الذي يثق به روزوال؟ ” “- رام والروح العظيمة الموجودة في أرشيف المكتبة المحرمة.” وفقًا لفريدريكا، فعلى على حد علمها كان هناك شخصان قد يعرفان نوايا روزوال. لم يكن لديه مجال للشك في الأول. كانت رام التي قدمت لروزوال ولائها الكامل،لذا فهي تستحق هذه الثقة بالتأكيد. ومع ذلك ، كان الاحتمال الثاني هو الصاعقة الصادمة: “الروح العظيمة في أرشيف المكتبة المحرمة …” “غرفة داخل هذا القصر مفصولة عن البقية بالسحر، بالضبط كما تفصل المكتبة المحرمة و العالم الخارجي من خلال سحرها …فقد أبقته سرًا ثمينًا ”

_______________________________________

“سعيدة أنه قد أتيحت لي فرصة التعرف عليكِ، لا أشعر بأي خوفٍ منكِ”. “-!”

2
سيطر الجو الخانق على عربة التنين المتوجهة للقصر.
“…”
وضعت كروش عربة كبيرة متصلة ببتلاش كجزء من مكافئتها لسوبارو، كانت تلك العربة كبيرة بما يكفي لتتسع لعشرة ركاب، ناهيك عن وجود بعض المساحات الفارغة بداخلها، لم يكن في داخل العربة هذه المرة سوى سوبارو وإميليا وريم -النائمة على السرير البسيط-، ومع جلوس سوبارو قرب الأميرة النائمة، ووجود إميليا على مقربة منهم، سيطر الصمت المحرج على أنحاء العربة كلها.
“يبدو أننا أخطأنا في وضع بيترا في عربة مختلفة، هاه؟”
تم وضع أطفال القرية المتجهين إلى العاصمة في عربة أخرى في طريق العودة، لقد تم ترتيب هذا الأمر بهدف مراعات القرويين ظنًا منه أنهم لن يرغبوا في سماع أحاديث متعلقة بالانتخابات الملكية، ولكن ذلك أتى بنتائج عكسية على ما يبدو.
بالتأكيد كانت هنالك الكثير من الأمور التي يجب عليهم مناقشتها، ولكن لم يكن هنالك دافع لـ –
“أمم، ألا يزعجك عدم حديثنا هكذا؟ أعني لا يمكنني تحمل هذا الصمت الغريب، والجو الخانق”
“لمً تتدخل في شؤون الآخرين فجأة؟ مهلاً … أنت هنـا؟!”
“بالطبع أنـا هنا!! لقد كنتُ هنا طوال الوقت!! برأيك لماذا تعاونت معك وتعرضت للأذى من قبل طائفة الساحرة يا سيد ناتسكي؟!”
“أليست هذه إحدى هواياتك؟”
“لا توجد قطة في العالم لديها ما يكفي من الأرواح لممارسة هذا النوع من الهويات!!!”
أطلّ عليهم من النافذة الفاصلة بين معقد السائق وعربة الركاب التاجر أوتو سوين الذي تعاون معهم في المعركة النهائية ضد طائفة الساحرة، والذي تطوع لمرافقتهم باعتباره سائقًا للعربة في رحلة العودة، ابتسم سوبارو له ابتسامة متألمة.
“أمزح معك، هدفك هو التحدث مع روزوال واقناعه بشراء كل بضاعتك، لم أنسَ هذا”
“أنا أعتمد عليك! أعتمد عليك بحق!! حياتي كلها معلقة بهذا!!”

“آه، سوبارو، هل سرير ريم جاهز؟”

كان أوتو مستعدًا لمواجهة كبيرة، ولكن لم يرَ سوبارو بصيص أمل في رجائه خاصة بعد أن تذكر روزوال، بعد أن طلب أوتو منه ذلك شخصيًا، أراد سوبارو مد يد العون له ولكن…
“لا يمكنني التحدث باسم ذلك الرجل، لكن بصراحة احتمالية نجاحك ضئيلة…”
“لعلمك، يمكنني سماعك، لم تكن تخطط لجعلي أسمع ذلك، صحيح؟!”
انخفض كتفا سوبارو بعدما رأى عينا أوتو اتسعتا لدى سماعه سوبارو يكلم نفسه، وعندما رأت إميليا ردتا فعليهما قالت:
“أنا مندهشة حقًا، بطريقة ما أنتما تتوافقان مع بعضيكما جيدًا”
“هذا غير صحيح، إنه مجرد شخص أنقذ حياتي، هذا كل شيء!”
“لا يمكنك إنكار ذلك، لذا لا تتهرب من الأمر”
عندما قامت طائفة الساحرة بالقبض على أوتو وأوشك أن يصبح تضحة بشرية، كان سوبارو هو الشخص الرئيسي الذي سعى وراء إنقاذه، بعبارة أدق، كانت الأنياب الحديدية هي التي أنقذت أوتو، ولكن لا دخان بلا نار، ولسوبارو يد في ذلك، في كل الحالات تلاشت الأجواء المربكة داخل العربة بفضل أوتو.
“صحيح أني ممتن لك على تعديل الأجواء هنا، إلا أنه آن أوان توديعك لبعض الوقت”
“مهلا!! انتظـرلحظـ-!!! مازلتَ تعاملني كما لو كنت….!!!”
أغلق سوبارو النافذة بينهم مقاطعًا بذلك كلام أوتو، حسنًا تم إنجاز المهمة على أكمل وجه! التفت سوبارو إلى الوراء لتلتقي عيناه بيعنا إيميليا المندهشة وفجأة-
*ضحكة مكتومة*
“هاهاهاهاهاهاها”
بعد أن فشلا في تمالك ضحكتيهما أكثر، أطلقاها أخيرًا لبعض الوقت، علت أصوات ضحكاتهما المكان، وبعد أن فرغا من الضحك قال سوبارو:
“ليس من عادتي تحمل الأجواء الثقيلة والتزام الصمت، أليس كذلك؟”
“بالضبط، هذا ليس من عادتك أبدًا، سوبارو الذي أعرفه هو… فتى مفعم بالحياة ودائمًا ما يقوم بأشياء متهورة، كما أنه يثير المتاعب دون أدنى اعتبار لمشاعري”
“أشعر أن عبارتكِ يمكن ترجمتها إلى كوني شخص ثرثار لا يراعي مزاج الآخرين الذين يبذلون قاصرى جهده لإنقاذ حياته”
في الواقع، كان هذا وصفًا دقيقًا لا يمكنه دحضه، ضحك سوبارو بخجل وهو يحك وجهه بإصبعه، ثم جلس بجوار إميليا التي ضاقت عيناها:
“سوبارو… أنت تجلس بجواري كما أنه أمر لا يذكر”
“هاه؟ أهناك أمر غريب في ذلك؟”
“كلا أبدًا… لكن في السابق كان هذا يشعرني بالتوتر، ولكن ولسبب ما لم يعد الأمر كذلك، لذا لا بأس”
هزت إميليا رأسها وهي تفكر في أمر جلوس سوبارو بجوارها، تذكرت فجأة تناول وجبات الطعام في القصر والمحادثات مع الأرواح البسيطة التي كانت إحدى الطقوس اليومية لإميليا، في كثير من الأحيان كأن سوبارو يحق أن يجلس بجوارها، ولكن-…
“يبدو أن كل ذلك العمل الشاق والمضني بدأت تظهر ثماره أخيرًا… يا إلهي… لقد تأثرت…!!”
“ها أنتَ تسخر من الموضوع مرة أخرى! أنـا فقط لا أريد منك تنفيذ تلك الحركات الغريبة”
عندما ضغط سوبارو على قبضته وتمتم، انتفخ خدي إميليا في حالة من عدم الرضا. لتقوم بعد أن تحركت وركيها قليلاً، وتدير عينيها إلى السرير البسيط في الخلف.
“كنت تفكر في ريم طوال الوقت، لا داعي لإخفاء ذلك “.
“تا-ها-ها…”
أغلقت نظرة إميليا الحزينة كل طرق الإنكار أمام سوبارو مما دفعه لإطلاق ضحكة فاترة
“أجل، أنا أفكر فيها كثيرًا، إنها في ذهني طوال الوقت إن صح التعبير، هذا لأني أشعر أن عليّ فعل شيء ما لها، أريد بحق أن أفكر فيكِ يا إميليا تان قبل وفوق كل شيء، لكن هذه المرة… لم أستطع الاحتفاظ بالترتيب الصحيح وإعطائكِ الأولوية، أنـا آسف”
“لست مستاءة من ذلك على الإطلاق، قلت لك هذا في قصر كروش، أليس كذلك؟!”
لقد قالت أنها تريد أن معرفة وفهم كل المخاوف التي يخيفها سوبارو.
أجل، لقد تذكر أن إيميليا قالت له تلك الكلمات، وبكى من شدة سعادته، ولكن، بالرغم من ذلك-
“إنها عزيزة على قلبك، صحيح؟”
“أجل، إنها عزيزة، عزيزة على قلبي للغاية يا إميليا-تان”
“أتدرك أنه من الأنانية قول ذلك؟”
“أعلم ذلك، ولأكون صادقًا، أتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعني وأنا أقول ذلك، لكني صريح معكِ، لذا..”
نقل سوبارو مشاعره الصادقة والخفية إلى إميليا بصوتٍ عالٍ وواضح، وعلى الرغم من أن هذه الكلمات جعلته يظهر بمظهر الوغد، إلا أن وجود ريم داخل قلبه كان يستحق ذلك، بلا أي مبالغه، كانت مشاعره تجاه ريم بحجم مشاعره تجاه إميليا.
بعد تلك المحادثة، عاد سوبارو إلى الدعاء راجيًا شفاء ريم، كان سعيدًا أنه لم يزعج إميليا في ذلك، إن كانت هنالك أي طريقة لإعادة ريم، فيقوم ناتسكي بها أيًا كان الثمن.
“… أنا واثقة تمام الثقة أنكَ ستجد طريقة لإعادتها”
“إميليا-تان؟”
مع غرق سوبارو في أفكاره الأنانية، بادلته إميليا ابتسامة رقيقة وساحره ثم أومأت برأسها، مررت إصبعها خلال شعرها الفضي وهي تحدق في وجه سوبارو الذي ارتفع فجأة
“في رأيي، أنـا وأنت متشابهان للغاية من ناحية كوننا مدفوعين برغباتنا الأنانية… أعلم تمام المعرفة أني انضممت إلى انتخابات الملكية لسبب شخصي أنـاني”
“سبب أناني؟ تعنين بذلك الرغبة في خلق عالم من المساواة لا يوجد فيه أي تمييز؟”
تذكر سوبارو رغبة إميليا التي تحدثت عنها عندما شاركت معتقداتها في مؤتمر الانتخابات الملكية، بصفتها نصف عفريتة، تعرضت إميليا للتمييز العنصري، لذا ألم تكن رغبتها في عالم تسوده المساواة أمر طبيعي؟
ردًا على ذلك هزت إميليا رأسها نافية لما قاله سوبارو
“ليس هذا ما عنيته، لقد دخلت الانتخابات بدافع شخصي تمامًا…”
“….”
“آعتذر بحق، لا أظنني قادرة على شرح الأمر بالكلمات، ليس الأمر أني أريد إخفاء شيء عنك، ولكني للست متأكدة مما ينبغي عليّ قوله لك”

“أنا لا أعتمد على السحر في حياتي اليومية بالأصل، لذا لن أفتقدها أو ما شابه” “هذا شيء لا يقوله إلا المستخدمون الذين لا يعتمدون على السحر، لو كنت مكانك… حسنًا، في نظري أرى أن استخدام السحر له منفعته، خاصة في حالات الطوارئ… حسنًا، إن لم تكن مهتمًا بذلك فلا بأس”

كانت إميليا في حيرة مما تود قوله، منزعجة لأنها لا تستطيع التحدث بشكل واضح عما في رأسها، إذا لم تكن هناك إجابة واضحة، فإن سوبارو لم يرغب في الضغط عليها للإجابة.
إذا كانت التفاصيل المتعلقة بالمشاعر السلبية في صدرها مرتبطة سرًا بدخولها في الاختيار الملكي-
“….سنتحدث عن كل شيء بعد أن نصل إلى روزوال”
“سامحتني إذن؟”
“لم ترتكبي أي خطأ، لذا ليس هنالك ما أسامحك عليه، لكن إن كان هنالك شيء قد أزعجني فستكون الأشياء التي تحدثت عنها… علاوة على ذلك، قد يعرف روزوال شيئًا ما عن حالة ريم أيضًا”

عندما تحدث سوبارو إلى فريدريكا ، ذكر وأجاب على عدد من الأفكار داخل رأسه. كان لابد من وجود طريقة أفضل. خلال المعركة ، كان كل ما يفكر به « لقد بذلت قصارى جهدي» ولكنه شعر أنه بطريقة ما، كانت هنالك احتمالية أن تكون هناك نتيجة أفضل، نتيجة مثالية يخرجون بها بأقل خسارة ممكنة، ومع ذلك لم يستطع سوبارو معرفة تلك الطريقة، لو أنه كان أكثر ذكاءً ، لكان سوبارو قد عرف تلك الطريقة بالتأكيد. كمثال على ذلك ، خطاب حسن النية الذي أحضره مبعوث كروش إلى إميليا.

حسب معرفة سوبارو، لم يكن هناك أحد في هذا العالم متصل بالعالمين العلوي والسفلي أفضل من روزوال، وبالنظر إلى التفاصيل التي قام بها المهرج غريب الأطوار بترشيح إميليا للاختيار الملكي، فقد حان الوقت لجعله يظهر ما لديه، هنالك أيضًا مسألة أفكاره المضربة حيث لم يستطع رفع إصبع واحد خلال هجوم طائفة الساحرة.
“ولكن لما أننا سنؤجل الحديث إلى حين عودتنا للقصر…”
“ماذا؟”
“إن كنت لا تمانع يا سوبارو … أود أن تحدثني عن ريم.”
– لوهلة، سبب ذلك الطلب ألمَ في قلب سوبارو، لم يكن لأنه سيرفض اقتراح إميليا، ولكنه محض شعور قلقل وتردد، هل يمكن لكلمات سوبارو أن تفي ريم حقها؟ ريم… الفتاة التي أنقذته”
“آه، بالطبع، سيستغرق الحديث عنها وقتًا طويلًا بعض الشيء، لكني سأخبركِ بكل شيء، بالنسبة لي ذكرياتي عن ريم ثمينة مثل ذكرياتي عنك منذ أن قابلتك قبل شهرين، إميليا تان”.
مختبئًا مشاعره وراء كلماته، بدأ سوبارو يتحدث عن كيف كانت حياته اليومية خلال هذين الشهرين، فبعد لقاء إميليا في العاصمة الملكية، استيقظ في القصر، ووجد في استقباله ريم ورام –
“…..”
بمجرد أن بدأ سوبارو بروي حكايته، لم يستطع التوقف، واصلت إميليا الاستماع لقصته بهدوء، وفي النهاية، تابع سوبارو الحديث بلا بتوقف حتى وصلوا إلى حدود ميزرس.

“إيه ؟! س- سوبارو ، ألا تعرف مكانه؟ ” أثارت صدمة إميليا من سؤال سوبارو صدمة كبيرة، رغم أن الأمر كان بسيطًا، إلا أنه يعد كارثي: ففي الواقع لا يعلم أيٌ منهما مكان هذا الملجأ. “لقد تأخرت نوعًا ما في طرح هذا السؤال، ولكن هذا الملجأ، أي نوع من الأماكن هو؟” “لا أعلم … قال روزوال إنه مخبأ السري، بالإضافة إلى ذلك … ” ” بالإضافة إلى ذلك؟” “كلا، لا شيء. آسفة، أتمنى لو أني استفسرت منه سابقًا”.

____________________________________________________

تصلب سوبارو من مرأى الخادمة غير المألوفة. لكن سرعان ما خفت حدة توتره. وقفت إميليا بصلابة على جانب سوبارو، ورفعت حاجبيها ثم قالت: “… فريدريكا؟” لقد كانت تعرف اسم الطرف الآخر، وفور أن خاطبت تلك المرأة ردت عليها: “أجل” تثم أخرجت تلك المرأة – فريدريكا – عن يديها من حافة التنورة التي كانت تمسك بها وقالت قالت ، “أنا فريدريكا بومان ، عدت إلى العمل بعد الإجازة التي منحني إيها السيد.” رفعت فريدريكا وجهها ببطء لتطلق ابتسامة دافئة وودية للثنائي الذي أمامها، فور أن أصابت تلك الابتسامة سوبارو فتح فمه على مصراعيه. “لابد أنكم متعبون من سفركم الطويل، اسمحوا لي أولاً ، اسموا لي أولًا أن أريكم ما بداخل القصـ- ” “وجه مخيف-!!” صراخ سوبارو بصوت عال جدا تردد صداه في أنحاء قصر روزوال، لتتدمر ابتسامة فريدريكا تمامًا بسبب الأنياب الغريبة التي ملأت فمها.

3
“هييه! أنتما! لقد وصلنا إلى وجهتنا”
عندما شارك أوتو ذلك الخبر من مقعد السائق، كان المساء قد حل بالفعل، أي أنه قد مضى نصف يوم من مغادرتهم العاصمة الملكية، ذلك التقرير -القادم من نافذة السائق- جعل سوبارو يقطع قصته ويدير عينه للنظر من النافذة الجانبية.
“أوه، حقًا؟ كانت الرحلة أسرع مما توقعت”
“يبدو أنك اندمجت في قصتك، ناهيك عن كوننا قد سلكنا بعض الطرق السريعة، بفضل مغادرتنا في الصباح الباكر ووصولنا قبل حلول الظلام، سيشعر كل أفراد القرية براحة أكثر”
“أنا سعيدة بحق يا أوتو، شكرًا جزيلًا لك، من المطمئن أننا تمكنا من جعل سكان القرية أكثر طمأنينة ووأمانًا”
عندما انحنى سوبارو إلى الأمام، حدقت إيميليا الجالسة بجواره من نفس النافذة وهي تشكر أوتو
“يشرفني سماع ذلك منكِ يا سيدة إيميليا… كم أتمنى أن يمتدح السيد ناتسكي جهودي ويثني عليها علنًا أيضًا”
“هيه! لا تقل هذا! تعلم أن شخصيتي تقول دائمًا أشياء كثيرة لا تعكس ما تفكر به حقًا، لذا إن امتدحتك علنًا فأنت تعرف~”
“كيف تأذن لهذه الكلمات أن تغادر شفتيك بعد كل ما قلته حتى الآن ؟!”
ارتفع صوت أوتو بسبب مضايقة سوبارو له “يكفي، يكفي!” قالت إميليا موبخة سوبارو بسبب تعامله مع أوتو. “أعتذر عن ذلك يا أوتو، فسوبارو لديه عادة سيئة وهي انه يضايق أولئك الذين يحبهم… ”
“مهلًا، مهلًا، لقد فهمتِ كل شيء بشكل خاطئ! أنا لا أفعل ذلك لك يا إميليا-تان! ”

“أنـا أعرف شخصيتهما، السيد ورام. وبالنسبة لسبب غيابهم عن القصر، إذا كانت طائفة الساحرة تتحرك بسبب دخول السيدة إميليا في الانتخابات الملكية … فهذا هو القرار الطبيعي الذي يجب اتخاذه”. “هل سمعتِ عن عناصر الاختيار الملكية قبل أن يتم إيقافها ؟” “جاءت السيدة إميليا إلى القصر منذ حوالي نصف عام. كنت لا أزال هنا في القصر في ذلك الوقت. كان إعطائي إجازتي مرتبطًا بذلك أيضًا “. بينما رتب سوبارو الأشياء على جانب سرير ريم، واصلت فريدريكا إحضار كل شيء إلى جانب السرير. عقد سوبارو حاجبيه مستشعرًا أن هناك شيئًا ما حول المحادثة التي كان يجريها معها.

“لكنك تفعل ذلك لبياتريس، صحيح؟!”

حدق فيريس في وجه تلك الفتاة التي بدت نائمة بسلام، لتزل أكتافه، بالرغم من نبرة صوته المرحة إلا أن وجهه كان يحمل حزنًا عميقًا امتزج بخيبة أمل من نفسه، لم يكن سوبارو الوحيد المنزعج من عدم قدرته على فعل أي شيء، فقد كان هنالك شخص آخر يتألم بسبب عجزه عن المساعدة! كان فيريس لا يزال نادمًا على عدم قدرته على حماية سيدته وهي في أمس الحاجة له:

“بالنظر إلى مقدار اللولي تلك الفتاة ، فإن هذا البيان كل أنواع الخطأ!”
فيما يتعلق بعادة سوبارو في استفزاز الآخرين، كان هناك شيء مشترك بين بياتريس وأوتو بالتأكيد، لكن شعوره تجاه أي منهما لم يكن مرتبطًا بأي شكل من الأشكال بكونه لطيفًا. كانت مجرد مسألة تخص الشركة التي احتفظ بها.
“سيد ناتسكي، سيدة إميليا “.
“ماذا تريد؟ أنا مشغول الآن بتوضيح سوء فهم إميليا-تان الخطير … ”
“لقد وصلنا إلى القرية … ولكن يبدو أن هناك شيئ غريب.”
“…”
جعل ذلك النداء المفاجئ منخفض الصوت سوبارو وإيميليا يتواصلان بأعينهما، لذا سارعا بعدها بالننظر إلى ما كان أوتو ينظر إليه، لقد كانوا يقتربون من قرية إيرلهام حيث ظهرت وجهتهم مباشرة أمامهم على مبعدة منهم.
كان مشهد القرية مألوفًا بعض الشيء، فقد جعل الافتقار إلى السكان القرية تشبه بشكل مخيف آخر مرة رآها فيها سوبارو: قرية غير مأهولة، بعد إجلاء القرويين مباشرةً للفرار من طائفة الساحرة، بعبارة أخرى-
“- رام والقرويون الذين في الملجأ لم يعودوا؟”
كان هذا هو الاستنتاج الذي توصلوا إليه بعد انقسام سوبارو والآخرين لتفقد قرية إيرلهام، اعتلى القلق وجوه القرويين العائدين بعد أن فشلوا في العثور على أي علامة للآخرين – أولئك الذين انفصلوا وفروا إلى الملجأ، والذين من المفترض أنهم عادوا قبل فترة طويلة!”
“وفقًا لرام ، تستغرق رحلة الملجأ من هنا سبع إلى ثماني ساعات، ألا يصلوا قبلنا بعد أن أمضينا ثلاثة أيام في العاصمة يعني…” “يجب ألا نتسرع، قد يكونون رأوا أن من الحكمة الانتظار لوقت أطول حتى يتأكدوا أن القرية أصبحت آمنة”

عندما اقتربت بلاتلاش من سوبارو محتضنة إياه، ضرب هذا الآخر رقبتها بامتنان لتقوم بفرك جانب وجهها الفخور بجسده، مما جعل لجامها الصلب يضغط بقوة على يدي سوبارو.

“وهل من عادة روزوال التصرف بهذا الحذر بمجرد أن يسمع عن الأوضاع؟ خلال حادثة الوحش الشيطاني التي حدقت قبل فترة، أنهى روزال كل شيء بقوة غاشمة في غمضة عين! من الغريب أنه لم يفعل شيئًا هذه المرة!”
امتلك روزوال قوة سحرية مكنته من الطيران في السماء، كانت تلك طريقة فعالة لتفقد أراضيه، حتى وإن افترضوا أنه لم يظهر إلى الآن بسبب حذره -وهو أمر مستبعد-، فإن رام مع قوة استبصارها معه، صحيح؟
كان من الواضح أنه خبر انتصارهم على طائفة الساحرة قد وصله بالفعل، لذا فإن حقيقة عدم عودته إلى قصره حتى الآن تعني-
“هنالك تفسير واحد لعدم عودته حتى الآن… هل حدث شيء في الملجأ؟!””
أدارت سوبارو وإميليا وجهيهما تجاه بعضهما ليدركا أنهما وصلا لنفس الاستنتاج، ليتشارك أولئك الإثنان مخاوفهما من قبل باقي سكان قرية إيرلهام الذين كانوا يأملون في لم شملهم مع أفراد عائلاتهم وعادوا ولم يجدوهم.
بأخذ الحالة العقلية للقرويين في الحسبان، أدركوا أن عليهم جميعًا معرفة ما حدث في أسرع وقت ممكن، كان عليهم أن يفعلوا ذلك ، لكن –
“إذن ، إميليا تان … أتعرفين مكان الملجأ؟”

____________________________________________________

“إيه ؟! س- سوبارو ، ألا تعرف مكانه؟ ”
أثارت صدمة إميليا من سؤال سوبارو صدمة كبيرة، رغم أن الأمر كان بسيطًا، إلا أنه يعد كارثي: ففي الواقع لا يعلم أيٌ منهما مكان هذا الملجأ.
“لقد تأخرت نوعًا ما في طرح هذا السؤال، ولكن هذا الملجأ، أي نوع من الأماكن هو؟”
“لا أعلم … قال روزوال إنه مخبأ السري، بالإضافة إلى ذلك … ”
” بالإضافة إلى ذلك؟”
“كلا، لا شيء. آسفة، أتمنى لو أني استفسرت منه سابقًا”.

سحب فيريس يده، وضحك بينما نزل من عربة التنين ثم انحنى، شعر سوبارو بالإرهاق بمجرد النظر له، وعلى الرغم من أنها لم تكن سوى لحظات قصيرة، إلا أن سوبارو رأى جانبًا مخفيًا من فيريس، والذي بدوره أصبح كالعبء الذي نشأ على صدره. لابد أن تلك الكلمات الجادة كانت تمثل مشاعر فيريس الحقيقية، كانت أشبه بالتعبير عن مثابرته وتصميمه. لم يكن سوبارو محض متفرج على الأمر، هذا ما كان كلامهما متيقن منه

عندما اعتذرت ايميليا -والذي بدا أمرًا محرجًا بعض الشيء- هز سوبارو رأسه وفكر في أخطاءه، صحيح أنهم كانوا في عجلة من أمرهم لإخلاء القرويبن، إلا أن الخطأ يقع بشكل أكبر على سوبارو الذي أهمل هذا الجانب، في أسوأ الحالات، قد يجدون دليلًا يرشدهم إلى مكان الملجأ داخل القصر، ولكن…
“حسنًا، أرى أن من الأفضل أن نذهب إلى القصر الآن، أريد أن أضع ريم في مكان مريح يمكنها النوم بسلام فيه، أوتو، ليس لديك مكان للإقامة، صحيح؟ تعال معنا إذن”
“أوييه ؟! آ-آتي معكم إلى قصر الماركيز ؟! سأكون مرتاحًا أكثر بالنوم في عربة التنين! ”
“أوه ، اخرس وسايرنا في الأمر… -اعتذر منكم جميعًا! وأرجوا أن تنتظروا قليلًا!”
أوقفت كلمات سوبارو التي قالها بصوت منخفض بكاء أوتوا، ليحدث بعدها سكان القرية، لم يمح كلامه كل قلقهم، لكنهم ردوا عليه بأصواتهم المفعمة بالحيوية.
ركبوا عربة التنين مرة أخرى تحت أعين القرويين المراقبة، وبعد عشر دقائق أصبح قصر روزوال على مرآ بصرهم بروعة المألوفة.
“إنه أضخم مما يبدو عليه عند رؤيته من بعيد … أشعر أني في مكان ليس بمكاني …”
“لا تظهر جُبنك بعد أن بلغنا هذا الحد، حتى إن أظهرته فإن منزلك بعيد لتعود إليه الآن”
مع تأثر أوتو بضخامة القصر، أكمل سوبارو عباراته المقنعة وهم يتوجون للبوابة الأمامية التي تدخلهم إلى أراضي القصر، وفور أن وصلوا شرعوا في إيقاف عربة التنين خارج الباب الأمامي، والذي كان داخله قصر يشبه نوعًا ما قصور العصور القديمة.
“من المفترض أن أكون ابتعدت ثلاثة أيام فحسب، كما هو حال إميليا تان ، لكن …”
تأثر سوبارو بعدما نظر سوبارو إلى القصر، وغمغم لأنه شعر بمشاعر معقدة في صدره.
الحقيقة أن سوبارو قد عاد إلى القصر أخيرًا قبل أربعة أيام، وانخرط في مهمة يجبر فيها إميليا على الهرب، ومع ذلك -من ناحية العاطفية- لم يرد التفكير في كونه قد عاد إلى المنزل.
في تلك اللحظة تحديدًا، شعر سوبارو أنه عاد أخيرًا، “حسنًا، هذا ما أتمناه من أعماق قلبي”
“سيد ناتسكي، استيقظ من سرحانك وأخبرني، هل أضع عربة التنين في الاسطبل؟ وماذا عن الآنسة ريم النائمة في السرير الذي في الخلف…”
“سأحمل ريم بنفسي، لست بحاجة لفعل أي شيء”
أغلق سوبارو فمه بعد أن أدرك أنه أخرج صوتًا حادًا وقاسيًا دون أن يدرك، ليعتي وجه أوتو -الذي كان متأكدًا أن اقتراحه كان ليكون في محله- ملامح صارمة.
لم يستطع سوبارو التحكم في ردات فعله المبالغ فيها عندما يكون قلقًا على ريم بالرغم من أنه كان يعلم أن أوتو وإيميليا قد أظهرا كثيرًا من الاهتمام لها حتى هذه اللحظة.
“…آسف، من فضلك ضع باتلاش وعربة التنين خلف القصر، سأتولى أمر داخل القصر”.
” عُلم، لا تشغل بالك بأي شيء آخر يا سيد ناتسكي “.
قبل أوتو اعتذاره وتوجه إلى الإسطبل دون أي علامة على كونه منزعجًا، نزل سوبارو من العربة حاملًا ريم على ظهره، وتوجه نحو المدخل الأمامي للقصر جنبًا إلى جنب مع إميليا.
“بالتفكير في الأمر، لا أذكر إغلاق الباب عندما غادرنا، أيمكن أن يكون أحد اللصوص قد دخل؟”
“كلا، هذا … إنها وظيفتها، لكن لا أعتقد أننا بحاجة للقلق مع وجود بياتريس هنا. أتساءل عما إذا كانت … ستأتي وتحيينا عند الباب إذا طرقناه؟”
دون التطرق إلى الحديث مع أوتو، أطلقت إميليا عن نكتة على غير عوائدها، كان من الصعب إلى حد ما تخيل أن بياتريس تحيي سوبارو وإيميليا عند الباب بوجه تملؤه بالبهجة، خاصة بعد الطريقة التي افترق فيها سوبارو و بياتريس آخر مرة، ومع ذلك، لا ضير في المحاولة.
“ربما ستسرع لترى باك …”
ابتسمت إميليا ممازحة وهي تطرق على الباب، تردد صدى الصوت القاسي داخل القصر، وبطبيعة الحال لم يكن هناك سيد ولا خادم في القصر ليرد –
“- أهلًا، من فضلك انتظر لحظة.”
“إيه؟”
ذُهل سوبارو وإميليا من الرد الذي كان ينبغي ألا يكون موجودًا، وقبل أن يُحرر أولئك الاثنان جسديهما المتصلبان من الصدمة فُتحت أبواب القصر بهدوء.
“أهلا بعودتكِ يا سيدة إميليا. لقد كنت في انتظار وصولكِ بفارغ الصبر”.
كانت تقف على الجانب الآخر من الأبواب المزدوجة المفتوحة امرأة تحييهما بلطف تام.
امرأة ذات شعر أشقر طويل لامع وعينان زمردتان بدتا شفافتين كالأحجار الكريمة، طويلة بعض الشيء وترتدي زي الخدم الكلاسيكي الذي ارتدته بشكل أنثوي ورائع.
بدت في العشرين من عمرها تقريبًا أو أقل، كيفما نزرت إليها تدرك أنها خادمة، ولكن المشكلة أنها لم تكن إحدى الخادمتين اللتين تم تعينهما في قصر روزوال

“من الأفضل لك أن تفي بذلك الوعد وإلا جعلتك تعاني قبل موتك بجعل المانا داخل جسدك تصاب بالجنووووووون” “هلّا توقفت عن قول هذه الأشياء المرعبة التي تدفع الشخص للجنون بصوتك الرقيق ووجهك الجميل هذا؟!””

 

“هيـه! فريدريكا، ما مقدار ما أخبرك به؟ ” “سيد سوبارو؟” “بناءً على ما قلتهِ لي، قام روزوال بجميع أنواع الاستعدادات للترشيح الملكي. من المنطقي أن نصف العفريتة وطائفة الساحرة مرتبطان، لذلك علم أنه سيكون أمرًا خطيرًا. و بالرغم من هذا…” هناك تراجعت كلمات سوبارو بينما استمر في التحديق في فريدريكا. “أين إجراءاته المضادة لطائفة الساحرة إذن؟ قالت ريم وكروش أنه لا بد أن هنالك اجراءات مضادة، لكني لا أظن أنه كان يثق ويعتمد علي، وإذا لم يكن الأمر كذلك ، فلماذا يأتي … ” جاءت مشاهد سكان قرية إيرلهام ، الذين ذُبحوا وعذبوا من قبل طائفة الساحرة ، وريم ورام ، ضحايا المعركة ضد الطائفة، في مقدمة ذهنه – كانت هذه هي المأساة التي حلت بمنطقة ميزرس. أين كانت الإجراءات المضادة في كل تلك الأحداث؟ لم يظهر روزوال في أي منها! “إذا كنت تعرفين أي شيء، أخبريني …!” “لسوء الحظ، لا أفهم طريقة تفكير السيد بالكامل. هناك على الأرجح شخصان فقط في هذا العالم يعتبرهما جديرين بالثقة “. “شخصان…؟ من؟ من هما هذان الشخصان الذي يثق به روزوال؟ ” “- رام والروح العظيمة الموجودة في أرشيف المكتبة المحرمة.” وفقًا لفريدريكا، فعلى على حد علمها كان هناك شخصان قد يعرفان نوايا روزوال. لم يكن لديه مجال للشك في الأول. كانت رام التي قدمت لروزوال ولائها الكامل،لذا فهي تستحق هذه الثقة بالتأكيد. ومع ذلك ، كان الاحتمال الثاني هو الصاعقة الصادمة: “الروح العظيمة في أرشيف المكتبة المحرمة …” “غرفة داخل هذا القصر مفصولة عن البقية بالسحر، بالضبط كما تفصل المكتبة المحرمة و العالم الخارجي من خلال سحرها …فقد أبقته سرًا ثمينًا ”

أقسمت المرشحتان الملكيتان على بذل قصارى جهديهما، وتبادلا الوعود باللقاء مرة أخرى، امتلأ قلب سوبارو بشعور الإنجاز بينما كان يشاهدهما يتبادلان القسم، لقد عانى سوبارو كثيرًا وتحمل الكثير من العذاب، وكانت هذه اللحظة التي رأى نتيجة إنجازه بشكل محسوس أخيرًا! لم يكن قادرًا على الوصول إلى النهاية المثالية، ولكن…

 

“أنا لا أعتمد على السحر في حياتي اليومية بالأصل، لذا لن أفتقدها أو ما شابه” “هذا شيء لا يقوله إلا المستخدمون الذين لا يعتمدون على السحر، لو كنت مكانك… حسنًا، في نظري أرى أن استخدام السحر له منفعته، خاصة في حالات الطوارئ… حسنًا، إن لم تكن مهتمًا بذلك فلا بأس”

تصلب سوبارو من مرأى الخادمة غير المألوفة. لكن سرعان ما خفت حدة توتره.
وقفت إميليا بصلابة على جانب سوبارو، ورفعت حاجبيها ثم قالت: “… فريدريكا؟”
لقد كانت تعرف اسم الطرف الآخر، وفور أن خاطبت تلك المرأة ردت عليها:
“أجل” تثم أخرجت تلك المرأة – فريدريكا – عن يديها من حافة التنورة التي كانت تمسك بها وقالت قالت ، “أنا فريدريكا بومان ، عدت إلى العمل بعد الإجازة التي منحني إيها السيد.”
رفعت فريدريكا وجهها ببطء لتطلق ابتسامة دافئة وودية للثنائي الذي أمامها، فور أن أصابت تلك الابتسامة سوبارو فتح فمه على مصراعيه.
“لابد أنكم متعبون من سفركم الطويل، اسمحوا لي أولاً ، اسموا لي أولًا أن أريكم ما بداخل القصـ- ”
“وجه مخيف-!!”
صراخ سوبارو بصوت عال جدا تردد صداه في أنحاء قصر روزوال، لتتدمر ابتسامة فريدريكا تمامًا بسبب الأنياب الغريبة التي ملأت فمها.

في تلك اللحظة تذكر سوبارو أنه في الواقع لم يمر على استدعائه إلى هذا العالم الجديد شهران حتى، وعلى الرغم من أنه مرّ بأربعة أشهر -نفسيًا-، من منظور زمني في هذا العالم، فقد مضى شهريـ – مهلًا، عندما فكر سوبارو بكل ما مرّ به خلال تلك الأشهر، لم يكن واثقًا ما إن كانت شهرين عقوبة كبيرة أم صغيرة بالنسبة له!

___________________________________________

/////

4

كانت إميليا في حيرة مما تود قوله، منزعجة لأنها لا تستطيع التحدث بشكل واضح عما في رأسها، إذا لم تكن هناك إجابة واضحة، فإن سوبارو لم يرغب في الضغط عليها للإجابة. إذا كانت التفاصيل المتعلقة بالمشاعر السلبية في صدرها مرتبطة سرًا بدخولها في الاختيار الملكي- “….سنتحدث عن كل شيء بعد أن نصل إلى روزوال” “سامحتني إذن؟” “لم ترتكبي أي خطأ، لذا ليس هنالك ما أسامحك عليه، لكن إن كان هنالك شيء قد أزعجني فستكون الأشياء التي تحدثت عنها… علاوة على ذلك، قد يعرف روزوال شيئًا ما عن حالة ريم أيضًا”

بالنظر إليها كخادمة، رأى سوبارو أن تلك المرأة المسماة فريدريكا مثالية.
بالرغم من أنها كانت ترتدي زي خادمة، إلا أنه لم يكن مبهرجًا بأي شكل من الأشكال، كما كانت كلماتها وحركاتها دقيقة للغاية، ولم يكن في سلوكها أي نوع من أنواع المبالغة. إن رؤيتها واقفة بشكل مستقيم كما لو كان أمرًا عاديًا طبيعية جعل جسدها يبدو أنيقًا.
لقد استحقت تقييم 100% كخادمة – من الناحية العملية والشكلية- يعيبها فقط فمها ذاك.
“سوبارو ، أيها الأحمق! لا يمكنك قول ذلك لفتاة! اعتذر بشكل لائق هيا!”
“أ-أرجوكِ توقفي يا سيدة إميليا. لا بأس أبدًا، فأنا معتادة على أن يتفاجأ الناس في المرة الأولى التي يقابلونني فيها. أنا لا أمانع ذلك على الإطلاق”.
“أنـا أمانع! عندما يفعل المرء شيئًا سيئًا عليه الاعتذار، خاصةً عند إيذاء الآخرين. أليس هذا صحيحًا؟ ”

“هل ستعود إلى القصر حقًا؟” “أجل، ليس وكأن ريم ستشفى ببقائها في مكان كهذا… آه، لم أقصد الإهانة!” “لا بأس يا سوبارو، فهمتك، أنت مجرد شخص فظيع في اختيار كلماتك! (مياو)”

اعتلى وجه فريدريكا -الطرف المتضرر- نظرة محتارة بعدما احمر وجه إميليا غضبًا. كانت إميليا محقة، وقد اعترف سوبارو بخطئه حيث جثا على ركبتيه على أرضية المدخل.
شرع سوبارو في الانحناء برأسه بعمق نحو فريدريكا لإظهار أنه قد فكر في الخطأ الذي اقترفه.
“كلا، ما قالته إميليا-تان صحيح، لقد كنت مخطئا بالفعل”.
“اررر…”
“أعتذر عن قول شيئًا فظيعًا لكِ في لقائنا الأول.=، اطبخيني، أو اقليني.. افعلي ما شئتِ بي … رغم أني أفضل أن يكون الأمر غير مؤلم قدر الإمكان”.
اعتذر سوبارو بطريقة كانت أنثوية أكثر من كونها رجولية. فبعد أن قال مثل تلك الكلمات الفظة لامرأة التقى بها لأول مرة، لم يستطع أن يلوم فريدريكا على أي عقوبة تختارها.
“أمم ، فريدريكا… اسمعي، سوبارو ليس طفلًا سيئًا. إنه فقط معتاد على قول أشيئا دون تفكير بين الحينة والأخرى… ”
أضافت إميليا كلماتها الخاصة لتعزيز اعتذار سوبارو. التصقت الكلمات المفعمة بشعور الأمومة الغريب في ذهنه، لكن سوبارو كانت سعيدة لأنها تحدثت رغم ذلك.
ظلت فريدريكا صامتة لبعض الوقت أمام أولئك الاثنان، لكن –
“- تي هي. سيدة إميليا ، سيد سوبارو ، أنتما مضحكان للغاية … ”

كانت كروش عاجزة عن إخفاء ابتسامتها وهي تتحدث عن عبارتها السابقة، استمعت إميليا إلى كلامها بصمت، متأملة في كون هذه الكلمات إشارة إلى حقيقة أعمق.

“فريدريكا؟”
“قلت لكما أني لست مستاءة على الإطلاق، لكنك اعتذرت على أي حال، أما السيدة إميليا فهي تتصرف بطريقة أمومية حيث جعلت السيد سوبارو يعتذر بهذه الطريقة … أوه ، لقد أصبح هذا ممتعًا للغاية “.
سامحت فريدريكا سوبارو بينما كانت تخفي فمها خلف كمها وهي تبتسم. لتقوم بعدها بمقاطعة سوبارو الجاثي على ركبتيه بتلك الطريقة اليابانية المهذبة من تحته “بالإضافة إلى ذلك” ثم أكملت “لا يمكنني تأجيل السؤال عن الظروف الحالية إلى الأبد. هناك سبب ليتم استدعائي إلى هنا، ألا وهو غياب السيد … والفتاة (رام) التي تبدو صورة طبق الأصل تلك التي هنـاك “.
“ ______”
تحولت نظرة فريدريكا نحو الأريكة – التي تم وضع ريم عليها لتستريح. أثبتت كلماتها التي استخدمتها – “والفتاة (رام) التي تبدو صورة طبق الأصل” – أنها كانت على علاقة سابقة بكلتا الشقيقتين رام وريم.
“أوه، تذكرت الآن، كانت هناك خادمة استقالت قبل مجيئي القصر بقليل.”

سحب فيريس يده، وضحك بينما نزل من عربة التنين ثم انحنى، شعر سوبارو بالإرهاق بمجرد النظر له، وعلى الرغم من أنها لم تكن سوى لحظات قصيرة، إلا أن سوبارو رأى جانبًا مخفيًا من فيريس، والذي بدوره أصبح كالعبء الذي نشأ على صدره. لابد أن تلك الكلمات الجادة كانت تمثل مشاعر فيريس الحقيقية، كانت أشبه بالتعبير عن مثابرته وتصميمه. لم يكن سوبارو محض متفرج على الأمر، هذا ما كان كلامهما متيقن منه

“استعمال كلمة استقالت ليس دقيقًا، لقد حصلت على إجازة لبعض الأسباب الشخصية … لقد انتهى بي المطاف بالعودة في وقت أقرب مما كنت أتوقع فحسب “.
“كان قبل قدوم سوبارو إلى القصر … قبل ثلاثة أشهر ، إذن؟ على كلٍ، أنا سعيدة لرؤيتك مرة أخرى”.
ابتسمت إميليا وفريدريكا لبعضهما البعض ، حيث كانتا مسرورتان بلم شملهما. منذ هذا الموقف، أصبحت فريدريكا تخفي فمها خلف كمها؛ قد تكون كلمات سوبارو الوقحة سببت لها عقدة من نوعٍ ما.
شعر سوبارو بالخجل أكثر من زلة لسانه، لكن فريدريكا لم تتحدث عن ذلك لأنها كانت تشير إلى القصر بيدها.
“بعد استدعائي ، وجدت القصر فارغًا تمامًا … كنت في حيرة من أمري. لحسن الحظ ، تمكنت من فهم ما يحدث بفضل خلال رسالة في مكتب السيد “.
“رسالة”
“أجل، رسالة كتبتها رام. على الرغم من أنها الشخص الذي استدعاني، لم تترك لي سوى تلك الكلمات التي في الرسالة … قد أعتبر لطيفة بقولي أن ما فعلته هو عادتها؟ ”
ابتسم فريدريكا ابتسامة متوترة. من تلك الابتسامة ، شعرت سوبارو بثقل سنوات من الألفة والثقة بينها وبين رام. على الأرجح ، كانت لديها علاقة مماثلة مع ريم.
“وما سبب استدعاء رام لك يا فريدريكا؟”
تجاهل سوبارو الشعور الناشئ في صدره وهو يحث فريدريكا على مواصلة حديثها، فبعد ما قالته، كان للسؤال سوبارو إجابة واضحة. كان القصر في حالة تأهب قصوى بسبب استهداف طائفة الساحرة له قبل بضعة أيام
بعبارة أخرى، استدعت رام فريدريكا كنوع من التعزيزات الطارئة للمعركة.
“بحلول الوقت الذي وصلت فيه، كان المطبخ وحديقة القصر في حالة مروعة إلى حد ما.”
“هناك سبب مقنع قيام رام بذلك! صحيح يا إميليا تان ؟! ”
“لا تتسرع يا سوبارو. ليس الأمر كما لو أن هذا خطأ رام. يبدو أنها شعرت ببعض الخطر الذي قد يحل بالقصر لسبب ما… كما أنني أردتُ المساعدة أيضًا ، لكن … ”
“آ-آه ، لا بأس يا إميليا تان، لم يكن شيئًا بيدكِ على أية حال…”
“معه حق… كما أن رام قالت: «هذا لا شيء، اتركوا الأمر لي، وسأتدبر الأمر بطريقة ما.» ”

“ماذا تعنين بكون توقفك عن العمل وأخذ إجازة كان مرتبطًا بالتصويتات الملكي …؟” “كان واجبي في الأساس هو ترتيب الشؤون الشخصية للسيد من أجل الاختيار الملكي.” “الشؤون الشخصية؟” “كان من الواضح أن ترشيح السيدة إميليا -النصف عفريته- من شأنه أن يثير المشاكل. لذا قبل أن تبدأ تلك المشاكل، قام السيد بإبعاد كل من حوله عنه، فحتى في القصر، لم يترك سوى رام القادرة على الدفاع عن نفسها … رام وعلى الأرجح ريم، سمح للإثنتين فقط”. كانت هذه الإجابة مسؤولة عن الشعور الغريب الذي شعر به سوبارو عند وصوله القصر لأول مرة. بالنظر إلى الحجم الهائل لقصر روزوال، كان من المستحيل أن تتكفل ريم ورام فقط بخدمة القصر بأكمله، صحيح أن مهارة ريم أبقت القصر واقفا على قدميه، ولكن هذا لم يكن كافيًا. “بناء على تعليمات السيد ، تم إرسال العديد من الخدم لأداء الأعمال والواجبات في مكان آخر. وبصفتي أحد كبار الموظفين ، ساعدت في ذلك. لكن في النهاية أنا أيضًا غادرت القصر … على الرغم من أنني انتهى بي المطاف بالعودة كما ترى “. “…” كانت عودة فريدريكا إلى القصر نتيجة فقدان ريم. كانت سوبارو قد توصلت بالفعل إلى إجابة هذا السؤال، ولكن في نفس الوقت ، عندما سمعت كلماتها ظهرت شكوك داخل صدره. وبالتحديد ، كانت خطوات روزوال للتحضير للاختيار الملكي بعيدة كل البعد عن أفعاله منذ ذلك الحين.

“يا رجل ، إنها تقول ما لا تفعل! … كلا، عندما قالت إنها ستتدبر الأمر بطريقة ما ، قصدت رمي كل شيء على أكتاف فريدريكا منذ البداية ، أليس كذلك ؟! تبًا يا رام، قد لا يكون تقييمك الذاتي خاطئ ، ولكن على الأقل حاولي، اللعنة! ”
كان تصرف رام متوقعًا، فلطالما كانت شخصيتها هكذا، كان بإمكان سوبارو تخيلها وهي تسخر بقولها “هـه!”. ابتسمت إميليا بألم في وجه سوبارو ثم قالت: “لكن هذا غريب جدا. لقد عملت رام بجد طوال الوقت الذي كانت فريدريكا غائبة فيه. أتساءل لمَ كان المكان في حالة من الفوضى فقط – آه … ”
خلال حديثها، عرفت إميليا الإجابة على سؤالها، لقد توقعت ما كان يحدث في القصر أثناء غياب فريدريكا.
لطالما كان هناك “شخص ما” يعمل مع رام في العناية بالقصر “وبدون وجوده لم تستطع رام الاعتناء بالقصر وحدها، لذا
طلبت … طلبت المساعدة من فريدريكا؟ ”
قبل سوبارو بأسف الاجابة الواضحة، حقيقة أن رام قد تواصلت مع فريدريكا تدل على أنها لم تتذكر ريم.
– لا ، كان لديه أكثر من سبب كافٍ يجعله يستنتج ذلك، لم يكن بحاجة إلى تأكيد صريح.
“سآخذ ريم إلى غرفتها وأشرح لفريدريكا ما حدث،
إميليا تان ، أوتو ينتظر بالخارج … هل يمكنني أن أطلب منكِ دعوته للداخل؟”

“ماذا تعنين بكون توقفك عن العمل وأخذ إجازة كان مرتبطًا بالتصويتات الملكي …؟” “كان واجبي في الأساس هو ترتيب الشؤون الشخصية للسيد من أجل الاختيار الملكي.” “الشؤون الشخصية؟” “كان من الواضح أن ترشيح السيدة إميليا -النصف عفريته- من شأنه أن يثير المشاكل. لذا قبل أن تبدأ تلك المشاكل، قام السيد بإبعاد كل من حوله عنه، فحتى في القصر، لم يترك سوى رام القادرة على الدفاع عن نفسها … رام وعلى الأرجح ريم، سمح للإثنتين فقط”. كانت هذه الإجابة مسؤولة عن الشعور الغريب الذي شعر به سوبارو عند وصوله القصر لأول مرة. بالنظر إلى الحجم الهائل لقصر روزوال، كان من المستحيل أن تتكفل ريم ورام فقط بخدمة القصر بأكمله، صحيح أن مهارة ريم أبقت القصر واقفا على قدميه، ولكن هذا لم يكن كافيًا. “بناء على تعليمات السيد ، تم إرسال العديد من الخدم لأداء الأعمال والواجبات في مكان آخر. وبصفتي أحد كبار الموظفين ، ساعدت في ذلك. لكن في النهاية أنا أيضًا غادرت القصر … على الرغم من أنني انتهى بي المطاف بالعودة كما ترى “. “…” كانت عودة فريدريكا إلى القصر نتيجة فقدان ريم. كانت سوبارو قد توصلت بالفعل إلى إجابة هذا السؤال، ولكن في نفس الوقت ، عندما سمعت كلماتها ظهرت شكوك داخل صدره. وبالتحديد ، كانت خطوات روزوال للتحضير للاختيار الملكي بعيدة كل البعد عن أفعاله منذ ذلك الحين.

“مم ، فهمت … ستكون بخير؟”
“إذا أظهرت لي إميليا تان وجهًا مبتسمًا ، فسأضرب حتى مطران الخطيئة.”
كان لدى إميليا تعبير مضطرب يعلو وجهها، لكن سوبارو تحدث بابتسامة صغيرة.لذا شرعت بعدها بتنفيذ طلبه، وخرجت من الغرفة لدعوة أوتو الذي كان على الأرجح ينتظر عند مدخل القصر في الداخل.
قالت سوبارو وهو يراقب ظهرها مغادرة، “الآن ، إذن …” ثم عاد نحو الأريكة وأكمل حديثه، “هذه ريم ، أخت رام الصغيرة … أنتِ لا تتذكرينها ، أليس كذلك؟”
“للأسف لا أتذكرها، ومع ذلك لا شك أنها أختها”. بمجرد أن بدأ سوبارو حديثه، عدل وضع ريم النائمة على ظهره، وضعت فريدريكا يدها على ذقنها ليتنهد سوبارو في ردها يشير إلى الممر بحركة من رأسه.

“يعزُّ علي المغادرة في مثل هذا الوقت، ولكن أيًا من المشاكل لن يتم حلها إن بقيت هنا، كما أنني لا أريد استغلال كرمكِ وضيافتكِ” “لا أمانع حقًا بقاء السيد ناتسكي سوبارو والسيدة إميليا في مسكني إن كانت هذه رغبتهما… لكن لا يبدو أن ذلك خيارًا مقبولًا عندكما” “شكرًا على كلماتكِ اللطيفة، لكني سأتوقف عند هذا الحد، فكلانا لديه الكثير من القضايا للتعامل معها، صحيح؟ خاصة أنتم، فلديكم موضوع طاقم التاجر الجشع لتتدبروا أمره، إن لم تحسنوا التعامل مع موضوعه، سيسرق كلُ من الحوت الابيض ومطران الكسل الفضل كله منكم!” هزّ سوبارو رأسه رافضًا طلب كروش، وحثها على توخي الحذر من أتباع أنستاشيا. سيكون من الأدق وصف الانتصار على الحوت الابيض و مطران الكسل بأنه نتاج تعاون لقوات ثلاثة مرشحين ملكيين، وبالرغم من ذلك، ظهرت أناستاشيا وحدها على أنها هي صاحبة الفضل والمنتصرة بشكل واضح. كان فصيل كروش قد تفوق على الأعداء الذين لم يذوقوا طعم الهزيمة لأكثر من أربعة قرون، لكن الثمن الذي دفعته زعيمتهم لم يكن هينًا. من جهة أخرى، فسوبارو وبقية أنصار إميليا الذين قادوا معركة هزيمة الكسل قد تسببوا في سقوط العديد من الضحايا أيضًا، لا يقول سوبارو أن خسارتهم كانت فادحة مقارنة بما تحملته كروش وشعبها، ولكنه أصيب بجرح مؤلم، والذي كان يؤلمه في هذه اللحظة بالذات. أما في الجانب الآخر، فقد كان فصيل أناستاشيا بما في ذلك المرشح والفارس سليمين تمامًا بالرغم من لعبهم دورًا كبيرًا في طرد كلا العدوين، بعبارة أخرى، تلقوا أدنى حدٍ من الضرر وحصدوا أكبر نصيب من الغنائم! لذلك سيضطر الجميع لمراقبة حركة أناستاشيا، وما هذا إلا سبب إضافي للمحافظة على سرية التحالف بين فصيل إميليا وكروش. “علينا العودة إلى الديار وتنظيم صفوفنا قبل أن نناقش أي شيء، عليّ التحدث أيضًا مع روزوال -الذي يرعى إميليا- ناهيكِ عن رغبتي في إعادة القرويين القلقين إلى أرض الوطن”

“سنتحدث في الطريق. أريد أن أترك ريم … تنام في غرفتها الخاصة “.

عندما اعتذرت ايميليا -والذي بدا أمرًا محرجًا بعض الشيء- هز سوبارو رأسه وفكر في أخطاءه، صحيح أنهم كانوا في عجلة من أمرهم لإخلاء القرويبن، إلا أن الخطأ يقع بشكل أكبر على سوبارو الذي أهمل هذا الجانب، في أسوأ الحالات، قد يجدون دليلًا يرشدهم إلى مكان الملجأ داخل القصر، ولكن… “حسنًا، أرى أن من الأفضل أن نذهب إلى القصر الآن، أريد أن أضع ريم في مكان مريح يمكنها النوم بسلام فيه، أوتو، ليس لديك مكان للإقامة، صحيح؟ تعال معنا إذن” “أوييه ؟! آ-آتي معكم إلى قصر الماركيز ؟! سأكون مرتاحًا أكثر بالنوم في عربة التنين! ” “أوه ، اخرس وسايرنا في الأمر… -اعتذر منكم جميعًا! وأرجوا أن تنتظروا قليلًا!” أوقفت كلمات سوبارو التي قالها بصوت منخفض بكاء أوتوا، ليحدث بعدها سكان القرية، لم يمح كلامه كل قلقهم، لكنهم ردوا عليه بأصواتهم المفعمة بالحيوية. ركبوا عربة التنين مرة أخرى تحت أعين القرويين المراقبة، وبعد عشر دقائق أصبح قصر روزوال على مرآ بصرهم بروعة المألوفة. “إنه أضخم مما يبدو عليه عند رؤيته من بعيد … أشعر أني في مكان ليس بمكاني …” “لا تظهر جُبنك بعد أن بلغنا هذا الحد، حتى إن أظهرته فإن منزلك بعيد لتعود إليه الآن” مع تأثر أوتو بضخامة القصر، أكمل سوبارو عباراته المقنعة وهم يتوجون للبوابة الأمامية التي تدخلهم إلى أراضي القصر، وفور أن وصلوا شرعوا في إيقاف عربة التنين خارج الباب الأمامي، والذي كان داخله قصر يشبه نوعًا ما قصور العصور القديمة. “من المفترض أن أكون ابتعدت ثلاثة أيام فحسب، كما هو حال إميليا تان ، لكن …” تأثر سوبارو بعدما نظر سوبارو إلى القصر، وغمغم لأنه شعر بمشاعر معقدة في صدره. الحقيقة أن سوبارو قد عاد إلى القصر أخيرًا قبل أربعة أيام، وانخرط في مهمة يجبر فيها إميليا على الهرب، ومع ذلك -من ناحية العاطفية- لم يرد التفكير في كونه قد عاد إلى المنزل. في تلك اللحظة تحديدًا، شعر سوبارو أنه عاد أخيرًا، “حسنًا، هذا ما أتمناه من أعماق قلبي” “سيد ناتسكي، استيقظ من سرحانك وأخبرني، هل أضع عربة التنين في الاسطبل؟ وماذا عن الآنسة ريم النائمة في السرير الذي في الخلف…” “سأحمل ريم بنفسي، لست بحاجة لفعل أي شيء” أغلق سوبارو فمه بعد أن أدرك أنه أخرج صوتًا حادًا وقاسيًا دون أن يدرك، ليعتي وجه أوتو -الذي كان متأكدًا أن اقتراحه كان ليكون في محله- ملامح صارمة. لم يستطع سوبارو التحكم في ردات فعله المبالغ فيها عندما يكون قلقًا على ريم بالرغم من أنه كان يعلم أن أوتو وإيميليا قد أظهرا كثيرًا من الاهتمام لها حتى هذه اللحظة. “…آسف، من فضلك ضع باتلاش وعربة التنين خلف القصر، سأتولى أمر داخل القصر”. ” عُلم، لا تشغل بالك بأي شيء آخر يا سيد ناتسكي “. قبل أوتو اعتذاره وتوجه إلى الإسطبل دون أي علامة على كونه منزعجًا، نزل سوبارو من العربة حاملًا ريم على ظهره، وتوجه نحو المدخل الأمامي للقصر جنبًا إلى جنب مع إميليا. “بالتفكير في الأمر، لا أذكر إغلاق الباب عندما غادرنا، أيمكن أن يكون أحد اللصوص قد دخل؟” “كلا، هذا … إنها وظيفتها، لكن لا أعتقد أننا بحاجة للقلق مع وجود بياتريس هنا. أتساءل عما إذا كانت … ستأتي وتحيينا عند الباب إذا طرقناه؟” دون التطرق إلى الحديث مع أوتو، أطلقت إميليا عن نكتة على غير عوائدها، كان من الصعب إلى حد ما تخيل أن بياتريس تحيي سوبارو وإيميليا عند الباب بوجه تملؤه بالبهجة، خاصة بعد الطريقة التي افترق فيها سوبارو و بياتريس آخر مرة، ومع ذلك، لا ضير في المحاولة. “ربما ستسرع لترى باك …” ابتسمت إميليا ممازحة وهي تطرق على الباب، تردد صدى الصوت القاسي داخل القصر، وبطبيعة الحال لم يكن هناك سيد ولا خادم في القصر ليرد – “- أهلًا، من فضلك انتظر لحظة.” “إيه؟” ذُهل سوبارو وإميليا من الرد الذي كان ينبغي ألا يكون موجودًا، وقبل أن يُحرر أولئك الاثنان جسديهما المتصلبان من الصدمة فُتحت أبواب القصر بهدوء. “أهلا بعودتكِ يا سيدة إميليا. لقد كنت في انتظار وصولكِ بفارغ الصبر”. كانت تقف على الجانب الآخر من الأبواب المزدوجة المفتوحة امرأة تحييهما بلطف تام. امرأة ذات شعر أشقر طويل لامع وعينان زمردتان بدتا شفافتين كالأحجار الكريمة، طويلة بعض الشيء وترتدي زي الخدم الكلاسيكي الذي ارتدته بشكل أنثوي ورائع. بدت في العشرين من عمرها تقريبًا أو أقل، كيفما نزرت إليها تدرك أنها خادمة، ولكن المشكلة أنها لم تكن إحدى الخادمتين اللتين تم تعينهما في قصر روزوال

“فهمت. من هنا رجاءً.”
حافظت فريدريكا على ردودها المختصره، ثم الباب كما لو كانت ستقود سوبارو للخارج. توجهت سوبارو برفقتها إلى الجناح الشرقي للقصر – نحو غرفة نوم ريم.
“بقدر ما أستطيع أن أقول ، ريم ورام أختان متوافقتان للغاية …” في طريقهما إلى تلك الغرفة، أخبر سوبارو فريدريكا عن الحقائق التي نستها عن ريم:
تحدث عن شخصيتها، ما كانت تفعله حتى تلك اللحظة من حياتها ، كم كانت جميلة لقد تحدث كثيرًا كما كان يتحدث إلى إميليا في طريق العودة إلى القصر.“ ______”

 

عندما تحدث سوبارو إلى فريدريكا ، ذكر وأجاب على عدد من الأفكار داخل رأسه.
كان لابد من وجود طريقة أفضل. خلال المعركة ، كان كل ما يفكر به « لقد بذلت قصارى جهدي» ولكنه شعر أنه بطريقة ما، كانت هنالك احتمالية أن تكون هناك نتيجة أفضل، نتيجة مثالية يخرجون بها بأقل خسارة ممكنة، ومع ذلك لم يستطع سوبارو معرفة تلك الطريقة، لو أنه كان أكثر ذكاءً ، لكان سوبارو قد عرف تلك الطريقة بالتأكيد. كمثال على ذلك ، خطاب حسن النية الذي أحضره مبعوث كروش إلى إميليا.

5 بطريقة ما، كان متأكدًا مما سيحدث في تلك اللحظة التي أدار فيها مقبض الباب. فبينما كان يتجول في القصر لفت انتباهه فجأة وجود باب ما، وبمجرد أن مشى إليه ولمس مقبضه، تحولت شكوكه بوجود شيء ما إلى يقين. فور أن فتح ذلك الباب الموجود “هناك” ، اختلس النظر لما بداخله – “هييا، منذ فترة لم أرك.” لوح سوبارو بيده بينما تفحص أرشيف المكتبة المحرمة الذي أمامه بنظره… لم يتغير على الإطلاق. كانت الغرفة الكبيرة المليئة برفوف الكتب تفوح منها رائحة الكتب القديمة، لم يتغير ظلام تلك الغرفة التي بلا نوافذ ولا هدوء هواءها ذرة واحدة، وهذا الوصف لا ينطبق ذلك على الغرفة نفسها فحسب، بل ينطبق أيضًا على الفتاة التي كانت تحرس الأرشيف. جلست الفتاة – بياتريس – على مسند قدم بدل الكرسي وعيناها منخفضة إلى الكتاب المستقر في حجرها. “__ بالحكم على الضجيج في القصر، هل عودتك هي مصدره، أتساءل؟” رفعت بياتريس عينيها تنظر إلى سوبارو بعينيها الزرقاوتين وهي تتغتم بملل واضح، بدت الفتاة وكأنها فقدت الاهتمام فيه ثم أعادت عيناها إلى الكتاب مرة أخرى. “إن كنت قد عدت، فأترض أن الإضرابات الأخيرة قد هدأت أخيرًا.” “أجل، بفضلك… أعني، لقد مررت بوقت عصيبٍ بسببكِ، ألديك أي فكرة عن مدى خوفي لأنك لم تسمعني وتهربي أثناء العملية؟!” “أكنتُ أعرف، أو أهتم، أتساءل؟ لم أطلب منك أبدًا أن تقلق عليّ أصلًا “. “واثق أني أخبرتك أن لدي سبب يدعوني للقلق عليك، أنـا واثق من ذلك تمام الثقة” لم تحمل كلمات بياتريس أي ذرة اعتذار، أما سوبارو بدوره فلم يتراجع عن الرد عليها. في عشية هجوم طائفة الساحرة، حاول سوبارو إقناع بياتريس بإخلاء المكان والهرب، وقد رفضت ذلك، اتضح فيما بعد أنه لم يلحق أي ضرر يذكر بالقصر، ولكن تجاهل تصرفها أمر غير مقبول، لذا كان الأمر ليتحمل أكثر من جدال بسبب الإدراك المتأخر. “الكثيرون كانوا قلقين عليكِ، خاصة إميليا ورام، عليكِ الإعتذار بشكل مناسب، يمكنك القيام بذلك” “أعتذر؟ أتقول أن بيتي يجب أن تتعتذر؟ أجد صعوبة في فهم سبب و ضرورة القيام بمثل هذا الشيء ولمن؟ ” “لا تتعنت على كل شيء لأجل لا شيء … إذا كنتِ ستتعنتين على هذا الأمر ، فسأعتذر للجميع باسمكِ، سأخبرهم أنكِ كنت تبكين بدموع الامتنان وأنكِ أخبرتني أن أقوم بشكرهم “. “لا تتفوه بمثل هذه الأكاذيب! هل دموعي تتدفق حقًا أمامك، أتساءل؟!” كان لسان سوبارو السليط هو سبب ارتفاع صوت بياتريس، تمامًا كالعادة. الغريب أن هذا ملأ صدره بمشاعر عميقة حتى ضاقت عينيه. ها هو يتحدث مع بياتريس مرة أخرى بعد انفصالهما بتلك تاطريقة، على الرغم من أنه كان لا يزال لديه الكثير من الأشياء التي يرغب في سؤالها عنها إلا أن الأمور كانت صاخبة كما كانت من قبل. شعر سوبارو بارتياح للحقيقة التي أدركها ثم أطلق تنهيدة فاترة. “يمكنكِ تأجيل هذه الدراما، ليس من السيء غض البصر عن بعض الأمور كما تعلمين ” “كلام كبير قادم رجل بكى كالطفل الصغير في حضن المرأة التي يحبها.” “ألا يمكنك أن تنسي تلك الحادثة؟”! آنذاك، تراكمت على سوبارو عقبات لا يمكن تجاوزها، ومما زاد الأمر سوءًا تصادمات عواطفه حتى انهار في النهاية، عندما تذكر ذلك الوقت، احمر وجهه خجلًا حتى شعر أنه بدأ يشتعل كالنار، ولكن تلك النار كانت لا شيء مقارنة باشتعال تلك الذكرى الثمينة داخل قلبه. محاولًا تجاوز تلك المشاعر المعقدة، نظف سوبارو حلقه بتحنحنه بصوت عالٍ وغير مسار تلك المحادثة: “على كلٍ، أنا سعيد لأننا في أمان وصحة وعافية، لذا حان الوقت لنفهم بعضنا” “نفهم بعضنا؟ أتساءل إن كنت تعني نفسك بقولك هذا؟ فأنت أناني دائمًا” “أجل، أتفق معك في كوني أناني، كلما تحدثت معكِ ينقلب الموضوع هكذا، ألا تذكرين عندما لعبنا المطاردة في هذا القصر، وعندما كان لديها مهرجان الثلج…” ضاقت عينا بياتريس عندما بدأ سوبارو يتحدث بأسلوب غريب، وبينما كانت نظراتها الزرقاء تخترق جسد سوبارو، قام هذا الآخر بإيماءات مختلفة وهو يسرد ذكرياته بصوت عالٍ، كان الأمر كما لو كان يختار كلماته بعناية شديدة، ويغوص أعمق وأعمق في ذكرياتهم حتى يصل إلى الحقيقة. “كان ذلك كذلك أثناء ضجة الوحش الشيطاني أيضًا، آنذاك ساعدتني كثيرًا عندما أزلتِ تلك اللعنة عني”. “كف عن ذلك!” “نتيجة لذلك ، قمت بامتصاص لعنة أكبر، والتي وضعتني في موقف حرجٍ سيئة للغاية. ولشفائي، تطلب الأمر ملاحقة وولغارم في الغابة و-” قطع حيث سوبارو صوت انفجار قوي، وعندما رفع نظره أدرك أن الصوت قادم من حجر بياتريس، أو بالأحرى من الكتاب الموجود في حجرها والذي أغلقته بقوة شديدة. بعد أن شعر بهيجان بياتريس، أغلق سوبارو شفتيه بحرج. حدقت بياتريس في وجه سوبارو ببريق حادٍ في عينيها. “لمَ لا تنتقل إلى نقطة التفاهم التي عنيتها، أتساءل؟ أيها الصعلوك الجبان” “…بالطبع” لم يستطع الرد على الإهانة بعد أن غلبها التوبيخ، حيث كانت عبارتها دليل على أنها حكمت عليه بشكل صحيح. لقد كان سوبارو يتلاعب بأحاديثه ليطيل المحادثة، ويبقيها فاترة قدر الإمكان قبل أن يؤجل الوصول إلى غايته، ولم يكن سوبارو قادرًا على إلقاء اللوم في ذلك إلا على قلبه الضعيف. داخل قلبه، كانت هنالك أسئلة كثيرة يرغب في طرها، ولكنه كان يفتقر إلى الشجاعة التي تدفع تلك الأسئلة لمغادرة فمه. أغمض سوبارو عينيه ، وأخذ نفسا عميقا ليدرك أنهه تعب من لاستماع نبضات قلبه الخائفة، بعد ذلك فتح فمه. “ما مقدار … ما تعرفينه أنت وروزوال عما حدث هذه المرة؟” “…” بمجرد أن غادر ذلك السؤال شفتي سوبارو، أخفت بياترس عينيها تحت حواف حاجبيها الطويلتين. كان لذلك الصمت الطويل ثقل كبير على صدر سوبارو، فما كان منه إلا أن زفر كما لو كان يعاني ضيقًا في التنفس. “… بياتريس” لم تدل بياتريس بأي ردٍ عليه، وعندما ضايقه صمتها، أدرك سوبارو مقدار نفاقه. ما الذي أراد من بياتريس أن تقوله بالضبط؟ حتى داخل قلبه، لم تكن هنالك إجابة واضحة. هل أرادها أن تعترف بكونها العقل المدبر لكل شيء؟ أم أراد أن تكون فتاة جاهلة لا تعرف شيء عما يحدث؟ أم احتمال آخر عدا هذين الإحتمالين؟ حتى هو لم يكن يعرف؟ أخيرا- “ما هو … ما الرد الذي تريده من بيتي كي تصل إلى الفهم الذي تصبو إليه؟” “ليس- ليس هذا ما عنيته! علاوة على ذلك، لا علاقة لما أريدكِ أن تقوليه بالأمر، كل ما أريده هو إجابة لسؤالي. أريد إجابة مفصلة أعمق من أن تكون موافقة لي أم لا!” جعل هجومه المضاد الغير مخطط له سوبارو يرفع صوته عن غير قصد، لكن سلوك بياتريس اللطيف تجاه سوبارو لم يتغير. “تشعر بيتي بالأسف عليك لأنك مرهق للغاية، ولعلّها لم تفهم ما تقصده؟ لعلمك فقط، بيتي ليست معلمتك، لذا إن كنت تتوقع أن تعلمك عن كل شيء بلطف فقد أسأت الظن!” “تبًا…! لا تتستري على هذا!! قال لي أحدهم أنه إن أردت أن أعرف ما يفكر به روزوال، فعليّ أن أسألكِ مباشرة، رغم أني أتفهم موقفكِ” “من قال لك هذا… أوه، فهمت، تلك الفتاة نصف الوحش التي عادت مؤخرًا؟” بمجرد أن قالت بياتريس (نصف الوحش) -وهو وصف لم يستطع سماعه- ظهرت على وجهها تعابير رائعة ثم أعلقة عين واحدة وأشارت بإصبعها نحو سوبارو. “قد يكون في رأي تلك الفتاة شيء من الصحة، ولكن بالرغم من الارتباط المؤكد بين بيتي وروزال، فإن هذا لا علاقة له بهذه القضية الأخيرة، هل بيتي لا تعرف شيئًا عن ذلك على الإطلاق ، أتساءل؟ ” “لكنه تركك في القصر، هنا ، في هذا القصر ، وحدك دون أي حماية “. “لقد ترك بيتي لأنها على الأقل قادرة على حماية نفسها. هل هذا لا يمت بصلة إلى روزال، أتساءل؟ … لكن لا تظن أن روزوال ذهب دون توفير أي حماية” رد بياتريس جعل سوبارو يتذكر ذكرياته مرة أخرى. لكن عندما فكر مرة أخرى ، لم يستطع أن يتذكر أي إجراءات مضادة من قبل روزوال على الإطلاق خلال المعركة. كل من ريم، وكروش، وفريدريكا وبياتريس قالوا أنه لا بد من وجود بعض التدابير الوقائية، ولكنه لم يستطع رؤية أيٍ منها! “ألسنا جميعًا -أنا وأنتِ والبقية- لدينا توقعات عالية بخصوص روزوال؟ الجميع يقولون أن رجلًا كهذا لا بد أن يكون لديه خطة مضادة لطائفة الساحرة… لكن هذا كل شيء!” في تلك اللحظة، تذكر سوبارو شيئًا كما لو أن إلهامًا نزل عليه من السماء، أدخل سوبارو يده في جيبه بسرعة، ومد لبياتريس الشيء الآخر الذي أراد أن يسألها عنه. كان- “بياتريس، تفضلي، ألقِ نظرة على هذا “. – كتابًا ذو غلاف أسود بصفحات ومحتويات ملطخة بالدماء. خاض سوبارو أسوأ أحداث ممكنة مع مالك الكتاب الأصلي، حيث اكتشف أن فيه تعويذة غريبة تجعل محتوياته غير مقروءة، كما تجعل وزن الصفحات أثقل ما لم يكن هنالك عامل مشترك بين شخصية القارئ والمالك. “لابد أن لهذا الكتاب علاقة وطيدة بخطط طائفة الساحرة، إن لم تكوني ترغبين بإخباري شيئًا عن خطط روزوال، فعلى الأقل يمكنكِ اخباري شيئًا عن هذا-” “أهذا إنجيل؟”

في البداية استنتج سوبارو أن هذه الرسالة -والتي سببت الكثير من سوء الفهم لأنها كانت فارغة- كانت مؤامرة من قبل طائفة الساحرة ، ولكنه كان مخطئًا في ذلك.
فآنذاك، كان من المؤكد أن طائفة الساحرة لم تلتفت حتى لأمر سوبارو ، ولم تقدم أي فرصة لمبادلة حرف واحد من النوايا الحسنة بآخر. وفي الأساس، لم يكن تبادل مراسلات حسن النوايا من شيم طائفة الساحرة؛ فلطالما فضلوا العنف المباشر، وهو أمر يعرفه سوبارو حق المعرفة. وبهذا كان هنالك تفسير واحد لتك الرسالة الفارغة.
“محتوى رسالة حسن النوايا تلك كتبته ريم، وأنا الذي طلبت منها إرساله، لذا إن كانت كروش قد سلمته إلى المرسول… فحقيقة التسليم هي الشيء الوحيد الذي بقي كما هو مخطط، إذ أنه تم مسح محتويات الرسالة”.

“سيدة إميليا، أتظنين الطريقة التي تعيشين بها الآن مخزية؟” “…كـ…لا، لقد عشت حتى هذا الوقت وأنا مؤمنة أنه بغض النظر عمّا يظنه الآخرون بي، فالأمر غير مهم، طالما لا أوجه مشاعر الكره إلى نفسي”. “إذن لا يوجد هنالك ما تخشينه أو تندمي عليه، اصقلي نفسكِ وابذلي قصارى جهدكِ، اسلكي الطريق المستقيم واتبعي ما تمليه عليكِ نفسكِ… فأنتِ تمتلكين روحًا رائعة”

كان هذا التعديل القذر يهدف لمحو ذكرى ريم من العالم.
لو أنه لاحظ ذلك، لو أنه توقف عن التفكير بجدية أكبر في سبب كون خطاب النوايا الحسنة فارغًا، لو أنه ركز على معرفة الحقيقة وراءه… لكان قد أدرك المأساة التي حلت بريم. حتى لو كانت هنالك مأساة تحدث في وقت حرج لا يتيح فرصة للتراجع.

“لكنك تفعل ذلك لبياتريس، صحيح؟!”

“هذه قصة يصعب تصديقها”.
توصل إلى الإجابة المعتادة على سؤاله في نفس الوقت الذي أنتهت فيه فريدريكا من الاستماع إلى قصته، قالت تلك الكلمات بهدوء، لم يكن في الكلمات أي دليل على إنكارها، تفحصت المكان بعينيها ثم قالت:
“إذن هذه هي … غرفة ريم. إنه مرتبة للغاية، لكن … ”
عندما دخل الاثنان الغرفة – غرفة نوم ريم – بدت وكأنها غرفة ضيوف ، إذ تمت إزالة جميع ممتلكاتها الشخصية. كان نفس المشهد الذي شاهده سوبارو من قبل عندما كان قد عاد عاجزًا بعد أن سرق الحوت الابيض ريم منه. في ذلك الوقت تم نسيان ريم من الوجود أيضًا. كانت غرفة نومها نظيفة وفارغة كما هو حالها الآن.

عندما اقتربت بلاتلاش من سوبارو محتضنة إياه، ضرب هذا الآخر رقبتها بامتنان لتقوم بفرك جانب وجهها الفخور بجسده، مما جعل لجامها الصلب يضغط بقوة على يدي سوبارو.

“ربما كانت رام تتعامل بطريقتها الخاصة مع الفجوة غير الطبيعية التي خلفتها إزالة ذكرى ريم”.
كان صوت أنفاسها الخافت ودفء جسدها الدليل الوحيد على أنها ما تزال على قيد الحياة. كانت تظهر كل أعراض الأميرة النائمة، ألا وهي عدم الحاجة إلى الطعام أو الماء – فقط التنفس والنوم.
“سيد سوبارو ، إن كان لابد من العناية بها بأي شكل من الأشكال، سأتولى ذلك…”
“أريد فعل ذلك أنـا، دعيني افعلها. هذا أول تعود فيه ريم إلى القصر، لذا علي أن … كلا، أرغب فقط بفعل ذلك، أعتذر عن أنانيتي”.
ارتدى سوبارو قناع الشجاع على وجهه ووضع ريم في السرير، مصممًا على فعل كل ما في وسعه من أجلها. جعلت كلمات سوبارو فريدريكا تسحب يدها الممدودة له وتضييق عينيها.
“كلا، هذه ليست أنانية على الإطلاق. إن كنتُ سأصف تصرفك، فسأقول أنه يجعل صدري يضيق قليلاً. بالنسبة لشخص عيناه كعيني السفاح، أنت لطيف للغاية، ألا توافقني الرأي؟”
“هيييه، لا تزعجني هكذا، كلامك جرح قلبي!!”
عندما أشارت فريدريكا بكلامها إلى نظرة عيني سوبارو ، تذمر بصوتٍ صاخب لتبتسم هي بخبث، أدرك على الفور أنها كانت تجعله يدفع ثمن الكلمات الوقحة التي قالها لها سابقًا. بمعنى آخر، ردها هذا جعل شروط المصالحة بينهما تتم أخيرًا.
“بالأصل لن تحتاج ريم إلى الاهتمام. إنها لا تحتاج إلى طعام أو الذهاب للحمام … لكن من فضلك ، أعطيها أكبر قدر ممكن من الاهتمام. هذا هو الوحيد الشيء الذي أطلبه “.

“…”

“سوف آخذ ذلك على محمل الجد. إن كانت أخت رام الصغيرة فأنا أعتبرها أختى أيضًا. أتساءل ما هو نوع رد فعل السيد ورام عند عودتهما ورؤيتها؟ ”
“لا يمكنني توقع ردة فعل روزوال … ولا أريد حقًا التفكير في ردة فعل رام.”

قد يكون لجام التنين الذي بيد سوبارو مجرد مسرحية أطفال تمتع ويلهلم، إذ أن هدوء شيطان السيف جعل سوبارو يحك رأسه ويظهر تعابير الندم على وجهه.

لطالما كتنت علاقة الأخوات مثالية. كانت الأخت الكبرى تهتم بالصغرى، والصغرى تحترم الكبرى، كانت علاقة مليئة بالحب. لم يكن يريد أن يرى هذا المشهد يتحطم أمام عينيه ، حتى لو كان أمر تحطمه حقيقة لا مفر منها في النهاية.

تنهد فيريس بنظرة استسلام على لامبالاة سوبارو وراحة باله:

“أنـا أعرف شخصيتهما، السيد ورام. وبالنسبة لسبب غيابهم عن القصر، إذا كانت طائفة الساحرة تتحرك بسبب دخول السيدة إميليا في الانتخابات الملكية … فهذا هو القرار الطبيعي الذي يجب اتخاذه”.
“هل سمعتِ عن عناصر الاختيار الملكية قبل أن يتم إيقافها ؟”
“جاءت السيدة إميليا إلى القصر منذ حوالي نصف عام. كنت لا أزال هنا في القصر في ذلك الوقت. كان إعطائي إجازتي مرتبطًا بذلك أيضًا “.
بينما رتب سوبارو الأشياء على جانب سرير ريم، واصلت فريدريكا إحضار كل شيء إلى جانب السرير. عقد سوبارو حاجبيه مستشعرًا أن هناك شيئًا ما حول المحادثة التي كان يجريها معها.

بعد تردد دام بضع لحظات، صافحا بعضهما، تسببت تلك المصافحة بإندهاش سوبارو من ملمس يد فيريس، بينما ظهرت على وجه فيري إبتسامة ساحرة غريبة، كان منظره فاتنًا، ومع أصابعه النيحلة وبشرته الشاحبة، بدا وكأنه فتاة عذراء جميـ -…!

“ماذا تعنين بكون توقفك عن العمل وأخذ إجازة كان مرتبطًا بالتصويتات الملكي …؟”
“كان واجبي في الأساس هو ترتيب الشؤون الشخصية للسيد من أجل الاختيار الملكي.”
“الشؤون الشخصية؟”
“كان من الواضح أن ترشيح السيدة إميليا -النصف عفريته- من شأنه أن يثير المشاكل. لذا قبل أن تبدأ تلك المشاكل، قام السيد بإبعاد كل من حوله عنه، فحتى في القصر، لم يترك سوى رام القادرة على الدفاع عن نفسها … رام وعلى الأرجح ريم، سمح للإثنتين فقط”.
كانت هذه الإجابة مسؤولة عن الشعور الغريب الذي شعر به سوبارو عند وصوله القصر لأول مرة.
بالنظر إلى الحجم الهائل لقصر روزوال، كان من المستحيل أن تتكفل ريم ورام فقط بخدمة القصر بأكمله، صحيح أن مهارة ريم أبقت القصر واقفا على قدميه، ولكن هذا لم يكن كافيًا.
“بناء على تعليمات السيد ، تم إرسال العديد من الخدم لأداء الأعمال
والواجبات في مكان آخر. وبصفتي أحد كبار الموظفين ، ساعدت في ذلك. لكن في النهاية أنا أيضًا غادرت القصر … على الرغم من أنني انتهى بي المطاف بالعودة كما ترى “.
“…”
كانت عودة فريدريكا إلى القصر نتيجة فقدان ريم. كانت سوبارو قد توصلت بالفعل إلى إجابة هذا السؤال، ولكن في نفس الوقت ، عندما سمعت كلماتها ظهرت شكوك داخل صدره. وبالتحديد ، كانت خطوات روزوال للتحضير للاختيار الملكي بعيدة كل البعد عن أفعاله منذ ذلك الحين.

“آه، سوبارو، هل سرير ريم جاهز؟”

“هيـه! فريدريكا، ما مقدار ما أخبرك به؟ ”
“سيد سوبارو؟”
“بناءً على ما قلتهِ لي، قام روزوال بجميع أنواع الاستعدادات للترشيح الملكي. من المنطقي أن نصف العفريتة وطائفة الساحرة مرتبطان، لذلك علم أنه سيكون أمرًا خطيرًا. و بالرغم من هذا…”
هناك تراجعت كلمات سوبارو بينما استمر في التحديق في فريدريكا.
“أين إجراءاته المضادة لطائفة الساحرة إذن؟ قالت ريم وكروش أنه لا بد أن هنالك اجراءات مضادة، لكني لا أظن أنه كان يثق ويعتمد علي، وإذا لم يكن الأمر كذلك ، فلماذا يأتي … ”
جاءت مشاهد سكان قرية إيرلهام ، الذين ذُبحوا وعذبوا من قبل طائفة الساحرة ، وريم ورام ، ضحايا المعركة ضد الطائفة، في مقدمة ذهنه – كانت هذه هي المأساة التي حلت بمنطقة ميزرس.
أين كانت الإجراءات المضادة في كل تلك الأحداث؟ لم يظهر روزوال في أي منها!
“إذا كنت تعرفين أي شيء، أخبريني …!”
“لسوء الحظ، لا أفهم طريقة تفكير السيد بالكامل. هناك على الأرجح شخصان فقط في هذا العالم يعتبرهما جديرين بالثقة “.
“شخصان…؟ من؟ من هما هذان الشخصان الذي يثق به روزوال؟ ”
“- رام والروح العظيمة الموجودة في أرشيف المكتبة المحرمة.”
وفقًا لفريدريكا، فعلى على حد علمها كان هناك شخصان قد يعرفان نوايا روزوال. لم يكن لديه مجال للشك في الأول. كانت رام التي قدمت لروزوال ولائها الكامل،لذا فهي تستحق هذه الثقة بالتأكيد. ومع ذلك ، كان الاحتمال الثاني هو الصاعقة الصادمة:
“الروح العظيمة في أرشيف المكتبة المحرمة …”
“غرفة داخل هذا القصر مفصولة عن البقية بالسحر، بالضبط كما تفصل المكتبة المحرمة و العالم الخارجي من خلال سحرها …فقد أبقته سرًا ثمينًا ”

“آه، سوبارو، هل سرير ريم جاهز؟”

استقبل سوبارو تفسير فريدريكا المحترم بعيون واسعة وهو في حيرة من أمره، لقد كان بعيدًا جدًا عن ذكرياته. لكنه عجز عن تكوين أي رد آخر –
“واسمها؟”
بثقة حاسمة ، طرحت سوبارو هذا السؤال على فريدريكا. ربما لم يكن رد الفعل هو ما توقعته ، فقد بدت فريدريكا وكأنها تراجعت للحظة. فأجابت أخيرًا:
“السيدة بياتريس. إنها الروح العظيمة التي تعمل كأمينة مكتبة لأرشيف المكتبة الممنوعة في هذا القصر “.

“أنـا أعرف شخصيتهما، السيد ورام. وبالنسبة لسبب غيابهم عن القصر، إذا كانت طائفة الساحرة تتحرك بسبب دخول السيدة إميليا في الانتخابات الملكية … فهذا هو القرار الطبيعي الذي يجب اتخاذه”. “هل سمعتِ عن عناصر الاختيار الملكية قبل أن يتم إيقافها ؟” “جاءت السيدة إميليا إلى القصر منذ حوالي نصف عام. كنت لا أزال هنا في القصر في ذلك الوقت. كان إعطائي إجازتي مرتبطًا بذلك أيضًا “. بينما رتب سوبارو الأشياء على جانب سرير ريم، واصلت فريدريكا إحضار كل شيء إلى جانب السرير. عقد سوبارو حاجبيه مستشعرًا أن هناك شيئًا ما حول المحادثة التي كان يجريها معها.

_________________________________

“لا أريد أن أندم على أي شيء قمت به ، أو أن أنسى ما أنجزتيه وأجعلكِ تشعرين أنه خطأك بطريقة ما.”

5
بطريقة ما، كان متأكدًا مما سيحدث في تلك اللحظة التي أدار فيها مقبض الباب.
فبينما كان يتجول في القصر لفت انتباهه فجأة وجود باب ما، وبمجرد أن مشى إليه ولمس مقبضه، تحولت شكوكه بوجود شيء ما إلى يقين.
فور أن فتح ذلك الباب الموجود “هناك” ، اختلس النظر لما بداخله –
“هييا، منذ فترة لم أرك.”
لوح سوبارو بيده بينما تفحص أرشيف المكتبة المحرمة الذي أمامه بنظره… لم يتغير على الإطلاق.
كانت الغرفة الكبيرة المليئة برفوف الكتب تفوح منها رائحة الكتب القديمة، لم يتغير ظلام تلك الغرفة التي بلا نوافذ ولا هدوء هواءها ذرة واحدة، وهذا الوصف لا ينطبق ذلك على الغرفة نفسها فحسب، بل ينطبق أيضًا على الفتاة التي كانت تحرس الأرشيف.
جلست الفتاة – بياتريس – على مسند قدم بدل الكرسي وعيناها منخفضة إلى الكتاب المستقر في حجرها.
“__ بالحكم على الضجيج في القصر، هل عودتك هي مصدره، أتساءل؟”
رفعت بياتريس عينيها تنظر إلى سوبارو بعينيها الزرقاوتين وهي تتغتم بملل واضح، بدت الفتاة وكأنها فقدت الاهتمام فيه ثم أعادت عيناها إلى الكتاب مرة أخرى.
“إن كنت قد عدت، فأترض أن الإضرابات الأخيرة قد هدأت أخيرًا.”
“أجل، بفضلك… أعني، لقد مررت بوقت عصيبٍ بسببكِ، ألديك أي فكرة عن مدى خوفي لأنك لم تسمعني وتهربي أثناء العملية؟!”
“أكنتُ أعرف، أو أهتم، أتساءل؟ لم أطلب منك أبدًا أن تقلق عليّ أصلًا “.
“واثق أني أخبرتك أن لدي سبب يدعوني للقلق عليك، أنـا واثق من ذلك تمام الثقة”
لم تحمل كلمات بياتريس أي ذرة اعتذار، أما سوبارو بدوره فلم يتراجع عن الرد عليها.
في عشية هجوم طائفة الساحرة، حاول سوبارو إقناع بياتريس بإخلاء المكان والهرب، وقد رفضت ذلك، اتضح فيما بعد أنه لم يلحق أي ضرر يذكر بالقصر، ولكن تجاهل تصرفها أمر غير مقبول، لذا كان الأمر ليتحمل أكثر من جدال بسبب الإدراك المتأخر.
“الكثيرون كانوا قلقين عليكِ، خاصة إميليا ورام، عليكِ الإعتذار بشكل مناسب، يمكنك القيام بذلك”
“أعتذر؟ أتقول أن بيتي يجب أن تتعتذر؟ أجد صعوبة في فهم سبب و ضرورة القيام بمثل هذا الشيء ولمن؟ ”
“لا تتعنت على كل شيء لأجل لا شيء … إذا كنتِ ستتعنتين على هذا الأمر ، فسأعتذر للجميع باسمكِ، سأخبرهم أنكِ كنت تبكين بدموع الامتنان وأنكِ أخبرتني أن أقوم بشكرهم “.
“لا تتفوه بمثل هذه الأكاذيب! هل دموعي تتدفق حقًا أمامك، أتساءل؟!”
كان لسان سوبارو السليط هو سبب ارتفاع صوت بياتريس، تمامًا كالعادة. الغريب أن هذا ملأ صدره بمشاعر عميقة حتى ضاقت عينيه.
ها هو يتحدث مع بياتريس مرة أخرى بعد انفصالهما بتلك تاطريقة، على الرغم من أنه كان لا يزال لديه الكثير من الأشياء التي يرغب في سؤالها عنها إلا أن الأمور كانت صاخبة كما كانت من قبل.
شعر سوبارو بارتياح للحقيقة التي أدركها ثم أطلق تنهيدة فاترة.
“يمكنكِ تأجيل هذه الدراما، ليس من السيء غض البصر عن بعض الأمور كما تعلمين ”
“كلام كبير قادم رجل بكى كالطفل الصغير في حضن المرأة التي يحبها.”
“ألا يمكنك أن تنسي تلك الحادثة؟”!
آنذاك، تراكمت على سوبارو عقبات لا يمكن تجاوزها، ومما زاد الأمر سوءًا تصادمات عواطفه حتى انهار في النهاية، عندما تذكر ذلك الوقت، احمر وجهه خجلًا حتى شعر أنه بدأ يشتعل كالنار، ولكن تلك النار كانت لا شيء مقارنة باشتعال تلك الذكرى الثمينة داخل قلبه.
محاولًا تجاوز تلك المشاعر المعقدة، نظف سوبارو حلقه بتحنحنه بصوت عالٍ وغير مسار تلك المحادثة:
“على كلٍ، أنا سعيد لأننا في أمان وصحة وعافية، لذا حان الوقت لنفهم بعضنا”
“نفهم بعضنا؟ أتساءل إن كنت تعني نفسك بقولك هذا؟ فأنت أناني دائمًا”
“أجل، أتفق معك في كوني أناني، كلما تحدثت معكِ ينقلب الموضوع هكذا، ألا تذكرين عندما لعبنا المطاردة في هذا القصر، وعندما كان لديها مهرجان الثلج…”
ضاقت عينا بياتريس عندما بدأ سوبارو يتحدث بأسلوب غريب، وبينما كانت نظراتها الزرقاء تخترق جسد سوبارو، قام هذا الآخر بإيماءات مختلفة وهو يسرد ذكرياته بصوت عالٍ، كان الأمر كما لو كان يختار كلماته بعناية شديدة، ويغوص أعمق وأعمق في ذكرياتهم حتى يصل إلى الحقيقة.
“كان ذلك كذلك أثناء ضجة الوحش الشيطاني أيضًا، آنذاك ساعدتني كثيرًا عندما أزلتِ تلك اللعنة عني”.
“كف عن ذلك!”
“نتيجة لذلك ، قمت بامتصاص لعنة أكبر، والتي وضعتني في موقف حرجٍ سيئة للغاية. ولشفائي، تطلب الأمر ملاحقة وولغارم في الغابة و-”
قطع حيث سوبارو صوت انفجار قوي، وعندما رفع نظره أدرك أن الصوت قادم من حجر بياتريس، أو بالأحرى من الكتاب الموجود في حجرها والذي أغلقته بقوة شديدة.
بعد أن شعر بهيجان بياتريس، أغلق سوبارو شفتيه بحرج.
حدقت بياتريس في وجه سوبارو ببريق حادٍ في عينيها.
“لمَ لا تنتقل إلى نقطة التفاهم التي عنيتها، أتساءل؟ أيها الصعلوك الجبان”
“…بالطبع”
لم يستطع الرد على الإهانة بعد أن غلبها التوبيخ، حيث كانت عبارتها دليل على أنها حكمت عليه بشكل صحيح.
لقد كان سوبارو يتلاعب بأحاديثه ليطيل المحادثة، ويبقيها فاترة قدر الإمكان قبل أن يؤجل الوصول إلى غايته، ولم يكن سوبارو قادرًا على إلقاء اللوم في ذلك إلا على قلبه الضعيف.
داخل قلبه، كانت هنالك أسئلة كثيرة يرغب في طرها، ولكنه كان يفتقر إلى الشجاعة التي تدفع تلك الأسئلة لمغادرة فمه.
أغمض سوبارو عينيه ، وأخذ نفسا عميقا ليدرك أنهه تعب من لاستماع نبضات قلبه الخائفة، بعد ذلك فتح فمه.
“ما مقدار … ما تعرفينه أنت وروزوال عما حدث هذه المرة؟”
“…”
بمجرد أن غادر ذلك السؤال شفتي سوبارو، أخفت بياترس عينيها تحت حواف حاجبيها الطويلتين.
كان لذلك الصمت الطويل ثقل كبير على صدر سوبارو، فما كان منه إلا أن زفر كما لو كان يعاني ضيقًا في التنفس.
“… بياتريس”
لم تدل بياتريس بأي ردٍ عليه، وعندما ضايقه صمتها، أدرك سوبارو مقدار نفاقه.
ما الذي أراد من بياتريس أن تقوله بالضبط؟ حتى داخل قلبه، لم تكن هنالك إجابة واضحة.
هل أرادها أن تعترف بكونها العقل المدبر لكل شيء؟ أم أراد أن تكون فتاة جاهلة لا تعرف شيء عما يحدث؟ أم احتمال آخر عدا هذين الإحتمالين؟ حتى هو لم يكن يعرف؟
أخيرا-
“ما هو … ما الرد الذي تريده من بيتي كي تصل إلى الفهم الذي تصبو إليه؟”
“ليس- ليس هذا ما عنيته! علاوة على ذلك، لا علاقة لما أريدكِ أن تقوليه بالأمر، كل ما أريده هو إجابة لسؤالي. أريد إجابة مفصلة أعمق من أن تكون موافقة لي أم لا!”
جعل هجومه المضاد الغير مخطط له سوبارو يرفع صوته عن غير قصد، لكن سلوك بياتريس اللطيف تجاه سوبارو لم يتغير.
“تشعر بيتي بالأسف عليك لأنك مرهق للغاية، ولعلّها لم تفهم ما تقصده؟ لعلمك فقط، بيتي ليست معلمتك، لذا إن كنت تتوقع أن تعلمك عن كل شيء بلطف فقد أسأت الظن!”
“تبًا…! لا تتستري على هذا!! قال لي أحدهم أنه إن أردت أن أعرف ما يفكر به روزوال، فعليّ أن أسألكِ مباشرة، رغم أني أتفهم موقفكِ”
“من قال لك هذا… أوه، فهمت، تلك الفتاة نصف الوحش التي عادت مؤخرًا؟”
بمجرد أن قالت بياتريس (نصف الوحش) -وهو وصف لم يستطع سماعه- ظهرت على وجهها تعابير رائعة ثم أعلقة عين واحدة وأشارت بإصبعها نحو سوبارو.
“قد يكون في رأي تلك الفتاة شيء من الصحة، ولكن بالرغم من الارتباط المؤكد بين بيتي وروزال، فإن هذا لا علاقة له بهذه القضية الأخيرة، هل بيتي لا تعرف شيئًا عن ذلك على الإطلاق ، أتساءل؟ ”
“لكنه تركك في القصر، هنا ، في هذا القصر ، وحدك دون أي حماية “.
“لقد ترك بيتي لأنها على الأقل قادرة على حماية نفسها. هل هذا لا يمت بصلة إلى روزال، أتساءل؟ … لكن لا تظن أن روزوال ذهب دون توفير أي حماية”
رد بياتريس جعل سوبارو يتذكر ذكرياته مرة أخرى. لكن عندما فكر مرة أخرى ، لم يستطع أن يتذكر أي إجراءات مضادة من قبل روزوال على الإطلاق خلال المعركة.
كل من ريم، وكروش، وفريدريكا وبياتريس قالوا أنه لا بد من وجود بعض التدابير الوقائية، ولكنه لم يستطع رؤية أيٍ منها!
“ألسنا جميعًا -أنا وأنتِ والبقية- لدينا توقعات عالية بخصوص روزوال؟ الجميع يقولون أن رجلًا كهذا لا بد أن يكون لديه خطة مضادة لطائفة الساحرة… لكن هذا كل شيء!”
في تلك اللحظة، تذكر سوبارو شيئًا كما لو أن إلهامًا نزل عليه من السماء، أدخل سوبارو يده في جيبه بسرعة، ومد لبياتريس الشيء الآخر الذي أراد أن يسألها عنه. كان-
“بياتريس، تفضلي، ألقِ نظرة على هذا “.
– كتابًا ذو غلاف أسود بصفحات ومحتويات ملطخة بالدماء.
خاض سوبارو أسوأ أحداث ممكنة مع مالك الكتاب الأصلي، حيث اكتشف أن فيه تعويذة غريبة تجعل محتوياته غير مقروءة، كما تجعل وزن الصفحات أثقل ما لم يكن هنالك عامل مشترك بين شخصية القارئ والمالك.
“لابد أن لهذا الكتاب علاقة وطيدة بخطط طائفة الساحرة، إن لم تكوني ترغبين بإخباري شيئًا عن خطط روزوال، فعلى الأقل يمكنكِ اخباري شيئًا عن هذا-”
“أهذا إنجيل؟”

3 “هييه! أنتما! لقد وصلنا إلى وجهتنا” عندما شارك أوتو ذلك الخبر من مقعد السائق، كان المساء قد حل بالفعل، أي أنه قد مضى نصف يوم من مغادرتهم العاصمة الملكية، ذلك التقرير -القادم من نافذة السائق- جعل سوبارو يقطع قصته ويدير عينه للنظر من النافذة الجانبية. “أوه، حقًا؟ كانت الرحلة أسرع مما توقعت” “يبدو أنك اندمجت في قصتك، ناهيك عن كوننا قد سلكنا بعض الطرق السريعة، بفضل مغادرتنا في الصباح الباكر ووصولنا قبل حلول الظلام، سيشعر كل أفراد القرية براحة أكثر” “أنا سعيدة بحق يا أوتو، شكرًا جزيلًا لك، من المطمئن أننا تمكنا من جعل سكان القرية أكثر طمأنينة ووأمانًا” عندما انحنى سوبارو إلى الأمام، حدقت إيميليا الجالسة بجواره من نفس النافذة وهي تشكر أوتو “يشرفني سماع ذلك منكِ يا سيدة إيميليا… كم أتمنى أن يمتدح السيد ناتسكي جهودي ويثني عليها علنًا أيضًا” “هيه! لا تقل هذا! تعلم أن شخصيتي تقول دائمًا أشياء كثيرة لا تعكس ما تفكر به حقًا، لذا إن امتدحتك علنًا فأنت تعرف~” “كيف تأذن لهذه الكلمات أن تغادر شفتيك بعد كل ما قلته حتى الآن ؟!” ارتفع صوت أوتو بسبب مضايقة سوبارو له “يكفي، يكفي!” قالت إميليا موبخة سوبارو بسبب تعامله مع أوتو. “أعتذر عن ذلك يا أوتو، فسوبارو لديه عادة سيئة وهي انه يضايق أولئك الذين يحبهم… ” “مهلًا، مهلًا، لقد فهمتِ كل شيء بشكل خاطئ! أنا لا أفعل ذلك لك يا إميليا-تان! ”

ازداد توتر سوبارو بسبب ردة فعلها، لقد تحدثت بسرعة لدرجة أنها جعلت الكلام عالقًا في حلقه، كانت بياتريس تنظر إلى الإنجيل الذي في يد سوبارو بنظرة خوف تملأ عينيها، ارتجفت شفتاها قليلًا كما لو كانت عاجزة عن تصديق ما تراه:
“هذا الكتاب هو غنيمة المعركة، أخذتها من مطران طائفة الساحرة الذين حاصروا القصر”
“… وماذا… حدث لمالكه؟”
“لقد مات، تم سحقه تحت عجلة إحدى العربات، أنـا قتلته.”
عندما طرحت بياتريس هذا السؤال الدقيق ، قال سوبارو الحقيقة بحزم دون إغفال عينيه.
لكن إن أخذنا كلامه بالمعنى الدقيق، لم يكن بيتلغيوس روماني كونتي شخصًا بالمعنى الحرفي، بل كان روحًا شريرة تستخدم أجساد الآخرين كمضيفين تحت سيطرته، وبناءً على ذلك، قد لا يكون سبب الوفاة الذي قدمته سوبارو دقيقًا للغاية.
لكن سوبارو هو الذي وجه الضربة النهائية بيتلغيوس، مما سلب حياته منه، رغم أن سوبارو داخل قلبه يعلم حق اليقين أن لا شيء أقل من ذلك من شأنه أن يهزمه، لذا تعمد سوبارو قتله.
كان بيتلغيوس روماني كونتي أول من قتله سوبارو شخصيًا-
لن يدعي سوبارو أنه لم يتردد أبدًا ، أو أنه لم يندم على تلطيخ يديه بدمائه، ولم يحاول خداع أي شخص آخر بعكس هذه الحقيقة لأنه لم يستطع الكذب على نفسه.

_______________________________________

أظهرت له كروش ابتسامة طفيفة عابرة بينما نظرت إلى القرويين الموجودين على متن عربات التنين، لقد تم إخلاء سكان القرية وإرسال نصفهم إلى العاصمة الملكية، والنصف الآخر إلى منطقة آمنة أخرى بطريق منفصل تمامًا كما فعلت كروش مع شعبها، ذكُر أن كثيرًا من العائلات قد تفرق أفرادها أثناء الاضطرابات، وقد أراد سوبارو لم شملهم في أسرع وقت ممكن. “سأعود إلى العاصمة فور أن تستقر الأوضاع، لذا أظن هذا مجرد وداعٍ مؤقت، بالإذن” “حسنًا، سأكون بانتظارك، وحتى يحين ذلك الوقت، سأكون جاهزة لرد المعروف العظيم الذي قدمته لي متى احتجت” “يا إلهي، أنتِ تكبرين المواضيع، نحن نساعد بعضنا البعض، هذا كل ما في الأمر، ناهيكِ عن كوني قد تلقيت مكافأتي بالفعل”

حقيقة أنه قتل بيتلغيوس وحقيقة أنه هذا الآخر قد قتله ما تزال محفورة في قلبه ، ولن ينساها أبدًا.
“…”
وبالرغم من أن سوبارو قد جعل الأفكار تنهمر في كل مكان بعباراته المختصرة تلك، إلا أن بياتريس لم تعطه أي ردة فعل، كانت لا تزال تحدق في الكتاب الذي في يد سوبارو ، بدت وكأنها تهمس به بدلاً من الرد الواضح على كلماته.
“يا إلهي… حتى أنت… هل تركت بيتي خلفك ورحلت… أتساؤل؟”
“عمن تتحدثين؟!”
“لا أحد، الأهم من هذا كله… إن كنت قد قتلته، فماذا حدث لمطران الخطيئة… ماذا حدث لعنصر الكسل للساحرة الكسل؟”

“يعزُّ علي المغادرة في مثل هذا الوقت، ولكن أيًا من المشاكل لن يتم حلها إن بقيت هنا، كما أنني لا أريد استغلال كرمكِ وضيافتكِ” “لا أمانع حقًا بقاء السيد ناتسكي سوبارو والسيدة إميليا في مسكني إن كانت هذه رغبتهما… لكن لا يبدو أن ذلك خيارًا مقبولًا عندكما” “شكرًا على كلماتكِ اللطيفة، لكني سأتوقف عند هذا الحد، فكلانا لديه الكثير من القضايا للتعامل معها، صحيح؟ خاصة أنتم، فلديكم موضوع طاقم التاجر الجشع لتتدبروا أمره، إن لم تحسنوا التعامل مع موضوعه، سيسرق كلُ من الحوت الابيض ومطران الكسل الفضل كله منكم!” هزّ سوبارو رأسه رافضًا طلب كروش، وحثها على توخي الحذر من أتباع أنستاشيا. سيكون من الأدق وصف الانتصار على الحوت الابيض و مطران الكسل بأنه نتاج تعاون لقوات ثلاثة مرشحين ملكيين، وبالرغم من ذلك، ظهرت أناستاشيا وحدها على أنها هي صاحبة الفضل والمنتصرة بشكل واضح. كان فصيل كروش قد تفوق على الأعداء الذين لم يذوقوا طعم الهزيمة لأكثر من أربعة قرون، لكن الثمن الذي دفعته زعيمتهم لم يكن هينًا. من جهة أخرى، فسوبارو وبقية أنصار إميليا الذين قادوا معركة هزيمة الكسل قد تسببوا في سقوط العديد من الضحايا أيضًا، لا يقول سوبارو أن خسارتهم كانت فادحة مقارنة بما تحملته كروش وشعبها، ولكنه أصيب بجرح مؤلم، والذي كان يؤلمه في هذه اللحظة بالذات. أما في الجانب الآخر، فقد كان فصيل أناستاشيا بما في ذلك المرشح والفارس سليمين تمامًا بالرغم من لعبهم دورًا كبيرًا في طرد كلا العدوين، بعبارة أخرى، تلقوا أدنى حدٍ من الضرر وحصدوا أكبر نصيب من الغنائم! لذلك سيضطر الجميع لمراقبة حركة أناستاشيا، وما هذا إلا سبب إضافي للمحافظة على سرية التحالف بين فصيل إميليا وكروش. “علينا العودة إلى الديار وتنظيم صفوفنا قبل أن نناقش أي شيء، عليّ التحدث أيضًا مع روزوال -الذي يرعى إميليا- ناهيكِ عن رغبتي في إعادة القرويين القلقين إلى أرض الوطن”

“عنصر…الساحرة..؟”

“لنحرص على لقاء بعضنا في أقرب فرصة، سيدة إيميليا، سيد سوبارو، أظننا سنحافظ على علاقتنا الودية لفترة طويلة” ابتسمت كروش بسرور وهي تقول تلك الكلمات، موجهة أنظارها للزوج الواقف أمامها الذي لم يترك في قلبها مجالًا للشك، فحتى بعد أن فقدت ذكرياتها، لم تفقد شيئًا من نبل أخلاقها. كانت كروش صادقة للغاية، ولم يسبق لها أن استندت في تعاملاتها على الأكاذيب أو التخيلات، قد يكون ذلك انتقل بوضوح عبر صوتها المتألم مما جعل عينا وشفتا إميليا ترتعشان: “أنا- أنا مرشحة للمنافسة ضدكِ يا سيدة كروش، فحتى مع وجود تحالفٍ بيننا، سنصبح عدوتان في يوم من الأيام” “صحيح، عليّ أن أبذل قصارى جهدي كي لا أخسر أمامكِ يا سيدة إميليا” “لا تنسي أنني نصف عفريتة ذات شهر فضي….ألستِ خائفة…مني” “إيميليا، هذا…”

أعلنت تلك الكلمات التي ذكرتها بياتريس أن دور سوبارو قد حان لإظهار عدم فهمه.
لقد تذكر أنه سمع مصطلح عنصر الساحرة عدة مرات حتى الآن. ومع ذلك ، لكن بيتلغيوس كان هو الوحيد الذي سمعه يستخدمه، لم يعتقد أبدًا أنه سيكون لتلك الكلمة أي معنى بعد وفاة ذلك الرجل.
حيرة سوبارو جعلت بياتريس تنزل وجهها ، واستقر الارتباك في عينيها مرة أخرى.
“هيه، لا يمكنك إلقاء المصطلحات الغريبة على رجل لا يفهم شيئًا عما يحدث، ما الذي تعنينه بعنصر الكسل للساحرة؟ بصراحة ، لدي شعور بأنه أمر سيء! “.
“ألا تعرف؟ أحقًا لا تعرف؟ إن كنت لا تعرف، فلماذا قتلت الكسل…؟! علاوة على ذلك ، ما الذي يفعله روزوال حتى الآن…؟ ”
“كل ما فعلته هو إطفاء النار التي يشعلها الآخرين في طريقي! أما روزوال الحقير، فهو ما يزال في الملجأ! أما عن الذي يفعله أو يفكر فيه، فهذا هو الشيء الذي أردت سؤالكِ عنه! اللعنة!!”
صرخ سوبارو بخوف بعد نفاد صبره وهو يتحدث مع بياتريس، جعلت صرخته تلك كل عواطفه ومشاعره نصل إلى بياتريس التي اختفت المشاعر من وجهها على الفور، وما كان من صمتها إلا أن جعل سوبارو يتوقف.
كانت تعابير وجهها خليطًا بين الغضب والحزن والإرتباك وكل المشاعر الأخرى، جعل ذلك المنظر أنفاس سوبارو تتوقف كما لو كان يعاني ضيقًا في التنفس، آنذاك، تنهدت بياتريس تنهيدة طويلة وعميقة.
“أتساءل… عما إن كانت كل الأجوبة التي تسعى خلفها موجودة في الملجأ”
“ماذا؟”
“خطة روزووال، ذلك الإنجيل، وحتى كسل الساحرة، إن كنت ترغب في العثور على تفسيرات لكل ذلك، فاذهب إلى هنالك بتفسك، هل ستريك
“مخطط روزوال ، معنى الإنجيل ، حتى عن الساحرة, الفتاة نصف الوحش الطريق ، أتساءل؟”
“مهلًا لحظة؟ لمَ انقلبتِ هكذا فجأة، كنتِ تتصرفين بتكبر وتجبر للتو، ما الذي جعلكِ تتحدثين هكذا فجأة، وعلاوة على ذلك ، يمكنكِ إخباري دون أن أضطر إلى الذهاب إلى الملجـ -”
“يجب ألا تقول بيتي شيئًا… يحق لبيتي… ألا تقول أي شيء!”
أسكت ذلك الجواب العنيد سوبارو الذي تذكر أنها كانت تتبنى موقفًا من الرفض مشابهًا لهذا سابقًا، كان هذا هو الرفض نفسه الذي أعطته له عندما رفضت يده التي قدمها عندما أراد إخراجها من القصر إلى بر الأمان.
بعبارة أخرى ، كانت النتيجة هي نفسها تمامًا.
“أتخططين لدفعي بعيدًا مرة أخرى؟! كتلك المرة؟”
آنذاك، دًفع سوبارو من الخلف في اتجاه الباب المؤدي إلى الأرشيف، شعر بقوة خارقة للطبيعة تلوي الهواء لتوليد ضغط الرياح، حتى أصبح سوبارو في قبضة تلك الرياح التي جرت جسده نحو البوابة … ودفعته إلى الخارج.
كان استخدامها لقوتها السحرية الممعروفة باسم “باساج (المرور)” أمرًا متوقعًا للغاية.
“لقد وضحت لك طريقة الحصول على إجاباتك، أتساؤل إن كانت بيتي ستتعاطف معك أكثر؟ إن غطرستك وتسلطك المستمر أمر مزعج حقًا”
“بياكو … بياتريس !!”
صرخ سوبارو مادًا يده بإتجاهها، لكن بياتريس رفضت يده هازة رأسها وممعنة النظر فيه، أغلقت تلك
الفتاة الجالسة على الكرسي عينيها وهزت رأسها بخفة من اليمين إلى الشمال”
“لا أظن أن بيتي أداة تستعملها للتريحك من العناء…”
“……”
“لست أداة تريح الآخرين … لست موجودة لأقول لك ما تود سماعه متى وكيفما أردت”
بدت بياتريس وكأنها تنفث صوتها، لم تستطع سوبارو الإنكار أو التشكي، لم يكن الأمر أن كلماتها قد أصابت كبد الحقيقة، ولكن ما شعر به كانت الصدمة ، كما لو أنه تعرض لضربة من اتجاه غير متوقع أبدًا.
سلبت الفجوة الكبيرة في أفكار سوبارو قدرته على المقاومة، وسرعان ما ألقي باتجاه الباب ، سيقذف إلى ما وراءه ، وسيغلق عليه خلفه، ليجد نفسه أمام باب أرشيف الكتب الممنوعة مطرودًا من قلب الفتاة المعروفة باسم بياتريس.
“لماذا … تظهرين ذلك الوجه الباكي مرة أخرى؟”
خفضت بياتريس عينيها، ولم يكن هناك رد منها على سؤال سوبارو الأخير.
“- دا !!”
“جياه !!”
تم قذف سوبارو من الباب المفتوح بشكل قوي إلى الوراء، ليجد في إحدى ممرات القصر، حيث تم نقله بشكل عشوائي إليه، لكن هذه المرة لم يكن سوبارو وحده في الممر، بل—
“س-سيد سوبارو، كيف خرجتَ من الحمام الذي خرجتُ منه أنـا للتو…؟”
“!!!”
“وكم من الوقت تنوي الإستمرار بالجلوس علي؟ أيمكنك التحرك من فضلك؟”
ناشد أوتو بتعبير مثير للشفقة على وجهه وهو مستلقي على الأرض وسوبارو عليه، ومع ذلك ، كان الشيء الوحيد في رأس سوبارو آنذاك هي آخر لحظة مع بياتريس.
لماذا أظهرت مثل ذلك الوجه الحزين؟ ربما كانت هذه الإجابة أيضًا –
“- إذا ذهبت إلى الملجأ ، فهل سأكتشف ذلك أيضًا؟”
“أنا لا أعرف ما الذي تتحدث عنه، لكني أود حقًا أن تتحرك في أسرع وقت ممكن”
عندما غمغم سوبارو بعناية ، رفع أوتو صوته من الأسفل بغضب بسبب استمرار سوبارو بتجاهله.

أقسمت المرشحتان الملكيتان على بذل قصارى جهديهما، وتبادلا الوعود باللقاء مرة أخرى، امتلأ قلب سوبارو بشعور الإنجاز بينما كان يشاهدهما يتبادلان القسم، لقد عانى سوبارو كثيرًا وتحمل الكثير من العذاب، وكانت هذه اللحظة التي رأى نتيجة إنجازه بشكل محسوس أخيرًا! لم يكن قادرًا على الوصول إلى النهاية المثالية، ولكن…

_____________________________________________

 

6
“لكن أخبرني، لماذا خرجت من الحمام؟ أرجوك لا تقل شيئًا مخيفًا كوجود باب مخفي أو ممر مخفي متصل بالحمام…”
“الأمر ليس هكذا أبدًا أيها الأحمق، إنها مجرد معجزة تحدث لمرة واحدة، وهي ناتجة عن رغبتي في عمل روتين كوميدي معك”
“هذه ليست إجابة على سؤالي، بالرغم من أن ردك مخيف للغاية! ”
بعد أن تم لم شمله مع أوتو، عادت مشاعر اليأس من التحدث مع بياتريس إلى قلب سوبارو بسبب تلك المحادثة غير المثمرة معها، وبدأ ينخرط في محادثة مع أوتو وهما متجهان إلى غرفة الضيوف، تمامًا كما قالت بياتريس، لقد أوضحت طريقة للوصول إلى الإجابات.
بغض النظر عن كون تلك الطريقة العنيفة التي اتبعتها لم تؤد إلا إلى زيادة مخاوفه وشكوكه.
“ها … طريق قاتم، أليس كذلك؟”
“ما بالك تتنهد…؟ هل هذا التنهد يوحي بأن الحظ الجيد بدأ ينفذ منك؟ ”
“أمامك طريق قاتم للغاية، لذا أنا أتنهد عوضًا عنك “.
“أتقول أنه من حسن حظي أنك تنهدت مكاني؟! ألا يمكنك فعل مثل هذه الأشياء وراء ظهري؟”
بسبب عجزه عن تحرير المشاعر المتضاربة داخل صدره، انقلب سوبارو على أوتو وبدأ يؤذيه بلسانه حتى وصل الإثنان إلى غرفة الضيوف بينما يواصلان هذه المحادثة التافهة.
“أوه ، أرى أن السيد سوبارو معك، سأقوم بإعداد الشاي على الفور “.
بدأت فريدريكا -التي ظنت أن أوتو سيعود للغرفة وحده- بسكب كوب من الشاي الطازج عندما لاحظت أن سوبارو كان برفقته، كان سوبارو يصدر صوتًا بأنفه وهو يشم الرائحة الدافئة لأوراق الشاي، جلس بجانب إميليا على الأريكة في الجزء الخلفي من الغرفة، ثم نظر إليها بطرف عينه لتلتقي نظراتهما في الوقت ذاته.
“سوبارو، أرى أنك كنت برفقة أوتو، أنتما متوافقان مع بعضيكما حقًا”
“سأعيد ذلك مرارًا وتكرارًا، لقد أخطأتِ الفهم، تنتهي علاقتي معه بمجرد أن أفي بوعدي بشراء كل بضاعته، لا شيء أكثر من ذلك!”
“ماذا، يمكنك التحدث بصراحة حتى النهاية، لكن لمَ تضيف في كلامك إهانة لي؟ ياله من حديث لاطائل منه!”
كان أوتو متعبًا ومحبطًا من سوبارو وهو يتجنبه ويستخدمه أداة للسخرية، آنذاك رفعت إميليا كوب الشاي الذي تم سكبه لها إلى فمها ، وأخذت رشفة وابتسمت في سوبارو قليلاً.
“سوبارو، لا شك في كونك عنيدًا للغاية حتى تتصرف هكذا بالرغم من أنك أصبحت صديقًا لـويوليوس بعد كل ما حدث بينكما”
“نحن الأولاد هكذا، يجب أن نكون عنيدين! أنا ما أزال متمسكًا بهذه الصورة النمطية! واسمحي لي أيضًا أن أشير إلى أنني أنا و ويوليوس لسنا أصدقاء، سأبقى أكره ذلك الرجل إلى الأبد”
“صحيح، صحيح”
تناقصت شفتا سوبارو عندما ظهر شاب وسيم في عقله، لكن إميليا كانت ترى الأشياء بشكل مختلف. لقد استوعب بتردد معين أنه كلما تحدث عن الأمر ، زاد عمق سوء الفهم.
“ألا تجده فاتنًا أن يشعر المرء أنه كلما تجادل مع أحدهم، كلما صار أقرب له؟”
“لم يعد هنالك أحد يستعمل كلمة (فاتن) في مثل هذا السياق هذه الأيام …! ناهيكِ عن أني ظننت أن تجادل الأشخاص باستمرار ما هو إلا دلالة على عدم توافقهم، أتقولين أن لهذه القاعدة استثناءات كثيرة؟”
“حسنًا يا سوبارو، أخبرني… عندما دخلت في جدال كبير معك، هل ساءت الأمور أكثر؟”
“يُحسب لكِ هذا يا إميليا تان”
اعتلت وجه سوبارو نظرة محرجة جعلته على وشك الموت، ردت فعل سوبارو جعلت عيني إيميليا تضيق وينخفض صوتها لتهمس له:
“إذن ، هل تمكنت من التحدث مع بياتريس بالشكل الصحيح ؟”
لم تسأل إميليا عما إذا كان قد قابلها، سألت عما إذا كانوا قد تحدثوا.
طرحت هذا السؤال لأنه ليس لديها أدنى شك في وصول سوبارو إلى أرشيف الكتب الممنوعة، لم يكن متأكدًا من أنه يجب أن يدعو هذه الثقة، لكن قد يقول المرء إنه لن يرد إلا على ثقتها في النهاية.
“التقيت بها، التقيت بياتريس، ولكن فيما يتعلق بالتحدث معها بشكل صحيح … لست متأكدًا حقًا “.
“… فهمت، لكنك تمكنت من مقابلتها يا سوبارو، في الوقت الذي كنت فيه في القصر ، لم نتمكن أنا ورام من مقابلة بياتريس ولو لمرة واحدة، انا فقط منزعجة قليلاً من ذلك “.
تحدثت إميليا بهواء العبوس ، وهي تبرز لسانها بشكل رائع. لكن قلة القوة في صوت سوبارو قد نقلت شيئًا ما على ما يبدو ، لأن عيناها البنفسجيتين بدتا مترددتين في استمرار كلامها.
لكن بدل رد إيمليا، أتى همس من تلك الفتاة الأخرى:
“إذن، يمكنك حقًا الدخول إلى أرشيف الكتب الممنوعة للسيدة بياتريس…”
“ماذا ، أكان عندكِ شك بي؟”
أنزل سوبارو كتفيه مظهرًا حزنه على ما قالته فريدريكا لترد هي بدورها وتهز رأسها نافية
“بالنظر إلى عدد لقاءاتي مع السيدة بياتريس خلال أكثر من عشر سنوات في خدمة السيد والتي تعد قليلة للغاية لم يسعني سوى أن أشك في الأمر عندما قلت: (سأذهب للتحدث قليلًا مع بيكو، لن أتأخر!) أو شيئًا كهذا ثم غادرت، لذا لم أستطع إلا الشك في الأمر”
“آهه، ارررر، لا يمكنني القول أن الخطأ لم يكن خطئي بما أنني تركتكِ على هذا النحو، صحيح؟”
“لأكون صريحة معك، توقعت أن الأمر سيأخذ منك ساعات حتى تتمكن من لقاء السيدة بياتريس”
تذكر سوبارو كيف قال تلك الجملة التي يعذر فيها نفسه ثم هرع على عجل وترك الغرفة، وبينما كان سوبارو يفكر في تصرفه، تجاهلته فريدريكا ونظرت إلى إيميليا وهي تواصل حديثها:
“بالرغم من شكوكي، قضت السيدة إيميليا وقتًأ طويلًا تتحدث فيه عن كونك جديرًا بالثقة، لذا كنت أنتظرك بشعور منقسم إلى نصفين، شك وأمل”
“هاه”
“مهلًا لحـ – فريدريكا؟!”
ترك تصريح فريدريكا غير المتوقع سوبارو في حيرة من أمره، أما إيميليا فقد قفزت إميليا على قدميها واحمرت وجنتاها وهي تلوح بيديها لسوبارو نافية ما سمعه.
“لم يكن الأمر كذلك، صحيح أني حدثت فريدريكا عنك يا سوبارو، ولكن ما قالته الآن مبالغة…!”
“كلا، حتى أنا سمعتها تتحدث عنك، للأمانه، عندما أنصت لما قالته شيء واحد خطر في بالي، وهو ان حظك الذي يكسر الصخر يا سيد ناتسكي”
“حتى أنت يا أوتو!!”
لقد تم الغدر بإيميليا… ليس فقط من قبل قبل فريدريكا ، ولكن أيضًا من قبل أوتو، صفقت وجنتيها المحمرتين بيدها وألقت نظرة سريعة على سوبارو.
ردة فعل إميليا الذي غالبًا ما كانت تخفيه عن سوبارو جعل هذا الآخر يشد قبضته.
“لماذا لا تتحدثين عني هكذا عندما أكون متواجدًا …؟”
“لا يمكنني التحدث بهذه الطريقة أمامك، إنه أمر محرج … صه، فريدريكا! غيري الموضوع!”
” يا إلهي، بالرغم من أنكِ قلتِ ما قلتيه فإن سحرك الطفولي دائمًا جذاب”
أخفت فريدريكا فمها وهي تبتسم، وحولت نظرتها من إميليا الخجلة إلى سوبارو سوبارو ثم قالت:
“سيد سوبارو ، لقد سمعت الكثير عنك من السيدة إميليا … لا، بل أكثر من الكثير.”
“فريـ…در…يـ…كا!!!”
“حسنًا، حسنًا، فهمت – إذن يا سيد سوبارو، لنعد إلى موضوعنا، سواءً عثرت على أرشيف الكتب الممنوعة أم لا، لن يكون ذلك عائقًا.”
“لن يكون… ذلك عائقًا؟”
عقد سوبارو حاجبيه إشارة إلى عدم فهمه بعد أن أدرك لم يستوعب مضمون تلك العبارة الغامضة، وفور أن فعل ذلك لمست إميليا كتفه بلطف وأومأت برأسها وأكملت:
“سوبارو ، لم يكن لدينا شك في قدرتك على مقابلة بياتريس، لكن إجابتها على أسئلتك من عدمها قضية أخرى، أليس كذلك؟ أعني، كلاكما أنت وبياتريس عنيدان للغاية”
“طريقتك اللطيفة في صياغة ذلك تزعجني حقًا، لكن معكِ حق، إذن ما العمل؟”
“لقد قطعت وعدًا للقرويين ، كما أن لدي الكثير من الأشياء التي أريد سؤال روزوال عنها بنفسي – لذلك طلبت من فريدريكا أن تدلني على مكان الملجأ.”
“ ______”
حقيقة أن إميليا تصرفت بنفسها من أجل تحقيق هدفها الأصلي جعلت سوبارو عاجزًأ عن الحديث، كان الملجأ الذي سعت إليه إميليا هو نفس الملجأ الذي قالت عنه بياتريس بوجه وصوت حزينين أنه الطريقة التي سيصل فيها سوبارو إلى إجابات على أسئلته وخاوفه.
كما أنها قالت أيضًا: أن “الفتاة نصف الوحش” ستدله على الطريق، لذا سأل سوبارو:
“إذن، هل دلتكِ فريدريكا على الملجأ؟”
“لقد خسرت أمام إصرار السيدة إميليا، لقد طُلب مني أن أفصح عن أقل قدر ممكن من المعلومات عنه… ولكن يبدو من الغريب إخفاء الأمر عنكما “.
“احم، أنا موجود هنا أيضًا…”
“سيكون من الغريب إخفاء الأمر عنكما”
“هلّا توقفتِ عن استخدام صيغة المثنى وصححتِ خطأكِ النحوي من فضلكِ”
إن وضعنا جدال فريدريكا وأوتو الصغير جانباً، فسنجد أن سوبارو قد تفاجـأ من حدوث تقدم في القضية في غيابه، أبقت إميليا يدها يدها على كتف سوبارو وخفضت حاجبيها:
“سوبارو ، لا بأس عندك؟ ألست مستاءً لأني تصرفت دون استشارتك؟”
“كـ -كلا، لست مستاء على الإطلاق، لقد كنتُ محتارًا بحق، لذا فقد أسديتي لي خدمة عظيمة!”
“حقًا؟ أنا سعيدة حقًا، إذن، سوبارو… أريد طلب معروف منك…”
كان سوبارو ما يزال يحاول استيعاب ما حدث، أما إميليا فقد بدت مرتاحة وخفضت عينيها وهي تتابع حديثها، بمجرد أن سمع سوبارو كلمة (معروف) انتابه شعور سيء.
لقد تم استخدام كلمة (معروف) بنفس الطريقة من قبل-
“مهلًا، لا تقولي لي أن المعروف الذي تريدنه مني هو… أن أبقى هنا في القصر؟”
“ماذا؟”
“إذا كان هذا ما ستقولينه، فلنتوقف على الفور! هذا الحديث انتهى! صحيح أن جسدي ليس في أحسن حالاته، وأن فيريس توقف عن كونه طبيبي، ولكن هذا لا يعني أني عاجز عن القتال وحدي! إن كان هناك ما أبرع فيه، فهو القتال باستخدام عقلي! حسنًا، ليس هذا كل شيء، ولكن…!”
اتسعت عينا إميليا عندما حاول سوبارو يائسًا إثبات وجهة نظره، ولكنه كان يرى أن إظهار هذا الحماس كان ضروريًا. كان الوضع مشابهًا بالتأكيد لما حدث عندما توجهوا إلى العاصمة الملكية لأغراض الاختيار الملكي، ولكن الإختتلاف الجوهري كان الاستعداد في قلب سوبارو.
لم يكن يتبع إميليا بلا حذر أو وضع خطة، ولكن هذه المرة كانت مختلفة عما حدث من قبل.
“لا تحاولي إيقافي حتى، سأذهب معكِ، لن أدعكِ تتركينني خلفكِ!
“بالطبع لن أتركك هنا، تعال معي”
“إن قلتي أنكِ تتركيني، فاعلمي أن إجابتي هي لا، مستحيل، وألف لـ – ماذا، ما الذي قلته للتو؟”
نظرًا لأن عواطف سوبارو الشديدة جعلت اختياره للمفردات محدود، بدا وكأن كلمات إميليا صفعت وجهه ، وأعادته إلى رشده، وعندما استوعب ذلك، أخذت إميليا يدها التي أمسكت سوبارو ووضعتها على صدرها وهي تتحدث
“قلت تعال معي، سأشعر بقلق فضيع دون وجودك”
“…..”
“سوبارو ، أنا … أعتمد عليك، سوبارو ، أنا … بحاجة لقوتك. ”
– لم يستطع سوبارو أن يصف بالكلمات تأثير نداء إميليا الهادئ على قلبه.
بقي فمه مفتوحا، عاجزًا عن على قول كلمة واحدة لتخيم مشاعر القلق على وجه إميليا، اهتزت عيناها البنفسجيتان وهي تلعب بشعرها الفضي الطويل وقالت: “أممم… هل قلت شيئًا غريبًا؟”
“…أنتِ المفتاح الذي يحفزني ويشعل الحماس في قلبي يا إميليا تان، سواءً أكان حماسي متأججًا أم خابتًا، فإن كلمة واحدة منكِ هي كل ما أحتاجه، بجدية، لا يمكني العيش بدونك!”
غطى سوبارو وجهه براحة يده، مظهرًا امتنانه لوجود إميليا بتنهيدة عميقة، “إيه؟ إيه؟ ” كان هذا رد إيميليا المرتبكة التي صدمتها كلمات سوبارو الممتلئة بالمشاعر، ليتابع سوبارو حديثه بعدها، “ها قد رددت كلامكِ لك” مخرجًا لسانه لها.
بعد كل شيء، كانت الكلام الذي رمته إميليا على سوبارو ذو تأثير أعمق وأقوى مما قاله هذا الآخر.
“يبدو أنكما أوضحتما سوء الفهم”
“أجل، نعتذر عن هذه اللقطات الشاعرية ~ لم أستطع تمالك نفسي”.
“لقطات شاعرية…؟”
عندما حاولت فريدريكا إعادة النظر في موضوع المحادثة ، التفت سوبارو باتجاهها مرة أخرى. بعيدًا عن كل شيء، بدا أن لدى إميليا علامة استفهام تحلق فوق رأسها، لكنها استعادت على الفور رباطة جأشها وحدقت في فريدريكا.
أومأت فريدريكا برأسها نحو نظراتهما ، وحدقت بالثنائي وهي تتحدث.
“كما قلت لكم ، ليس لدي أي اعتراض على أن أدلكم على طريق الملجأ، لكن أنا فقط… أحتاج قليلًا من الوقت للاستعداد … ربما يومين؟ ”
“استعداد … آه ، إن كنتِ تقصدين بذلك ترك القصر فارغًا، فلا ينبغي أن يستغرق ذلك كثيـ…”
“لا، أنـا سأبقى هنا في القصر، من واجب السيدة إميليا والسيد سوبارو التوجه نحو الملجأ، أما العناية في القصر فهو واجبي”.
“مهلًا، ألن ترافقينا؟! كيف لنا أن نصل إلى الملجأ إذن؟”
تفاجأ سوبارو من كلامها، لم يتوقع منها أن ترفض مرافقتهم، قتصر تعاون فريدريكا على إخبارهم بمكان الملجأ وليس أخذهم له، لوهلة فهم سبب قلق إميليا في المحادثة السابقة، لكن لفت إنتباه سوبارو شيئًا آخر في نفس الوقت.
بعبارة أدق، لفت اننتابهه مشهد أوتو سوين المتكئ على ظهره ، بذراعين متقاطعتان وهيئة واثقة للغاية، وشكل يملأه الغرور والخيلاء.
“هيه، أنت! ما أمر هذه الجلسة الواثقة أيها المنفوخ! نحن في منتصف محادثة مهمة لعلمك!”
“هو هو هو، أنت ضعيف في التخمين يا سيد ناتسكي، كيف لك ألا تتساءل حتى عن سبب حضوري مثل هذه المحادثة المهمة في المقام الأول؟ ”
“معك حق، يجب ألا يسمع الغرباء هذه المحادثة، أخبروني، أتوجد هنالك زنزانة في القصر؟ ”
“لم أقصد أن يكون هذا ما سيؤول إليه الوضع عمندما أبديت بتعليقي كما تعلم!”
“أجل، توجد زنزانة في القصر، وأؤكد لك أنها مريحة”
“آنسة فريدريكا، ألم يكن بإمكانكِ ترك سؤاله بدون إجابة فحسب؟!”
كان سوبارو يمزح عندما سأل عن وجود زنزانة، لكن هذه المزحة أخرجت شيئًا من جانب قصر روزوال المظلم إلى النور.
في كلتا الحالتين، أخفض أوتو كتفاه في حزن لكونه متعاونًا عندما –
“هيه، كلاكما! توقفا! يجب ألا تعاملا أوتو على أنه شخص منبوذ هنا”
بدلاً من أن يرد أوتو عليهما، وقفت إميليا على قدميها في غضب واضح، واضعة يديها على خصرها ومحدقة بأولئك الإثنان اللذان بالغا في مزاحهما – سوبارو وفريدريكا-
“يا له من شيء فظيع تقولانه لشخص بذل قصارى جهده بإظهاره مواقته على التعاون معكما، سيكون من الصعب الذهاب إلى الملجأ بدون مساعدة أوتو، أليس كذلك؟ ”
“أوهه…! هل سمعت يا سيد “ناتسكي”؟ كان عليك أن تظهر ردة فعل مثلها على تعاوني!”
“آآآآه، مضت فترة منذ أن قلت “إيميليا هي ملكتي”، لذا سأقولها الآن ” إيميييليا هي ملكتيييييي” (يرجى الرجوعة للترجمات السابقة لهذه العبارة)
“إيميليا … ماذا؟”
عندما قال سوبارو بحماس عبارته القديمة، وصل أوتو إلى أعلى درجات الحيرة، لكن سوبارو تجاهل حيرته عندما استوعب ما قالته إميليا عن مساعدة أوتو لهم.
“بعبارة أخرى، قال أوتو أنه سيرافقنا حتى نصل الملجأ، لأكون صريحة معك، كان علي أن أترك كل عربة التنين متوجهة إلى باتلاش ، لذلك فهي مساعدة كبيرة ، ولكن…”
“ولكن ماذا؟ هنالك شيء خلف طريقة الكلام هذه، أما زلتِ تشكين في حسن نيتي؟”
“آسفة، التاجر الوحيد الذي أتوقع منه خدمات مجانية هو رجل لديه محل فواكه ووجه مخيف، قد يكون هذا الشخص جميلًا وفقًا للمعايير البشرية، ولكن من الأسهل الإعتقاد أن التاجر يريد شيئًا للضمان عوضًا عن فعل شيء عن حسن نية”
تبادر إلى ذهنه الذهن أسماء ووجوه التجار الذين كان على اتصال بهم في العاصمة -كادمون، اناستاشيا، وروسيل-، من حيث الشخصية كان كادمون هو الأقرب له، ولكن من حيث الميول كان روسيل هو الأقرب.
“يمكنني قراءة دوافعك الخفية، حقيقة الأمر هو أنه عندما يكون المرء متعاونًا مع إميليا ليتقترب منها قدر الإمكان ويترك انطباعًا جيدًا على داعمها روزوال، فإن الفائدة ستفوق حتى المبلغ المحصل عليه في حالة بيعه كل بضاعته، بعبارة أخرى، هدفك هو التقرب من روزوال، أليس كذلك؟ ”
“حسنًا ، كشفت قليلًا عن أعمق أسراري …”
“أوتو … هل هذا صحيح؟”
“تؤلمني عيون السيدة إميليا الصادقة كثيرًا كثيرًا كثيرًا! أعتذر لكم بحق! ولكن ما قاله سوبارو صحيح، وهو أكبر دوافعي! لكن صدقوني، ليس في نيتي التسبب بأي ضرر لكم، لذا أرجوك سامحني !! ”
بالرغم من محاولة أوتو لإنكار الأمر، إلا أنه لم ينجح في ذلك تمامًا، وفي النهاية اعترف بنواياه. هز سوبارو رأسه بضجر ردًا على سلوك أوتو. هذه المرة جاء دوره ليربت على كتف إميليا.
“حسنًا، دعونا لا نقسو على أوتو، أنتِ تجعلين الأمر يبدو سهلاً يا إميليا تان ، ولكن من الصعب حقًا على الأشخاص التصرف نيابة عن شخص آخر بدافع الإخلاص وحسن النية “.
“لا أعتقد أنني شخص صالح بالكامل… ولكن ألا ينطبق الشيء ذاته عليك يا سوبارو؟”
“أنا أبذل كل ما بوسعي لخدمة إيميليا تان، لكن إن كان ذلك يتطلب مني القيام بأعمال نجسة بالكامل، فهل يعني هذا أني شخص صالح…؟!”
عندما يريد المرء أن يجعل الناس يظنون به ظنًا حسنًا، يبدء بتحسين تصرفاته ومساعدة الآخرين، كانت هذه هي القاعدة المتبعة في سياق العلاقات الشخصية، ومع ذلك، ليس كل الأشخاص سيئين ليتم اعتماد هذه القاعدة كقاعدة أساسية بلا أية استثناءات، كانت مجرد قاعدة عامة.
ببساطة كان البشر معقدين أكثر من أن يتم وصفهم بجملة واحدة.
“حتى بالرغم من أن إحدى دوافعك الخفية أصبحت واضحة للعلن، فنحن نراك شخصًا صالحًا، لذا لا تقلق”
“أن يبدر هذا الكلام منك يا سيد ناتسكي ليس أمرًا مطمئنًا، ولكن لا بأس…”
رد سوبارو على أوتو المكتئب بابتسامة مثيرة اعادة انتباهه إلى فريدريكا.
“حسنًا إذن، سيساعدنا أوتو، لذا علينا الاستماع لكِ ثلاثتنا وأنتِ تتحدثين عن الملجأ”
“حسنًا، بالمناسبة، ألم يحدث السيد أيًا منكم عن الملجأ؟”
جلس سوبارو ورفيقاه على الأريكة على استعداد للاستماع إلى حديثها، وبمجرد أن فعلوا طرحت عليهم فريدريكا هذا السؤال لينظر سوبارو وإميليا إلى بعضهما البعض، قالت إيميليا “لأكون صريحة معكِ، لم يقل لي شيئًا واضحًا عنه، لكن من المقتطفات التي سمعتها ، بدت وكأنها نوع من القاعدة السرية على بعد عدة ساعات من هنا … حقيقة أنه كان أول خيار لإجلاء الناس تجعلني أعتقد أنني لم أكن مخطئة.
“ذات مرة … أخبرتني روزوال أنه مكان سيكون يومًا ما … ضروريًا بالنسبة لي …”
“ضروري لك يوما ما …؟”
ترك البيان غير المتوقع سوبارو يتطلع نحو إميليا بدهشة في عينيه. تلك النظرة دفعت إميليا إلى الاعتذار عن نظراتها. ولكن قبل أن يتمكن سوبارو من طرح سؤاله تابعت:
“يبدو وكأنه شيء سيقوله السيد.”
أغمضت فريديريكا عينيها ، بدت نبرة صوتها مضحكة. ثم أمسكت بحافة تنورتها ، وهي تنحني بعمق. وثم-
“سأتحدث الآن عن كيفية الدخول إلى المكان الذي يُدعى ملاذ كليمالدي، يجب ألا تخبروا أي أحد بما سأقوله، وأيضًا ، عند الذهاب إلى الملجأ، هناك اسم واحد يجب ألا تنسوه “.
“…”
“غرافيل، يجب أن توليا الشخص الذي يحمل هذا الاسم كثيرًا من الانتباه، في الملجأ ، هذا الشخص هو الشخص الذي يجب عليك أنت والسيدة إميليا الاقتراب منه بأكبر قدر من الحذر “.
كانت المشاعر المعقدة تتكون في عيون فريدريكا الزمردية وهي تضع هذا الاسم على شفتيها

عندما طرح فيريس السؤال، قام سوبارو بتمديد رقبته وكتفيه، وأجابه أنه غير مصاب بإصابات بالغة، وقد عولجت كل جروحه الخارجية بالفعل، مما يعني أن جسده بخير، أما من ناحية قلق فيريس على بوابته….

 

كان سوبارو على وشك قول: (كروش لا تعلم شيئًا عن هذا)، لكنه أوقف نفسه قبل أن تغادر تلك الكلمات شفتيه، لكن فيريس عرف ذلك دون الحاجة لسماعها من سوبارو، كما أن الكلمات عاجزة عن إيصال ذلك بطريقة غير جارحة، لذا أغلق سوبارو شفتيه كما لو كان يعلم أن ما سيقوله لن يتسبب إلا بإزعاج فيريس.

/////

خيّم الظلام على المكان بأسره، والحقيقة أنه قد مرّ بعض الوقت منذ أن فقد سوبارو المسار الذي وجده مصادفة بعد أن تحسس الجدار بيديه، تابع سوبارو المشي في الطريق الذي بدا بلا نهاية. وبالرغم من أنه كان يمشي، إلا أنه شعر أنه كان عالقًا في الفراغ طوال الوقت بلا حراك! كما لو كانت حركته السابقة مجرد هلوسة أوهمت عقله. صحيح أن سماعه لوقع أقدامه خفف من هذا القلق، لكن السبب الذي أتى بسوبارو إلى هذا المكان في المقام الأول كان العامل الأساسي الذي حثه على المضيّ قدمًا في ذلك الدرب. وهكذا، تابع سوبارو المشي معتمدًا على صوت خطاه، لم يستطع التوقف، لم يكن ليسمح لنفسه بذلك، حتى مع رغبة الاستسلام التي اجتاحت قلبه، والعبء الذي أرهق كاهله، كان عليه أن يستجمع رباطة جأشه ويتابع السير. إن لم يجمع شتات نفسه، كيف سيواجهها-؟ “فهمت، إذن فهذا هو الدافع الذي يجعلك تريد المواصلة، ربمّا عليّ القول (يا له من أمر مثير للفضول)!” تجمد سوبارو في اللحظة التي سمع فيها ذلك الصوت، شعور الضياع في الدرب الذي بدا بلا نهاية تلاشى فجأة، كما تلاشى الظلام الذي كان يظنه سيستمر إلى الأبد في غمضة عين، ليتجلّى له عالم متشبع بالألوان أشبه بلوحة رسّام محترف أمام عينيه بصورة مبهرة، عشب أخضر تحت قدميه، وسماء زرقاء صافية فوق رأسه، أدرك سوبارو لحظتها أنه كان واقفًا على سهل عشبي، والذي لا ينبغي أن يكون واقفًا عليه. شعر بنسيم لطيف يداعب شعره، لينقبض حلقه بعدها من هول الصدمة. “ننغه…” “هلّا توقفت عن العبث عندك وأتيت إلى هنا؟” بينما وقف سوبارو متجمدًا في مكانه، نادى عليه صوتٌ من الخلف، وعندما استدار باتجاهه لاحظ وجود مظلة على تلةٍ صغيرة توفرُ ظلًا للطاولة البيضاء والكرسي الموجودان تحتها، على ذلك الكرسي جلست فتاة.

– لو اردتهم زيادة سرعة نشر الفصول ادعموا الرواية.

_________________________________

سعر الفصل الواحد يعادل 500 دهبة

سحب فيريس يده، وضحك بينما نزل من عربة التنين ثم انحنى، شعر سوبارو بالإرهاق بمجرد النظر له، وعلى الرغم من أنها لم تكن سوى لحظات قصيرة، إلا أن سوبارو رأى جانبًا مخفيًا من فيريس، والذي بدوره أصبح كالعبء الذي نشأ على صدره. لابد أن تلك الكلمات الجادة كانت تمثل مشاعر فيريس الحقيقية، كانت أشبه بالتعبير عن مثابرته وتصميمه. لم يكن سوبارو محض متفرج على الأمر، هذا ما كان كلامهما متيقن منه

ترجمة فريق SinsReZero

نداء شخص ما لاسمه قطع حبل أفكاره على الفور، التفت سوبارو نحو المتحدث ليجده فارس كروش -فيريس- صاحب أذني القطة ذات اللون الكتاني الأيقوني وهو ينحني من عربة التنين. مشى سوبارو إليه متبعًا تلويحة يده وأطل برأسه داخل العربة، ليدرك أنه قد تمت إزالة كل المقاعد من العربة العريضة واستبدالها بسرير بسيط، نامت عليه فتاة وحيدة تتسبب رؤيتها بألم في قلب سوبارو. تم لف جسد تلك الفتاة ببطانية زرقاء رقيقة عوضًا عن ملابس الخادمة التي اعتادت ارتداءها، لقد تركها فاقدة للوعي بسبب نومها الذي لم ستيقظ منه أبدًا، وعدم وعيها بكل الأشخاص المتواجدين حولها.

حسابنا بتويتر @ReZeroAR

“من الأفضل لك أن تفي بذلك الوعد وإلا جعلتك تعاني قبل موتك بجعل المانا داخل جسدك تصاب بالجنووووووون” “هلّا توقفت عن قول هذه الأشياء المرعبة التي تدفع الشخص للجنون بصوتك الرقيق ووجهك الجميل هذا؟!””

“أنا لا أعتمد على السحر في حياتي اليومية بالأصل، لذا لن أفتقدها أو ما شابه” “هذا شيء لا يقوله إلا المستخدمون الذين لا يعتمدون على السحر، لو كنت مكانك… حسنًا، في نظري أرى أن استخدام السحر له منفعته، خاصة في حالات الطوارئ… حسنًا، إن لم تكن مهتمًا بذلك فلا بأس”

---

ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن

أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات
لا تنسى وضع تعليق للمترجم فهذا يساعده على الاستمرار ومواصلة العمل عندما يرى تشجيعًا.

التعليقات

اعدادات القارئ

لايعمل مع الوضع اليلي
لتغير كلمة إله الى شيء أخر
إعادة ضبط