نظرًا لتوقف عرض الإعلانات على الموقع بسبب حظره من شركات الإعلانات ، فإننا نعتمد الآن بشكل كامل على دعم قرائنا الكرام لتغطية تكاليف تشغيل الموقع وتوجيه الفائض نحو دعم المترجمين. للمساهمة ودعم الموقع عن طريق الباي بال , يمكنك النقر على الرابط التالي
paypal.me/IbrahimShazly
هذا المحتوى ترفيهي فقط ولايمت لديننا بأي صلة. لا تجعلوا القراءة تلهيكم عن صلواتكم و واجباتكم.

The villainess lives again 1

ما قبل البداية

ما قبل البداية

كانت تدرك مدى شناعة أفعالها، ولم تتمنى يوما بأن يشار إليها بالبنان ولم تسع أن تُسامح يوما، ولكن في لحظة ما، لحظة واحدة فقط، سألت القديسة ليسيا.
[ألست مستاءة مني؟] 
لقد كان سؤالًا طرحته وهي تتوقع أنها حانقة عليها بطبيعة الحال، لكنها ابتسمت بشكل مشرق مع وجهها الهزيل، وقالت:
[هل تشعرين بتحسن إذا استاءت منك؟ هل يجعلك تشعرين كأنما ذنوبك قد خفت قليلا؟] 
لم تحاول الإجابة، فأضافت بشفاه شاحبة هربت منها الدماء
[ ماذا يمكنني أن أفعل؟ لقد سامحتك بالفعل..]
كانت إجابة غير متوقعة، فكيف تسامحها بعد أن استغلتها أيما استغلال؟ لقد قامت هددتها وأجبرتها على الزواج من لورانس، لأن نفوذ القديس ورمزيته كانا ضروريين للتعويض عن افتقاره للشرعية.
 ابتهج شعب الامبراطورية بأسره عندما انتشر خبر أن القديسة قد أصبحت ولية العهد، وأثناء حفل التنصيب تراكمت الزهور التي قدمها المواطنون للإمبراطورة الجديدة حول جدران القصر كأنها جبال. 
وكذلك غطتها الإمبراطورية بالذهب والفراء ونُشر الحرير تحت قدميها، كانت مجرد فتاة ولدت في بيت فقير على الحدود الشِّمالية أضحت امرأة قادرةً على امتلاك كل رفاهيات العالم.
لكنها بدت في حالة يرثي لها مقارنة بالوقت الذي حضرت فيه الأحداث الاجتماعية لا ترتدي جوهرة واحدة، وأكثر بؤسا مما كانت عليه عندما حجت إلى المناطق الموبوءة بالأمراض المعدية، وهي ترتدي ملابس بالية لا تردع حتي الرياح الصقيعية.
صار شعرها الأشقر الذهبي اللامع جافاً احمرا نحاسيا صدءًا، وباتت بشرتها الفاتحة والحيوية باهته غائمة، وشفتاها الحمراء استحالت بيضاء وسميكة شاحبة ومتشققة.
لقد كانت من جرت تلك الزهرة النيرة إلى قعر هذا الجحيم، شعرت بالأسف عليها وكذلك بالمسؤولية، وعاهدت نفسها على حمايتها في الأقل، لكنها لم تستطع حمايتها لا من البلاط البارد، ولا حتى من شقيقها. 
لطالما كان لورانس شخصًا سادي الميول بطبيعته، زيادةً على كونه شديد الحساسية بسبب عقدة الشرعية، وقد ولد الجمع بين الاثنين شعورا بالدونية والغيرة فأنتهي باحتقاره للإمبراطورة المحبوبة.
لقد حاولت ردع يديه عن المساس بها، ولكن ففي الأحسن الأحوال استطاعت منع ما يحدث في الأماكن العامة أمام عينيها، لكنها لم تستطع إيقاف ما يجري وراء الجدران المغلقة في غرفة النوم، فذبلت ليسيا من البؤس في عزلة داخل سجن مطرز بالحرير ومزدان بالذهب والعاج حتى انهارت، وقد فتكت بها الوهن والمرض في أخر أيامها. 
كانت تحتضر، لكنها سامحتها، ابتسمت أمامها، ونظرت بحنو لها، وهمست تطمئنها:
[تيا، أنا أقوى بكثير مما تعتقدين.] 
[جلالتك …] 
[رغم كلّما فعلته بي أو ما دعاك لذلك، ففي النهاية كنتُ من قررت الزواج بـصاحب الجلالة، إنها مسؤوليتي وليست مسؤوليتكِ] 
وأضافت بهدوء:
[أعلم كم عانيت للبقاء على قيد الحياة حتى هذه اللحظة، إلا أن هذا لا يبرر إيذائك الآخرين ولكن… لكنني قد قررت أن أسامحكِ.]
ومع ابتسامة مريرة أضافت:
[ كي تتمكنِي في الأقل من طرح وزني عن الحمل الثقيل الذي تحمليه فوق كتفيك، تيا.]
كانت تمارضها خلال احتضارها، ولكن بدا وكأنها من كانت تريحها لا العكس، فقد رفعت يدها ولمس خدها الشاحب، ثم أضافت:
[شكرا لقدومك لزيارتي، أنت الوحيدة التي تهتم لأمري في هذا القصر، باستثناء الوصيفات.]
فردت قائلة:
[هذا غير صحيح! هناك عدد لا يحصى من المواطنين خارج القصر يصلون على ركبهم، لأجلك في هذه اللحظة] 
[هؤلاء الناس يعرفون فقط القديسة، الإمبراطورة ، وليس أنا.]
ثم سألت بتردد.
[تيا، هل يمكنك أن تمسكي يدي؟] 
[نعم… 
[اعتقدت أنني سأشعر بالرعب عندما يحين أجلي. لكنني أفضل مما ظننت، ألأنني سأحتضن في السماء قريبا؟] 
[قريبا ستتمكنين من النهوض.]
مع أنّها تعلم أنه قد لا يحدث مطلقا، لم تستطع قول غير ما تفوهت به. 
فقالت ليسيا بابتسامة منهكة
[هل لك أن تسدي لي خدمه؟] 
[حتى لو طلبت مني أن أحضر قلب تنينٍ جليدي لك، فعلى الرحب!] 
[لا، مع أنّ… أنني لا أتمني أن يحدث هذا أيضًا، ولكن إذا ما قابلتِ سيدريك يوما ما …]
[نعم… 
[أخبريه أن ليسيا عاشت حياتها دون أدنى ندم.]
[سأفعل ذلك]
 فأمسكت بيدها بقوة، وقالت:
[أنا آسفة. لأنني لم أستطع إنقاذكِ …]
فنطقت مذهولة
[تقصدينني؟ … أنا؟ …] 
[ إذا كان هناك عالم آخر نعيش فيه مرة أخرى ، أود منك مناداتي ليسيا.] 
تلك كانت كلماتها الأخيرة.
فتحت عينيها على صوت قعقعة الخطوات فوق الدرج الحجري، لم تكد تميز سواء أكان ذلك حلما راودها في حين غرة أو أنها استرجعت الذكريات في أثناء تفكيرها في ليسيا ببساطة. 
كم مضى من الزمن عليها وهي حبيسة الزنزانة؟ 
لم يكن هناك أية نوافذ في هذا البرج، ولم تكد ترى شروق الشمس ولا غروبها، لقد فقدت الحساس بالوقت كله.
يجلب السجان طعامها مرة واحدة في اليوم، ولكن لا يمكن الاعتماد على ذلك في حساب مدة حبسها، ففي البداية، كانت غائبة عن الوعي متأثرة بجروح التعذيب الشديدة، وبحلول هذا الوقت، قد توقف النزيف والتئمت الجروح، لكن ظل الألم الناجم عنها رهيبًا. 
وقد كانت معلقة من ذراعيها إلى الجدار بسلاسل فولاذية طوال الوقت، لقد استنزفت قدرتها على التحمل باستمرار، كانت تشعر بكتفيها على وشك التمزق، علاوة أن القسم السفلي قد بدأ يتقرح ويتعفن، وقد تخللت فيها البرودة حتي العظام، سواء كان بسبب السجن البارد أم لأن دمها لم يعد يتدفق بشكل صحيح في جسدها…. 
“تستحقين، أيتها الوضيعة “… “كل قبيح…”
رفعت رأسها ببطء ولكنها لم تبذل أي جهد للتحدث، بل أطبقت على فمها، حدقت صامتة في المرأة التي اقتحمت وحشة هذه الزنزانة القذرة. 
من بين لذين يريدون رؤيتها تمزق كل ممزق حتى الموت، ستبيع فينيا روحها للشيطان للوقوف في صفهم الأمامي، ولا عجب في ذلك، فقد دمرت موطنها، فقد أغرقت القرية التي عاشت فيها وعائلتها، وتبع ذلك استفحال الوباء في تلك المنطقة، لقد فقدت جميع أحباءها، ومن الطبيعي أن تكرهها كرها عظيما. 
وبالمقابل قد أنقذت ليسيا حياتها عندما أشرفت على الموت، فكرست نفسها لخدمتها منذ ذلك الحين. 
صرت على أسنانها وبصقت عليها.
“نعم، أعلم أنه ليس لديك لسان. وما عاد بإمكانك استعمال كلماتك المسمومة “.
وأضافت ساخرة
” لا أظن أن أحدا قادر على تخيل أن المخططة العبقرية التي رفعت الإمبراطور الحالي تحولت إلى قطعة لحم مفروم غير مؤذية، شتان بين الصورتين! “
ثم شرعت تضربها في كل قوتها، وأضافت:
“إنه لأمر مؤسف أنهم قطعوا جميع أطرافك ولسانك، فليس لدي ما أقطعه.”
واصلت الضرب، قائلة:
“أيتها حثالة، هل نظرتِ نحوي بعيون مشفقة؟ “
أغمضت عينيها بألم، لم تكن تستحق الشفقة. 
 لطالما كانت خادمة مخلصة، ولكنها امتدحت الإمبراطورة الجديدة بعد وفاة ليسيا، وتحملت كل أنواع الذل والمهانة من أجل البقاء داخل القصر الإمبراطوري، بهدف وحيد هو الانتقام من منها ولورانس ذات يوم.
وها قد جاء هذا اليوم، استمرت في تلقى الضربات، حتى لم يتبق سوي عدد قليل من بقايا الأسنان في فمها الذي امتلأ بالدماء. 
سحبت فينيا منديلها ومسحت الدَّم عن يدها. ثم طفقت تفك السلاسل الحديدية
‘لماذا قد تفعل شيئا كهذا…؟` 
استغربت هذا الفعل، فقالت الأخرى تكظم غيظها:
” لن أرضى حتى لو مزقتك إلى أشلاء، ولكن هذه أوامر السيد سيدريك، لعله يريد أن يعدمك بيديه انتقاما لمن قتلت من أعوانه “.
كان هذا غير وارد بالمرة، فقد عرفت الأرشيدوق سيدريك إيفرون أكثر منها بكثير، لقد كان رجلاً صادقا وعادلاً، وبغض النظر عن الدوافع الكثيرة، فهو لن يتمادى إلى حد القضاء على امرأة قد سقطت سلفاً، ولا سيما أنها تعرضت للتعذيب العنيف.
علاوةً لو هربت بها،  فلن تتمكن من العودة إلى القصر الإمبراطورية، الذي لم يكن مرعى أخضرا ليس مكانًا بتلك البساطة، وسرعان ما سيكتشف من هو الشخص الذي نزل حاملا وهرب السجينة بعيدًا.
 كانت تعمل كجاسوسة في البلاط، قطعة شطرنج مهمة بين يديه، يستحيل أن يضيعها هكذا بلا جدوى، لم تضع في الحسبان انه قد يخاطر من أجلها ولم يساورها أدنى شك في ذلك، ولا حتى لأنه أراد إعدام متآمرة بلا لسان علنًا لإراحة الموتى في قبورهم، إنما هناك غرضا خر خلف هذا الأمر، لعله أراد إنقاذ الخادمة التي أحبتها محبوبته ليسيا، لأنها لم تكن مستعدة لمغادرة المكان طواعية دون عذر مناسب، ولا يبدو أنها تعلم عن نواياه الحقيقية أيضا. 
 وأكملت تحرير قيودها، فخلعت العباءة وغطتها، ثم حملتها، لقد صار جسدها خفيفا وهشا بسبب شهور من التعذيب وفقدان أطراف وكذلك الإهمال. 
ثم عبرت القصر الإمبراطوري في عربة غسيل، ونُقلت إلى عربة خشبية، وأُخرجت من العاصمة بأسرها، تسبب الاهتزاز المستمر على الطرق الوعرة في ارتفاع الحمى بجسدها الضعيف، وأصبح وعيها غائمًا مرة أخرى في منتصف الطريق.
 كانت تدرك أنها قد نقلت لكنها لم تكن تعرف شيئا عن الكيفية، وعندما استعادت وعيها مجددا، كانت في خيمة بسيطة، وقد لفت أطرافها المقطوعة بضمادة نظيفة.
وقد بدأ الرجل العجوز الذي كان يعتني بها مألوفًا، إنه كبير خدم الارشدوق إفرون. 
“لقد استيقظتِ.”
مع أنّها كانت عدوة، خاطبها الخادم بأدب.
“من الأفضل أن تأكلي شيئًا ما ، إذا ما استطعت.”
فتراجعت وهزت رأسها.
“لا داع للقلق، قال الطبيب أيضًا أنك ربما لا تستطيعي تناول الطعام بسبب حالتك هذه، ولكن سأعد لك بعض الشاي القوي “.
ثم نهض الخادم وغادر الخيمة.
أدارت رأسها ونظرت حولها، لم يكن هناك شيء مميز حواليها، كان هناك قدر من الماء المغلي، والسرير الذي ترقد فيه، ومصباح زيت.
لم يعد الخادم بمفرده، فقد أزاح قماش مدخل الخيمة سيدريك إفرون من بعده.
فنظرت إليه مندهشة، لم تره منذ سنوات ، لكنه لم يتغير كثيرا، إنما ازدادت عيناه السوداوان ظلاما أكثر من قبل. 
“لقد مر وقت طويل منذ آخر مرة رأينا فيها بعضنا البعض، ماركيزة روزان.”
وقد قال ذلك على الرغْم معرفته بعدم مقدرته على الرد
“إذا قد قُطع لسانك فعلا.”
وأضاف:
“يبدو أن الشخص الذي كان ذات يوم أعظم المتآمرين في الإمبراطورية كُلََّها غير قادرة على انقاد جسدها كاملا، أليس كذلك؟”
فأغمضت عينيها بألم. 
أعربت عن أسفها على حماقتها لارتكابها كل تلك الجرائم من أجل شقيقها مع علمها بأنها ستتعرض للخيانة في النهاية.
لكنها لم تشعر بالذنب، فكل البشر في العالم أشرار بطبيعتهم، وخصوصا هؤلاء الذين يتصارعون من أجل السلطة، كان هذا اعتقادها الراسخ.
ورغم ذلك، لم تجرؤ على اتهام شخصين في هذا العالم، أحدهما الرجل الواقف أمامها وأما الأخرى فقد كانت القديسة ليسيا. 

كانت تدرك مدى شناعة أفعالها، ولم تتمنى يوما بأن يشار إليها بالبنان ولم تسع أن تُسامح يوما، ولكن في لحظة ما، لحظة واحدة فقط، سألت القديسة ليسيا. [ألست مستاءة مني؟]  لقد كان سؤالًا طرحته وهي تتوقع أنها حانقة عليها بطبيعة الحال، لكنها ابتسمت بشكل مشرق مع وجهها الهزيل، وقالت: [هل تشعرين بتحسن إذا استاءت منك؟ هل يجعلك تشعرين كأنما ذنوبك قد خفت قليلا؟]  لم تحاول الإجابة، فأضافت بشفاه شاحبة هربت منها الدماء [ ماذا يمكنني أن أفعل؟ لقد سامحتك بالفعل..] كانت إجابة غير متوقعة، فكيف تسامحها بعد أن استغلتها أيما استغلال؟ لقد قامت هددتها وأجبرتها على الزواج من لورانس، لأن نفوذ القديس ورمزيته كانا ضروريين للتعويض عن افتقاره للشرعية.  ابتهج شعب الامبراطورية بأسره عندما انتشر خبر أن القديسة قد أصبحت ولية العهد، وأثناء حفل التنصيب تراكمت الزهور التي قدمها المواطنون للإمبراطورة الجديدة حول جدران القصر كأنها جبال.  وكذلك غطتها الإمبراطورية بالذهب والفراء ونُشر الحرير تحت قدميها، كانت مجرد فتاة ولدت في بيت فقير على الحدود الشِّمالية أضحت امرأة قادرةً على امتلاك كل رفاهيات العالم. لكنها بدت في حالة يرثي لها مقارنة بالوقت الذي حضرت فيه الأحداث الاجتماعية لا ترتدي جوهرة واحدة، وأكثر بؤسا مما كانت عليه عندما حجت إلى المناطق الموبوءة بالأمراض المعدية، وهي ترتدي ملابس بالية لا تردع حتي الرياح الصقيعية. صار شعرها الأشقر الذهبي اللامع جافاً احمرا نحاسيا صدءًا، وباتت بشرتها الفاتحة والحيوية باهته غائمة، وشفتاها الحمراء استحالت بيضاء وسميكة شاحبة ومتشققة. لقد كانت من جرت تلك الزهرة النيرة إلى قعر هذا الجحيم، شعرت بالأسف عليها وكذلك بالمسؤولية، وعاهدت نفسها على حمايتها في الأقل، لكنها لم تستطع حمايتها لا من البلاط البارد، ولا حتى من شقيقها.  لطالما كان لورانس شخصًا سادي الميول بطبيعته، زيادةً على كونه شديد الحساسية بسبب عقدة الشرعية، وقد ولد الجمع بين الاثنين شعورا بالدونية والغيرة فأنتهي باحتقاره للإمبراطورة المحبوبة. لقد حاولت ردع يديه عن المساس بها، ولكن ففي الأحسن الأحوال استطاعت منع ما يحدث في الأماكن العامة أمام عينيها، لكنها لم تستطع إيقاف ما يجري وراء الجدران المغلقة في غرفة النوم، فذبلت ليسيا من البؤس في عزلة داخل سجن مطرز بالحرير ومزدان بالذهب والعاج حتى انهارت، وقد فتكت بها الوهن والمرض في أخر أيامها.  كانت تحتضر، لكنها سامحتها، ابتسمت أمامها، ونظرت بحنو لها، وهمست تطمئنها: [تيا، أنا أقوى بكثير مما تعتقدين.]  [جلالتك …]  [رغم كلّما فعلته بي أو ما دعاك لذلك، ففي النهاية كنتُ من قررت الزواج بـصاحب الجلالة، إنها مسؤوليتي وليست مسؤوليتكِ]  وأضافت بهدوء: [أعلم كم عانيت للبقاء على قيد الحياة حتى هذه اللحظة، إلا أن هذا لا يبرر إيذائك الآخرين ولكن… لكنني قد قررت أن أسامحكِ.] ومع ابتسامة مريرة أضافت: [ كي تتمكنِي في الأقل من طرح وزني عن الحمل الثقيل الذي تحمليه فوق كتفيك، تيا.] كانت تمارضها خلال احتضارها، ولكن بدا وكأنها من كانت تريحها لا العكس، فقد رفعت يدها ولمس خدها الشاحب، ثم أضافت: [شكرا لقدومك لزيارتي، أنت الوحيدة التي تهتم لأمري في هذا القصر، باستثناء الوصيفات.] فردت قائلة: [هذا غير صحيح! هناك عدد لا يحصى من المواطنين خارج القصر يصلون على ركبهم، لأجلك في هذه اللحظة]  [هؤلاء الناس يعرفون فقط القديسة، الإمبراطورة ، وليس أنا.] ثم سألت بتردد. [تيا، هل يمكنك أن تمسكي يدي؟]  [نعم…  [اعتقدت أنني سأشعر بالرعب عندما يحين أجلي. لكنني أفضل مما ظننت، ألأنني سأحتضن في السماء قريبا؟]  [قريبا ستتمكنين من النهوض.] مع أنّها تعلم أنه قد لا يحدث مطلقا، لم تستطع قول غير ما تفوهت به.  فقالت ليسيا بابتسامة منهكة [هل لك أن تسدي لي خدمه؟]  [حتى لو طلبت مني أن أحضر قلب تنينٍ جليدي لك، فعلى الرحب!]  [لا، مع أنّ… أنني لا أتمني أن يحدث هذا أيضًا، ولكن إذا ما قابلتِ سيدريك يوما ما …] [نعم…  [أخبريه أن ليسيا عاشت حياتها دون أدنى ندم.] [سأفعل ذلك]  فأمسكت بيدها بقوة، وقالت: [أنا آسفة. لأنني لم أستطع إنقاذكِ …] فنطقت مذهولة [تقصدينني؟ … أنا؟ …]  [ إذا كان هناك عالم آخر نعيش فيه مرة أخرى ، أود منك مناداتي ليسيا.]  تلك كانت كلماتها الأخيرة. فتحت عينيها على صوت قعقعة الخطوات فوق الدرج الحجري، لم تكد تميز سواء أكان ذلك حلما راودها في حين غرة أو أنها استرجعت الذكريات في أثناء تفكيرها في ليسيا ببساطة.  كم مضى من الزمن عليها وهي حبيسة الزنزانة؟  لم يكن هناك أية نوافذ في هذا البرج، ولم تكد ترى شروق الشمس ولا غروبها، لقد فقدت الحساس بالوقت كله. يجلب السجان طعامها مرة واحدة في اليوم، ولكن لا يمكن الاعتماد على ذلك في حساب مدة حبسها، ففي البداية، كانت غائبة عن الوعي متأثرة بجروح التعذيب الشديدة، وبحلول هذا الوقت، قد توقف النزيف والتئمت الجروح، لكن ظل الألم الناجم عنها رهيبًا.  وقد كانت معلقة من ذراعيها إلى الجدار بسلاسل فولاذية طوال الوقت، لقد استنزفت قدرتها على التحمل باستمرار، كانت تشعر بكتفيها على وشك التمزق، علاوة أن القسم السفلي قد بدأ يتقرح ويتعفن، وقد تخللت فيها البرودة حتي العظام، سواء كان بسبب السجن البارد أم لأن دمها لم يعد يتدفق بشكل صحيح في جسدها….  “تستحقين، أيتها الوضيعة “… “كل قبيح…” رفعت رأسها ببطء ولكنها لم تبذل أي جهد للتحدث، بل أطبقت على فمها، حدقت صامتة في المرأة التي اقتحمت وحشة هذه الزنزانة القذرة.  من بين لذين يريدون رؤيتها تمزق كل ممزق حتى الموت، ستبيع فينيا روحها للشيطان للوقوف في صفهم الأمامي، ولا عجب في ذلك، فقد دمرت موطنها، فقد أغرقت القرية التي عاشت فيها وعائلتها، وتبع ذلك استفحال الوباء في تلك المنطقة، لقد فقدت جميع أحباءها، ومن الطبيعي أن تكرهها كرها عظيما.  وبالمقابل قد أنقذت ليسيا حياتها عندما أشرفت على الموت، فكرست نفسها لخدمتها منذ ذلك الحين.  صرت على أسنانها وبصقت عليها. “نعم، أعلم أنه ليس لديك لسان. وما عاد بإمكانك استعمال كلماتك المسمومة “. وأضافت ساخرة ” لا أظن أن أحدا قادر على تخيل أن المخططة العبقرية التي رفعت الإمبراطور الحالي تحولت إلى قطعة لحم مفروم غير مؤذية، شتان بين الصورتين! “ ثم شرعت تضربها في كل قوتها، وأضافت: “إنه لأمر مؤسف أنهم قطعوا جميع أطرافك ولسانك، فليس لدي ما أقطعه.” واصلت الضرب، قائلة: “أيتها حثالة، هل نظرتِ نحوي بعيون مشفقة؟ “ أغمضت عينيها بألم، لم تكن تستحق الشفقة.   لطالما كانت خادمة مخلصة، ولكنها امتدحت الإمبراطورة الجديدة بعد وفاة ليسيا، وتحملت كل أنواع الذل والمهانة من أجل البقاء داخل القصر الإمبراطوري، بهدف وحيد هو الانتقام من منها ولورانس ذات يوم. وها قد جاء هذا اليوم، استمرت في تلقى الضربات، حتى لم يتبق سوي عدد قليل من بقايا الأسنان في فمها الذي امتلأ بالدماء.  سحبت فينيا منديلها ومسحت الدَّم عن يدها. ثم طفقت تفك السلاسل الحديدية ‘لماذا قد تفعل شيئا كهذا…؟`  استغربت هذا الفعل، فقالت الأخرى تكظم غيظها: ” لن أرضى حتى لو مزقتك إلى أشلاء، ولكن هذه أوامر السيد سيدريك، لعله يريد أن يعدمك بيديه انتقاما لمن قتلت من أعوانه “. كان هذا غير وارد بالمرة، فقد عرفت الأرشيدوق سيدريك إيفرون أكثر منها بكثير، لقد كان رجلاً صادقا وعادلاً، وبغض النظر عن الدوافع الكثيرة، فهو لن يتمادى إلى حد القضاء على امرأة قد سقطت سلفاً، ولا سيما أنها تعرضت للتعذيب العنيف. علاوةً لو هربت بها،  فلن تتمكن من العودة إلى القصر الإمبراطورية، الذي لم يكن مرعى أخضرا ليس مكانًا بتلك البساطة، وسرعان ما سيكتشف من هو الشخص الذي نزل حاملا وهرب السجينة بعيدًا.  كانت تعمل كجاسوسة في البلاط، قطعة شطرنج مهمة بين يديه، يستحيل أن يضيعها هكذا بلا جدوى، لم تضع في الحسبان انه قد يخاطر من أجلها ولم يساورها أدنى شك في ذلك، ولا حتى لأنه أراد إعدام متآمرة بلا لسان علنًا لإراحة الموتى في قبورهم، إنما هناك غرضا خر خلف هذا الأمر، لعله أراد إنقاذ الخادمة التي أحبتها محبوبته ليسيا، لأنها لم تكن مستعدة لمغادرة المكان طواعية دون عذر مناسب، ولا يبدو أنها تعلم عن نواياه الحقيقية أيضا.   وأكملت تحرير قيودها، فخلعت العباءة وغطتها، ثم حملتها، لقد صار جسدها خفيفا وهشا بسبب شهور من التعذيب وفقدان أطراف وكذلك الإهمال.  ثم عبرت القصر الإمبراطوري في عربة غسيل، ونُقلت إلى عربة خشبية، وأُخرجت من العاصمة بأسرها، تسبب الاهتزاز المستمر على الطرق الوعرة في ارتفاع الحمى بجسدها الضعيف، وأصبح وعيها غائمًا مرة أخرى في منتصف الطريق.  كانت تدرك أنها قد نقلت لكنها لم تكن تعرف شيئا عن الكيفية، وعندما استعادت وعيها مجددا، كانت في خيمة بسيطة، وقد لفت أطرافها المقطوعة بضمادة نظيفة. وقد بدأ الرجل العجوز الذي كان يعتني بها مألوفًا، إنه كبير خدم الارشدوق إفرون.  “لقد استيقظتِ.” مع أنّها كانت عدوة، خاطبها الخادم بأدب. “من الأفضل أن تأكلي شيئًا ما ، إذا ما استطعت.” فتراجعت وهزت رأسها. “لا داع للقلق، قال الطبيب أيضًا أنك ربما لا تستطيعي تناول الطعام بسبب حالتك هذه، ولكن سأعد لك بعض الشاي القوي “. ثم نهض الخادم وغادر الخيمة. أدارت رأسها ونظرت حولها، لم يكن هناك شيء مميز حواليها، كان هناك قدر من الماء المغلي، والسرير الذي ترقد فيه، ومصباح زيت. لم يعد الخادم بمفرده، فقد أزاح قماش مدخل الخيمة سيدريك إفرون من بعده. فنظرت إليه مندهشة، لم تره منذ سنوات ، لكنه لم يتغير كثيرا، إنما ازدادت عيناه السوداوان ظلاما أكثر من قبل.  “لقد مر وقت طويل منذ آخر مرة رأينا فيها بعضنا البعض، ماركيزة روزان.” وقد قال ذلك على الرغْم معرفته بعدم مقدرته على الرد “إذا قد قُطع لسانك فعلا.” وأضاف: “يبدو أن الشخص الذي كان ذات يوم أعظم المتآمرين في الإمبراطورية كُلََّها غير قادرة على انقاد جسدها كاملا، أليس كذلك؟” فأغمضت عينيها بألم.  أعربت عن أسفها على حماقتها لارتكابها كل تلك الجرائم من أجل شقيقها مع علمها بأنها ستتعرض للخيانة في النهاية. لكنها لم تشعر بالذنب، فكل البشر في العالم أشرار بطبيعتهم، وخصوصا هؤلاء الذين يتصارعون من أجل السلطة، كان هذا اعتقادها الراسخ. ورغم ذلك، لم تجرؤ على اتهام شخصين في هذا العالم، أحدهما الرجل الواقف أمامها وأما الأخرى فقد كانت القديسة ليسيا. 

---

ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن

أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات
لا تنسى وضع تعليق للمترجم فهذا يساعده على الاستمرار ومواصلة العمل عندما يرى تشجيعًا.

التعليقات

اعدادات القارئ

لايعمل مع الوضع اليلي
لتغير كلمة إله الى شيء أخر
إعادة ضبط