نظرًا لتوقف عرض الإعلانات على الموقع بسبب حظره من شركات الإعلانات ، فإننا نعتمد الآن بشكل كامل على دعم قرائنا الكرام لتغطية تكاليف تشغيل الموقع وتوجيه الفائض نحو دعم المترجمين. للمساهمة ودعم الموقع عن طريق الباي بال , يمكنك النقر على الرابط التالي
paypal.me/IbrahimShazly
هذا المحتوى ترفيهي فقط ولايمت لديننا بأي صلة. لا تجعلوا القراءة تلهيكم عن صلواتكم و واجباتكم.

The villainess lives again 28

من قبيل الصدفة

من قبيل الصدفة

هزت قضية الاتجار بالبشر ربوع الإمبراطورية وبلبلتها، ففي لمح البصر، أصبحت القصة معروفة في كل بقعة على الأرض، لم يسع الناس غير التحدث عنها، كان موضوعا ساخنا نهشته الصحف عن الشمال وعن اليمين، وتناوله النبلاء في صوالينهم, والمثقفون في مقاهيهم، حتى العامة زاروا بعضهم محملين بالبسكويت لتبادل الأخبار لا غير ذلك.
كانوا يتصيدون بكل حماسة أي جديد يُكشف عن هذه القضية، وعندما كشف أن صفقات المتاجرة في نادي القمار كانت مرتبطة بالأطفال الصغار، اهتاج الناس أيما اهتياج، واحتشد معظم الآباء الذين فقدوا ابناءهم أمام مقر الشرطة العام وأثاروا ضجة.
ومن بين هؤلاء هناك أباء كانوا قد باعوا ابناءهم بأنفسهم، وهناك من سمعوا الأخبار متأخرا فتركو اشغالهم وجاؤوا من بعيد للبحث عن أطفالهم المفقودين.
اجتاحت نيران الغضب العاصمة بأسرها عندما كُشف أن أغلب الأطفال بيعوا عبيد جنس، وقد نظمت مسيرات تطالب بالقبض والإعدام العلني لكل المتورطين، والبعض خطب بالحدائق خطابات مملوءة بالاستياء تأجج العامة، كما وجهت الصحف انتقادات لاذعة حول حياة النبلاء الفاسقة والفاسدة.
ولما كُشف عن استغلال الكونت آيزن للأطفال دون العاشرة وقتلهم ودفنهم، ثار المواطنون الغاضبون واستعدوا للقيام بأعمال شغب، إذ حاصروا مقر الشرطة وجمعوا حوله الحطب الجاف وسكبوا عليه الزيت، إلا أن رئيس الشرطة استجاب سريعا واستدعى الفرسان، فأتوا مدججين بالدروع، محملين بالبنادق، وهكذا هجعت الجماهير تحت تهديد السلاح.
وفي نهاية المطاف، تدخل رئيس الوزراء المعروف وأعتذر للناس، ثم وعدهم بمشاركته شخصيا في التحقيق وجلب المعتدين إلى مقصلة العدل وجعلهم يدفعون ثمن جرائمهم، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لردع الجماهير الغاضبة، ولم تتوقف أعمال الشغب والمسيرات حتى تدخل سيدريك نفسه، وتوسل إليهم، ووعدهم بتقديم المساعدة جادة كذلك.
وصل الخبر إلى مسمع الإمبراطور جريجور في فيلته في أقل من يوم، وفي البداية، رد بغضب معقول يماثل شناعة هذه الحادثة.
ولكن عندما علم بتورط لورانس في قضية الكونت آيزن تمييز غضباً كأنما تلبسه الشيطان، فقلب مكتبه رأسا على عقب.
وصفت المعلومات المتوفرة للعامة الكونت آيزن بأنه شخص شاذ، وأنه يتعامل مع البارون ياتز بانتظام، أما التقارير التي وصلت الامبراطور كانت أكثر تفصيلا، فقد وصفت كيف قتل الكونت إيزن الأطفال بنفسه، وكيف أحضر حوالي ثلاثين طفلاً مرتين كل عام ليشركهم في لعبة الصيد.
اشتهرت لعبة الصيد في أوساط النبلاء الشباب الضالين بأنها لعبة محفزة ومثيرة، ولكن المشكلة الحقيقية والأكبر مشاركة ابنه في هذه اللعبة مرات عديدة!
فصرخ هائجا:
“أمجنون أنت؟”
ورمى قارورة الحبر على ابنه، فارتعد الخدم والمساعدون وسقطوا على ركبهم أرضا، بينما لم يجرؤ لورانس على الابتعاد عن طريقها، فتسمر هناك تاركاً تلك القارورة تضربه على رأسه، فاندلق الحبر على شعره البني اللامع ووجهه الجميل، فصُبغا بالسواد.
“أبتاه”
وَاصل الإمبراطور التوبيخ، قائلا:
“أعلم أنك منغمس في الفجور، لقد تفهمت الأمر على أنها فترة الشباب وطيش، وستمر بعد وقت وجيز، وذلك اخترت أن أستر سلوكك ببساطة، لكن صيد البشر ودفنهم؟ لعب هذه الألعاب مع رجل رمي الأطفال العراة في الغابة؟ ”
“أبتاه، أنا..”
“أخرس! ”
لم يستمع الامبراطور إلى أعذاره، بل رمي على رأسه تقريراً هذه المرة، فأغلق عينيه بإحكام وتحمل الإذلال الذي طاله.
أضاف بحرقة الغضب:
” من لا يعلم أن الكونت آيزن صديق لك في هذه المعمورة؟”
عندئذ سُمح له الحديث أخيرا، فقال:
” لم تكن علاقتنا علاقة شخصية، أبتاه، ألم تكن من عرفتني على والده؟”
وكان العذر أقبح من الذنب ذاته، فصاح الامبراطور وقد سبقت الدهشة الغضب:
“أتقول أنك لا تملك القدرة على الحكم بنفسك على أي نوع من الرجال ابنه؟ هل أنت غبي بهذا القدر؟ هل أنت عديم الكفاءة؟ ألم تفكر في أن تنأى بنفسك عنه خوفًا مما قد يحدث عندما تطفح أفعاله على السطح؟”
لم يستطع حتي الدفاع عن نفسه، فنكس رأسه، فأضاف الامبراطور غاضبا:
“إنها قضية متاجرة بالبشر ولا شيء آخر، بحق السماء! تتعلق القضية بمقتل أطفال صغار! أو لا تعرف أساس إمبراطوريتنا من الأساس؟ ألا تعلم أن مواطني الإمبراطورية يخضعون لحماية الإمبراطور عينه وأن لا يمكن لمسهم إلا بموجب القانون الإمبراطوري؟”
ثم أخرج من بين الأوراق التقارير المتكدسة أمامه رسالة ما وصرخ وهو يلوح بها:
” لقد كتب سيدريك في رسالته، أيا كان ما قد أفعله حيال الرشاوي، فإنه يريدني أن أتصرف بحزم في قضية الاتجار بالبشر، هل تعرف ماذا يعني هذا؟ هذه القضية شديدة الوطء وقد دفعت ذلك الرجل صاحب الرأس اليابس أن يقول أمرا على غير عوائده؛ أي يمكنني التستر على قضية الرشاوي واسعة النطاق هذه لو كنت أريد ذلك”
وتعني من جهة أخرى أن سيدريك لن يقف ساكناً، لن يدع الإمبراطور يردعه أيضاَ.
وتابع مزمجرا:
” وبما أنك متورط في هذا الأمر، كيف سأستطيع النظر في عينيه؟!”
صمت وكأن على رأسه الطير، وما كان الإمبراطور قد يستمع إليه مهما تكلم، فظلت شفتاه ترتجفان من الغضب الذي يكبحه، دون أن ينبس بحرف.
حينئذ، فُتح الباب فجأة، ودخلت ميرايلا، فنظر إليها ابنها، وبادلته بنظرات بقلقة، واقتربت من الإمبراطور بخطوات مختالة، ولم يوبخها الأخير على ذلك، فاقتربت إلى جانبه ولمست قفا عنقه يدها بنعومة وقالت بحنان:
“أرجوك لا تغضب”
“هل جئت لأنك قلقة على ابنك مجددا؟ ما الخطب بذلك الخادم بحق الجحيم؟ ألم أقل له بكل وضوح ألا يدع أحداً يلج إلى هنا؟”
فهمست في أذنه بصوت عذب تتملقه:
“لابد وأنه قلق عليك هو الأخر، وإلا لما سمح لي بالدخول، يا عزيزي، أرجوك لا تغضب، لم يمض وقت مذ قال لك الطبيب أن الهيجان الشديد يضر قلبك!”
فقال الإمبراطور ولا يزال منزعجا:
“ولأنك تحمينه كل مرة، لا يمكنه لململة شتات نفسه وحده كمن هم في عمره، عندما كنت في سنه، وضعت منصب ولي العهد في يدي ”
” أليس هذا لأنك بارع للغاية، عزيزي؟”
وبدأت بتدليك رقبته وحلت ربطة عنقه، ثم طوت الياقة للخلف وبدأت في تدليك عضلاته المتكتلة، ففاحت رائحة الزيت المعطر الزكية من حوله، كانت قد عطرت يديها مسبقاً، تلك حيلة واضحة غير أنها نافعة.
اطلق الإمبراطور تنهيدة عميقة واسترخى على كرسيه، ورُدت إليها الحياة هي الأخرى، وواصلت تدلك كتفيه مطمئنة، وأردفت:
“لا تقلقني عليك، أرجوك لا تغضب، أترى، إن عضلاتك مشدودة للغاية”
فقال :”لا بأس، سوف أطلب المدلك في وقت لاحق، ألم تقولي أن أصابعك تؤلمك كل صباح؟”
وأخذ يدها وقبل أصابعها واحدا تلو الآخر، ثم التفت إلى لورانس:
“اقطع علاقاتك والكونت آيزن بسرعة، عدّ نفسك محظوظاً، قد يكون سيدريك رجلاً متعصباً، ولكنه ضعيف أمام أقرباه… لعله لن جرك إلى القاع إذا كان ذلك من أجل تيا فقط .”
عندئذ تفاجأت ميرايلا، وقالت “ماذا تقصد بـ.. ؟” لكنها أطبقت على فمها على الفور، فالوضع لا يخولها أن تثير غضبه مرة أخرى…
ثم أشار بيده وقال:
” يمكنك المغادرة، ولا تنس التفكير في كيفية المصادقة سيدريك”
” ابتاه-”
” فكر مليا، قد أكون والدك، لكني لا أعدّك خليفتي بعد، ولا أستطيع ذلك إذا أردت.”
هز رأسه وأضاف:
“سيدريك هو الأرشيدوق إفرون، إن لديه شيء لا تملكه: فهو مشهور، تيقن من جعله في صفك، بعدئذ سأتكفل بالباقي.”
فرد أخيرا بصوت ملؤه الخزي:
“حاضر”
فقال الإمبراطور، وأغلق عيناه
” غادر الآن، أنا متعب”
فتراجع ومسح الحبر من على وجهه بكم قميصه.
أمر الإمبراطور الأرشيدوق رويجار بإرسال نسخة من دفاتر الرشاوى، في ذلك الحين، لا تزال ميرايلا تدلك كتفيه بهدوء.
وعندما انتهى من كتابة الأمر الإمبراطوري الذي سوف يرسل إلى رئيس الوزراء، سحب ميرايلا للجلوس على مسند الكرسي ومال على جسدها يحضنها، ثم تنهد، وقال:
“لا بد لي من الاستعداد للعودة إلى العاصمة.”
“نعم، كما تحب، يا صاحب الجلالة …”
وضعت يدها برف على صدره، ثم انحنت وقبلت جبهته.
فقال:
“لا تقلقي بشأن هذه القضية كثيرًا، لكن على لورانس أن يتعلم الدرس.”
فقالت متفائلة:
“أنت رجل استثنائي، وسوف يصير ابنك مثلك، فلا تقلق أنت أيضاً، كل الأولاد يثيرون المتاعب وهم يكبرون، ولأنه من دماء نبيلة، تجد أن العديد من الحشرات تنجذب إليه، وهذا كل شيء، ومع قليل من التساهل منك ، سوف يصحح طريقته ويتغير في أقرب وقت”
فقال وعيناه مغمضتان:
“أتمنى لو كان لورانس يملك نصف ذكائك”.
فتنهد وأضاف :
” فلو حاول كسب استحسان الإمبراطورة، لكان قد أصبح ولي العهد فعلا”.
عندئذ توقفت لمساتها الناعمة للحظة، فتح الإمبراطور جفنًا واحدًا ونظر إليها وابتسم.
“ماذا؟ هل تشعرين بالغيرة مرة أخرى؟”
فناجته بعبوس:
“ليس وكأنك قد تستمع لي حتى لو شعرت بالغيرة. ”
“أنك تعلمين أنني لا أملك الكثير من الخيارات في هذا الصدد، يجب على لورانس بناء علاقات قوية وأنصار، مثل سيدريك، إذا كان يريد التصرف بعناد”.
“… ومع ذلك، هو ابنك. ”
تمتم ودفن وجهه في صدرها وهو مرهق:
“أجل، هو ابني الوحيد “.
***
وصل المبعوث الذي يحمل الأمر الامبراطوري إلى العاصمة في اليوم التالي، استلمه رئيس الوزراء، وقال بعد أن أنهى قراءته:
” لقد أعطانا صاحب الجلالة موافقته”
وهذا يعني وباختصار؛ تغطية عمليات الرشوة والحفر الشامل في قضية الكونت أيزن.
فقال سيدريك على مضض:
“فهمت”
وأحس بالمرارة ترتفع إلى حلقه على الرغم من توقعه هذا الأمر، فسأل رين بعناية:
“هل أنت غير راض عن ما آلت إليه الأمور؟”
” لا، لا أعتقد أن أولئك الذين أخذوا الرشاوي وتستروا عم يحدث وتركوا الامر علي حاله أفضل من الجناة أنفسهم.”
على خلاف المسؤولين ذوي الرتب المنخفضة الذين يقومون بدوريات في المنطقة المحيطة بدار القمار، على سبيل المثال، أولئك الذين يشغلون مناصب رفيعة المستوى الذين كانوا يعرفون معظم التفاصيل، هؤلاء الأشخاص أكثر شرا على المجتمع، حتى أكثر من مرتكبي الجريمة نفسهم .
وقال رين بوقار:
” ومع ذلك ، لا يمكننا الاتيان بأي حركة على الفور، فقد أخذ الكثيرون الرشاوي، وسوف يتحد النبلاء والمسؤولون معا لتغطية انفسهم ويقاومون سير التحقيق، ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى إنهاء هذه القضية بشكل غامض”
“صحيح”
أضاف رين:
” ما لم يقرر جلالة الإمبراطور اتخاذ إجراءات صارمة، فهذه ليست سوى جريمة بسيطة، ليست خيانة ولا شيء من هذا القبيل، وهو لا يرغب في ذلك النوع من العبء السياسي الذي قد تنطوي عليه هذه الإجراءات. ”
وقال بشيء من الذهول في نبرته:
” أعتقد أن بارون ياتز ذكي جدًا، من النبلاء رفيعي المستوى، وكذلك وزارتي المالية والضرائب، إلى أقل المسؤولين في إدارة الشرطة كلهم متورطون في هذه القضية، فكيف يمكن لأي شخص أن يبدأ في كشف عنها ما لم يكن يمانع في استبدال الحكومة بأسرها؟”
فتنهد سيدريك وقال:
” لا يأخذ، صاحب الجلالة، هذه القضية على محمل الجِدّ، بل أراهن أنه يعتزم الاحتفاظ بدفتر الرشوة سراً لا غير، لقد أخبرتني خطيبتي أن نقاط الضعف تكون أكثر فعالية عندما تظل مستورة”
البنادق مخيفة عند التصويب، أما السيوف التي شُحذت حديثًا، فتكون في أكثر حالاتها حدة حتى قبل أن يتبين أي استخدام فعلي لها.
سبق وقالت ارتيزيا له أيضا:
” صاحب جلالة شخص ذو دَّم بارد، سواء مات الآلاف أو الملايين من مواطنيه تحت قدميه، ما دام عرشه لم يتأثر، فذلك أشبه بسرقة حبات قمح من مخزنه، قد يغضب، أجل، لكن ليست قضية كبيرة بما فيها الكفاية حتى تدفعه لأن يقدم بعض التضحية من طرفه “.

 

 

#مرحبا أصدقائي أعلن إستناف نشر الرواية منذ اللحظة، إستمتعوا، ولا تحرموني من تعليقاتكم.

 

هزت قضية الاتجار بالبشر ربوع الإمبراطورية وبلبلتها، ففي لمح البصر، أصبحت القصة معروفة في كل بقعة على الأرض، لم يسع الناس غير التحدث عنها، كان موضوعا ساخنا نهشته الصحف عن الشمال وعن اليمين، وتناوله النبلاء في صوالينهم, والمثقفون في مقاهيهم، حتى العامة زاروا بعضهم محملين بالبسكويت لتبادل الأخبار لا غير ذلك. كانوا يتصيدون بكل حماسة أي جديد يُكشف عن هذه القضية، وعندما كشف أن صفقات المتاجرة في نادي القمار كانت مرتبطة بالأطفال الصغار، اهتاج الناس أيما اهتياج، واحتشد معظم الآباء الذين فقدوا ابناءهم أمام مقر الشرطة العام وأثاروا ضجة. ومن بين هؤلاء هناك أباء كانوا قد باعوا ابناءهم بأنفسهم، وهناك من سمعوا الأخبار متأخرا فتركو اشغالهم وجاؤوا من بعيد للبحث عن أطفالهم المفقودين. اجتاحت نيران الغضب العاصمة بأسرها عندما كُشف أن أغلب الأطفال بيعوا عبيد جنس، وقد نظمت مسيرات تطالب بالقبض والإعدام العلني لكل المتورطين، والبعض خطب بالحدائق خطابات مملوءة بالاستياء تأجج العامة، كما وجهت الصحف انتقادات لاذعة حول حياة النبلاء الفاسقة والفاسدة. ولما كُشف عن استغلال الكونت آيزن للأطفال دون العاشرة وقتلهم ودفنهم، ثار المواطنون الغاضبون واستعدوا للقيام بأعمال شغب، إذ حاصروا مقر الشرطة وجمعوا حوله الحطب الجاف وسكبوا عليه الزيت، إلا أن رئيس الشرطة استجاب سريعا واستدعى الفرسان، فأتوا مدججين بالدروع، محملين بالبنادق، وهكذا هجعت الجماهير تحت تهديد السلاح. وفي نهاية المطاف، تدخل رئيس الوزراء المعروف وأعتذر للناس، ثم وعدهم بمشاركته شخصيا في التحقيق وجلب المعتدين إلى مقصلة العدل وجعلهم يدفعون ثمن جرائمهم، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لردع الجماهير الغاضبة، ولم تتوقف أعمال الشغب والمسيرات حتى تدخل سيدريك نفسه، وتوسل إليهم، ووعدهم بتقديم المساعدة جادة كذلك. وصل الخبر إلى مسمع الإمبراطور جريجور في فيلته في أقل من يوم، وفي البداية، رد بغضب معقول يماثل شناعة هذه الحادثة. ولكن عندما علم بتورط لورانس في قضية الكونت آيزن تمييز غضباً كأنما تلبسه الشيطان، فقلب مكتبه رأسا على عقب. وصفت المعلومات المتوفرة للعامة الكونت آيزن بأنه شخص شاذ، وأنه يتعامل مع البارون ياتز بانتظام، أما التقارير التي وصلت الامبراطور كانت أكثر تفصيلا، فقد وصفت كيف قتل الكونت إيزن الأطفال بنفسه، وكيف أحضر حوالي ثلاثين طفلاً مرتين كل عام ليشركهم في لعبة الصيد. اشتهرت لعبة الصيد في أوساط النبلاء الشباب الضالين بأنها لعبة محفزة ومثيرة، ولكن المشكلة الحقيقية والأكبر مشاركة ابنه في هذه اللعبة مرات عديدة! فصرخ هائجا: “أمجنون أنت؟” ورمى قارورة الحبر على ابنه، فارتعد الخدم والمساعدون وسقطوا على ركبهم أرضا، بينما لم يجرؤ لورانس على الابتعاد عن طريقها، فتسمر هناك تاركاً تلك القارورة تضربه على رأسه، فاندلق الحبر على شعره البني اللامع ووجهه الجميل، فصُبغا بالسواد. “أبتاه” وَاصل الإمبراطور التوبيخ، قائلا: “أعلم أنك منغمس في الفجور، لقد تفهمت الأمر على أنها فترة الشباب وطيش، وستمر بعد وقت وجيز، وذلك اخترت أن أستر سلوكك ببساطة، لكن صيد البشر ودفنهم؟ لعب هذه الألعاب مع رجل رمي الأطفال العراة في الغابة؟ ” “أبتاه، أنا..” “أخرس! ” لم يستمع الامبراطور إلى أعذاره، بل رمي على رأسه تقريراً هذه المرة، فأغلق عينيه بإحكام وتحمل الإذلال الذي طاله. أضاف بحرقة الغضب: ” من لا يعلم أن الكونت آيزن صديق لك في هذه المعمورة؟” عندئذ سُمح له الحديث أخيرا، فقال: ” لم تكن علاقتنا علاقة شخصية، أبتاه، ألم تكن من عرفتني على والده؟” وكان العذر أقبح من الذنب ذاته، فصاح الامبراطور وقد سبقت الدهشة الغضب: “أتقول أنك لا تملك القدرة على الحكم بنفسك على أي نوع من الرجال ابنه؟ هل أنت غبي بهذا القدر؟ هل أنت عديم الكفاءة؟ ألم تفكر في أن تنأى بنفسك عنه خوفًا مما قد يحدث عندما تطفح أفعاله على السطح؟” لم يستطع حتي الدفاع عن نفسه، فنكس رأسه، فأضاف الامبراطور غاضبا: “إنها قضية متاجرة بالبشر ولا شيء آخر، بحق السماء! تتعلق القضية بمقتل أطفال صغار! أو لا تعرف أساس إمبراطوريتنا من الأساس؟ ألا تعلم أن مواطني الإمبراطورية يخضعون لحماية الإمبراطور عينه وأن لا يمكن لمسهم إلا بموجب القانون الإمبراطوري؟” ثم أخرج من بين الأوراق التقارير المتكدسة أمامه رسالة ما وصرخ وهو يلوح بها: ” لقد كتب سيدريك في رسالته، أيا كان ما قد أفعله حيال الرشاوي، فإنه يريدني أن أتصرف بحزم في قضية الاتجار بالبشر، هل تعرف ماذا يعني هذا؟ هذه القضية شديدة الوطء وقد دفعت ذلك الرجل صاحب الرأس اليابس أن يقول أمرا على غير عوائده؛ أي يمكنني التستر على قضية الرشاوي واسعة النطاق هذه لو كنت أريد ذلك” وتعني من جهة أخرى أن سيدريك لن يقف ساكناً، لن يدع الإمبراطور يردعه أيضاَ. وتابع مزمجرا: ” وبما أنك متورط في هذا الأمر، كيف سأستطيع النظر في عينيه؟!” صمت وكأن على رأسه الطير، وما كان الإمبراطور قد يستمع إليه مهما تكلم، فظلت شفتاه ترتجفان من الغضب الذي يكبحه، دون أن ينبس بحرف. حينئذ، فُتح الباب فجأة، ودخلت ميرايلا، فنظر إليها ابنها، وبادلته بنظرات بقلقة، واقتربت من الإمبراطور بخطوات مختالة، ولم يوبخها الأخير على ذلك، فاقتربت إلى جانبه ولمست قفا عنقه يدها بنعومة وقالت بحنان: “أرجوك لا تغضب” “هل جئت لأنك قلقة على ابنك مجددا؟ ما الخطب بذلك الخادم بحق الجحيم؟ ألم أقل له بكل وضوح ألا يدع أحداً يلج إلى هنا؟” فهمست في أذنه بصوت عذب تتملقه: “لابد وأنه قلق عليك هو الأخر، وإلا لما سمح لي بالدخول، يا عزيزي، أرجوك لا تغضب، لم يمض وقت مذ قال لك الطبيب أن الهيجان الشديد يضر قلبك!” فقال الإمبراطور ولا يزال منزعجا: “ولأنك تحمينه كل مرة، لا يمكنه لململة شتات نفسه وحده كمن هم في عمره، عندما كنت في سنه، وضعت منصب ولي العهد في يدي ” ” أليس هذا لأنك بارع للغاية، عزيزي؟” وبدأت بتدليك رقبته وحلت ربطة عنقه، ثم طوت الياقة للخلف وبدأت في تدليك عضلاته المتكتلة، ففاحت رائحة الزيت المعطر الزكية من حوله، كانت قد عطرت يديها مسبقاً، تلك حيلة واضحة غير أنها نافعة. اطلق الإمبراطور تنهيدة عميقة واسترخى على كرسيه، ورُدت إليها الحياة هي الأخرى، وواصلت تدلك كتفيه مطمئنة، وأردفت: “لا تقلقني عليك، أرجوك لا تغضب، أترى، إن عضلاتك مشدودة للغاية” فقال :”لا بأس، سوف أطلب المدلك في وقت لاحق، ألم تقولي أن أصابعك تؤلمك كل صباح؟” وأخذ يدها وقبل أصابعها واحدا تلو الآخر، ثم التفت إلى لورانس: “اقطع علاقاتك والكونت آيزن بسرعة، عدّ نفسك محظوظاً، قد يكون سيدريك رجلاً متعصباً، ولكنه ضعيف أمام أقرباه… لعله لن جرك إلى القاع إذا كان ذلك من أجل تيا فقط .” عندئذ تفاجأت ميرايلا، وقالت “ماذا تقصد بـ.. ؟” لكنها أطبقت على فمها على الفور، فالوضع لا يخولها أن تثير غضبه مرة أخرى… ثم أشار بيده وقال: ” يمكنك المغادرة، ولا تنس التفكير في كيفية المصادقة سيدريك” ” ابتاه-” ” فكر مليا، قد أكون والدك، لكني لا أعدّك خليفتي بعد، ولا أستطيع ذلك إذا أردت.” هز رأسه وأضاف: “سيدريك هو الأرشيدوق إفرون، إن لديه شيء لا تملكه: فهو مشهور، تيقن من جعله في صفك، بعدئذ سأتكفل بالباقي.” فرد أخيرا بصوت ملؤه الخزي: “حاضر” فقال الإمبراطور، وأغلق عيناه ” غادر الآن، أنا متعب” فتراجع ومسح الحبر من على وجهه بكم قميصه. أمر الإمبراطور الأرشيدوق رويجار بإرسال نسخة من دفاتر الرشاوى، في ذلك الحين، لا تزال ميرايلا تدلك كتفيه بهدوء. وعندما انتهى من كتابة الأمر الإمبراطوري الذي سوف يرسل إلى رئيس الوزراء، سحب ميرايلا للجلوس على مسند الكرسي ومال على جسدها يحضنها، ثم تنهد، وقال: “لا بد لي من الاستعداد للعودة إلى العاصمة.” “نعم، كما تحب، يا صاحب الجلالة …” وضعت يدها برف على صدره، ثم انحنت وقبلت جبهته. فقال: “لا تقلقي بشأن هذه القضية كثيرًا، لكن على لورانس أن يتعلم الدرس.” فقالت متفائلة: “أنت رجل استثنائي، وسوف يصير ابنك مثلك، فلا تقلق أنت أيضاً، كل الأولاد يثيرون المتاعب وهم يكبرون، ولأنه من دماء نبيلة، تجد أن العديد من الحشرات تنجذب إليه، وهذا كل شيء، ومع قليل من التساهل منك ، سوف يصحح طريقته ويتغير في أقرب وقت” فقال وعيناه مغمضتان: “أتمنى لو كان لورانس يملك نصف ذكائك”. فتنهد وأضاف : ” فلو حاول كسب استحسان الإمبراطورة، لكان قد أصبح ولي العهد فعلا”. عندئذ توقفت لمساتها الناعمة للحظة، فتح الإمبراطور جفنًا واحدًا ونظر إليها وابتسم. “ماذا؟ هل تشعرين بالغيرة مرة أخرى؟” فناجته بعبوس: “ليس وكأنك قد تستمع لي حتى لو شعرت بالغيرة. ” “أنك تعلمين أنني لا أملك الكثير من الخيارات في هذا الصدد، يجب على لورانس بناء علاقات قوية وأنصار، مثل سيدريك، إذا كان يريد التصرف بعناد”. “… ومع ذلك، هو ابنك. ” تمتم ودفن وجهه في صدرها وهو مرهق: “أجل، هو ابني الوحيد “. *** وصل المبعوث الذي يحمل الأمر الامبراطوري إلى العاصمة في اليوم التالي، استلمه رئيس الوزراء، وقال بعد أن أنهى قراءته: ” لقد أعطانا صاحب الجلالة موافقته” وهذا يعني وباختصار؛ تغطية عمليات الرشوة والحفر الشامل في قضية الكونت أيزن. فقال سيدريك على مضض: “فهمت” وأحس بالمرارة ترتفع إلى حلقه على الرغم من توقعه هذا الأمر، فسأل رين بعناية: “هل أنت غير راض عن ما آلت إليه الأمور؟” ” لا، لا أعتقد أن أولئك الذين أخذوا الرشاوي وتستروا عم يحدث وتركوا الامر علي حاله أفضل من الجناة أنفسهم.” على خلاف المسؤولين ذوي الرتب المنخفضة الذين يقومون بدوريات في المنطقة المحيطة بدار القمار، على سبيل المثال، أولئك الذين يشغلون مناصب رفيعة المستوى الذين كانوا يعرفون معظم التفاصيل، هؤلاء الأشخاص أكثر شرا على المجتمع، حتى أكثر من مرتكبي الجريمة نفسهم . وقال رين بوقار: ” ومع ذلك ، لا يمكننا الاتيان بأي حركة على الفور، فقد أخذ الكثيرون الرشاوي، وسوف يتحد النبلاء والمسؤولون معا لتغطية انفسهم ويقاومون سير التحقيق، ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى إنهاء هذه القضية بشكل غامض” “صحيح” أضاف رين: ” ما لم يقرر جلالة الإمبراطور اتخاذ إجراءات صارمة، فهذه ليست سوى جريمة بسيطة، ليست خيانة ولا شيء من هذا القبيل، وهو لا يرغب في ذلك النوع من العبء السياسي الذي قد تنطوي عليه هذه الإجراءات. ” وقال بشيء من الذهول في نبرته: ” أعتقد أن بارون ياتز ذكي جدًا، من النبلاء رفيعي المستوى، وكذلك وزارتي المالية والضرائب، إلى أقل المسؤولين في إدارة الشرطة كلهم متورطون في هذه القضية، فكيف يمكن لأي شخص أن يبدأ في كشف عنها ما لم يكن يمانع في استبدال الحكومة بأسرها؟” فتنهد سيدريك وقال: ” لا يأخذ، صاحب الجلالة، هذه القضية على محمل الجِدّ، بل أراهن أنه يعتزم الاحتفاظ بدفتر الرشوة سراً لا غير، لقد أخبرتني خطيبتي أن نقاط الضعف تكون أكثر فعالية عندما تظل مستورة” البنادق مخيفة عند التصويب، أما السيوف التي شُحذت حديثًا، فتكون في أكثر حالاتها حدة حتى قبل أن يتبين أي استخدام فعلي لها. سبق وقالت ارتيزيا له أيضا: ” صاحب جلالة شخص ذو دَّم بارد، سواء مات الآلاف أو الملايين من مواطنيه تحت قدميه، ما دام عرشه لم يتأثر، فذلك أشبه بسرقة حبات قمح من مخزنه، قد يغضب، أجل، لكن ليست قضية كبيرة بما فيها الكفاية حتى تدفعه لأن يقدم بعض التضحية من طرفه “.

 

 

#مرحبا أصدقائي أعلن إستناف نشر الرواية منذ اللحظة، إستمتعوا، ولا تحرموني من تعليقاتكم.

#مرحبا أصدقائي أعلن إستناف نشر الرواية منذ اللحظة، إستمتعوا، ولا تحرموني من تعليقاتكم.

من فصلين إلى ثلاثة اسبوعياً

 

 

---

ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن

أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات
لا تنسى وضع تعليق للمترجم فهذا يساعده على الاستمرار ومواصلة العمل عندما يرى تشجيعًا.

التعليقات

اعدادات القارئ

لايعمل مع الوضع اليلي
لتغير كلمة إله الى شيء أخر
إعادة ضبط