نظرًا لتوقف عرض الإعلانات على الموقع بسبب حظره من شركات الإعلانات ، فإننا نعتمد الآن بشكل كامل على دعم قرائنا الكرام لتغطية تكاليف تشغيل الموقع وتوجيه الفائض نحو دعم المترجمين. للمساهمة ودعم الموقع عن طريق الباي بال , يمكنك النقر على الرابط التالي
paypal.me/IbrahimShazly
هذا المحتوى ترفيهي فقط ولايمت لديننا بأي صلة. لا تجعلوا القراءة تلهيكم عن صلواتكم و واجباتكم.

The villainess lives again 41

الحجر الأخير.

الحجر الأخير.

عندئذ قالت ارتيزيا ببرود:
[“إنك حمقاء ومتهورة، حسب تقديري، فإن حياتك لا تسوى غير عملتين ذهبيتين، أخشى أنك لن تقدمي ليّ الكثير”
فنطقت بإصرار:
[“أنا على يقين أن من تعتريه رغبة الانتقام حتى أنه لن ينتفض ولو أحرقت النيران بدنه، لسوف يفيدك! “]
ثم انطلقت إلى الموقد حتى تثبت صحة كلماتها، فأسرعت أليس وأوقفتها عند حدها، بينما ابتسمت ارتيزيا بمرارة، ونطقت:
[” لا تحتاجين إلى التصرف بغباء لأثبات عزيمتك، ألن تصبحي عديمة النفع إذا ما اصبتِ بحروق خطيرة؟ “]
[” إذاً، ألن تقبلي رجائي؟”]
[” فلنقل أنني سأستخدمكِ، داري، لن استطيع إرسالك إلى عائلة رويجار أو كاميليا، أنا أعرف كل شيء عنك فعلاً، وسينطبق الأمر على كاميليا، ستكتشف بسهوله هويتك ونيتك الحقيقية”]
وأضافت
[” ومن يعلم، فلربما استغلك ولا أحقق لك رغبتك”]
فردت داري بعيون تلتمع:
[” ألا تنوين على تدمير الأرشيدوق رويجار و الماركيزة كاميليا في نهاية المطاف؟ “
كانت داري ابنة عائلة بارون تقع أسفل هرم الارستقراطيين، والدها هو الابن الثاني الذي لا يمكنه حتى وراثة اللقب.
قبل سنوات عديدة، حازت أختها الوحيدة على اهتمام الأرشيدوق رويجار، فلم ترض الأرشيدوقة عن ذلك.
لم تكن اختها علي قدر من الحماقة حتى تقع في حب رجل متزوج، بل ظلت تصده كلما راودها، حتى لجأت إلى الغرب عند أحد الأقارب لتجنبه، ومع ذلك قتلتها الماركيزة كاميليا من أجل إراحة قلب أختها الصغرى المضطرب.
وقد كانت جريمة القتل دقيقة وماكرة للغاية، إذ طمس مقتلها على هيئة انتحار.
لم تصدق عائلة داري أن ابنتهم انتحرت، ومع ذلك، كان من المستحيل عليهم الكشف عن الحقيقة، فتلك القوى أكبر من أن يقدروا على مجابتها، ولو كشفت العيان فلن تضر لا الأرشيدوق رويجار ولا الماركيزة كاميليا في المقام الأول! بما أن ذلك النوع من الجرائم شائعٌ للغاية، ولن يثير الاهتمام مدة طويلةً، ولن ينزل القصاص إطلاقا!
ولكن بعد أن باتت وحيدة، وذاقت المرارة، لم تستطع ترك موت شقيقتها يمر هباءً، فتخلت عن مكانتها النبيلة، وتسللت في زي خادمة إلى عائلة الفيكونت وييف، ومضى على ذلك أربع سنوات، وقد أدركت في هذه السنوات صغر حجمها، ومدي ضعفها وقلة حيلتها بيد أنها لم تستسلم أبدًا.
وأضافت قائلة:
[“من المستحيل أن يجتمع شخصان يملكان سلطة مطلقة معاً في هذا العالم، يا آنسة، أنت خطيبة الأرشيدوق إفرون، والاخت الصغرى للسيد لورانس، مع أني لا أعلم لأجل من منهما، ولكن أدرك أنك سوف تضطريّن إلى مواجهة الأرشيدوق رويجار في النهاية. “]
ونظرت بعينين واثقين وتابعت:
[“إذا ما استخدمتني في زيادة فرص فوزك، وساعدك في تدميرهما، فذلك ثأري أيضا!”]
قد لا يشفي ذلك غليلها، ولكن لم تملك طريقة للحصول على انتقامها سوى أن ترمي بنفسها سلاحاً.
كانت ارتيزيا تعرف أشخاصا يملكون هذا العزم، عرفت أنها محقة؛ فقد تكون مفيدة بلا ريب، فرضخت أخيراً وقالت:
[” حسنا، سوف استعملك، ولو كنتِ محظوظة فستكونين السكين الذي سينحر عنق الارشدوق رويجار”]
فردت ممتنة:
[“شكرا جزيلا لك”]
ولم يكن من الصعب اضافتها إلى الخطط جارية، لقد كان تعتزم إرسال جاسوس إلى دوقية ريجان في الجنوب، فوضعتها هناك.
لم تكن على يقين سواء أكان ذلك مفيدًا في وقت لاحق أم لا، ومع ذلك، يكون الجواسيس مفيدين غاية الإفادة، أيّان زرعوا قبل وقت طويل من الحاجة الفعلية لهم.
وقد تمكنت بفضلها من وضع حجر منفصل تمامًا عن منظمة الاستخبارات التي تخطط لأنشائها في المستقبل، لم تكن خطة ضمن المخطط الأصلي، ولكنها إضافة عظيمة.
***
“فلتنهضي، يا داري”
نزعت ارتيزيا عنها القبعة والحجاب، معترفة بذلك بأنها واحدة من جماعتها، فنهضت وفي طريقها لتأخذ مقعدها، خطفة نظرة سريعة نحو فريل مرة، إلا أنها أخفضت عينيها سريعاً وبكل أدب، وبما أن الانسة تعتقد أن لا بأس من اطلاعه كل شيء، فالأمر سيان معها، هكذا يكون الولاء!
فقدمت ارتيزيا وثيقة الزواج، وهكذا أصبحت رجل غريب كلياً لا تعرف حتى وجهه. ومن ثمة أمرت:
“عليك الذهاب إلى ساحل البحر الجنوبي بهوية السيدة ريكسين، يمكنك إبلاغ رئيسية خادمات عائلة وييف بأن باباً من الحظ قد فتح أمامك، فأصبحت الزوجة الثانية لنبيل من الرتب الأدنى”
“حسنا”
“بما أنك قلت أن لديك أقارب في الجنوب فلا احسبك ستواجهين أية مشكلة في الاختلاط مع المجتمع هناك، وفي اثناء طريقة سوف يصلك خطاب تعريف موجهة إلى وصيفة دوقة ريجان”.
” نعم”
” ومن هذه النقطة فصاعدا، عليك الاعتماد على نفسك، فلتحصلي على ثقة الدوقة إذا ما استطعت، لمن الأفضل أن تصبحي أحدى وصيفاتها، إذا تتمكني من ذلك، فيجب عليك أن تصبحي صديقة إحدى وصيفاتها المقربات”
” حاضر”
” وسوف اتواصل معك ما إن تصبحي مفيدة”
ثم سلمتها صندوقًا من خشب الأبنوس زينت اطرافه بالذهب.
اخرجت داري الخاتم من الصندوق وارتدته، ثم نهضت من مقعدها، وجثت على الأرض من جديد، وقالت:
” سوف ادعو الاله أن أسمع منك”
عندئذ ردت الشقراء ببرود:
” عليك دعاء الشيطان لا الإله. “
فغمغمت على مضض:” لا فرق عندي .”
” حظاً موفقاً”
فانحنت من جديد، وتراجعت خطواتها إلى الخلف، ثم استدارت وغادرت وانغلق الباب خلفها، وما عاد غير أثنين في الحجرة، فنزل جو من الهدوء الخانق.
في النهاية، استعملت ارتيزيا، والكاهن كوبين من أصل ثلاثة, عرضت على فريل الجلوس هذه المرة، كان عقله في سباق، فتحرك من مكانه الذي تسمر فيه لحمايتها, لكنه لم يجلس, بل وقف مواجه لها وقال:
” هل اشتريت لقب نبيل غربي من أجل ارسال جاسوس إلى دوقية ريجان؟ “
فأجابت: “نعم”
وسأل: “ولماذا”
أمالت ابريق الشاي البرد حتى تصب لها كوبا آخر، ثم نطقت:
“ما دمت أريد توحيد الإمبراطورية، فيجب عليّ وضع العائلات الجنوب القوية في الحسبان”
وفجأة اتسع نطاق الصورة على نحو مهول، فصار مشدود الأعصاب، وحافظ على يقظته، وقال:
” توحيد الإمبراطورية؟ هل أنت، على الأرجح، تعتزمين التورط في حرب خلافة العرش؟”
“أجل”
“هل أنت جادة؟”
فجاء ردها هادئًا:
” وما الذي يجعلك تشكك في ذلك، فوالدة صاحب السمو هي ابنة الامبراطور السابق، ولو أطلعت شجرة الدم الامبراطور، فستجد انه الوريث الاحق على خلافة العرش”
عندئذ نطق بحدة:
“لا تدفعي الأرشيدوق إفرون إلى حرب لا طائل منها. “
” أن على يقين تلك الفكرة قدر راودتك ولو مرة على الأقل، سيد فريل، وكذلك لا أظنني الوحيدة التي قدمت هذا الاقتراح. “
وابتسمت واضافت:
” إن السلطة، حسب تعريفها ذاته، لا تقبل على القسمة، علينا أخذها ولو كان من أجل بقائنا أحياء فقط. “
مالم يحركوا ساكنا، فسوف يغتال سيدريك أولا!
يعد القائد العسكري الذي كسب ولاء جنوده خطِراً، وبطل الشعب أكثر خطورة، وغني عن القول لو كانت تجري في عروقه دماء السلالة الإمبراطورية يشكل تهديدا حقيقيا، ويجب التخلص منه أولا!
فلو كان غبيا أو عديم الكفاءة، لكان باستطاعة إفرون تأمين سلامتها بتأييد أحد الخليفتين، بيد انه كان رجلا رائعا لسوء الحظ.
حتي فريل نفسه لو كان يعمل لدي رويجار أو لورانس لحاول التخلص منه كذلك.
ثم رفع عينيه ونظر إليها نظرة فاحصة، وأضاف :
“أفهم ما ترمين إليه، ولكن كيف لي أن أثق بك؟ فالسيد لورانس شقيقك! “
“لا أظنك ستقتنع لو قلت أنه شخصّ غير كفء وينبغي ألا يتربع على العرش مطلقا، صحيح”
ورمقته بنظرة حادقة وأضافت:
“ماذا لو أخبرتك أنني أرغب في أن أصبح إمبراطورة؟ فهل تثق بي؟ “
فهز رأسه ونطق:
” لقد اقترحت زواجًا تعاقديًا لمدة عامين. “
فلو أرادت أن تصبح الامبراطورة، لتيقنت من جعل الزواج زواج مصلحة مناسباً لا صورياً.
فابتسمت برقة وقالت:
” نعم، هذا صحيح”
وحالما لمح تلك الابتسامة حتى التزم الصمت، في حين، واصلت:
” أريد إيقاف الدمار من الحدوث، لكن ما كان لي ملجأ غير سيدريك”
فقال بلكنه اعتراض:
” يا آنسة… “
” لقد فقدت الإمبراطورية الحيوية التي تمتعت بها في يوم من الايام، وبات القانون لا شيء غير صدفة فارغة عفى عنه الزمن، والادارة تدمر أكثر مما تعمر. “
ثم تنهدت، وأضافت:
” في الوقت الحالي، ما زال يحافظ الامبراطور جريجور علي الوضع الراهن من التداعي لأنه يتمتع بجبروت هائل، قد يكون أنانيا ومتعجرفاً ولكنه ليس عاجزاً، ماذا عن أخي و الأرشيدوق رويجار، اتحسب أن أحدهما قادر على منع الإمبراطورية من الانهيار مثل صاحب الجلالة؟ أتظن ذلك حقا؟ فأنا لا أظن ذلك”
“لا أجرأ على الإنكار، فكلماتك حقيقة”
وتابعت:
” سوف يتخلى عن الشمال، وسيتمرد الشرق، وستدمر هجمات الوحوش الغرب، إما الجنوب فسوف تحتله مملكة إيميل، لسوف تتمزق الإمبراطورية إلى أشلاء. “
واغلقت عينيها بألم وتنهدت تنهيدة عميقة، لقد وبعدما جعلت لورانس ولي العهد، كافحت من أجل إبقاء الإمبراطورية قطعة واحدة، ولعله كان من الأفضل تركها تنهار.
إذ كانت في طريقها إلى الدمار في النهاية، أليس من الأجدى أن تتنازع الأطراف من أجل السلطة حتى تنبلج حقبة جديدة على أن تتحول إلى انقاض في براثن حكم إنسان مجنون؟
لكان باستطاعة سيدريك الوصول إلى السلطة من جديد بطريقة أو بأخرى.
واعتراها ألم فظيع في قلبها من تعذيب الضمير، فوضعت يدها علي صدرها تكبحه، وحاولت تحكيم عقلها، و تهدئة عواطفها، ومن ثمة أضافت:
” لكن طريقة السيد سيدريك لا تساعد في نيل سلطة مناسبة على المشهد السياسي للإمبراطورية، إذ يتطلب اكتساب تلك السلطة أساليب كافية ووافية، ويمكنه تحقيق العدالة التي يريدها بعد أن يتمتع بالسلطة المطلوبة أولاً”
إذ كانت تعلم جيداً أن أساليبها فعالة حتى ولو لم تكن صحيحة، فقد حققت نجاحًا في الماضي.
لعل حياتها لم تكن حياتها بدورها، وقد لاحقتها عواقب افعالها الشريرة بالطبع، ولكن قبل أن تعامل مثل معاملة الكلب بعد انتهاء الصيد؛ أي قتله، فقد نجحت في وضع التاج فوق لورانس ولا غبار على ذلك!
وكلها ثقة في مقدرتها على القيام بأمر عينه كرة أخرى، أن دورها يقتصر على منح سيدريك السلطة كما فعلت مع لورانس، وليس عليها القلق فيم يلي ذلك.
علق فريل أخيراً:
” إذا، لهذا قلت سنتين، حتى تتمكني من عمل أشياء لصالح إفرون لن تستطيع القيام بها.”
والتزم الصمت برهة من الوقت، كان بطبعه ذكياً حصيفاً، وقد عرف المغزى من وراء كلماتها كله.
ثم شعر بالحيرة في أمره.
لقد كانت هذه الفتاة الصغيرة ومع ذلك، فإن المستقبل الذي تتخيله وحجم عزمها وقوتها، تصميمها ورباطة جأشها إصابته بالخجل من نفسه.
وبعد برهة، أضاف:
” لقد فهمت، كنتِ محقة، لن أبلغ سيادة الأرشيدوق عن أي شيء”
وأطلق تنهيدة فاترة.
كان كل من آمال الناس وتطلعاتهم نحوه، والولاء الذي حظي به ينبع من حقيقة واحدة لا غير، أنه رجلٌ عادلٌ.
وتدنيس هذه الصورة لا ينصب في صالح خططها، بل سيقلب عليها الطاولة، ومع ذلك، في الوقت نفسه، كان لا بد من القيام بأمور لا يمكن تحقيقها بأساليبه.
وفي النهاية، سوف تدبر ما لا تستطع إفرون تدبيره، ومن ثمة، تفترق بهم الطرق، فتختفي دونما رجعة.
وقد علم فريل أنه الشخص الأنسب لمساعدتها، لأنه ذكيٌ بما يكفي ليشتبه في كل واردة.
إذ يمكنه الشك فيها ذاتها، والشك في كل حركة من حركاتها، حتى سكناتها، سوف يوجه نظرة نقدية فاحصة إلى كل المعلومات الخارجية، وباستطاعته الحكم فيما يتجاوز رغبات سيده نفسه.
لا يتطلب هذا العمل الولاء، بل الحصافة والنشوز، ولهذا كشفت أمامه كل شيء على الرغم من خطورة ذلك على منظمتها الوليدة.
ومع ذلك، أختار أن يركع أمامها، نزل ببطء على ركبة واحدة، وانحنى يقبل ظهر يدها كمن يبايع بالولاء.
“ألن تحتاجي إلى مساعدة؟ سوف أكون ساعدك”
فأومأت إيماءة صغيرة.

 

عندئذ قالت ارتيزيا ببرود: [“إنك حمقاء ومتهورة، حسب تقديري، فإن حياتك لا تسوى غير عملتين ذهبيتين، أخشى أنك لن تقدمي ليّ الكثير” فنطقت بإصرار: [“أنا على يقين أن من تعتريه رغبة الانتقام حتى أنه لن ينتفض ولو أحرقت النيران بدنه، لسوف يفيدك! “] ثم انطلقت إلى الموقد حتى تثبت صحة كلماتها، فأسرعت أليس وأوقفتها عند حدها، بينما ابتسمت ارتيزيا بمرارة، ونطقت: [” لا تحتاجين إلى التصرف بغباء لأثبات عزيمتك، ألن تصبحي عديمة النفع إذا ما اصبتِ بحروق خطيرة؟ “] [” إذاً، ألن تقبلي رجائي؟”] [” فلنقل أنني سأستخدمكِ، داري، لن استطيع إرسالك إلى عائلة رويجار أو كاميليا، أنا أعرف كل شيء عنك فعلاً، وسينطبق الأمر على كاميليا، ستكتشف بسهوله هويتك ونيتك الحقيقية”] وأضافت [” ومن يعلم، فلربما استغلك ولا أحقق لك رغبتك”] فردت داري بعيون تلتمع: [” ألا تنوين على تدمير الأرشيدوق رويجار و الماركيزة كاميليا في نهاية المطاف؟ “ كانت داري ابنة عائلة بارون تقع أسفل هرم الارستقراطيين، والدها هو الابن الثاني الذي لا يمكنه حتى وراثة اللقب. قبل سنوات عديدة، حازت أختها الوحيدة على اهتمام الأرشيدوق رويجار، فلم ترض الأرشيدوقة عن ذلك. لم تكن اختها علي قدر من الحماقة حتى تقع في حب رجل متزوج، بل ظلت تصده كلما راودها، حتى لجأت إلى الغرب عند أحد الأقارب لتجنبه، ومع ذلك قتلتها الماركيزة كاميليا من أجل إراحة قلب أختها الصغرى المضطرب. وقد كانت جريمة القتل دقيقة وماكرة للغاية، إذ طمس مقتلها على هيئة انتحار. لم تصدق عائلة داري أن ابنتهم انتحرت، ومع ذلك، كان من المستحيل عليهم الكشف عن الحقيقة، فتلك القوى أكبر من أن يقدروا على مجابتها، ولو كشفت العيان فلن تضر لا الأرشيدوق رويجار ولا الماركيزة كاميليا في المقام الأول! بما أن ذلك النوع من الجرائم شائعٌ للغاية، ولن يثير الاهتمام مدة طويلةً، ولن ينزل القصاص إطلاقا! ولكن بعد أن باتت وحيدة، وذاقت المرارة، لم تستطع ترك موت شقيقتها يمر هباءً، فتخلت عن مكانتها النبيلة، وتسللت في زي خادمة إلى عائلة الفيكونت وييف، ومضى على ذلك أربع سنوات، وقد أدركت في هذه السنوات صغر حجمها، ومدي ضعفها وقلة حيلتها بيد أنها لم تستسلم أبدًا. وأضافت قائلة: [“من المستحيل أن يجتمع شخصان يملكان سلطة مطلقة معاً في هذا العالم، يا آنسة، أنت خطيبة الأرشيدوق إفرون، والاخت الصغرى للسيد لورانس، مع أني لا أعلم لأجل من منهما، ولكن أدرك أنك سوف تضطريّن إلى مواجهة الأرشيدوق رويجار في النهاية. “] ونظرت بعينين واثقين وتابعت: [“إذا ما استخدمتني في زيادة فرص فوزك، وساعدك في تدميرهما، فذلك ثأري أيضا!”] قد لا يشفي ذلك غليلها، ولكن لم تملك طريقة للحصول على انتقامها سوى أن ترمي بنفسها سلاحاً. كانت ارتيزيا تعرف أشخاصا يملكون هذا العزم، عرفت أنها محقة؛ فقد تكون مفيدة بلا ريب، فرضخت أخيراً وقالت: [” حسنا، سوف استعملك، ولو كنتِ محظوظة فستكونين السكين الذي سينحر عنق الارشدوق رويجار”] فردت ممتنة: [“شكرا جزيلا لك”] ولم يكن من الصعب اضافتها إلى الخطط جارية، لقد كان تعتزم إرسال جاسوس إلى دوقية ريجان في الجنوب، فوضعتها هناك. لم تكن على يقين سواء أكان ذلك مفيدًا في وقت لاحق أم لا، ومع ذلك، يكون الجواسيس مفيدين غاية الإفادة، أيّان زرعوا قبل وقت طويل من الحاجة الفعلية لهم. وقد تمكنت بفضلها من وضع حجر منفصل تمامًا عن منظمة الاستخبارات التي تخطط لأنشائها في المستقبل، لم تكن خطة ضمن المخطط الأصلي، ولكنها إضافة عظيمة. *** “فلتنهضي، يا داري” نزعت ارتيزيا عنها القبعة والحجاب، معترفة بذلك بأنها واحدة من جماعتها، فنهضت وفي طريقها لتأخذ مقعدها، خطفة نظرة سريعة نحو فريل مرة، إلا أنها أخفضت عينيها سريعاً وبكل أدب، وبما أن الانسة تعتقد أن لا بأس من اطلاعه كل شيء، فالأمر سيان معها، هكذا يكون الولاء! فقدمت ارتيزيا وثيقة الزواج، وهكذا أصبحت رجل غريب كلياً لا تعرف حتى وجهه. ومن ثمة أمرت: “عليك الذهاب إلى ساحل البحر الجنوبي بهوية السيدة ريكسين، يمكنك إبلاغ رئيسية خادمات عائلة وييف بأن باباً من الحظ قد فتح أمامك، فأصبحت الزوجة الثانية لنبيل من الرتب الأدنى” “حسنا” “بما أنك قلت أن لديك أقارب في الجنوب فلا احسبك ستواجهين أية مشكلة في الاختلاط مع المجتمع هناك، وفي اثناء طريقة سوف يصلك خطاب تعريف موجهة إلى وصيفة دوقة ريجان”. ” نعم” ” ومن هذه النقطة فصاعدا، عليك الاعتماد على نفسك، فلتحصلي على ثقة الدوقة إذا ما استطعت، لمن الأفضل أن تصبحي أحدى وصيفاتها، إذا تتمكني من ذلك، فيجب عليك أن تصبحي صديقة إحدى وصيفاتها المقربات” ” حاضر” ” وسوف اتواصل معك ما إن تصبحي مفيدة” ثم سلمتها صندوقًا من خشب الأبنوس زينت اطرافه بالذهب. اخرجت داري الخاتم من الصندوق وارتدته، ثم نهضت من مقعدها، وجثت على الأرض من جديد، وقالت: ” سوف ادعو الاله أن أسمع منك” عندئذ ردت الشقراء ببرود: ” عليك دعاء الشيطان لا الإله. “ فغمغمت على مضض:” لا فرق عندي .” ” حظاً موفقاً” فانحنت من جديد، وتراجعت خطواتها إلى الخلف، ثم استدارت وغادرت وانغلق الباب خلفها، وما عاد غير أثنين في الحجرة، فنزل جو من الهدوء الخانق. في النهاية، استعملت ارتيزيا، والكاهن كوبين من أصل ثلاثة, عرضت على فريل الجلوس هذه المرة، كان عقله في سباق، فتحرك من مكانه الذي تسمر فيه لحمايتها, لكنه لم يجلس, بل وقف مواجه لها وقال: ” هل اشتريت لقب نبيل غربي من أجل ارسال جاسوس إلى دوقية ريجان؟ “ فأجابت: “نعم” وسأل: “ولماذا” أمالت ابريق الشاي البرد حتى تصب لها كوبا آخر، ثم نطقت: “ما دمت أريد توحيد الإمبراطورية، فيجب عليّ وضع العائلات الجنوب القوية في الحسبان” وفجأة اتسع نطاق الصورة على نحو مهول، فصار مشدود الأعصاب، وحافظ على يقظته، وقال: ” توحيد الإمبراطورية؟ هل أنت، على الأرجح، تعتزمين التورط في حرب خلافة العرش؟” “أجل” “هل أنت جادة؟” فجاء ردها هادئًا: ” وما الذي يجعلك تشكك في ذلك، فوالدة صاحب السمو هي ابنة الامبراطور السابق، ولو أطلعت شجرة الدم الامبراطور، فستجد انه الوريث الاحق على خلافة العرش” عندئذ نطق بحدة: “لا تدفعي الأرشيدوق إفرون إلى حرب لا طائل منها. “ ” أن على يقين تلك الفكرة قدر راودتك ولو مرة على الأقل، سيد فريل، وكذلك لا أظنني الوحيدة التي قدمت هذا الاقتراح. “ وابتسمت واضافت: ” إن السلطة، حسب تعريفها ذاته، لا تقبل على القسمة، علينا أخذها ولو كان من أجل بقائنا أحياء فقط. “ مالم يحركوا ساكنا، فسوف يغتال سيدريك أولا! يعد القائد العسكري الذي كسب ولاء جنوده خطِراً، وبطل الشعب أكثر خطورة، وغني عن القول لو كانت تجري في عروقه دماء السلالة الإمبراطورية يشكل تهديدا حقيقيا، ويجب التخلص منه أولا! فلو كان غبيا أو عديم الكفاءة، لكان باستطاعة إفرون تأمين سلامتها بتأييد أحد الخليفتين، بيد انه كان رجلا رائعا لسوء الحظ. حتي فريل نفسه لو كان يعمل لدي رويجار أو لورانس لحاول التخلص منه كذلك. ثم رفع عينيه ونظر إليها نظرة فاحصة، وأضاف : “أفهم ما ترمين إليه، ولكن كيف لي أن أثق بك؟ فالسيد لورانس شقيقك! “ “لا أظنك ستقتنع لو قلت أنه شخصّ غير كفء وينبغي ألا يتربع على العرش مطلقا، صحيح” ورمقته بنظرة حادقة وأضافت: “ماذا لو أخبرتك أنني أرغب في أن أصبح إمبراطورة؟ فهل تثق بي؟ “ فهز رأسه ونطق: ” لقد اقترحت زواجًا تعاقديًا لمدة عامين. “ فلو أرادت أن تصبح الامبراطورة، لتيقنت من جعل الزواج زواج مصلحة مناسباً لا صورياً. فابتسمت برقة وقالت: ” نعم، هذا صحيح” وحالما لمح تلك الابتسامة حتى التزم الصمت، في حين، واصلت: ” أريد إيقاف الدمار من الحدوث، لكن ما كان لي ملجأ غير سيدريك” فقال بلكنه اعتراض: ” يا آنسة… “ ” لقد فقدت الإمبراطورية الحيوية التي تمتعت بها في يوم من الايام، وبات القانون لا شيء غير صدفة فارغة عفى عنه الزمن، والادارة تدمر أكثر مما تعمر. “ ثم تنهدت، وأضافت: ” في الوقت الحالي، ما زال يحافظ الامبراطور جريجور علي الوضع الراهن من التداعي لأنه يتمتع بجبروت هائل، قد يكون أنانيا ومتعجرفاً ولكنه ليس عاجزاً، ماذا عن أخي و الأرشيدوق رويجار، اتحسب أن أحدهما قادر على منع الإمبراطورية من الانهيار مثل صاحب الجلالة؟ أتظن ذلك حقا؟ فأنا لا أظن ذلك” “لا أجرأ على الإنكار، فكلماتك حقيقة” وتابعت: ” سوف يتخلى عن الشمال، وسيتمرد الشرق، وستدمر هجمات الوحوش الغرب، إما الجنوب فسوف تحتله مملكة إيميل، لسوف تتمزق الإمبراطورية إلى أشلاء. “ واغلقت عينيها بألم وتنهدت تنهيدة عميقة، لقد وبعدما جعلت لورانس ولي العهد، كافحت من أجل إبقاء الإمبراطورية قطعة واحدة، ولعله كان من الأفضل تركها تنهار. إذ كانت في طريقها إلى الدمار في النهاية، أليس من الأجدى أن تتنازع الأطراف من أجل السلطة حتى تنبلج حقبة جديدة على أن تتحول إلى انقاض في براثن حكم إنسان مجنون؟ لكان باستطاعة سيدريك الوصول إلى السلطة من جديد بطريقة أو بأخرى. واعتراها ألم فظيع في قلبها من تعذيب الضمير، فوضعت يدها علي صدرها تكبحه، وحاولت تحكيم عقلها، و تهدئة عواطفها، ومن ثمة أضافت: ” لكن طريقة السيد سيدريك لا تساعد في نيل سلطة مناسبة على المشهد السياسي للإمبراطورية، إذ يتطلب اكتساب تلك السلطة أساليب كافية ووافية، ويمكنه تحقيق العدالة التي يريدها بعد أن يتمتع بالسلطة المطلوبة أولاً” إذ كانت تعلم جيداً أن أساليبها فعالة حتى ولو لم تكن صحيحة، فقد حققت نجاحًا في الماضي. لعل حياتها لم تكن حياتها بدورها، وقد لاحقتها عواقب افعالها الشريرة بالطبع، ولكن قبل أن تعامل مثل معاملة الكلب بعد انتهاء الصيد؛ أي قتله، فقد نجحت في وضع التاج فوق لورانس ولا غبار على ذلك! وكلها ثقة في مقدرتها على القيام بأمر عينه كرة أخرى، أن دورها يقتصر على منح سيدريك السلطة كما فعلت مع لورانس، وليس عليها القلق فيم يلي ذلك. علق فريل أخيراً: ” إذا، لهذا قلت سنتين، حتى تتمكني من عمل أشياء لصالح إفرون لن تستطيع القيام بها.” والتزم الصمت برهة من الوقت، كان بطبعه ذكياً حصيفاً، وقد عرف المغزى من وراء كلماتها كله. ثم شعر بالحيرة في أمره. لقد كانت هذه الفتاة الصغيرة ومع ذلك، فإن المستقبل الذي تتخيله وحجم عزمها وقوتها، تصميمها ورباطة جأشها إصابته بالخجل من نفسه. وبعد برهة، أضاف: ” لقد فهمت، كنتِ محقة، لن أبلغ سيادة الأرشيدوق عن أي شيء” وأطلق تنهيدة فاترة. كان كل من آمال الناس وتطلعاتهم نحوه، والولاء الذي حظي به ينبع من حقيقة واحدة لا غير، أنه رجلٌ عادلٌ. وتدنيس هذه الصورة لا ينصب في صالح خططها، بل سيقلب عليها الطاولة، ومع ذلك، في الوقت نفسه، كان لا بد من القيام بأمور لا يمكن تحقيقها بأساليبه. وفي النهاية، سوف تدبر ما لا تستطع إفرون تدبيره، ومن ثمة، تفترق بهم الطرق، فتختفي دونما رجعة. وقد علم فريل أنه الشخص الأنسب لمساعدتها، لأنه ذكيٌ بما يكفي ليشتبه في كل واردة. إذ يمكنه الشك فيها ذاتها، والشك في كل حركة من حركاتها، حتى سكناتها، سوف يوجه نظرة نقدية فاحصة إلى كل المعلومات الخارجية، وباستطاعته الحكم فيما يتجاوز رغبات سيده نفسه. لا يتطلب هذا العمل الولاء، بل الحصافة والنشوز، ولهذا كشفت أمامه كل شيء على الرغم من خطورة ذلك على منظمتها الوليدة. ومع ذلك، أختار أن يركع أمامها، نزل ببطء على ركبة واحدة، وانحنى يقبل ظهر يدها كمن يبايع بالولاء. “ألن تحتاجي إلى مساعدة؟ سوف أكون ساعدك” فأومأت إيماءة صغيرة.

وكذا انتهيت من الكتاب الأول، المجلد الأول من الرواية

عندئذ قالت ارتيزيا ببرود: [“إنك حمقاء ومتهورة، حسب تقديري، فإن حياتك لا تسوى غير عملتين ذهبيتين، أخشى أنك لن تقدمي ليّ الكثير” فنطقت بإصرار: [“أنا على يقين أن من تعتريه رغبة الانتقام حتى أنه لن ينتفض ولو أحرقت النيران بدنه، لسوف يفيدك! “] ثم انطلقت إلى الموقد حتى تثبت صحة كلماتها، فأسرعت أليس وأوقفتها عند حدها، بينما ابتسمت ارتيزيا بمرارة، ونطقت: [” لا تحتاجين إلى التصرف بغباء لأثبات عزيمتك، ألن تصبحي عديمة النفع إذا ما اصبتِ بحروق خطيرة؟ “] [” إذاً، ألن تقبلي رجائي؟”] [” فلنقل أنني سأستخدمكِ، داري، لن استطيع إرسالك إلى عائلة رويجار أو كاميليا، أنا أعرف كل شيء عنك فعلاً، وسينطبق الأمر على كاميليا، ستكتشف بسهوله هويتك ونيتك الحقيقية”] وأضافت [” ومن يعلم، فلربما استغلك ولا أحقق لك رغبتك”] فردت داري بعيون تلتمع: [” ألا تنوين على تدمير الأرشيدوق رويجار و الماركيزة كاميليا في نهاية المطاف؟ “ كانت داري ابنة عائلة بارون تقع أسفل هرم الارستقراطيين، والدها هو الابن الثاني الذي لا يمكنه حتى وراثة اللقب. قبل سنوات عديدة، حازت أختها الوحيدة على اهتمام الأرشيدوق رويجار، فلم ترض الأرشيدوقة عن ذلك. لم تكن اختها علي قدر من الحماقة حتى تقع في حب رجل متزوج، بل ظلت تصده كلما راودها، حتى لجأت إلى الغرب عند أحد الأقارب لتجنبه، ومع ذلك قتلتها الماركيزة كاميليا من أجل إراحة قلب أختها الصغرى المضطرب. وقد كانت جريمة القتل دقيقة وماكرة للغاية، إذ طمس مقتلها على هيئة انتحار. لم تصدق عائلة داري أن ابنتهم انتحرت، ومع ذلك، كان من المستحيل عليهم الكشف عن الحقيقة، فتلك القوى أكبر من أن يقدروا على مجابتها، ولو كشفت العيان فلن تضر لا الأرشيدوق رويجار ولا الماركيزة كاميليا في المقام الأول! بما أن ذلك النوع من الجرائم شائعٌ للغاية، ولن يثير الاهتمام مدة طويلةً، ولن ينزل القصاص إطلاقا! ولكن بعد أن باتت وحيدة، وذاقت المرارة، لم تستطع ترك موت شقيقتها يمر هباءً، فتخلت عن مكانتها النبيلة، وتسللت في زي خادمة إلى عائلة الفيكونت وييف، ومضى على ذلك أربع سنوات، وقد أدركت في هذه السنوات صغر حجمها، ومدي ضعفها وقلة حيلتها بيد أنها لم تستسلم أبدًا. وأضافت قائلة: [“من المستحيل أن يجتمع شخصان يملكان سلطة مطلقة معاً في هذا العالم، يا آنسة، أنت خطيبة الأرشيدوق إفرون، والاخت الصغرى للسيد لورانس، مع أني لا أعلم لأجل من منهما، ولكن أدرك أنك سوف تضطريّن إلى مواجهة الأرشيدوق رويجار في النهاية. “] ونظرت بعينين واثقين وتابعت: [“إذا ما استخدمتني في زيادة فرص فوزك، وساعدك في تدميرهما، فذلك ثأري أيضا!”] قد لا يشفي ذلك غليلها، ولكن لم تملك طريقة للحصول على انتقامها سوى أن ترمي بنفسها سلاحاً. كانت ارتيزيا تعرف أشخاصا يملكون هذا العزم، عرفت أنها محقة؛ فقد تكون مفيدة بلا ريب، فرضخت أخيراً وقالت: [” حسنا، سوف استعملك، ولو كنتِ محظوظة فستكونين السكين الذي سينحر عنق الارشدوق رويجار”] فردت ممتنة: [“شكرا جزيلا لك”] ولم يكن من الصعب اضافتها إلى الخطط جارية، لقد كان تعتزم إرسال جاسوس إلى دوقية ريجان في الجنوب، فوضعتها هناك. لم تكن على يقين سواء أكان ذلك مفيدًا في وقت لاحق أم لا، ومع ذلك، يكون الجواسيس مفيدين غاية الإفادة، أيّان زرعوا قبل وقت طويل من الحاجة الفعلية لهم. وقد تمكنت بفضلها من وضع حجر منفصل تمامًا عن منظمة الاستخبارات التي تخطط لأنشائها في المستقبل، لم تكن خطة ضمن المخطط الأصلي، ولكنها إضافة عظيمة. *** “فلتنهضي، يا داري” نزعت ارتيزيا عنها القبعة والحجاب، معترفة بذلك بأنها واحدة من جماعتها، فنهضت وفي طريقها لتأخذ مقعدها، خطفة نظرة سريعة نحو فريل مرة، إلا أنها أخفضت عينيها سريعاً وبكل أدب، وبما أن الانسة تعتقد أن لا بأس من اطلاعه كل شيء، فالأمر سيان معها، هكذا يكون الولاء! فقدمت ارتيزيا وثيقة الزواج، وهكذا أصبحت رجل غريب كلياً لا تعرف حتى وجهه. ومن ثمة أمرت: “عليك الذهاب إلى ساحل البحر الجنوبي بهوية السيدة ريكسين، يمكنك إبلاغ رئيسية خادمات عائلة وييف بأن باباً من الحظ قد فتح أمامك، فأصبحت الزوجة الثانية لنبيل من الرتب الأدنى” “حسنا” “بما أنك قلت أن لديك أقارب في الجنوب فلا احسبك ستواجهين أية مشكلة في الاختلاط مع المجتمع هناك، وفي اثناء طريقة سوف يصلك خطاب تعريف موجهة إلى وصيفة دوقة ريجان”. ” نعم” ” ومن هذه النقطة فصاعدا، عليك الاعتماد على نفسك، فلتحصلي على ثقة الدوقة إذا ما استطعت، لمن الأفضل أن تصبحي أحدى وصيفاتها، إذا تتمكني من ذلك، فيجب عليك أن تصبحي صديقة إحدى وصيفاتها المقربات” ” حاضر” ” وسوف اتواصل معك ما إن تصبحي مفيدة” ثم سلمتها صندوقًا من خشب الأبنوس زينت اطرافه بالذهب. اخرجت داري الخاتم من الصندوق وارتدته، ثم نهضت من مقعدها، وجثت على الأرض من جديد، وقالت: ” سوف ادعو الاله أن أسمع منك” عندئذ ردت الشقراء ببرود: ” عليك دعاء الشيطان لا الإله. “ فغمغمت على مضض:” لا فرق عندي .” ” حظاً موفقاً” فانحنت من جديد، وتراجعت خطواتها إلى الخلف، ثم استدارت وغادرت وانغلق الباب خلفها، وما عاد غير أثنين في الحجرة، فنزل جو من الهدوء الخانق. في النهاية، استعملت ارتيزيا، والكاهن كوبين من أصل ثلاثة, عرضت على فريل الجلوس هذه المرة، كان عقله في سباق، فتحرك من مكانه الذي تسمر فيه لحمايتها, لكنه لم يجلس, بل وقف مواجه لها وقال: ” هل اشتريت لقب نبيل غربي من أجل ارسال جاسوس إلى دوقية ريجان؟ “ فأجابت: “نعم” وسأل: “ولماذا” أمالت ابريق الشاي البرد حتى تصب لها كوبا آخر، ثم نطقت: “ما دمت أريد توحيد الإمبراطورية، فيجب عليّ وضع العائلات الجنوب القوية في الحسبان” وفجأة اتسع نطاق الصورة على نحو مهول، فصار مشدود الأعصاب، وحافظ على يقظته، وقال: ” توحيد الإمبراطورية؟ هل أنت، على الأرجح، تعتزمين التورط في حرب خلافة العرش؟” “أجل” “هل أنت جادة؟” فجاء ردها هادئًا: ” وما الذي يجعلك تشكك في ذلك، فوالدة صاحب السمو هي ابنة الامبراطور السابق، ولو أطلعت شجرة الدم الامبراطور، فستجد انه الوريث الاحق على خلافة العرش” عندئذ نطق بحدة: “لا تدفعي الأرشيدوق إفرون إلى حرب لا طائل منها. “ ” أن على يقين تلك الفكرة قدر راودتك ولو مرة على الأقل، سيد فريل، وكذلك لا أظنني الوحيدة التي قدمت هذا الاقتراح. “ وابتسمت واضافت: ” إن السلطة، حسب تعريفها ذاته، لا تقبل على القسمة، علينا أخذها ولو كان من أجل بقائنا أحياء فقط. “ مالم يحركوا ساكنا، فسوف يغتال سيدريك أولا! يعد القائد العسكري الذي كسب ولاء جنوده خطِراً، وبطل الشعب أكثر خطورة، وغني عن القول لو كانت تجري في عروقه دماء السلالة الإمبراطورية يشكل تهديدا حقيقيا، ويجب التخلص منه أولا! فلو كان غبيا أو عديم الكفاءة، لكان باستطاعة إفرون تأمين سلامتها بتأييد أحد الخليفتين، بيد انه كان رجلا رائعا لسوء الحظ. حتي فريل نفسه لو كان يعمل لدي رويجار أو لورانس لحاول التخلص منه كذلك. ثم رفع عينيه ونظر إليها نظرة فاحصة، وأضاف : “أفهم ما ترمين إليه، ولكن كيف لي أن أثق بك؟ فالسيد لورانس شقيقك! “ “لا أظنك ستقتنع لو قلت أنه شخصّ غير كفء وينبغي ألا يتربع على العرش مطلقا، صحيح” ورمقته بنظرة حادقة وأضافت: “ماذا لو أخبرتك أنني أرغب في أن أصبح إمبراطورة؟ فهل تثق بي؟ “ فهز رأسه ونطق: ” لقد اقترحت زواجًا تعاقديًا لمدة عامين. “ فلو أرادت أن تصبح الامبراطورة، لتيقنت من جعل الزواج زواج مصلحة مناسباً لا صورياً. فابتسمت برقة وقالت: ” نعم، هذا صحيح” وحالما لمح تلك الابتسامة حتى التزم الصمت، في حين، واصلت: ” أريد إيقاف الدمار من الحدوث، لكن ما كان لي ملجأ غير سيدريك” فقال بلكنه اعتراض: ” يا آنسة… “ ” لقد فقدت الإمبراطورية الحيوية التي تمتعت بها في يوم من الايام، وبات القانون لا شيء غير صدفة فارغة عفى عنه الزمن، والادارة تدمر أكثر مما تعمر. “ ثم تنهدت، وأضافت: ” في الوقت الحالي، ما زال يحافظ الامبراطور جريجور علي الوضع الراهن من التداعي لأنه يتمتع بجبروت هائل، قد يكون أنانيا ومتعجرفاً ولكنه ليس عاجزاً، ماذا عن أخي و الأرشيدوق رويجار، اتحسب أن أحدهما قادر على منع الإمبراطورية من الانهيار مثل صاحب الجلالة؟ أتظن ذلك حقا؟ فأنا لا أظن ذلك” “لا أجرأ على الإنكار، فكلماتك حقيقة” وتابعت: ” سوف يتخلى عن الشمال، وسيتمرد الشرق، وستدمر هجمات الوحوش الغرب، إما الجنوب فسوف تحتله مملكة إيميل، لسوف تتمزق الإمبراطورية إلى أشلاء. “ واغلقت عينيها بألم وتنهدت تنهيدة عميقة، لقد وبعدما جعلت لورانس ولي العهد، كافحت من أجل إبقاء الإمبراطورية قطعة واحدة، ولعله كان من الأفضل تركها تنهار. إذ كانت في طريقها إلى الدمار في النهاية، أليس من الأجدى أن تتنازع الأطراف من أجل السلطة حتى تنبلج حقبة جديدة على أن تتحول إلى انقاض في براثن حكم إنسان مجنون؟ لكان باستطاعة سيدريك الوصول إلى السلطة من جديد بطريقة أو بأخرى. واعتراها ألم فظيع في قلبها من تعذيب الضمير، فوضعت يدها علي صدرها تكبحه، وحاولت تحكيم عقلها، و تهدئة عواطفها، ومن ثمة أضافت: ” لكن طريقة السيد سيدريك لا تساعد في نيل سلطة مناسبة على المشهد السياسي للإمبراطورية، إذ يتطلب اكتساب تلك السلطة أساليب كافية ووافية، ويمكنه تحقيق العدالة التي يريدها بعد أن يتمتع بالسلطة المطلوبة أولاً” إذ كانت تعلم جيداً أن أساليبها فعالة حتى ولو لم تكن صحيحة، فقد حققت نجاحًا في الماضي. لعل حياتها لم تكن حياتها بدورها، وقد لاحقتها عواقب افعالها الشريرة بالطبع، ولكن قبل أن تعامل مثل معاملة الكلب بعد انتهاء الصيد؛ أي قتله، فقد نجحت في وضع التاج فوق لورانس ولا غبار على ذلك! وكلها ثقة في مقدرتها على القيام بأمر عينه كرة أخرى، أن دورها يقتصر على منح سيدريك السلطة كما فعلت مع لورانس، وليس عليها القلق فيم يلي ذلك. علق فريل أخيراً: ” إذا، لهذا قلت سنتين، حتى تتمكني من عمل أشياء لصالح إفرون لن تستطيع القيام بها.” والتزم الصمت برهة من الوقت، كان بطبعه ذكياً حصيفاً، وقد عرف المغزى من وراء كلماتها كله. ثم شعر بالحيرة في أمره. لقد كانت هذه الفتاة الصغيرة ومع ذلك، فإن المستقبل الذي تتخيله وحجم عزمها وقوتها، تصميمها ورباطة جأشها إصابته بالخجل من نفسه. وبعد برهة، أضاف: ” لقد فهمت، كنتِ محقة، لن أبلغ سيادة الأرشيدوق عن أي شيء” وأطلق تنهيدة فاترة. كان كل من آمال الناس وتطلعاتهم نحوه، والولاء الذي حظي به ينبع من حقيقة واحدة لا غير، أنه رجلٌ عادلٌ. وتدنيس هذه الصورة لا ينصب في صالح خططها، بل سيقلب عليها الطاولة، ومع ذلك، في الوقت نفسه، كان لا بد من القيام بأمور لا يمكن تحقيقها بأساليبه. وفي النهاية، سوف تدبر ما لا تستطع إفرون تدبيره، ومن ثمة، تفترق بهم الطرق، فتختفي دونما رجعة. وقد علم فريل أنه الشخص الأنسب لمساعدتها، لأنه ذكيٌ بما يكفي ليشتبه في كل واردة. إذ يمكنه الشك فيها ذاتها، والشك في كل حركة من حركاتها، حتى سكناتها، سوف يوجه نظرة نقدية فاحصة إلى كل المعلومات الخارجية، وباستطاعته الحكم فيما يتجاوز رغبات سيده نفسه. لا يتطلب هذا العمل الولاء، بل الحصافة والنشوز، ولهذا كشفت أمامه كل شيء على الرغم من خطورة ذلك على منظمتها الوليدة. ومع ذلك، أختار أن يركع أمامها، نزل ببطء على ركبة واحدة، وانحنى يقبل ظهر يدها كمن يبايع بالولاء. “ألن تحتاجي إلى مساعدة؟ سوف أكون ساعدك” فأومأت إيماءة صغيرة.

وكذا انتهيت من الكتاب الأول، المجلد الأول من الرواية

---

ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن

أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات
لا تنسى وضع تعليق للمترجم فهذا يساعده على الاستمرار ومواصلة العمل عندما يرى تشجيعًا.

التعليقات

اعدادات القارئ

لايعمل مع الوضع اليلي
لتغير كلمة إله الى شيء أخر
إعادة ضبط