You dont have javascript enabled! Please enable it!
Switch Mode
نظرًا لتوقف عرض الإعلانات على الموقع بسبب حظره من شركات الإعلانات ، فإننا نعتمد الآن بشكل كامل على دعم قرائنا الكرام لتغطية تكاليف تشغيل الموقع وتوجيه الفائض نحو دعم المترجمين. للمساهمة ودعم الموقع عن طريق الباي بال , يمكنك النقر على الرابط التالي
paypal.me/IbrahimShazly
هذا المحتوى ترفيهي فقط ولايمت لديننا بأي صلة. لا تجعلوا القراءة تلهيكم عن صلواتكم و واجباتكم.

موشوكو تينساي 186

الفصل الثامن: كوغماير ضد إله التنين

الفصل الثامن: كوغماير ضد إله التنين

الفصل الثامن: كوغماير ضد إله التنين
 

  على بعد يومين شمالاً باتجاه الشمال الشرقي من مدينة شاريا كانت هناك قرية مهجورة ابتلعتها الغابة. قبل نحو أربعين عامًا، تسببت كارثة سحرية في تمدد الغابة المحيطة بسرعة هائلة، ما أدى إلى اجتياح القرية وإجبار سكانها على الرحيل. ومنذ ذلك الحين، لم يزر هذا المكان سوى الوحوش التي تجوب الغابة، وأحيانًا المغامرون الذين يأتون لصيدها. اليوم، اتجه رجل نحو هذه القرية. رجل ذو شعر فضي وعينين ذهبيتين، يرتدي معطفًا أبيض من الجلد. كان يتنقل بحذر، يراقب محيطه بتركيز وهو يقترب من وجهته. لم يكن يمتطي جوادًا ولا يسافر بعربة، بل كان يسير بهدوء عبر الغابة، ينظر بين الحين والآخر إلى أداة تشبه البوصلة يمسكها بيده اليسرى. لم تجرؤ الوحوش على الاقتراب منه. عيون لامعة كانت تراقبه من أعماق الغابة، لكن حتى أشرس الكائنات كانت تهرب كالسناجب المذعورة عندما يقترب. “هل هذا هو المكان؟” عندما وصل إلى أطراف القرية المهجورة التي تشير إليها بوصلة يده، توقف للحظة وراقب المكان بصمت. “لماذا طلبت مني أن آتي إلى مكان كهذا…؟” بخطوات بطيئة وحذرة، دخل الرجل إلى القرية المدمرة. الشوارع التي كانت يومًا مرتبة غطاها العشب، وحقولها تحولت إلى أحراش. الأشجار العملاقة اخترقت أسطح المنازل المهجورة، وبعضها تغطى تمامًا بالكروم، ليبدو وكأنه تلال خضراء متشابكة. سرعان ما توقف الرجل مرة أخرى عندما وصل إلى مركز القرية، حيث كان يوجد بئر قديم فيما مضى. هناك، برز هيكل غريب: أسطوانة طويلة صفراء اللون، وهي البناء الوحيد في القرية بأكملها الذي لم يغطيه أي أثر للنباتات. كانت جدرانه الحجرية وبابه الأمامي بحالة جيدة، مما يدل على أنه بُني حديثًا. نظر الرجل إلى البوصلة في يده اليسرى، وتأكد من أن إبرتها تشير مباشرة إلى هذا البرج. ببطء وحذر، أمسك بمقبض الباب. “ناناهوشي، هل أنت هنا؟” كان داخل البرج بسيطًا للغاية. لا نوافذ ولا ممرات. الأرضية كانت زلقة بطريقة غريبة، وكأنها مغطاة بطبقة من الزيت. بجانب الجدار، وُضعت عدة أكياس خيش منتفخة، وشيء يشبه مبخرة تُطلق رائحة غريبة تُشير إلى أنها ما زالت مشتعلة. “ما هذا المكان؟” تفحص الرجل الغرفة بعينيه، ولاحظ وجود باب آخر في الجدار المقابل. بخطوات حذرة ولكن بثقة، اتجه نحوه وأمسك بمقبضه. شعر بوخزة صغيرة في كفه، وعندما تفحص يده، لم يجد أي أثر للدم. “همم… هل أتخيل الأمور؟” دخل الغرفة التالية، التي كانت مشابهة تمامًا للأولى في تصميمها. نظرًا لأن البرج يقع على منحدر، بدا أن جزءًا منه تحت الأرض. كلما تعمق الرجل في الداخل، ازداد حذره. علامات مكتوبة على الجدران تحمل رسائل مثل “يُرجى خلع الأحذية هنا” و”على جميع الضيوف ارتداء القبعة”، لكنه تجاهلها تمامًا. بعض الأبواب كانت مزودة بفخاخ صغيرة تبدو وكأنها مخصصة للفئران. كان الرجل يتجنبها بحذر، مستمرًا في تقدمه من غرفة إلى أخرى. وأخيرًا، وصل إلى غرفة غريبة للغاية. كانت دائرية ومرتفعة، ولا سقف لها. عندما نظر إلى الأعلى، رأى جزءًا من السماء. شعر وكأنه يقف في قاع مدخنة. “ما الذي يجري هنا؟” تجهم وجهه مع ازدياد شكوكه، لكن إبرة البوصلة أشارت إلى منتصف الغرفة، حيث وُضع صندوق صغير فوق ورقة. اقترب منه بحذر، وقرأ الكلمات المكتوبة على الورقة: “إله البشر” مد يده بسرعة لالتقاط الصندوق، وفتح غطاءه. “ما هذا؟!” انفجرت سحب كثيفة من الدخان فورًا. بينما أسقط الصندوق واتخذ وضعية دفاعية، سمع صوت ارتطام معدني صغير. حلقة فضية سقطت على الأرض بجوار الصندوق الذي ما زال ينبعث منه الدخان بكثافة غريبة. بدت الحلقة وكأنها انطلقت من داخل الصندوق عندما اصطدم بالأرض. لسبب ما، كانت تومض بضوء أحمر خافت، وإبرة البوصلة أشارت إليها مباشرة. “ناناهوشي؟” مد الرجل يده لالتقاط الحلقة. في اللحظة التالية، أضاءت السماء بوميض هائل. “غوه!” ركل الأرض محاولًا الابتعاد، لكن الأرضية الزيتية خانته. فقدت حذاؤه الثبات تمامًا. وفي تلك اللحظة، سقطت صاعقة ضخمة فوق إله التنين أورستد. — روديوس من موقعي فوق القرية المهجورة، كنت أراقب بعناية النقطة التي استدرجت إليها أورستد. في اللحظة التي رأيت فيها الدخان يتصاعد في الهواء، أطلقت تعويذة برق نحو الهدف بكل القوة التي استطعت حشدها. كنت واثقًا من أنني أصبته. لقد تدربت مرارًا من أجل هذا اليوم، وغلفت الأرضية بزيت نباتي حتى لا يتمكن من تفادي تعويذتي في اللحظة الأخيرة. لكن بالطبع، ضربة واحدة لن تكون كافية لإسقاطه. لا يمكن لشخص بهذا الضعف أن يكسب سمعة كأقوى مخلوق في العالم، ليس بوجود وحوش مثل أتوفي. غرست عصاي في الأرض، ودفعت إليها طاقة المانا بينما أتخيل غيمة عاصفة هائلة—خلية عاصفية داكنة ومضطربة. كانت تلك تعويذة من مستوى القديس في عنصر الماء، تُعرف باسم “كيومولونيمبوس”. في لحظة، غطت السماء سحابة سوداء ضخمة، وبدأت الأمطار الغزيرة تتساقط، ترافقها صواعق البرق. دفعت المزيد من الطاقة إلى العصا، شعرت بها تسحب المانا من أعماقي، وتركتها تفعل ذلك بحرية. هذه المرة، تخيلت الجليد، وتوقفت حركة الجزيئات في مركز القرية، مما أدى إلى انخفاض سريع في درجة الحرارة. “نوفا الصقيع.” كانت تعويذة استخدمتها من قبل عدة مرات، لكن ليس بهذه القوة أو على منطقة واسعة كهذه. قطرة بعد قطرة من المطر الذي انهمر على القرية تجمدت على الفور. تشكلت طبقات من الجليد بسرعة، وتجمعت في جسم عملاق واحد. عندما أصبح بحجم جبل جليدي، أوقفت التعويذة. لكن لم ينتهِ الأمر بعد. وجهت المزيد من المانا إلى العصا، وخلقت صخرة في السماء فوق القرية. تجاهلت تكلفة المانا، ووسعت حجمها بثبات حتى أصبحت ضخمة بحيث لا يمكن تفاديها، ثم أطلقتها مباشرة للأسفل بأقصى سرعة. في لحظة، اصطدمت الصخرة بالأرض. اهتزت الأرض تحت قدمي، وأعقب ذلك صوت انفجار مدوٍ ورياح عاتية. رفعت ذراعي لتحجب عينيّ عن العاصفة، ونظرت إلى عملي. الجبل الجليدي تحطم، ودفن ثلثا الصخرة العملاقة في الأرض. بدا أن من المستحيل أن يكون أي شيء قد نجا من هذا الاصطدام. “هل انتهيت منه؟” لم يكن هناك أي حركة في القرية. بدا وكأن الأمر قد انتهى بالفعل. على الأقل، كنت آمل ذلك. ولكن فجأة، تحطمت الصخرة العظيمة. “إيييي!” شعرت بغضبه القاتل حتى من هذه المسافة. اجتاحتني قشعريرة باردة، وارتجفت ساقاي، وامتلأت عيناي بالدموع. بمجرد أن استطعت التحرك، قفزت إلى درع السحر الذي كنت قد أعددته بجانبي. كما تدربت مئات المرات، وجهت الطاقة إلى جميع مكوناته، وتحكمت في أطرافه، ومددت يدي لأمسك بعصاي. لم يستغرق الأمر وقتًا، لكن الغضب كان يقترب بسرعة. مع اكتمال إجراءات التفعيل، ركزت على هجومي التالي. اندفعت المانا مني، عبر الدرع، إلى العصا في يدي اليمنى. دفعت بالطاقة بقصد استنزاف نفسي تمامًا. تخيلت انفجارًا نوويًا. وجهت عصاي نحو عدوي، وأطلقت التعويذة بكل ما لدي من قوة. ظهر وميض هائل في مركز القرية، واجتاحت موجة من الحرارة والضوء الأرض. من طرف عيني، رأيت الأشجار تُحرق على الفور، وتتحول إلى رماد متفحم. أعقب ذلك انفجار موجة صادمة. الدرع السحري الذي كنت أرتديه يزن عدة أطنان. تحمل الحرارة والموجة دون أن يهتز قيد أنملة. بعد أن هدأت موجة الدمار تمامًا، نظرت إلى القرية. سحابة فطرية ضخمة ارتفعت فوقها. لم أتمكن من رؤية الأرض بوضوح وسط الدخان والغبار، لكنني وجهت إلى التعويذة ما يكفي من المانا لتدمير كل شيء في محيطها. كانت على الأرجح أقوى هجوم استخدمته في حياتي. ومع ذلك، لم أستطع التوقف عن الارتجاف خوفًا. ما زلت أشعر بذلك الغضب، وكان أقرب بكثير الآن. كان يقترب بسرعة رهيبة. كنا بعيدين جدًا في البداية، لكنه أصبح قريبًا مني الآن. عضضت على أسناني لمنعها من الاصطكاك، وشددت قبضتي على يدي المرتجفتين، وأعدت العصا إلى الحامل على ظهري. ثم ركبت مدفع الجاتلينج على ذراعي اليمنى، ورفعت الدرع بيدي اليسرى. “هوو… هاا… آآه…” عندما توقفت لأخذ بعض الأنفاس العميقة، أدركت أن حتى حلقي كان يرتجف. رغم الخوف والقلق اللذين اجتاحاني، وجهت مدفع الجاتلينج نحو السحابة المتسارعة من الغبار. “هوو! هاا!” كنت بحاجة للحفاظ على المبادرة. إذا تركته يتحكم بالإيقاع، فسأكون قد انتهيت. هل تسببت له بأي ضرر؟ هل أثرت السموم على الباب، أو بخور الأفخاخ، أو أي من الحيل الأخرى التي أعددتها؟ لقد وضعت كل قوتي في تلك التعويذات الأربعة التي استخدمتها للتو. إذا لم تترك فيه أي أثر، فمن الصعب تخيل أن هذا المدفع سيؤثر عليه. ولكن، هل أصابت تعويذاتي أصلاً؟ ظللت أراقب ظله البشري يقترب. “أطلــــــق!” صرخت بالأمر، وبدأ مدفع الجاتلينج على ذراعي بإطلاق مقذوفات الحجارة بوتيرة لا تصدق. قطع الهواء عدد هائل من المقذوفات، حتى تحول صفيرها إلى صرخة. تطايرت الصخور السريعة نحو هدفها، ممزقة السحابة الغبارية التي أحاطت به، وكشفت عن رجل ذو شعر فضي ومعطف مهترئ، ووجهه مغطى بالسخام. هل أصبته؟ هل أثرت تعويذاتي عليه؟ نعم. رأيت قطرات من الدم تسيل من ذقنه، وحرقًا طفيفًا عند قاعدة عنقه. الضرر كان بسيطًا، لكن يمكنني إصابته. “غوه!” تلاقينا بالنظرات. عينيه الحادتين، مثل عينَي صقر، ركزتا عليّ. كان يحمل نظرة صياد عثر أخيرًا على فريسته. حاول أن يتجنب وابل الصخور بحركات جانبية. بتركيز كامل، وبعين البصيرة مفعلة، حاولت توقع تحركات أورستد. كان سريعًا بشكل لا يُصدق، مما جعل الاحتمالات تظهر أمامي بصورة مشوشة ومتداخلة. ومع ذلك، بذلت جهدي لتعديل هدفي وقطع طريق هروبه. رغم أن الزمن بين إطلاق كل قذيفة ووصولها إلى الهدف كان شبه معدوم، إلا أنه تمكن من تفاديها وكأنه رآها قادمة، بينما يواصل اقترابه مني تدريجيًا. خطوة واحدة هنا، خطوتان هناك. كان ينظر إليّ بنظرة ثاقبة كطائر جارح، يقترب مني ببطء وثبات. بين الحين والآخر، كانت إحدى “طلقات الحجارة” تصيبه، فيعبس قليلاً، لكن ذلك كان كل شيء. بدا وكأنه مقتنع بأن حتى الضربة المباشرة لن تكون قاتلة؛ بدا غير مبالٍ تمامًا. من مظهره، كانت هجماتي بلا قيمة بالنسبة له. وكأنه اعتاد على مواجهة خصوم مثلي بشكل منتظم. أما بالنسبة لي، فقد كنت أشعر برعب حقيقي. ذلك الهدوء الذي يشبه الزومبي وتركيزه الذي لا يتزعزع كان مخيفًا للغاية. شعور متزايد باليأس أخذ يتسرب إلى أعماقي، وكأن أي شيء أفعله لن يؤذيه. مع ذلك، ما زلت أملك الأفضلية. حاولت إقناع نفسي بهذه الفكرة. عندما خطا للأمام نحو اليمين، تحركت أنا للخلف إلى اليسار. وعندما انحرف نحو اليسار، تراجعت أنا إلى اليمين. في كل مرة حاول فيها التحرك، كنت أواجهه بوابل من الحجارة. طالما كنت أستطيع مواصلة هذا النمط، فلن يقترب مني أبدًا. كان الأمر يسير تمامًا كما تصورت. لزيادة الضغط، استخدمت يدي اليسرى لإلقاء تعويذة استهدفت الأرض تحت أقدامنا: “مستنقع الوحل”. سرعان ما شكلت التعويذة، ورفعت يدي لتنشيطها. لكن في تلك اللحظة، رفع أورستد يده اليسرى أيضًا نحوي. “تشويش السحر!” تعويذتي المكتملة تحولت إلى فوضى عشوائية بفعل اندفاع مفاجئ من طاقته، وبدأت بالتلاشي في سحابة من المانا. “تبا!” لكنني أعدت تشكيلها قسرًا، مجبرًا خيوط الطاقة على العودة إلى مكانها الصحيح. أصبحت قادرًا على فعل هذا الآن. لقد تعلمت أخيرًا كيفية القيام بذلك. أثناء تدريبي لـ “سيلفي” على استخدام “تشويش السحر”، كنت أتدرب أيضًا على مواجهة ذلك : إكمال التعويذة حتى بعد تشويشها. كل تلك الساعات من التدريب أثمرت في هذه اللحظة. توسعت عينا أورستد بدهشة. هل هذه أول مرة يرى فيها “تشويش السحر” يفشل؟ لكن قبل أن أستطيع استيعاب مفاجأته، استخدم أورستد تعويذة مضادة، فغطى المستنقع الذي صنعته بطبقة صلبة من الحجر. ومع ذلك، لم يتوقف؛ وجه يده اليمنى نحوي، فأجبت سريعًا بـ “تشويش السحر” خاصتي— وهج ساطع اخفى العالم. اندفاع من الرعب اخترقني. أوقفت هجوم مدفع الجاتلينج للحظة، وقفزت بكل قوتي إلى الجانب. يمكنني رؤية العالم مجددًا. كان هناك حفرة عميقة وكبيرة في المكان الذي كان أورستد يوجه إليه هجومه. لم أتمكن حتى من رؤية الهجوم نفسه. هل كان تعويذة نارية؟ أم شيئًا أكثر غرابة، كتعويذة جاذبية؟ ذلك الضوء… كان الموت نفسه. لم يكن هناك وقت للتفكير. أورستد يندفع نحوي بيده ممدودة، وعلى وجهه تعبير قاتل. لم يكن “تشويش السحر” مجديًا؛ فهو قادر على مواجهته كما أفعل أنا. وجهت يديّ الاثنتين نحوه، مانحًا المانا لتدفق عبرهما في الوقت ذاته. خطتي كانت إيقاف تقدم أورستد بواسطة مدفع “جاتلينج”، مع إلغاء سحره باستخدام “حجر الامتصاص”. لكن ما إن بدأت بتنفيذ الخطة، أدركت خطأي. تعويذته تلاشت، لكن في نفس اللحظة، تحولت حجارة مدفعي إلى غبار رملي قبل أن تصل إليه. استغل أورستد هذه الفرصة وأغلق المسافة بيننا بسرعة. يده اليمنى بقيت ممدودة نحوي، بينما سحب يده اليسرى إلى جانبه قبل أن يوجهها بضربة عنيفة نحو صدري. “آه…!” بمجرد إحساسي بالخطر، تحركت بغريزتي. جمعت كل ما لدي من قوة، وقفزت للخلف بأقصى سرعة ممكنة. “غوه!” لم أكن سريعًا بما يكفي. قبضته اصطدمت بدرعي الصدري، وأحدثت صوتًا كصفير الريح بينما شعرت بجسدي يُقذف في الهواء بسرعة خيالية. تحولت الصافرة إلى تحطم وتهشم مع اصطدامي بفروع الأشجار واحدة تلو الأخرى. هذا ما يعنيه أن تُلقى بعيدًا كأنك ورقة في مهب الريح. توقفت رحلتي العنيفة أخيرًا عندما اصطدمت بجذع شجرة عملاقة. التباطؤ المفاجئ كان أشبه بمطرقة تحطمت داخلي، شعرت وكأن أعضائي الداخلية قد تحطمت بالكامل. بدأت الرؤية تتلاشى من عينيّ، لكنني استعدت وعيي بسرعة بفضل الدوائر السحرية المنحوتة داخل درعي، والتي شفت جراحي تلقائيًا. نظرت إلى صدري لأجد أن الدرع كان محطمًا بشدة، مع شرخ عميق يكاد يقسمه إلى نصفين. كان الشرخ يُصلح نفسه ببطء شديد، ولكن على الأقل، حماني الدرع من تلك الضربة المدمرة. من حسن حظي أنني جعلت هذه القطعة من الدرع أكثر سماكة وصلابة من غيرها. لكن شعرت بتلك الهالة القاتلة تعود بسرعة. أورستد كان يندفع نحوي مجددًا، جاهزًا لتوجيه الضربة القاضية. شغّلت مدفع الجاتلينج مجددًا، مطلقًا وابلًا من الحجارة القاتلة باتجاهه. كان يتجنبها برشاقة، بينما مد يده اليمنى نحوي مرة أخرى. إن استمرت الأمور بهذا الشكل، سينتهي بي الأمر كما حدث قبل قليل. كانت هذه مشكلة كبيرة. لقد تسبب بضربة واحدة في ضرر هائل لدرعي، وإذا استمر في توجيه ضرباته، فسوف يخترقه في النهاية. كان عليّ التفكير في خطة جديدة. مواجهة أورستد بالسحر عن بعد لم تكن فعالة. كنت قادرًا على إلغاء “تشويش السحر”، لكنه كان يمتلك وسيلة لمقاومة الضرر السحري، مثل “مور” (معاون اتوفي) بالإضافة إلى ذلك، لم أكن أعرف نوع التعويذات التي يستخدمها. القتال عن بُعد لم يكن لصالحني، مما يعني أن الخيار الوحيد المتبقي هو المواجهة عن قرب. لم يكن لدي خيار آخر سوى المخاطرة. ” عليَّ أن أثق بقوة درع السحر. ”  عليّ أن أهزمه بقوتي البدنية وحدها. أطلقت وابلًا جديدًا من حجارة مدفع الجاتلينج، محاولًا إبقاء أورستد تحت الضغط، ثم اندفعت نحوه مطلقًا صرخة معركة لا تحمل كلمات. “آآآاااه!” “هممم!” تراجع أورستد بخطوة، ساحبًا يده اليمنى استعدادًا لهجمتي. اندفعت للأمام بكل قوتي، متقدمًا بدرعي المثبّت على ذراعي اليسرى، وأطلقت طاقتي من ساقيّ كما لو كنت كبشًا يندفع نحو هدفه. بلمح البصر، لاحظت أن أورستد اتخذ وضعية “أسلوب إله الماء” من خلال عين التنبؤ. دون تردد، حركت درعي للأمام، موجهًا النصل المثبت على طرفه باتجاهه. هذا السلاح كان مصممًا لإلحاق ضرر أكبر بالأعداء ذوي الدفاعات القوية. ربما سيعمل. اصطدمت بجسد أورستد بصوت معدني قوي، وكأنني اصطدمت بجدار صلب. لكن تأثير الهجوم أطاح به للخلف، وبدأت الدماء تتدفق من ذراعه. عيناه، المثبتتان عليّ، كانت تشتعل بالغضب والكراهية. كانت هذه فرصتي. رفعت مدفع “جاتلينج” وأطلقت وابلًا من الحجارة عليه. أصابته الحجارة في الهواء، ممزقة ما تبقى من ملابسه، وكاشفة عن جسد مليء بالكدمات والجروح. الحجارة استمرت في ضرب جلده العاري، مسببة رشقات جديدة من الدماء. أخيرًا، سقط أورستد على الأرض بصوت ارتطام مدوٍّ. يمكنني القيام بذلك. يمكنني قتله. طالما أستطيع توجيه ضربات مباشرة، فإن تعويذاتي قادرة على إحداث ضرر كبير. نعم، الحجارة ترتد عنه، لكنها تركت جروحه تنزف. إذا استمررت في إلحاق الأذى به، سينتهي به الأمر… “يبدو أنه لا خيار أمامي.” رغم المسافة بيننا وصخب هجوم الحجارة، سمعت صوته بوضوح. في تلك اللحظة، أصبح الهواء باردًا. جسدي ارتعش دون سيطرة، كما لو أنني دخلت فجأة إلى برية جليدية. توقفت عين التنبؤ عن رؤية أورستد، على الرغم من أن عيني الأخرى كانت ترى صورته بوضوح. قبل أن أتمكن من استيعاب ما حدث، اختفى تمامًا. “آآااه!” غريزتي صرخت بالخطر، فقفزت إلى اليمين بكل ما أملك. في تلك اللحظة، سمعت صوتًا حادًا يأتي من الجانب الأيسر. نظرت لأجد أورستد يقف بجانبي، ممسكًا بسيف يشبه الكاتانا. بدا وكأنه أنهى لتوه ضربة نظيفة. نظرت إلى يساري، لأرى يد درعي مقطوعة بالكامل، ساقطة على الأرض بثقل. “غرااااااه!” قبل أن أتمكن من الرد، أطلق أورستد زئيرًا مرعبًا اخترق أذني كالصاعقة. الصوت أصاب جسدي بالخدر، وتركني مشلولًا للحظة. كان هذا سحر الصوت، أحد تخصصات قبائل الوحوش. تأرجحت على حافة فقدان الوعي، لكن في اللحظة الأخيرة، جمعت نفسي وقفزت بعيدًا. أورستد قفز نحوي مجددًا، تاركًا حفرة في الأرض من قوته. حاولت التصدي له باستخدام مدفع “جاتلينج”، لكنه قطع السلاح بضربة واحدة، لتتناثر قطعه المحطمة على الأرض. لم يتبق لي سوى ذراعي اليمنى، والتي كانت عليها خدوش عميقة لكنها لم تُخترق بالكامل. أورستد كان أمامي الآن، سيفه منخفض بعد ضربته. في لحظة واحدة، جمعت المانا في يدي اليمنى. أطلقت أقوى نسخة من تعويذة البرق باتجاهه، وفي الوقت ذاته ضربت قبضتي المدرعة نحو وجهه بلا رحمة. لكن بدلاً من سماع صوت اصطدام، شعرت بضربتي تنزلق بلا تأثير. سيف أورستد كان مستقرًا على ذراعي، محرفًا مساري بالكامل. خلفه، كانت تعويذتي تشعل الغابة، مدمرة الأشجار الكبيرة. أدركت أنه حرف تعويذتي وضربتي في لحظة واحدة. قبل أن أفهم الأمر، تحرك سيفه مجددًا. “غراااااه!” سقطت ذراعي اليمنى بالكامل، بما في ذلك يدي داخل الدرع على الأرض. الألم كان ساحقًا، لكن حتى قبل أن أتمكن من الصراخ، اندفع أورستد بقدمه إلى معدتي. صوت صرير معدني قوي ملأ أذني. ارتفعت عن الأرض للحظة، وكل قوة ضربته اخترقت درعي مباشرة إلى جسدي. “بلييييرغ!” شعرت بالمرارة تعود من معدتي إلى فمي. عيني امتلأتا بالدموع، لكنني رفعت جذعي بصعوبة، موجّهًا جذع ذراعي نحو أورستد، وأطلقت موجة صدمة باتجاهه. لكنه قطعها بنصل سيفه وكأنها لا شيء. قبل أن أدرك ما حدث، ضربتني قدمه في وجهي. سقطت على الأرض دون مقاومة. عندما رفعت رأسي بصعوبة، رأيت أورستد يقف أمامي بسيفه مرفوعًا. “تطهير!” صرخت كلمة التفعيل دون وعي. اللوحات الخلفية لدرع السحر انفصلت فجأة، ساحبة إياي بعيدًا في اللحظة الأخيرة. شاهدت درعي يُقطع إلى نصفين في جزء من الثانية. ارتطمت بالأرض بقوة، متدحرجًا قبل أن أتوقف أخيرًا. لم أعد أستطيع رؤية أورستد، ولم يعد لدي أي خيارات. انتهى الأمر. “غااااااه…” لم أعد أشعر بشيء سوى الألم. كل جزء من جسدي يصرخ. لا يمكنني التحرك. أشعر أنني استنزفت كل قطرة من المانا داخلي. عيناه كانت مثبتة عليّ الآن. ركلته الأخيرة قذفتني مجددًا على الأرض. عندما استدرت على ظهري، شعرت بالبرودة التي يضغطها نصل سيفه على حلقي. سأموت… بعد كل هذا، لم يكن كافيًا “إذن، أنت هو روديوس جريرات. آخر ما سمعته عنك أنك استقريت وكونت عائلة. ما الذي يجعلك تأتي من أجل رأسي؟” بدا أن أورستد لا ينوي قتلي على الفور. ربما لأنه قد أعفاني من الموت مرة من قبل، أو لأنه يدرك أنني لم أعد قادرًا على الاستمرار في القتال. “الهيتوغامي … قال…” “همف. إذًا أنت أحد أتباعه، أليس كذلك؟ إذن مت. الآن.” رفع قدمه عن صدري ورفع سيفه عاليًا. “قال إنك تحاول تدمير العالم… وإن أحفادي سيساعدونك يومًا على قتله…” توقف أورستد عند هذه الكلمات. “ماذا؟” “قال لي إله الإنسان… إنه يقاتلك لأنه يريد حماية العالم.” “… “ “قال إنه إذا قتلتك، فلن يؤذي أطفالي… أو عائلتي…” انقلبت على بطني وتقدمت نحو أورستد. تشبثت به، وبدأت أتوسل إليه بصوت عالٍ يائس. كان هذا كل ما أستطيع فعله الآن. “أرجوك… لا تدمر العالم. يمكنك قتلي، لا يهمني. فقط لا تأخذ أطفالي… لا تسلبهم مستقبلهم! أرجوك، هذا… هذه هي المرة الأولى التي أشعر فيها بالسعادة. أرجوك، فقط اترك الهيتوغامي وشأنه. أرجوك، أتوسل إليك!” الدموع سالت على وجهي. كنت فاشلًا بلا قوة، والآن فقدت كرامتي أيضًا. كم أنا مثير للشفقة. مجرد حطام. ما خطبي بحق الجحيم؟ “… أخشى أنني لا أستطيع فعل ذلك.” في اللحظة التي سمعت فيها هذه الكلمات، غرست أسناني في قدم أورستد بقوة. “فغااااااااااه!” في ذات الوقت، رفعت جذع ذراعي اليمنى النازف عن الأرض، وجمعت كل ما تبقى لدي من المانا، وأمرت طاقتي بالانفجار. إذا كان علي أن أموت، فعلى الأقل سأأخذه معي. “تعطيل السحر!” ركلة حادة أطاحت بي بعيدًا. تشتت تركيزي، وتبددت الطاقة التي جمعتها بلا جدوى. بالكاد استطعت البقاء مستيقظًا. كنت أعلم أن أي استخدام إضافي للمانا في هذه اللحظة سيجعلني أفقد الوعي فورًا. “ربما تمتلك عامل لابلاس وما يرافقه من مخزون ضخم من المانا، لكن إلقاء هذا الكم من التعويذات القوية بشكل متتالٍ سيستنزفك في النهاية.” أثناء حديثه، انحنى أورستد ومد يده نحوي. سأموت. سيقتلني. لكن إذا متُّ، فلن يموت هو. وإذا لم يمت… ستفقد لوسي حياتها. وروكسي. وسيلفي. لا يمكنني السماح بحدوث ذلك. يجب أن أفوز! لكن جسدي لن يتحرك. وطاقتي قد نفدت. نزف الدم بغزارة من ذراعيَ المبتورتين. أفكاري أصبحت غائمة وبطيئة. العالم من حولي بدأ يظلم. يد أورستد اقتربت أكثر حتى أصبحت كل ما أراه. اللعنة… اللعنة… اللعنة على كل هذا… على الأقل، كان يجب أن أختار اسمًا همم؟!” فجأة، قفز أورستد مبتعدًا عني. “مم…؟” رفعت بصري لأجد شخصًا آخر يقف بيننا. كانت امرأة طويلة ترتدي سروالًا داكنًا وسترة أنيقة. في يدها، كانت تحمل سيفًا بيد واحدة ذو نصل فضي. لكن ظهرها كان موجهًا نحوي، لذلك لم أستطع رؤية وجهها. آه، انتظر. أتعرف هذا الشعر… كان متموجًا، يصل إلى خصرها، ويتوهج بلون أحمر ناري مفعم بالحياة. “آسفة على التأخير، يا روديوس.” إيريس جريرات كانت تقف أمامي

 
على بعد يومين شمالاً باتجاه الشمال الشرقي من مدينة شاريا كانت هناك قرية مهجورة ابتلعتها الغابة.
قبل نحو أربعين عامًا، تسببت كارثة سحرية في تمدد الغابة المحيطة بسرعة هائلة، ما أدى إلى اجتياح القرية وإجبار سكانها على الرحيل. ومنذ ذلك الحين، لم يزر هذا المكان سوى الوحوش التي تجوب الغابة، وأحيانًا المغامرون الذين يأتون لصيدها.
اليوم، اتجه رجل نحو هذه القرية. رجل ذو شعر فضي وعينين ذهبيتين، يرتدي معطفًا أبيض من الجلد. كان يتنقل بحذر، يراقب محيطه بتركيز وهو يقترب من وجهته. لم يكن يمتطي جوادًا ولا يسافر بعربة، بل كان يسير بهدوء عبر الغابة، ينظر بين الحين والآخر إلى أداة تشبه البوصلة يمسكها بيده اليسرى.
لم تجرؤ الوحوش على الاقتراب منه. عيون لامعة كانت تراقبه من أعماق الغابة، لكن حتى أشرس الكائنات كانت تهرب كالسناجب المذعورة عندما يقترب.
“هل هذا هو المكان؟”
عندما وصل إلى أطراف القرية المهجورة التي تشير إليها بوصلة يده، توقف للحظة وراقب المكان بصمت.
“لماذا طلبت مني أن آتي إلى مكان كهذا…؟”
بخطوات بطيئة وحذرة، دخل الرجل إلى القرية المدمرة. الشوارع التي كانت يومًا مرتبة غطاها العشب، وحقولها تحولت إلى أحراش. الأشجار العملاقة اخترقت أسطح المنازل المهجورة، وبعضها تغطى تمامًا بالكروم، ليبدو وكأنه تلال خضراء متشابكة.
سرعان ما توقف الرجل مرة أخرى عندما وصل إلى مركز القرية، حيث كان يوجد بئر قديم فيما مضى. هناك، برز هيكل غريب:
أسطوانة طويلة صفراء اللون، وهي البناء الوحيد في القرية بأكملها الذي لم يغطيه أي أثر للنباتات. كانت جدرانه الحجرية وبابه الأمامي بحالة جيدة، مما يدل على أنه بُني حديثًا.
نظر الرجل إلى البوصلة في يده اليسرى، وتأكد من أن إبرتها تشير مباشرة إلى هذا البرج. ببطء وحذر، أمسك بمقبض الباب.
“ناناهوشي، هل أنت هنا؟”
كان داخل البرج بسيطًا للغاية. لا نوافذ ولا ممرات. الأرضية كانت زلقة بطريقة غريبة، وكأنها مغطاة بطبقة من الزيت. بجانب الجدار، وُضعت عدة أكياس خيش منتفخة، وشيء يشبه مبخرة تُطلق رائحة غريبة تُشير إلى أنها ما زالت مشتعلة.
“ما هذا المكان؟”
تفحص الرجل الغرفة بعينيه، ولاحظ وجود باب آخر في الجدار المقابل. بخطوات حذرة ولكن بثقة، اتجه نحوه وأمسك بمقبضه. شعر بوخزة صغيرة في كفه، وعندما تفحص يده، لم يجد أي أثر للدم.
“همم… هل أتخيل الأمور؟”
دخل الغرفة التالية، التي كانت مشابهة تمامًا للأولى في تصميمها. نظرًا لأن البرج يقع على منحدر، بدا أن جزءًا منه تحت الأرض.
كلما تعمق الرجل في الداخل، ازداد حذره. علامات مكتوبة على الجدران تحمل رسائل مثل “يُرجى خلع الأحذية هنا” و”على جميع الضيوف ارتداء القبعة”، لكنه تجاهلها تمامًا.
بعض الأبواب كانت مزودة بفخاخ صغيرة تبدو وكأنها مخصصة للفئران. كان الرجل يتجنبها بحذر، مستمرًا في تقدمه من غرفة إلى أخرى.
وأخيرًا، وصل إلى غرفة غريبة للغاية. كانت دائرية ومرتفعة، ولا سقف لها. عندما نظر إلى الأعلى، رأى جزءًا من السماء. شعر وكأنه يقف في قاع مدخنة.
“ما الذي يجري هنا؟”
تجهم وجهه مع ازدياد شكوكه، لكن إبرة البوصلة أشارت إلى منتصف الغرفة، حيث وُضع صندوق صغير فوق ورقة. اقترب منه بحذر، وقرأ الكلمات المكتوبة على الورقة:
“إله البشر”
مد يده بسرعة لالتقاط الصندوق، وفتح غطاءه.
“ما هذا؟!”
انفجرت سحب كثيفة من الدخان فورًا.
بينما أسقط الصندوق واتخذ وضعية دفاعية، سمع صوت ارتطام معدني صغير. حلقة فضية سقطت على الأرض بجوار الصندوق الذي ما زال ينبعث منه الدخان بكثافة غريبة.
بدت الحلقة وكأنها انطلقت من داخل الصندوق عندما اصطدم بالأرض. لسبب ما، كانت تومض بضوء أحمر خافت، وإبرة البوصلة أشارت إليها مباشرة.
“ناناهوشي؟”
مد الرجل يده لالتقاط الحلقة.
في اللحظة التالية، أضاءت السماء بوميض هائل.
“غوه!”
ركل الأرض محاولًا الابتعاد، لكن الأرضية الزيتية خانته. فقدت حذاؤه الثبات تمامًا.
وفي تلك اللحظة، سقطت صاعقة ضخمة فوق إله التنين أورستد.

روديوس
من موقعي فوق القرية المهجورة، كنت أراقب بعناية النقطة التي استدرجت إليها أورستد. في اللحظة التي رأيت فيها الدخان يتصاعد في الهواء، أطلقت تعويذة برق نحو الهدف بكل القوة التي استطعت حشدها.
كنت واثقًا من أنني أصبته. لقد تدربت مرارًا من أجل هذا اليوم، وغلفت الأرضية بزيت نباتي حتى لا يتمكن من تفادي تعويذتي في اللحظة الأخيرة.
لكن بالطبع، ضربة واحدة لن تكون كافية لإسقاطه. لا يمكن لشخص بهذا الضعف أن يكسب سمعة كأقوى مخلوق في العالم، ليس بوجود وحوش مثل أتوفي.
غرست عصاي في الأرض، ودفعت إليها طاقة المانا بينما أتخيل غيمة عاصفة هائلة—خلية عاصفية داكنة ومضطربة. كانت تلك تعويذة من مستوى القديس في عنصر الماء، تُعرف باسم “كيومولونيمبوس”. في لحظة، غطت السماء سحابة سوداء ضخمة، وبدأت الأمطار الغزيرة تتساقط، ترافقها صواعق البرق.
دفعت المزيد من الطاقة إلى العصا، شعرت بها تسحب المانا من أعماقي، وتركتها تفعل ذلك بحرية. هذه المرة، تخيلت الجليد، وتوقفت حركة الجزيئات في مركز القرية، مما أدى إلى انخفاض سريع في درجة الحرارة.
“نوفا الصقيع.”
كانت تعويذة استخدمتها من قبل عدة مرات، لكن ليس بهذه القوة أو على منطقة واسعة كهذه. قطرة بعد قطرة من المطر الذي انهمر على القرية تجمدت على الفور. تشكلت طبقات من الجليد بسرعة، وتجمعت في جسم عملاق واحد. عندما أصبح بحجم جبل جليدي، أوقفت التعويذة.
لكن لم ينتهِ الأمر بعد. وجهت المزيد من المانا إلى العصا، وخلقت صخرة في السماء فوق القرية. تجاهلت تكلفة المانا، ووسعت حجمها بثبات حتى أصبحت ضخمة بحيث لا يمكن تفاديها، ثم أطلقتها مباشرة للأسفل بأقصى سرعة.
في لحظة، اصطدمت الصخرة بالأرض. اهتزت الأرض تحت قدمي، وأعقب ذلك صوت انفجار مدوٍ ورياح عاتية.
رفعت ذراعي لتحجب عينيّ عن العاصفة، ونظرت إلى عملي. الجبل الجليدي تحطم، ودفن ثلثا الصخرة العملاقة في الأرض. بدا أن من المستحيل أن يكون أي شيء قد نجا من هذا الاصطدام.
“هل انتهيت منه؟”
لم يكن هناك أي حركة في القرية. بدا وكأن الأمر قد انتهى بالفعل. على الأقل، كنت آمل ذلك.
ولكن فجأة، تحطمت الصخرة العظيمة. “إيييي!”
شعرت بغضبه القاتل حتى من هذه المسافة. اجتاحتني قشعريرة باردة، وارتجفت ساقاي، وامتلأت عيناي بالدموع.
بمجرد أن استطعت التحرك، قفزت إلى درع السحر الذي كنت قد أعددته بجانبي. كما تدربت مئات المرات، وجهت الطاقة إلى جميع مكوناته، وتحكمت في أطرافه، ومددت يدي لأمسك بعصاي. لم يستغرق الأمر وقتًا، لكن الغضب كان يقترب بسرعة.
مع اكتمال إجراءات التفعيل، ركزت على هجومي التالي.
اندفعت المانا مني، عبر الدرع، إلى العصا في يدي اليمنى. دفعت بالطاقة بقصد استنزاف نفسي تمامًا.
تخيلت انفجارًا نوويًا.
وجهت عصاي نحو عدوي، وأطلقت التعويذة بكل ما لدي من قوة.
ظهر وميض هائل في مركز القرية، واجتاحت موجة من الحرارة والضوء الأرض. من طرف عيني، رأيت الأشجار تُحرق على الفور، وتتحول إلى رماد متفحم. أعقب ذلك انفجار موجة صادمة.
الدرع السحري الذي كنت أرتديه يزن عدة أطنان. تحمل الحرارة والموجة دون أن يهتز قيد أنملة.
بعد أن هدأت موجة الدمار تمامًا، نظرت إلى القرية. سحابة فطرية ضخمة ارتفعت فوقها. لم أتمكن من رؤية الأرض بوضوح وسط الدخان والغبار، لكنني وجهت إلى التعويذة ما يكفي من المانا لتدمير كل شيء في محيطها. كانت على الأرجح أقوى هجوم استخدمته في حياتي.
ومع ذلك، لم أستطع التوقف عن الارتجاف خوفًا.
ما زلت أشعر بذلك الغضب، وكان أقرب بكثير الآن. كان يقترب بسرعة رهيبة. كنا بعيدين جدًا في البداية، لكنه أصبح قريبًا مني الآن.
عضضت على أسناني لمنعها من الاصطكاك، وشددت قبضتي على يدي المرتجفتين، وأعدت العصا إلى الحامل على ظهري. ثم ركبت مدفع الجاتلينج على ذراعي اليمنى، ورفعت الدرع بيدي اليسرى.
“هوو… هاا… آآه…”
عندما توقفت لأخذ بعض الأنفاس العميقة، أدركت أن حتى حلقي كان يرتجف.
رغم الخوف والقلق اللذين اجتاحاني، وجهت مدفع الجاتلينج نحو السحابة المتسارعة من الغبار.
“هوو! هاا!”
كنت بحاجة للحفاظ على المبادرة. إذا تركته يتحكم بالإيقاع، فسأكون قد انتهيت.
هل تسببت له بأي ضرر؟ هل أثرت السموم على الباب، أو بخور الأفخاخ، أو أي من الحيل الأخرى التي أعددتها؟ لقد وضعت كل قوتي في تلك التعويذات الأربعة التي استخدمتها للتو. إذا لم تترك فيه أي أثر، فمن الصعب تخيل أن هذا المدفع سيؤثر عليه. ولكن، هل أصابت تعويذاتي أصلاً؟
ظللت أراقب ظله البشري يقترب.
“أطلــــــق!”
صرخت بالأمر، وبدأ مدفع الجاتلينج على ذراعي بإطلاق مقذوفات الحجارة بوتيرة لا تصدق. قطع الهواء عدد هائل من المقذوفات، حتى تحول صفيرها إلى صرخة.
تطايرت الصخور السريعة نحو هدفها، ممزقة السحابة الغبارية التي أحاطت به، وكشفت عن رجل ذو شعر فضي ومعطف مهترئ، ووجهه مغطى بالسخام.
هل أصبته؟ هل أثرت تعويذاتي عليه؟
نعم. رأيت قطرات من الدم تسيل من ذقنه، وحرقًا طفيفًا عند قاعدة عنقه. الضرر كان بسيطًا، لكن يمكنني إصابته.
“غوه!”
تلاقينا بالنظرات. عينيه الحادتين، مثل عينَي صقر، ركزتا عليّ. كان يحمل نظرة صياد عثر أخيرًا على فريسته.
حاول أن يتجنب وابل الصخور بحركات جانبية.
بتركيز كامل، وبعين البصيرة مفعلة، حاولت توقع تحركات أورستد. كان سريعًا بشكل لا يُصدق، مما جعل الاحتمالات تظهر أمامي بصورة مشوشة ومتداخلة. ومع ذلك، بذلت جهدي لتعديل هدفي وقطع طريق هروبه.
رغم أن الزمن بين إطلاق كل قذيفة ووصولها إلى الهدف كان شبه معدوم، إلا أنه تمكن من تفاديها وكأنه رآها قادمة، بينما يواصل اقترابه مني تدريجيًا.
خطوة واحدة هنا، خطوتان هناك.
كان ينظر إليّ بنظرة ثاقبة كطائر جارح، يقترب مني ببطء وثبات. بين الحين والآخر، كانت إحدى “طلقات الحجارة” تصيبه، فيعبس قليلاً، لكن ذلك كان كل شيء. بدا وكأنه مقتنع بأن حتى الضربة المباشرة لن تكون قاتلة؛ بدا غير مبالٍ تمامًا.
من مظهره، كانت هجماتي بلا قيمة بالنسبة له. وكأنه اعتاد على مواجهة خصوم مثلي بشكل منتظم.
أما بالنسبة لي، فقد كنت أشعر برعب حقيقي. ذلك الهدوء الذي يشبه الزومبي وتركيزه الذي لا يتزعزع كان مخيفًا للغاية. شعور متزايد باليأس أخذ يتسرب إلى أعماقي، وكأن أي شيء أفعله لن يؤذيه.
مع ذلك، ما زلت أملك الأفضلية.
حاولت إقناع نفسي بهذه الفكرة. عندما خطا للأمام نحو اليمين، تحركت أنا للخلف إلى اليسار. وعندما انحرف نحو اليسار، تراجعت أنا إلى اليمين. في كل مرة حاول فيها التحرك، كنت أواجهه بوابل من الحجارة. طالما كنت أستطيع مواصلة هذا النمط، فلن يقترب مني أبدًا. كان الأمر يسير تمامًا كما تصورت.
لزيادة الضغط، استخدمت يدي اليسرى لإلقاء تعويذة استهدفت الأرض تحت أقدامنا: “مستنقع الوحل”.
سرعان ما شكلت التعويذة، ورفعت يدي لتنشيطها. لكن في تلك اللحظة، رفع أورستد يده اليسرى أيضًا نحوي.
“تشويش السحر!”
تعويذتي المكتملة تحولت إلى فوضى عشوائية بفعل اندفاع مفاجئ من طاقته، وبدأت بالتلاشي في سحابة من المانا.
“تبا!”
لكنني أعدت تشكيلها قسرًا، مجبرًا خيوط الطاقة على العودة إلى مكانها الصحيح.
أصبحت قادرًا على فعل هذا الآن. لقد تعلمت أخيرًا كيفية القيام بذلك. أثناء تدريبي لـ “سيلفي” على استخدام “تشويش السحر”، كنت أتدرب أيضًا على مواجهة ذلك : إكمال التعويذة حتى بعد تشويشها. كل تلك الساعات من التدريب أثمرت في هذه اللحظة.
توسعت عينا أورستد بدهشة. هل هذه أول مرة يرى فيها “تشويش السحر” يفشل؟
لكن قبل أن أستطيع استيعاب مفاجأته، استخدم أورستد تعويذة مضادة، فغطى المستنقع الذي صنعته بطبقة صلبة من الحجر. ومع ذلك، لم يتوقف؛ وجه يده اليمنى نحوي، فأجبت سريعًا بـ “تشويش السحر” خاصتي—
وهج ساطع اخفى العالم.
اندفاع من الرعب اخترقني. أوقفت هجوم مدفع الجاتلينج للحظة، وقفزت بكل قوتي إلى الجانب.
يمكنني رؤية العالم مجددًا.
كان هناك حفرة عميقة وكبيرة في المكان الذي كان أورستد يوجه إليه هجومه. لم أتمكن حتى من رؤية الهجوم نفسه. هل كان تعويذة نارية؟ أم شيئًا أكثر غرابة، كتعويذة جاذبية؟
ذلك الضوء… كان الموت نفسه.
لم يكن هناك وقت للتفكير. أورستد يندفع نحوي بيده ممدودة، وعلى وجهه تعبير قاتل.
لم يكن “تشويش السحر” مجديًا؛ فهو قادر على مواجهته كما أفعل أنا.
وجهت يديّ الاثنتين نحوه، مانحًا المانا لتدفق عبرهما في الوقت ذاته. خطتي كانت إيقاف تقدم أورستد بواسطة مدفع “جاتلينج”، مع إلغاء سحره باستخدام “حجر الامتصاص”. لكن ما إن بدأت بتنفيذ الخطة، أدركت خطأي.
تعويذته تلاشت، لكن في نفس اللحظة، تحولت حجارة مدفعي إلى غبار رملي قبل أن تصل إليه. استغل أورستد هذه الفرصة وأغلق المسافة بيننا بسرعة.
يده اليمنى بقيت ممدودة نحوي، بينما سحب يده اليسرى إلى جانبه قبل أن يوجهها بضربة عنيفة نحو صدري.
“آه…!”
بمجرد إحساسي بالخطر، تحركت بغريزتي. جمعت كل ما لدي من قوة، وقفزت للخلف بأقصى سرعة ممكنة.
“غوه!”
لم أكن سريعًا بما يكفي.
قبضته اصطدمت بدرعي الصدري، وأحدثت صوتًا كصفير الريح بينما شعرت بجسدي يُقذف في الهواء بسرعة خيالية. تحولت الصافرة إلى تحطم وتهشم مع اصطدامي بفروع الأشجار واحدة تلو الأخرى.
هذا ما يعنيه أن تُلقى بعيدًا كأنك ورقة في مهب الريح.
توقفت رحلتي العنيفة أخيرًا عندما اصطدمت بجذع شجرة عملاقة. التباطؤ المفاجئ كان أشبه بمطرقة تحطمت داخلي، شعرت وكأن أعضائي الداخلية قد تحطمت بالكامل.
بدأت الرؤية تتلاشى من عينيّ، لكنني استعدت وعيي بسرعة بفضل الدوائر السحرية المنحوتة داخل درعي، والتي شفت جراحي تلقائيًا.
نظرت إلى صدري لأجد أن الدرع كان محطمًا بشدة، مع شرخ عميق يكاد يقسمه إلى نصفين. كان الشرخ يُصلح نفسه ببطء شديد، ولكن على الأقل، حماني الدرع من تلك الضربة المدمرة. من حسن حظي أنني جعلت هذه القطعة من الدرع أكثر سماكة وصلابة من غيرها.
لكن شعرت بتلك الهالة القاتلة تعود بسرعة. أورستد كان يندفع نحوي مجددًا، جاهزًا لتوجيه الضربة القاضية.
شغّلت مدفع الجاتلينج مجددًا، مطلقًا وابلًا من الحجارة القاتلة باتجاهه. كان يتجنبها برشاقة، بينما مد يده اليمنى نحوي مرة أخرى.
إن استمرت الأمور بهذا الشكل، سينتهي بي الأمر كما حدث قبل قليل.
كانت هذه مشكلة كبيرة. لقد تسبب بضربة واحدة في ضرر هائل لدرعي، وإذا استمر في توجيه ضرباته، فسوف يخترقه في النهاية.
كان عليّ التفكير في خطة جديدة. مواجهة أورستد بالسحر عن بعد لم تكن فعالة. كنت قادرًا على إلغاء “تشويش السحر”، لكنه كان يمتلك وسيلة لمقاومة الضرر السحري، مثل “مور” (معاون اتوفي) بالإضافة إلى ذلك، لم أكن أعرف نوع التعويذات التي يستخدمها.
القتال عن بُعد لم يكن لصالحني، مما يعني أن الخيار الوحيد المتبقي هو المواجهة عن قرب.
لم يكن لدي خيار آخر سوى المخاطرة.
” عليَّ أن أثق بقوة درع السحر. ”
 عليّ أن أهزمه بقوتي البدنية وحدها.
أطلقت وابلًا جديدًا من حجارة مدفع الجاتلينج، محاولًا إبقاء أورستد تحت الضغط، ثم اندفعت نحوه مطلقًا صرخة معركة لا تحمل كلمات.
“آآآاااه!”
“هممم!”
تراجع أورستد بخطوة، ساحبًا يده اليمنى استعدادًا لهجمتي.
اندفعت للأمام بكل قوتي، متقدمًا بدرعي المثبّت على ذراعي اليسرى، وأطلقت طاقتي من ساقيّ كما لو كنت كبشًا يندفع نحو هدفه.
بلمح البصر، لاحظت أن أورستد اتخذ وضعية “أسلوب إله الماء” من خلال عين التنبؤ. دون تردد، حركت درعي للأمام، موجهًا النصل المثبت على طرفه باتجاهه. هذا السلاح كان مصممًا لإلحاق ضرر أكبر بالأعداء ذوي الدفاعات القوية. ربما سيعمل.
اصطدمت بجسد أورستد بصوت معدني قوي، وكأنني اصطدمت بجدار صلب. لكن تأثير الهجوم أطاح به للخلف، وبدأت الدماء تتدفق من ذراعه. عيناه، المثبتتان عليّ، كانت تشتعل بالغضب والكراهية.
كانت هذه فرصتي. رفعت مدفع “جاتلينج” وأطلقت وابلًا من الحجارة عليه. أصابته الحجارة في الهواء، ممزقة ما تبقى من ملابسه، وكاشفة عن جسد مليء بالكدمات والجروح. الحجارة استمرت في ضرب جلده العاري، مسببة رشقات جديدة من الدماء.
أخيرًا، سقط أورستد على الأرض بصوت ارتطام مدوٍّ.
يمكنني القيام بذلك. يمكنني قتله.
طالما أستطيع توجيه ضربات مباشرة، فإن تعويذاتي قادرة على إحداث ضرر كبير. نعم، الحجارة ترتد عنه، لكنها تركت جروحه تنزف.
إذا استمررت في إلحاق الأذى به، سينتهي به الأمر…
“يبدو أنه لا خيار أمامي.”
رغم المسافة بيننا وصخب هجوم الحجارة، سمعت صوته بوضوح.
في تلك اللحظة، أصبح الهواء باردًا.
جسدي ارتعش دون سيطرة، كما لو أنني دخلت فجأة إلى برية جليدية. توقفت عين التنبؤ عن رؤية أورستد، على الرغم من أن عيني الأخرى كانت ترى صورته بوضوح. قبل أن أتمكن من استيعاب ما حدث، اختفى تمامًا.
“آآااه!”
غريزتي صرخت بالخطر، فقفزت إلى اليمين بكل ما أملك.
في تلك اللحظة، سمعت صوتًا حادًا يأتي من الجانب الأيسر.
نظرت لأجد أورستد يقف بجانبي، ممسكًا بسيف يشبه الكاتانا. بدا وكأنه أنهى لتوه ضربة نظيفة. نظرت إلى يساري، لأرى يد درعي مقطوعة بالكامل، ساقطة على الأرض بثقل.
“غرااااااه!”
قبل أن أتمكن من الرد، أطلق أورستد زئيرًا مرعبًا اخترق أذني كالصاعقة. الصوت أصاب جسدي بالخدر، وتركني مشلولًا للحظة. كان هذا سحر الصوت، أحد تخصصات قبائل الوحوش.
تأرجحت على حافة فقدان الوعي، لكن في اللحظة الأخيرة، جمعت نفسي وقفزت بعيدًا.
أورستد قفز نحوي مجددًا، تاركًا حفرة في الأرض من قوته. حاولت التصدي له باستخدام مدفع “جاتلينج”، لكنه قطع السلاح بضربة واحدة، لتتناثر قطعه المحطمة على الأرض.
لم يتبق لي سوى ذراعي اليمنى، والتي كانت عليها خدوش عميقة لكنها لم تُخترق بالكامل. أورستد كان أمامي الآن، سيفه منخفض بعد ضربته.
في لحظة واحدة، جمعت المانا في يدي اليمنى.
أطلقت أقوى نسخة من تعويذة البرق باتجاهه، وفي الوقت ذاته ضربت قبضتي المدرعة نحو وجهه بلا رحمة.
لكن بدلاً من سماع صوت اصطدام، شعرت بضربتي تنزلق بلا تأثير.
سيف أورستد كان مستقرًا على ذراعي، محرفًا مساري بالكامل. خلفه، كانت تعويذتي تشعل الغابة، مدمرة الأشجار الكبيرة.
أدركت أنه حرف تعويذتي وضربتي في لحظة واحدة.
قبل أن أفهم الأمر، تحرك سيفه مجددًا.
“غراااااه!”
سقطت ذراعي اليمنى بالكامل، بما في ذلك يدي داخل الدرع على الأرض. الألم كان ساحقًا، لكن حتى قبل أن أتمكن من الصراخ، اندفع أورستد بقدمه إلى معدتي.
صوت صرير معدني قوي ملأ أذني. ارتفعت عن الأرض للحظة، وكل قوة ضربته اخترقت درعي مباشرة إلى جسدي.
“بلييييرغ!”
شعرت بالمرارة تعود من معدتي إلى فمي. عيني امتلأتا بالدموع، لكنني رفعت جذعي بصعوبة، موجّهًا جذع ذراعي نحو أورستد، وأطلقت موجة صدمة باتجاهه.
لكنه قطعها بنصل سيفه وكأنها لا شيء.
قبل أن أدرك ما حدث، ضربتني قدمه في وجهي.
سقطت على الأرض دون مقاومة.
عندما رفعت رأسي بصعوبة، رأيت أورستد يقف أمامي بسيفه مرفوعًا.
“تطهير!”
صرخت كلمة التفعيل دون وعي.
اللوحات الخلفية لدرع السحر انفصلت فجأة، ساحبة إياي بعيدًا في اللحظة الأخيرة. شاهدت درعي يُقطع إلى نصفين في جزء من الثانية.
ارتطمت بالأرض بقوة، متدحرجًا قبل أن أتوقف أخيرًا.
لم أعد أستطيع رؤية أورستد، ولم يعد لدي أي خيارات. انتهى الأمر.
“غااااااه…”
لم أعد أشعر بشيء سوى الألم.
كل جزء من جسدي يصرخ. لا يمكنني التحرك. أشعر أنني استنزفت كل قطرة من المانا داخلي.
عيناه كانت مثبتة عليّ الآن.
ركلته الأخيرة قذفتني مجددًا على الأرض. عندما استدرت على ظهري، شعرت بالبرودة التي يضغطها نصل سيفه على حلقي.
سأموت… بعد كل هذا، لم يكن كافيًا
“إذن، أنت هو روديوس جريرات. آخر ما سمعته عنك أنك استقريت وكونت عائلة. ما الذي يجعلك تأتي من أجل رأسي؟”
بدا أن أورستد لا ينوي قتلي على الفور. ربما لأنه قد أعفاني من الموت مرة من قبل، أو لأنه يدرك أنني لم أعد قادرًا على الاستمرار في القتال.
“الهيتوغامي … قال…”
“همف. إذًا أنت أحد أتباعه، أليس كذلك؟ إذن مت. الآن.”
رفع قدمه عن صدري ورفع سيفه عاليًا.
“قال إنك تحاول تدمير العالم… وإن أحفادي سيساعدونك يومًا على قتله…”
توقف أورستد عند هذه الكلمات. “ماذا؟”
“قال لي إله الإنسان… إنه يقاتلك لأنه يريد حماية العالم.”
“… “
“قال إنه إذا قتلتك، فلن يؤذي أطفالي… أو عائلتي…”
انقلبت على بطني وتقدمت نحو أورستد.
تشبثت به، وبدأت أتوسل إليه بصوت عالٍ يائس.
كان هذا كل ما أستطيع فعله الآن.
“أرجوك… لا تدمر العالم. يمكنك قتلي، لا يهمني. فقط لا تأخذ أطفالي… لا تسلبهم مستقبلهم! أرجوك، هذا… هذه هي المرة الأولى التي أشعر فيها بالسعادة. أرجوك، فقط اترك الهيتوغامي وشأنه. أرجوك، أتوسل إليك!”
الدموع سالت على وجهي. كنت فاشلًا بلا قوة، والآن فقدت كرامتي أيضًا.
كم أنا مثير للشفقة. مجرد حطام. ما خطبي بحق الجحيم؟
“… أخشى أنني لا أستطيع فعل ذلك.”
في اللحظة التي سمعت فيها هذه الكلمات، غرست أسناني في قدم أورستد بقوة.
“فغااااااااااه!”
في ذات الوقت، رفعت جذع ذراعي اليمنى النازف عن الأرض، وجمعت كل ما تبقى لدي من المانا، وأمرت طاقتي بالانفجار.
إذا كان علي أن أموت، فعلى الأقل سأأخذه معي.
“تعطيل السحر!”
ركلة حادة أطاحت بي بعيدًا. تشتت تركيزي، وتبددت الطاقة التي جمعتها بلا جدوى. بالكاد استطعت البقاء مستيقظًا. كنت أعلم أن أي استخدام إضافي للمانا في هذه اللحظة سيجعلني أفقد الوعي فورًا.
“ربما تمتلك عامل لابلاس وما يرافقه من مخزون ضخم من المانا، لكن إلقاء هذا الكم من التعويذات القوية بشكل متتالٍ سيستنزفك في النهاية.”
أثناء حديثه، انحنى أورستد ومد يده نحوي.
سأموت. سيقتلني. لكن إذا متُّ، فلن يموت هو. وإذا لم يمت… ستفقد لوسي حياتها. وروكسي. وسيلفي. لا يمكنني السماح بحدوث ذلك. يجب أن أفوز!
لكن جسدي لن يتحرك. وطاقتي قد نفدت.
نزف الدم بغزارة من ذراعيَ المبتورتين. أفكاري أصبحت غائمة وبطيئة. العالم من حولي بدأ يظلم.
يد أورستد اقتربت أكثر حتى أصبحت كل ما أراه.
اللعنة… اللعنة… اللعنة على كل هذا…
على الأقل، كان يجب أن أختار اسمًا
همم؟!”
فجأة، قفز أورستد مبتعدًا عني.
“مم…؟”
رفعت بصري لأجد شخصًا آخر يقف بيننا. كانت امرأة طويلة ترتدي سروالًا داكنًا وسترة أنيقة. في يدها، كانت تحمل سيفًا بيد واحدة ذو نصل فضي.
لكن ظهرها كان موجهًا نحوي، لذلك لم أستطع رؤية وجهها.
آه، انتظر. أتعرف هذا الشعر…
كان متموجًا، يصل إلى خصرها، ويتوهج بلون أحمر ناري مفعم بالحياة.
“آسفة على التأخير، يا روديوس.”
إيريس جريرات كانت تقف أمامي

الفصل الثامن: كوغماير ضد إله التنين  

---

ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن

أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات
لا تنسى وضع تعليق للمترجم فهذا يساعده على الاستمرار ومواصلة العمل عندما يرى تشجيعًا.

Comment

اعدادات القارئ

لايعمل مع الوضع اليلي
لتغير كلمة إله الى شيء أخر
إعادة ضبط