نظرًا لتوقف عرض الإعلانات على الموقع بسبب حظره من شركات الإعلانات ، فإننا نعتمد الآن بشكل كامل على دعم قرائنا الكرام لتغطية تكاليف تشغيل الموقع وتوجيه الفائض نحو دعم المترجمين. للمساهمة ودعم الموقع عن طريق الباي بال , يمكنك النقر على الرابط التالي
paypal.me/IbrahimShazly
هذا المحتوى ترفيهي فقط ولايمت لديننا بأي صلة. لا تجعلوا القراءة تلهيكم عن صلواتكم و واجباتكم.

روشيدير | الفصل 14

لـم أستطع تذوق سوى الكريمة. لستُ أمزح!

لـم أستطع تذوق سوى الكريمة. لستُ أمزح!

” حسنًا، لقد اكتفينا لهذا اليوم. يُسـمح لطلاب السنة الأولى بالذهاب.”
“مهلاً. أأنت متأكد؟”
” أجل، لا يزال طلبة السنة الثانية لدينا بحاجة إلى لقاء بعض الـمعلمين، وقد تطول الـمقابلة، لذا لا تقلق بشأننا واذهب. عمل جيد اليوم!”
“أراكم غدًا…”
كانت يوكي تعتزم الانتظار حتى يحضر من يأتي لاصطحابها، فما كان من ماساتشيكا وأليسا إلا أن لبّيا أمر تويا وانصرفا من غرفة مجلس الطلاب.
(والآن، كيف سأفعل هذا؟)
فكر ماساتشيكا في كيفية بدء الحديث أثناء سيرهما إلى الـمنزل من الـمدرسة. لـم يكن لديه أي شيء مهم للمناقشة على وجه الخصوص. كان يريد ببساطة مناقشة خطط حملتهم الانتخابية للترشح لـمنصب رئيس مجلس الطلاب ونائبه العام الـمقبل. على الرغم من ذلك، كان ماساتشيكا لا يزال يشعر ببعض الضيق بعد ما حدث صباح ذلك اليوم. لـم تكن تصرفات أليسا الغريبة منذ عودتها من اجـتـماعها مع يوكي في صالح الوضع. كان في حيرة، متوترًا من ردها.
(نعم… فعلت يوكي شيئًا لها.)
بدا أن يوكي قد تعلقت بأليسا (بطريقة سيئة) في عطلة نهاية الأسبوع الـماضي عندما كانوا الثلاثة معًا. كان التنكيل بشخص جاد وتنافسي مثل أليسا متعةً لها. كانت ترى في أليسا الصديقة الـمثالية، أو اللعبة الـمثالية، لذلك كان من السهل تخيلها تستخدم لسانها الفضي الأنثوي للتلاعب بأليسا.
(أففف… لا فائدة من تخيل “ماذا لو”.)
تنهد في داخله وهو يسير بجانب أليسا التي كانت منطوية على نفسها وعابسة، لكن سرعان ما لـمح مطعمًا مألوفًا فاستجمع قواه وكسر الصـمت.
“أمم.. آليــــــا؟”
“نعم؟”
“أتودين تناول شيء ما؟”
“هاه…؟”
أليسا حدّقت مذهولةً عندما أشار ماساتشيكا إلى الـمطعم.
“أوه، آه… ظننت أننا سنناقش استراتيجيتنا لانتخابات مجلس الطلاب العام القادم.”
“…أوه.”
ضيقت عينيها وأومأت برأسها بتردد.
“حسنًا، لا بأس.”
“عظيـم.”
ماساتشيكا هبّ إلى الـمطعم مسرعاً، مرتاحًا لأنّها لـم ترفض طلبه، ولكنّه في اللحظة التي وضع فيها يده على الباب…
】إذن هذا ليس موعدًا… 【
طُعن من الخلف بجـمـلة روسية مميتة.
(ياااااااااااا إلهي! فقط الجبان من يهاجم من الخلف!)
في داخله، صرخ صرخة الساموراي الذي يتعرض للهجوم، لكنه تشبث بـمقبض الباب بركبة مرتعشة، وجر نفسه إلى داخل الـمطعم. بعد أن أُرشدا إلى مقاعدهما، جلسا مقابل بعضهما البعض وطلبا الـمشروبات.
“اه… سأطلب القهوة بالحليب.”
“أود مشروب الصودا بالبطيخ والـمثلجات بالشوكولاتة.”
“…؟!”
“…ماذا؟”
“لا شيء…”
لـم يستطع إخفاء دهشته. كان طلب مشروب غازي من البطيخ الحلو مع مثلجات الشوكولاتة شديدة الحلاوة أمرًا ينافي الذوق السليـم. تغيرت ملامح أليسا بشكل غير مريح بعد أن أدركت مدى استغرابه، فقالت:
“أنا منهكة عقليًا، لن أستطيع التفكير بشكل سليـم بدون شيء حلو. تدرك ذلك، صحيح؟”
“اه~هاه… على كل حال، هذا كل ما سنطلبه.”
الجزء الحلو لـم يكن الـمشكلة. مزيج الأطعمة هو الـمـشكلة. ومع ذلك، تجاهل ماساتشيكا ذلك وأخبر النادلة أنهم انتهوا من الطلب.
“إذن.. أحدث شيء بينك وبين يوكي؟” سأل بتردد، راغبًا في تبديد أي شكوك أثناء انتظارهم لـمشروباتهم.
“لا شيء، في الحقيقة.”
كانت إجابتها قصيرة، لكنها صرفت نظرها بعجل، مما دل على أن شيئًا ما حصل.
(يوكي!! ما الذي فعلته لها؟)
أدار ماساتشيكا رأسه وهو يسبُّ يوكي في قرارة نفسه، وألِيسا ألْقَتْ نظرة خاطفة عليه قبل أن تعود إلى ما كانت تفعله.
“…قلت لها فقط أنني سأترشح لرئاسة مجلس الطلاب معك. هذا كل شيء.” همست.
“أوه…”
رغم أنه كان يدرك أن هناك أكثر مما قيل، إلا أنه توقف عن طرح أسئلة.
“اسـمـع.”
ولكن بعد أن نظرت إليه نظرات خفية عدة مرات، كانت أليسا هي التي تكلمت أولاً بنظرة عزم مصـمم.
“همم؟”
“هل أنت ويوكي… تتواعدان؟”
“مستحيل.” رد ماساتشيكا على الفور، وبدا على وجهه الجدية الشديدة. بالطبع لـم يكونا على علاقة. وعلى الرغم من أنه قد بدا سؤالاً منطقياً لأليسا التي لـم تكن تعلم أنهم أشقاء، إلا أن السؤال السخيف جعله يريد أن يصرخ قائلاً: “أهذا ما تظنينه؟ لعبة مواعدة؟”
“…لستـما كذلك؟”
” قطعا لا.”
أغمضت عينيها، فتابع بحسرة.
“لا أعرف ما قاله لك يوكي، لكننا… مثل الأخوة. لا نشعر بأي مشاعر رومانسية تجاه بعضنا البعض.”
“لكن يوكي قالت…”
“تنهد… اسـمعي. لا تأخذي كل ما تقوله على محمل الجد. قد تبدو وكأنها فتاة مهذبة، لكنها ليست كذلك. إنها تـمازحك لأنها تستـمتع برؤيتكِ منزعجةً.”
“…”
حدقت فيه أليسا وكأنها لـم تكن راضية عن تفسيره، لكن الوقت كان قد فات. مع عودة النادلة بالطلب، شرع ماساتشيكا في مناقشة العـمل.
“إذن.. بخصوص انتخابات العام الـمقبل…”
أخذ رشفة من قهوته بالحليب، بيـنـما شربت أليسا صودا البطيخ، ونظرا إلى بعضهما البعض.
” سأصارحكِ. نحن سنخسر أمام يوكي بهذا الـمعدل.”
“…!”
رفعت أليسا حاجبها الأيـمن عند سـماعها كلامه الصريح. وضعت مشروبها فورًا وألقت على ماساتشيكا نظرةً حادة.
“تبدو واثقًا من نفسك للغاية.”
“لأنني على حق. لقد رسخت يوكي مكانتها كرئيسة مستقبلية.”
أرخى ماساتشيكا كتفيه، غير مبالٍ بنظرة أليسا الحادة.
“ألا تظنين أن نقص أعضاء السنة الأولى في مجلس الطلاب أمرًا غريبًا؟ عادةً ما يكون هناك ما لا يقل عن ثلاث ثنائيات يرغبون في الترشح لـمنصب الرئيس ونائب الرئيس. في الفصل الدراسي الأول من الـمدرسة الإعدادية، كان هناك ست ثنائيات بـما في ذلك يوكي وأنا. أي أنه كان هناك اثنا عشر عضوًا.”
“اثنا عشر عضوًا؟! هذا كثير…”
“وهو كذلك، ولكن معظمهم انسحبوا خلال الـمناظرة الانتخابية التـمهيدية، لذلك لـم يترشح سوى ثلاث ثنائيات فعليًا للرئاسة.”
“مناظرة؟”
“نعم، مؤتـمر طلابي. آه، صحيح. لـم يـمر سوى عام منذ أن انتقلت، لذا أعتقد أنني يجب أن أشرح لك أولاً ما هو مؤتـمر الطلاب.”
الـمؤتـمر الطلابي هو في الأساس ندوة تعقد في القاعة الكبرى لحل الـمشكلات عندما لا يتـمكن الـمعنيون من الوصول إلى نتيجة بأنفسهم أو عندما يكون لدى الطلاب العامين موضوعات يريدون أن يناقشها مجلس الطلاب. ثـمَّ يُبدي كلُّ مُمثِّل رأيه، ويُصوت الجمهور. يشهد كل طالب ما أقره الـمؤتـمر الطلابي، مما خول مجلس الطلاب سلطة تنفيذ تلك القرارات وتطبيقها.
” على سبيل الـمثال، لو لـم نستطع حل الـمشكلة بين فريق كرة القدم وفريق البيسبول أمس، لربـما انتهى بنا الـمطاف إلى إجراء مناقشة في قاعة الـمحاضرات. ولكن الـمبالغة في هذه القضية ربـما تؤدي إلى خلق بعض الضغائن، لذلك عادة ما نحاول إيجاد نقطة تفاهـم بين الأطراف الـمعنية بدلاً من ذلك. نعقد مؤتـمرات الطلاب فقط عند الضرورة القصوى.”
“أوه.. واو، كنت أعلم أنهم يقومون بشيء ما في القاعة من وقت لآخر، لكنني لـم أكن أعلم أنهم كانوا يعقدون مناظرات.”
“تُنظم مؤتـمرات الطلاب من قبل مجلس الطلاب، ولكن الرئيس ونائب الرئيس هما من يقومان بالأعمال الرئيسية، أما نحن الأعضاء العاديون فنقوم بالأساس بأعمال روتينية مثل معالجة نـماذج التقديـم والـمساعدة في الأعمال الصغيرة الـمتفرقة.”
“مثير للاهتـمام… ولكن ما علاقة هذه الـمناظرات بالانتخابات؟”
“همم؟ أوه… الـمؤتـمرات الطلابية لها طابع خاص عندما يكون هناك عدة مرشحين للرئاسة.”
في كثير من الأحيان، كانوا يعقدون مؤتـمرًا لـمناقشة خلاف الآراء حول سير مجلس الطلاب. كان في الأساس مناظرة. كانوا يجادِلون حتى يتضح الفائز، فكان الـمناظرون يُقيَّـمون ويُحكم عليهم بناءً على أدائهم.
“بـمجرد أن تُحكمي على جاذبيتكِ وقدرتكِ على الإقناع وما شابه ذلك في الـمناظرة، يصبح تغيير رأي أي شخص شبه مستحيل. ستُهزمين حتى قبل بدء الانتخابات. أعني.. تخيلي كم سيكون مُرهقًا عاطفيًا أن تستـمري في العمل مع شخصٍ سحقك للتو في الـمناظرة، أليس كذلك؟ لذلك.. وفي معظم الأوقات، يضطر الخاسرون إلى ترك مجلس الطلاب بأنفسهم.”
” الآن فهمت الأمر…”
“عادة ما يقصي بعضكم البعض من السباق بهذه الطريقة حتى يبقى ثلاث أو أربع ثنائيات فقط. ليس كل من يترشح للرئاسة يكون عضوًا في مجلس الطلاب، ولكن حتى ذلك الحين، فإن الأمور واضحة أنها غير عادية هذا العام.”
قبل انضـمام ماساتشيكا، كانت يوكي وأليسا الطالبتين الوحيدتين من السنة الأولى. انضمَّ عددٌ قليلٌ من الأعضاء الآخرين بشكلٍ مؤقتٍ، ولكنَّ كلَّ واحدٍ منهم غادر في النهاية. وبعبارةٍ أخرى…
” استسلم الجميع بالفعل لأنهم يعلمون أنهم لن يستطيعوا هزيـمة يوكي في السباق. وذلك لقوة ثقة الناس بأنها ستصبح الرئيسة التالية.”
“…”
“لا حاجة إلى أن أشرح لكِ مزايا رئاسة مجلس الطلاب في هذه الـمدرسة، أليس كذلك؟ إن قيـمة اللقب وحدها تستحق العناء. لقد حدث تزوير واسع النطاق في الانتخابات قبل بضع سنوات…”
كانت أليسا تشعر بـمشاعر متضاربة وهي تستـمع إلى ماساتشيكا وهو يتحدث عن الانتخابات بنبرة جادة غير مألوفة. لقد اعتادت على توبيخِه دائـمًا بسبب كسله، حتى أن رؤيتها له وهو يأخذ عمله في مجلس الطلاب بجديةٍ كبيرةٍ صعّبت عليها الأمر. جعلها تشعر… بعدم الارتياح. بالإضافة إلى ذلك، لـم تعجبها حقيقة أن ماساتشيكا بدا غير مبالٍ بوجودهما وحدهما في مطعم.
(تســـــك، أن تبدو متكبرًا هكذا أمر هين بالنسبة لك…)
لـم تحظى أليسا بالعديد من الأصدقاء، ولأنها كانت دائـمًا متحفظة، فقد كانت هذه هي الـمرة الأولى التي تذهب فيها إلى مطعم بـمفردها مع شخص من الجنس الآخر. كانت حتى على استعداد أن تعترف لنفسها أن الكلـمـة الروسية التي همستها عند الباب كانت تعبيرًا صادقًا عن مشاعرها. توقعت أنها إذا دُعيت إلى مطعمٍ بعد الـمدرسة فهذا يعني موعدًا، بفضل ما ملأته ماريا في عقلها من الـمعرفة عن القصص الـمصورة الرومانسية. كانت مشتتة الذهن. هل تجلس أمامه؟ أم بجانبه؟ ماذا سيفعلون إذا رآهم أحد من الـمدرسة؟ هل سـيـمر أحد بالصدفة ويراهم إذا جلسوا بجانب النافذة؟ دارت في ذهنها مئات السيناريوهات الـمقلقة، ومع ذلك كان الأمر كما لو أنها كانت الوحيدة التي تهتـم.
(ما مشكلته؟ أهو معتاد على اصطحاب الفتيات إلى المطاعم على هذا النحو؟ أعني، أعتقد أنه على علاقة بفتيات أخريات غير يوكي.)
تذكّرت أليسا وعده لها عندما صافحها في طريق العودة إلى الـمنزل في اليوم السابق، فاشتعل غضبها من جديد. حاولت أن تشرب عصير البطيخ الخاص بها وأن تنسى الأمر، ولكن الإحباط ظل يلازمها. فجأةً.. شعرت بشيء حاد ينقر لسانها، ففتحت فمها على مصراعيه، لتجد أنها قد عضت على القشة كثيرًا حتى أصبحت مسطحةً تـمامًا. (لا عجب أنني كنت بالكاد أحصل على أي صودا)، فكرت.. حياءً من سلوكها الطفولي.
“…ولكن، حسنًا، بفضل ذلك، يُفترض أن انتخاباتنا الآن نزيهة.”
جلس ماساتشيكا مقابل أليسا، وكان لا يزال يتحدث بجدية عن الانتخابات، ولكن كل ما قاله دخل من أذن وخرج من الأخرى. رغم أنها شعرت بضرورة الاستماع، إلا أنها لـم تستطع التركيز مطلقًا.
“أووه.. حقًا؟ كم هذا مثير للاهتـمام.”
“أليس كذلك؟ لذا بدلاً من ذلك، يتنافس الـمرشحون في مناظرة حيث―”
أجابت أليسا بجوابٍ عابرٍ دون مبالاةٍ قبل أن تأخذ قضـمةً من الـمثلجات. امتدت حلاوة الـمثلجات بالشوكولاتة والفانيليا في فمها… عندما قَضَـمت فجأة على شيء صلب. كانت تلك ملعقتها، فأخرجتها بسرعة من فمها في حالة ذعر.
“آلـــــــيا؟ أتستـمـعين؟”
“…!”
احمر وجهها خجلاً وإذلالاً، وهي ترى الشخص الذي تنتقده عادةً بسبب عدم انتباهه ينظر إليها نظرة شك.
“أنا مصغية. لقد كنت مشغولةً بتناول الـمثلجات للحظة واحدة فقط. هذا كل شيء.”
“…آه~هاه. حسنًا.. لا بد أن طعمها لذيذ.”
هزّ رأسه مترددًا وكأنه فهم، لكن نظرته الـمُشكِكة كانت تقول: لكن أهي حقًا لذيذة جدًا؟ وزاد خجلها من ذلك.
(ما مشكلتك؟! السبب الوحيد في تشتت انتباهي اليوم هو أنت، أتعلم ذلك؟!)
احتدت في داخلها ثورة من الغضب غير الـمبرر، وحنقت حنقًا غير معقول، ثـم غضت الطرف عن نظراته الـمتشككة. عندها أبصرت الـمثلجات من طرف عينها فخطرت لها فكرة رائعة فجأة.
(هيه… هيه~هيه~هيه… لنرى كيف سيكون تركيزه بعد أن أجعله يشعر بنفس الطريقة التي أشعر بها!)
أثارت أفكارها الجانب التنافسي لديها، فابتسـمت ابتسامة ماكرة.
“أتود أخذ قضـمـة؟” قالت بابتسامة شيطانية.
“…؟! أوه..لا. لا بأس…”
” لكنك قلت إنها تبدو لذيذة، أليس كذلك؟ هيا.. لا تكن خجولاً.” أردفت ذلك بهدوء وهي تغرف الكريـمة الـمـخفوقة مع صلصة الشوكولاتة فوقها، ثـم دفعته بها في وجهه مباشرة، دون أن تترك له مجالًا للهروب. “ها أنت ذا.. إليك القليل.”
كان ارتفاع الـملعقة الذي كانت تحملها دليلًا واضحًا على أنها لـم تكن تـمنحه إياها، ومع أنها لـم تقل “افتح فـمك.. الطائرة قادمة”، كان من الواضح أنها كانت تحاول إطعامه.
(ما هذا؟ ما الذي يحدث؟ لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا. لم نكن نتغازل أو أي شيء من هذا القبيل، أليس كذلك؟ متى حدث ذلك؟)
كما توقعت أليسا.. ماساتشيكا لـم يستطع السيطرة على قلقه. لكن رغـم ذلك، صدمته لـم تكن مثيرة للاهتـمام كما كانت تأمل.
“أوه، أمم… دعيني أسأل النادلة إذا كان بـمـقدورها أن تأتي لنا بـملعقة أخرى.”
“لا تشغل وقتها بشيء كهذا. بالإضافة إلى ذلك، ستزيد من أعباءهم في غسل الأواني الفضية.”
“لــــكن…”
أي نوع من هوس الإذلال هذا؟ ماساتشيكا استند إلى الوراء بغير وعي، لكن ذلك لـم يـمنع أليسا من مد ذراعها أكثر.
“عجّل وخذ قضـمة… هذا أمرٌ طبيعي في روسيا.”
“مهلاً.. بجدية؟”
كان معظم ما يعرفه عن روسيا من خلال الأفلام والكتب، ولـم يكن قد زارها من قبل، لذلك ظن أن التقبيل غير الـمباشر ربما لـم يكن موجودًا فيها…
(واضحٌ أنها تكذب، لا مجال للشك.)
أدرك ذلك على الفور عندما حول بصره من الـملعقة إلى أليسا، التي كان وجهها يوحي بالـمؤامرة من النظرة الأولى، ولكن عند النظر إليها عن كثب، لاحظ أن أطراف أذنيها وحتى أصابعها كانت حمراء. كان الأمر أكثر بروزًا بفعل بشرتها البيضاء.
(ما الذي حل بها؟ لماذا تفعلين شيئًا كهذا إذا كان يسبب لك الإحراج؟)
بعد أن استعاد هدوءه، أصبح ماساتشيكا أكثر قلقًا بشأنها بدلاً من أن يكون مهتـمًا بنفسه. أظهرت تعابيره ذلك جليًا، فعادت أليسا إلى رشدها أيضًا.
(ما الذي أفعله؟)
وإذا بـمشاعر الخجل تُغلِب عليها فورًا حين أدركَت الحقيقة. شعرت بأنّ جسدها كله يشتعل، وكأنّ كلّ من في الـمطعم يلاحقها بنظراته، ولـم تعد تحتـمل أكثر من ذلك. ولكنها أدركت أن التراجع الآن سيزيد من إحراجها، فاحتفظت بالـملعقة في مكانها وحافظت على تعابير وجهها بصعوبة.
“هيا أسرع… الكريـمة ستذوب.”
“أوه… حسنًا…”
أدرك ماساتشيكا أنها لن تتراجع الآن أيضًا، لذا فقد توقف عن محاولة إقناعها بالتوقف.
(لم أكن أتوقع قبلة غير مباشرة هنا…لكنها لن تكون مشكلة. لقد أعددت نفسي بالفعل وسبق لي أن مارست الفكرة مع ماشا من قبل!)
قد يكون قد أخطأ في تقدير الـموقف سابقًا، ولكن الـموقف لـم يكن مختلفًا كثيرًا عما كان يعتقده. كان الشعور بالخجل يعني هزيـمته، وكان يريد أن يكون منتصراً، وهذا يعني أن يحافظ على هدوئه ويكمل هذه الـمهمة بنجاح!
(الشيء الوحيد المختلف هذه المرة هو أن كوب الورق أصبح ملعقة الآن. هذا كل شيء… هذا― هذا أمر مهم! إننا نتحدث عن ملعقة. شيء كان للتو داخل فم آليا، يلامس لسانها. وضع ذلك في فمي لن يكون مجرد قبلة غير مباشرة. سيكون… قبلة فرنسية غير مباشرة؟!)
أرخى أعصابه وحاول تقييـم الوضع بهدوء، لكن سرعان ما فقد هدوئه من جديد. وبينـما كان ينظر إلى شفتيها، قالت:
“افتح فمك حتى آخره. ♪”
وإذ كانت أليسا تتحدث، بدا له لـمعان أسنانها البيضاء الناصعة ولسانها الأحمر.
(أوه! لا تُريني لسانك! هذا مثير جدًا! لا أستطيع تحمل المزيد! أوه! شكرًا لكِ على إخباري أن الفتيات الجميلات لديهن شفاه جميلة أيضًا!)
كان في داخله يقاسي من الآلام. لعلّها كانت غرائزه البدائية، لكنه أطاعها وفتح فمه كطير صغير جائع يناجي أمه.
“آاااااااااه…”
دخلت الـملعقة فمه بهدوء، ولف شفتيه حولها دون وعي. تبددت خطة استعمال أسنانه الأمامية في كشط الحلوى اللذيذة عن الـملعقة من ذهنه تـمامًا.
(يا إلهي! لقد حدثت قبلة فرنسية غير مباشرة للتو! لقد تبادلنا قبلة فرنسية غير مباشرة! هل أنا فقط، أم أننا نتحرك بسرعة كبيرة جدًا؟ بسرعة كبيرة جدًا؟ … نتحرك بسرعة كبيرة من أجل ماذا؟ ما الذي أتحدث عنه حتى؟)
تخيل ماساتشيكا نفسه يصدم رأسه بالرصيف الخارجي، ويوكي تنظر إليه بابتسامة دنيئة. “هيـــــه.. كيف كان طعم آليا؟” قالت بصوتٍ خبيثٍ، بينـما كانت تربت عليه على كتفه بطريقةٍ خبيثةٍ. توقف ماساتشيكا عن ضرب رأسه، ثـم قام ليصفعها على وجهها. كانت مصدر إزعاج حتى في خياله.
“…إنها حلوة.” قال ماساتشيكا بإيجاز، فقد كان شديد التوتر بحيث لـم يستطع قول أي شيء آخر.
“…أوه.”
ولكن لـم يكن في وسع أليسا أن تنتقد ردة فعله، فسحبت ذراعها.
(في الحقيقة، الجو كله حلو! … هذا كله بسببك أيتها الأجواء الحلوة الحمقاء!)
(كيف وصلنا إلى هذا الحد؟ كنا نتحدث حديثًا جادًا منذ لحظات. مهلاً… لـم يرانا أحد، أليس كذلك؟)
دارت عينا ماساتشيكا في أرجاء الـمكان… حتى ظن أنه رأى شخصاً يعرفه خارج النافذة.
(هل هذه… تانياما؟)
بدأ يتساءل إن كانت هي بالفعل حتى تنهدت أليسا، فعاد إلى الواقع. عندما أعاد بصره إلى أليسا، رمقته بنظرة تحمل قدرًا كبيرًا من المهابة.
“إذن، ما هي خطتك لهزيـمة يوكي بعد كل ذلك؟”
عُيُونها كانت ثابتة وهي تسأله رغم الـموقف الصعب. كان ما أذهله هو لـمعان روحها الذي أعمى بصره في مواجهة الـمحنة.
(أتمزحين معي؟ “ما هي خطتك لهزيـمة يوكي بعد كل ذلك؟”)
(آليا.. لا يمكنكِ أن تغيري موقفكِ فجأة وكأن شيئًا لم يحدث!)
لعله كان يـمزح في سره، ولكنه كتـم كل تلك الأفكار بعيدًا وسايرها لأنه أراد تجنب الـمزيد من الإحراج.
“حسنًا… علينا فقط أن نسلك طريقًا مختلفًا.”
“طريقًا مختلفًا؟”
“لا أمل لنا في الانتصار إذا حاولنا مواجهتها مباشرةً… ولهذا السبب يجب علينا تغيير طريقة الهجوم والوصول إلى الطلاب بطريقة مغايرة لطريقة يوكي.”
“هل يـمكنك أن توضح أكثر؟”
“همم…”
دارت عينا ماساتشيكا للحظة.
“مـثلـمـا يصوت الناس لـمطربهم الـمفضل في فرقة غنائية، فأنتِ بحاجة إلى دعم الجميع لتتـمكني من التفوق على الـمغني الرئيسي، أي للتفوق على الأفضل.”
“…ما الذي تقوله؟ يصوت الجمـيع لـمن يفضلونه، أليس كذلك؟”
” ليس بالضرورة. فبينـما تكون انتخابات رئيس مجلس الطلاب في الغالب مسابقة شعبية، لا يحتاج الـمشجعون إلى التسجيل للحصول على حق التصويت، على عكس التصويت لفرقة غنائية. يلزم كل طالب في الـمدرسة بالتصويت، وهذا يعني أن الأشخاص الذين لا يهتـمون حقًا بـمن سيصبح الرئيس القادم سيصوتون للخيار الأكثر أمانًا. بعبارة أخرى، سيختارون الرئيس السابق في الـمرحلة الإعدادية، الذي أثبت نجاحه وهو شخص يثقون به. أقول صدقًا، فعلت الأمر نفسه في الانتخابات الأخيرة. دعمتُ الرئيس السابق، وكنتُ مندهشًا عندما فاز شخص آخر.”
“أجل… الآن وقد ذكرت ذلك، لـم يكن كانزاكي عضوًا في مجلس الطلاب في الـمرحلة الإعدادية.”
“أليس كذلك؟ وإذا ترشح نفس الشخصين الـمنتخبين في الـمرحلة الإعدادية معًا في الـمرحلة الثانوية، فهناك احتـمال سبعين بالـمائة على ما يبدو أن يتـم إعادة انتخابهما، مما يجعل فوز تويا أكثر إثارة للإعجاب عند التفكير فيه.” قال ماساتشيكا ذلك وهو يخرج مجموعة من الأوراق من حقيبته. كانت صحيفة مدرسية صدرت العام الـماضي من قبل جماعة صحيفة الـمدرسة.
“ماذا؟ ❞طريق النصر: الحلقة الخامسة لتويا كانزاكي ❝ ؟”
“نعم، وجد أحد أعضاء نادي الصحف في ذلك الوقت أن الأمر لافت للنظر أن يحاول شخص غير متـمـيز مثل تويا أن يصبح الرئيس التالي، لذلك أجرى معه مقابلة. يبدو أن تويا أعطى هذا الشخص الإذن أيضًا باستخدام اسـمه الحقيقي في القصة الـمميزة، وذلك من أجل بث الأمل في نفسه أيضًا.”
“هممم… لا يـمكن للمرء أن يترك حذره أبدًا إذا كان يشعر بأنه تحت الـمراقبة الـمستـمرة.”
“أجل، أكاد أجزم أن الرجل الذي أجرى الـمقابلة معه كان يـمزح معه، ولكن مع ذلك، ومع مرور الزمن.. بدأت ملامح وجهه تتبدل بوضوح، وتحسنت درجاته. بدأت تبدو وكأنها قصة نجاح حقيقية، مما نال إعجاب جميع القراء وجعلهم يتعاطفون معه، مما أدى في النهاية إلى فوزه.”
“إذن هذا ما كنت تقصده عندما قلت إنه كان لديه قصة جعلت الناس يرغبون في التصويت له؟ بـمعنى آخر، أظهر للطلاب الآخرين كفاحه وعمله الشاق؟”
“أنت سريعة الفهم. هذا ما أقصده تـمامًا.”
ابتسـم ماساتشيكا لشريكته بابتسامة رضى واضحة، وهو يرفع فنجان القهوة بالحليب ليأخذ رشفة أخرى… لكن تفكيره كان منشغلاً بشيء آخر طوال الوقت.
(إذن… ماذا تنوي أن تفعل بالملعقة؟)
الـمـلعقة التي أدخلتها في فـمه غصبًا عنه، تلك الـمـلعقة التي يقصدها ماساتشيكا. كانت الآن موضوعةً على منديلٍ أمام أليسا، لكن ما زال لديها أكثر من نصف كوب الـمـثلجات لتأكله، وسيذوب إذا لـم تبدأ في تناوله قريبًا. ألـم تلاحظ ذلك؟ أو كانت تتصنع عدم ملاحظته؟ وفي الوقت نفسه، كانت أليسا تقلب صفحات الجريدة التي أحضرها ماساتشيكا باهتـمام… أو ربـما كانت تتظاهر بالقراءة بينـما كانت تفكر في أمر آخر.
(ماذا سأفعل بهذه الـمـلعقة؟)
…كانوا يفكرون في الشيء نفسه تـمامًا. بعد أن هدأت، كادت أليسا تـموت خجلاً. حتى هي نفسها لـم تكن تعرف لـماذا كانت تتصرف بطريقة تنافسية للغاية في وقت سابق. (كان ينبغي علي أن أبدأ في تناول المثلجات مباشرة بعد إطعامه)، فكرت. كانت تستطيع أن تعود إلى استعمال الـملعقة دون أن تُظهر شيئًا بعد أن ضايقت ماساتشيكا، وكان ذلك كافيًا. ولكن بعد أن وضعتها لأي سبب كان، كان يزداد صعوبة عليها بمرور الوقت أن تأخذها مرة أخرى.
(إنه خطأ كوزي لأنه وضع الملعقة كلها في فمه بهذه الطريقة… اضبط سلوكك أيها المتطفل!)
نظرت أليسا إلى الـملعقة، وسرعان ما ألقت باللوم على ماساتشيكا فيـمـا حدث… عندما رأت فجأة بعض بقايا الكريـمة التي لـم يأكلها على الـمـلعقة، فأدارت رأسها بعيدًا.
(شفتاه تركتا أثرًا… أرى بوضوح مكان ملامسة شفتيه! شفتاااااااااه!)
شعرت بدوار بسيط وهي في حالة من الذعر. عندها تكلم ماساتشيكا بتردد:
“عفوًا.. أمم، هل يـمكنني طلب شيء ما؟”
“ماذا؟”
فيـما كانت أليسا ترمش في حيرة، نظر ماساتشيكا حوله ثـم ابتسـم ابتسامة خجولة ومُرَّة في آنٍ واحد.
“أثارت رائحة الطعام شهيتي من جديد… أظن أنني كنت مخطئًا عندما تخطيت وجبة الإفطار، أليس كذلك؟”
“اوه… اطلب ما تريد.”
فتح قائمة الطعام وقلب صفحاتها حتى عثر على شيء يلفت نظره. لـم يلبث أن ظهرت النادلة بعد أن ضغط على جرس الطلبيات.
“بـم أخدمك؟”
“آه.. لقد أردت أن أطلب شيئًا آخر. هل هذا ممكن؟”
“تفضل.”
“أيـمكنني الحصول على السبانخ باللحم الـمقدد الـمقلي، وطبق التوفو مابو بأسلوب شنغهاي، وطبق جانبي من الأرز، وكوبين من الـماء، من فضلك؟”
“سبانخ باللحم الـمقدد الـمقلي، وطبق التوفو مابو بأسلوب شنغهاي، وطبق جانبي من الأرز، وكوبين من الـماء، هل هناك شيء آخر يمكنني خدمتك به؟”
“أتساءل فقط إذا كان من الـممكن أن يكون طبق التوفو مابو حاراً جداً؟”
“بالطــــبع.”
“مهلاً. أأنت جاد؟” قالت أليسا ذلك وهي تتراجع للخلف. ابتسـمت النادلة لها ابتسامة مرحة، ثـم عادت تنظر إلى ماساتشيكا.
“يـمكنك الحصول عليه بدرجة حرارة مضاعفة، أو ثلاثة أضعاف، أو خمسة أضعاف، أو حتى عشرة أضعاف. فماذا ستختار؟”
“ما مقدار حرارة عشرة أضعاف؟”
“حسنًا.. أمم…”
بعد إلقاء نظرة خاطفة على يسارها ثـم يـمينها، خفضت النادلة صوتها واستـمرت:
“صدقني، إنه حار جدًا. جربته مرة واحدة، ولـم أستطع تناول أكثر من قضـمة واحدة منه. سيسبب لك ألـمًا كبيرًا في معدتك.”
“إنه كذلك، صحيح؟ جيد.”
“ما الذي يبدو جيدًا في ذلك؟” قاطعت أليسا حديثه بوجه خالٍ من التعبير، لكن ماساتشيكا تجاهلها.
“إذًا سأختار الحار بـمقدار عشرة أضعاف.”
“بالتأكيد. هل هذا كل شيء؟”
“هل من الـممكن أن نطلب ملعقة أخرى؟” سأل ماساتشيكا، مشيرا إلى الــملعقة التي أمام أليسا بعينيه.
“بالطبع. سأعود حالاً.” أجابت النادلة دون تطفل. بعد التأكد من رحيلها، نظرت أليسا إلى ماساتشيكا التي كان يضع القائـمة على الطاولة.
“لـم يكن ذلك ضروريًا.” تذمرت.
“أتقصدين الـملعقة؟ أنا محرج. هذا كل شيء. قد يكون طبيعيًا في روسيا، لكن الرجال اليابانيين لا يستطيعون تحمل مثل هذه الأمور.”
“أها…”
بدت مترددة في البداية، ثـم ارتسـمت ابتسامة مثيرة على شفتيها.
“أستغرب جدًا أن يزعجك أمر كهذا، كوزي. لا بد أنك أقل خبرة مما كنت أظن. كنت أعتقد أنك اعتدت على فعل مثل هذه الأشياء مع الفتيات.”
ارتسـمت على حاجبي ماساتشيكا علامة من الإحباط، فقد كان يهتـم بها فقط.
” إذا سألتني، فأنا أكثر دهشة من عدم اهتـمامك. يجب أن تكون القبلات غير الـمباشرة شائعة في روسيا.” هسهس بابتسامة مشدودة، فتسبب ذلك في عبوس أليسا وشد جبينها في صـمت. بعد لحظات قليلة، اشتكت قائلة:
【 لن أفعل ذلك مع أي شخص آخر غيرك، أيها الأحمق. 】
(إنجاز جديد: لقد حصلت للتو على أول قبلة غير مباشرة من آليا! تهانينا، ماساتشيكا!)
(شكرًا… هل حان أجلي اليوم؟)
حدق ماساتشيكا في النافذة وهو يستـمع إلى الإعلان الـمفاجئ في ذهنه، لكنه استيقظ من شروده عندما عادت النادلة فجأة بـملعقة جديدة.
“أعتذر عن التأخير. أيـمكنني أخذ ملعقتك القديـمة؟”
“أوه… شكرًا.”
بعد أن تسلمت أليسا الـملعقة الجديدة، حول ماساتشيكا نظره البعيد إليها وحثها قائلًا:
“هيـــــا. إن لـم تسرعي وتأكليها، فستذوب.”
“…معك حق.”
عدلت طبق الحلوى الـمائل بشكل محرج، وبدأت في تحريك كل شيء من الكريـمة الـمخفوقة في الأعلى إلى رقائق الذرة في الأسفل قبل أن تأخذ قضـمة. ظلت تأكل على هذا النحو لبضع دقائق أخرى في هدوء، ثـم رفعت يديها معًا شاكرةً على الطعام قبل أن تـمسح فمها بـمنديل.
” أود أن أشير إلى أنك تأكل كثيرًا.” قالت أليسا.
“ماذا؟ …أوه.”
أدرك ماساتشيكا أنها كانت تظنه يتناول وجبات خفيفة بين الوجبات الرئيسية، فقرر أن يوضح سوء الفهـم.
“هذا هو عشائـي في الحقيقة.”
“لقد شغلني هذا السؤال منذ فترة، لكن ألا تلزمك ضرورة الاتصال بالـمنزل لإخبارهم أنك تتناول الطعام خارج الـمنزل؟ ألا يُتوقع منك أن تعود وأنت شبعانٌ بالفعل؟”
“والداي ليسا موجودين الآن.”
“أوه…”
علاوة على ذلك، كان ماساتشيكا عادةً من يقوم بطهي معظم الوجبات في منزل عائلة كوزي، حيث كان يعيش مع والده. كان يتولى بنفسه مهمة الطهي عندما يكون والده خارج الـمنزل.
” نعم، أنا لوحدي في الـمنزل الليلة، ولا رغبة لي في الطبخ.”
تقنيًا.. كان لديه أخت صغيرة تزوره دون موعد مسبق وتطالبه بالطبخ أحيانًا، إلا أنها لـم تزره ليومين متتاليين… لذلك قرر عدم التفكير في الأمر أصلاً.
“…مهلاً. أتجيد الطبخ؟”
اندهشت أليسا. لكن ماساتشيكا لـم يولي للأمر اهتـمامًا.
“لكنني لا أجيد إلا عمل الأشياء البسيطة. تعلـمين، مثل الطبخ دون عناء أو إعداد وجبات في دقائق معدودة، لذا لا يـمكنني عمل أي شيء معقد.”
“ما زلت مندهشة. لـم أعتقد أنك تـملك صبراً للطهي.”
“حسنًا.. لا يـمكنني إنكار ذلك.”
لـم يكن الأمر كما لو أنه كان يحب الطبخ بالفعل. اختار الطبخ لأنه كان أسهل الخيارات. في بداية الـمرحلة الإعدادية، كان يتناول خبزًا مالحًا من نوع معين كان قد اشتراه في اليوم السابق، ثـم كان يتناول طعام الغداء في الكافيتريا الـمدرسية، وفي الليل، كان يتناول نوعًا من وجبات العشاء الجاهزة التي كانت تباع في السوبر ماركت. لـم يـمضِ شهر واحد حتى سئـم من الخبز، وأصبح التسوق اليومي مملاً جدًا، ففكر ذات يوم في أن يصنع وجبة صغيرة رآها على شاشة التلفزيون. حينئذٍ أدرك أن الوقت الذي يقضيه في الذهاب إلى الـمتجر كل يوم لا يتجاوز الوقت الذي يقضيه في الطبخ وغسل الأطباق. فضلًا عن ذلك، كان والده يعطيه ألفي ين يوميًا مقابل الطعام في الأيام التي لا يكون فيها في الـمنزل، وكان أي مال متبقي في جيبه ينفقه فيما يشاء، لذلك كان طهي الطعام لنفسه وسيلة جيدة لتوفير الـمال. ببساطة، قرر أن يطبخ لنفسه بعد تقييم إيجابيات وسلبيات الأمر.

“ماذا عنكِ يا آليا؟ أيـمكنكِ الطبخ؟” سأل ماساتشيكا ببراءة، ظنًا منه أن شخصًا مثاليًا مثلها سيكون قادرًا على ذلك على الأقل.
“…”
أدارت أليسا وجهها بعيدًا دون أن تنطق بكلمة.
” مهما يكن الأمر. معظم طلاب السنة الأولى من الـمدرسة الثانوية لا يجيدون الطبخ.” أضاف، مدركًا لـما قصدته.
“ليس الأمر أنني لا أجيد الطهي… ولكن الأمر يتطلب الكثير من الوقت.”
“ألستِ ممن يهـتـمون بتقطيع الخضروات وما شابهها بشكل مثالي وموحد؟”
“أعتقد أن هذا صحيح. أحب أن أتأكد من أن الطعام ينضج تـمامًا، وأن تكون التوابل مناسبة، وأن يكون الطعام متجانسًا في نكهته…”
“وفي النهاية تنتهي بحرقها، أليس كذلك؟”
“…”
أخذتْ رشفةً من عصير البطيخ، فظنَّ أنها فهمتْ ما قصده. ابتسـم ماساتشيكا بسخرية، لكنه لـم يعلق، لأنه كان يعرف أنها كانت مثالية. الحسابات الدقيقة مهمة في الطبخ، لكن الـمهارة أكثر أهمية. بالنسبة لـماساتشيكا.. فإن عدم التقيد التام بالدقة دون أن يصل الأمر إلى الإهمال هو السر في الطهي، ولكن مثاليةً مثل أليسا يجب أن تكون دقيقة في كل شيء.
“لا أستطيع أن أتجاهل حقيقة أنه يزعجني. مجرد رؤية ماشا تطبخ بناءً على الإحساس يجعلني أشعر بالاشـمئزاز…”
“هاهاها. أتصورها بسهولة وهي تفعل ذلك.”
تخيل ماريا وهي ترمي الـمقادير في الـمقلاة وتُرشّ التوابل عشوائيًا بابتسامة مرحة كما هي عادتها. هذا هو أسلوبها. فكر وهو يبتسـم. رغـم ذلك… كان يشعر أنها كانت متبلدة الـمشاعر تجاه الأمر.
“ولكن ما تصنعه يخرج دائـمًا جيدًا جدًا.”
“لعلها موهوبة بالفطرة، أليس كذلك؟”
كانت ماريا طاهية ممتازة على ما يبدو.
(بجدية؟ هل هي فعلاً بلا عيوب؟)
يوجد احـتـمال أن تكون “صيدًا أفضل” من أختها الصغيرة. وضع ماساتشيكا يده على جبهته، ولكن أليسا لوّحت بيدها وغيّرت الـموضوع وكأن تصرفه ضايقها.
“على كل حال، دعنا ننسى ذلك. ما الأفكار التي كانت تُراودك؟”
“آه، صحيح. لقد انحرفت قليلاً عن الـموضوع. أين كنت؟”
“قلت لي إننا نحتاج إلى قصة يريد الجميع فيها أن يرانا ننجح مثلما نجح كانزاكي.”
“آه.. نعـم.”
ارتسـمت على وجه ماساتشيكا ملامح التفكير.
“كما ذكرتِ يا آليا، أولاً علينا أن نُبرهن للجميع مدى سعيكِ الدؤوب… وبشكل أكثر تحديداً في حفلة اختتام الفصل الدراسي الأول.”
“في حفل الختام؟ تقصد عندما يلقي أعضاء مجلس الطلاب خطابًا؟”
هز ماساتشيكا رأسه، ممّا زاد من حيرتها.
“نعم. الهدف الأساسي من الخطاب هو تقديـم أعضاء مجلس الطلاب للفصل الدراسي القادم.”
“أذكر سـماعي بشكل مبهم أن مجلس الطلاب لا يضم أي أعضاء جدد بعد ذلك. هل هذا صحيح؟”
“صحيح أن الكثير من الناس ينضـمون ويغادرون خلال الفصل الدراسي الأول، ولكن بعد الخطاب، لا يُسـمح لأي عضو جديد بالانضـمام. ومع ذلك.. يـمكن للأعضاء الحاليين الانسحاب. بالإضافة إلى ذلك، يُعد هذا الخطاب أيضًا فرصة للطلاب الـمستجدين للإعلان عن ترشحهم.”
” الآن بعد أن ذكرت ذلك، هذا ما كان يبدو عليه الأمر العام الماضي…”
تذكرت أليسا عامها الثالث في الـمدرسة الإعدادية.
“سيكون هذا أول خطاب سياسي لك أمام الـمدرسة بأكملها، وأنا متأكد من أنكِ تعلمين مدى أهمية هذا الأمر.” قال ماساتشيكا بتعبير جدّي.
“أجل…”
أخفضت بصرها، وعكفت على التفكير بوجه جدي، حتى التفتت فجأة إلى ماساتشيكا بنظرة مضطربة في عينيها.
“ما الذي يجب أن أتحدث عنه بالضبط؟” سألت بصوت خافت.
“قولي ما تريدين، فقط كوني صادقًا وتكلمي بـما تؤمنين به. سيسـتـمع الناس.” أجاب على الفور.
“حقاً؟ ليس لديك أي نصيحة عملية؟”
ظهرت عليها علامات الاستياء. على الرغم من أنها كانت قد ذهبت إليه طلبًا للمساعدة للمـرة الأولى، إلا أنه لـم يقدّم لها شيئًا في الـمقابل. مع ذلك.. اكتفى ماساتشيكا بهز كتفيه.
“أنتِ شخص يستحق التشجيع، وأنا سأكون هناك لدعمك إذا واجهتِ أي صعوبة في توصيل أفكارك، لذا كوني على طبيعتك وقولي ما يدور في ذهنك.”
تلك الكلمات التي قالها هكذا بلامبالاة… تلك الكلمات…
“آه… حسنًا.”
إحمرّ وجهها خجلًا. تحول إستيائها إلى خجل، وبدأت تنظر حولها باضطراب. تاهت في مكانها، وهي تطرق أصابعها على الطاولة، وتفتح فمها وكأنها تريد أن تقول شيئًا، ثـم فكرت للحظة، وهمست باللغة الروسية:
【 … ما الذي يجعل الناس يريدون دعمي؟ 】
كانت عيناها الـمتلألئتان تقولان: “امدحني”، وهي تتحدث.
(لو نظرتِ إلى نفسك الآن لعلمتِ. أنتِ فاتنة للغاية، اللعنة.)
نظر في الأفق بحسرة ثـم تنهد، وإذ فجأة عادت النادلة ومعها بقية طعامه.
“هل هذا آخر ما تريد؟”
“نعـم.”
“بالصحة والعافية.”
بعد أن شاهد النادلة تبتعد.. حول نظره إلى أليسا مرة أخرى، التي قالت له بابتسامة أن يأكل.
“شكرًا… اعتذر عن هذا.”
بعد أن ضـم يديه كأنه يدعو للصلاة، توجه مباشرة إلى السبانخ الـمقلية مع اللحم الـمقدد الذي كان يغطي الطبق الأبيض. ما لبث أن أفرغ الطبق حتى انتقل إلى الطبق الرئيسي: طبق التوفو مابو رامن الساخن في مقلاة حديدية رقيقة. كان التوفو اللذيذ الـمتفتت كالثلج مغطى بكمية مثالية من صلصة الفاصوليا الـمخمرة ذات اللون الأحمر الداكن التي تشبه الحمم البركانية. دس الـملعقة في الطعام وحركها برفق لتبريده قليلاً قبل أن يأكل.
“إنه لأمر مذهل أن تجد مثل هذا الطعام الرائع في مطعم غير صيني.” هز ماساتشيكا رأسه برضا واضح بينـما كان الحرارة تلسع لثته.
“…هل هو جيد؟”
“ماذا؟ آه.. أجل. أتودين تجربته؟”
(يا للكارثة)، فكر بسرعة. كان شعوره بعدم الارتياح لكونه الشخص الوحيد الذي يأكل ممزوجًا بشعوره بالحرج من أنه قد عرض للتو مشاركة طعامه معها، رغم مرور وقت قصير على حادثة الـملعقة. بعد أن أعاد النظر في الأمر، وجد أن الطعام شديد الحرارة بالنسبة لها، لكنه كان مترددًا في سحب عرضه، وكان ذلك منطقيًا. كانت أليسا مترددةً كذلك. من البديهي أنها لـم تكن ترغب في تناول ما بدا وكأنه نفايات خطرة، لكنها كانت قلقة من أن يدرك ماساتشيكا أنها لا تحب الطعام الحار حقًا إذا رفضت.
(أملك ماءً، وبعض مشروب الصودا بالبطيخ المتبقي. أستطيع النجاة من حرارة الأكل.)
ولـما أمنت وجود ما يكفي من جرعات الشفاء (الـمشروبات) لديها…
“حسنًا.. سآخذ لقـمـة.” قالت بعزمٍ راسخ.
“آه.. حسنًا.”
وعلى الرغم من علمه بـما تخفي، تظاهر ماساتشيكا باللامبالاة ومد يده إلى طبق صغير. أدخل ملعقته في طبق التوفو الحار راجيًا أن يحصل على كمية أكبر من التوفو بدلاً من الصلصة الحارة. لكن ما استخرجه كان… عود ديناميت أحمر.
“واو، مذهل! انظري إلى هذا! فلفل حار كامل!”
“…؟!”
رفع ماساتشيكا السلاح القرمزي الفتاك بـملعقته ونظر باتجاه أليسا… التي نظرت إليه بعيون حزينة كجرو كلب. ❞إياك والتفكير في إعطائي هذا❝ توسلت إليه بعينيها الزرقاوين اللتين تـملؤهما الدموع. برز ملاك وشيطان على كتفي ماساتشيكا في لـمح البصر. تحدث الـملاك، الذي بدا كماريا صغيرة لسبب ما، بصوت هادئ لكن بطريقة تُشعر باليأس.
(❞لا يمكنك فعل ذلك. فقط الأشرار يُقدمون على مثل هذا الفعل مع آليا❝)
وفي نفس الوقت، كان الشيطان على كتفه الآخر، الذي يشبه يوكى، يحاول إقناعه بفعل ذلك بطريقة دنيئة.
(❞هيه. افعلها يا أخي! لا داعي لإخفاء الأمر عني. أعلم أنك ستستمتع برؤية آليا تبكي.❝)
بين ضجيج توسلات الـملاك وإغراءات الشيطان، تلاطمت مشاعره الـمتناقضة بينـما يعض على أسنانه.
(تسك! أنــــا… أنـــــا…؟!)
ارتجفت يداه أثناء صراعه الداخلي، مترددًا بين استخدام أو تهميش ذلك السلاح الخطير. داخل نفسه، كان أشبه بجندي في ساحة الـمعركة، يـمسك بندقيته مترددًا في الضغط على الزناد، بينـما في الواقع، لـم يكن الأمر سوى حبة فلفل أحمر حار صغيرة. من يرى هذا سيشعر بالحرج نيابة عنهم. كان هذا هو طابع الـموقف.
(❞لا أعتقد أنه من الصواب أن تُعاني الفتيات من أجل تسليتك يا كوزي. أنا…❝)
(❞ اخرجي من هنا! ❝)
(❞ يا للهول! ❝)
ضربت يوكي الصغيرة جسـمها الوهمي بقوة في ماريا الصغيرة، مرسلة إياها بعيدًا نحو النجوم. انتهت الـمعركة في أقل من ثانية. كان الفارق في القوة بين الـملائكة والشياطين هائلاً.
(آليا.. سامحيني.)
اعتذر ماساتشيكا لأليسا في قلبه بيـنـما باع روحه لشيطانه الداخلي.
“تفضلي، خذي الجزء الألذ.”
“…شكرا لك.”
(وحش.. هذا ما أنا عليه.)
لام ماساتشيكا نفسه في داخله، لكنه ابتسـم في ظاهره وهو يسلم أليسا الطبق الـمتواضع. بعدها أخرجت أليسا زوجًا من عيدان تناول الطعام من علبة عيدان تناول الطعام التي كانت موجودة في زاوية الطاولة، وتناولت قطعة التوفو كاملة في فمها دون لحظة تردد. وبعد أن انتهى الجزء الصعب، أعادت صحنها الصغير إلى الطاولة… وأغمضت عينيها.
“هل أعجبكِ؟”
“… لا بأس به.” ردّت أليسا دون أن تتغيّر ملامحها. مع ذلك.. كان ماساتشيكا يعلم. رأى يديها مضـمومتين ومرتجفتين على الطاولة. تابعها بنظره وهو يرى يدها اليـمنى تتشبث بيدها اليسرى بيأس، وكأنها ستـمسك بكأس الـماء بجانبها في أي لحظة الآن.
(أنا آســــــــــف آلــــــــيا.)
رغم ابتسامته الودودة، تـمتـم بتلك الكلمات في نفسه كرجل كان لديه في الواقع أسباب مقنعة للغاية للخيانة.
“آليا… لقد نسيتِ أكل الجزء الأفضل.”
“…”
للحظة وجيزة، لـم يكن نظر أليسا في عينها لائقًا، لكن ماساتشيكا تظاهر بعدم ملاحظة ذلك. تحت وطأة ابتسامته، أخذت الفلفل الحار من الطبق الصغير وألقته في فمها وكأنها تقول: ” انفجار في الحفرة!” ثـم غطت فمها بيدها اليـمنى وخفضت رأسها إلى أدنى ما يـمكن.
“…آلـــــــــيا؟”
【 أنت أحمق. 】
تلك الكلمات الروسية البائسة.
【 أحمق غبي. 】
تنهدت قائلة “أحمق”، وهي تحاول إخفاء تعبيرها. لـم يتضح إن كانت تقول ذلك لـماساتشيكا أم لنفسها على عنادها، ولكن…
“من الـمستحسن أن تشربي بعض الماء. ها هو.”
【 أحمق… 】
حتى ماساتشيكا بدأ يشعر بالذنب بسبب مقالبه الغبية، لكن أليسا استـمرت في تكرار تلك الكلمات فقط. توقفوا عن مناقشة موضوع الانتخابات بعد ذلك. أتـم ماساتشيكا طعامه في صـمت بأسرع ما يـمكنه وانتظر عودة أليسا إلى طبيعتها قبل مغادرتهما الـمطعم.
“…طال حديثنا أكثر مما كنت أتوقع.” قالت ذلك خارجًا تحت سـماء الليل.
“أجل…”
(على الرغم من ذلك فقد كنتِ في الواقع نصف ميتة طوال الوقت). فكر وهو ينظر بعيدًا مترددًا. ومع ذلك، لـم يشعر بالندم على ما فعله، لأن في سـماع صوت أليسا الـمتباكي شيء مؤثر، فقد كانت دائـمًا تتظاهر بالقوة.
(إذا كنت ترغبين في أن تنعتينني بالحقير، فلا حرج في ذلك.)
“بالـمناسبة، ما الذي ستفعله يوكي؟”
“مـــــــاذا؟”
رفع رأسه فجأة بعد سـماع الاسـم غير الـمتوقع، فلاحظ أنّ ألِيسا كانت ترمقه بنظرة مضطربة قليلاً.
“كـما تعلم… بـمـا أننا سنخوض السباق معًا، يلزم يوكي شريكًا جديدًا، أليس كذلك؟”
“أووووه.”
تظاهر بأنه لـم ينتبه لـما كادت تقوله. بعد أن نظرت إليه نظرة الاحتقار، واصلت أليسا بصوت غير راضٍ إلى حد ما.
“ذكرتَ سابقًا أن الأعضاء الجدد لا يـمكنهم الانضـمام إلى مجلس الطلاب بعد حفلة ختام الفصل الدراسي الأول، أليس كذلك؟ ليس لديها الكثير من الوقت للعثور على نائب رئيس للترشح معه.”
“حسنًا، هي مشهورة جدًا، لذا أشعر أنها يـمكنها أن ترشح نفسها مع أي شخص وستكون على ما يرام… أعني، ترشحت معها ولـم أفعل شيئًا يُذكر، لكنها فازت في النهاية.” أضاف، دون اكتراث.
ألقت أليسا عليه نظرة حزينة، فبدأ يشعر بالانزعاج وحك رأسه.
“مثلًا… لديها دائرة واسعة من الأصدقاء، لذا سيكون لديها شخص يتسابق معها. أنا متأكد من ذلك.”
فكر ماساتشيكا في هوية الشريك الـمحتـمل لبضع لحظات.
“يُرجح أن يكون أحد أعضاء مجلس الطلبة السابقين… ولكن من؟”
خطرت بباله صورة عابرة لشخص خارج النافذة.
“حسنًا… سيكون أمامنا طريق صعب للغاية إذا تـمكنت من ضـم تانياما إلى فريقها.”
“تانياما؟ من هذا؟”
“ساياكا تانياما. كانت الـمنافسة الأخيرة التي تواجهها يوكي في سباق الرئاسة في الـمرحلة الإعدادية … مهلاً. ألا تعرفينها؟”
“لا.”
هزت أليسا رأسها بينـما قام ماساتشيكا بتجعيد جبينه بفضول وإمالة رأسه. ظنَّ أن ساياكا كانت واحدة من الفتيات اللاتي انضـممن إلى مجلس الطلاب، ثـم انسحبن منه تقريبًا فورًا هذا العام.
(هل يئست من محاولة أن تصبح رئيسة؟)
فاض قلبه بذكريات الـماضي الـمريرة وهو يستذكر الفتاة التي عمل معها بجد في مجلس الطلاب حتى خسرت الانتخابات.
“كوزي؟”
“أوه، لا شيء مهم… على أي حال، أعتقد أننا سنعرف قريبًا من هي التي ستتسابق معها. يـمكننا بعد ذلك التخطيط لكيفية التعامل معهم.”
“أجل…” أومأت أليسا برأسها بتردد. استذكر ماساتشيكا أعضاء مجلس الطلاب السابقين، متسائلاً من ستختار يوكي، ولكن تـم الكشف عن الإجابة التي كان يُريدها في وقت أقرب بكثير مما كان يتوقعه. حدث ذلك في اليوم التالي بعد الـمـدرسة عندما أحضرت يوكي طالبًا معها… لـم يكن عضوًا سابقًا في مجلس الطلاب.

“أيانو.”
“حاضر يا يوكي.”
تقدمتْ طالبةٌ أنثى، كانت تقفُ خلفَ يوكي بشكلٍ مائلٍ، خطوةً صامتةً استجابةً لدعوةِ يوكي. ضـمت يديها أمامها، ثـم انحنت بأدب، فقابلت نظر كل عضو من أعضاء مجلس الطلاب الخمسة الجالسين، ثـم قدمت نفسها بصوت رتيب.
“يسرني أن ألتقي بكم جميعًا. اسـمي أيانو كيـميشيـما. أنا طالبة في السنة الأولى من الفصل C، واعتبارًا من اليوم، سأعمل كعضو عام في مجلس الطلاب معكم جميعًا. إنه لـمن دواعي سروري أن ألتقي بكم.”
لـم تتغير ملامحها ولو قليلاً خلال تقديـمـها لنفسها. انحنت مرة أخرى بأدب. استقبلها كل عضو في الـمجلس، وبدا على كل منهم حيرة من أمره بسبب تصرفاتها التي تشبه الروبوت.
“كوزي؟”
“…”
عقد ماساتشيكا حاجبيه. رغم أن قرار يوكي كان بـمثابة مفاجأة صادمة له، فقد جعل ذلك من الواضح أكثر من أي وقت مضى مدى جديتها. شد حاجبيه، ونظر إلى أيانو نظرةً حائرةً، حتى أنه استنفد طاقته ولـم يعد قادرًا على الرد على ألِيسا. فجأة، أدارت أيانو رأسها، وبدأت تنظر إلى ماساتشيكا مباشرة في عينيه، تظهر عاطفة خافتة كما لو كانت للمرة الأولى.
” أتطلع إلى العمل معك يا ماساتشيكا.” قالت بصوت خافت.
أيانو كيـميشيـما. خادمة تعمل لدى يوكي… وكانت خادمة تعمل لدى ماساتشيكا أيضًا.

” حسنًا، لقد اكتفينا لهذا اليوم. يُسـمح لطلاب السنة الأولى بالذهاب.” “مهلاً. أأنت متأكد؟” ” أجل، لا يزال طلبة السنة الثانية لدينا بحاجة إلى لقاء بعض الـمعلمين، وقد تطول الـمقابلة، لذا لا تقلق بشأننا واذهب. عمل جيد اليوم!” “أراكم غدًا…” كانت يوكي تعتزم الانتظار حتى يحضر من يأتي لاصطحابها، فما كان من ماساتشيكا وأليسا إلا أن لبّيا أمر تويا وانصرفا من غرفة مجلس الطلاب. (والآن، كيف سأفعل هذا؟) فكر ماساتشيكا في كيفية بدء الحديث أثناء سيرهما إلى الـمنزل من الـمدرسة. لـم يكن لديه أي شيء مهم للمناقشة على وجه الخصوص. كان يريد ببساطة مناقشة خطط حملتهم الانتخابية للترشح لـمنصب رئيس مجلس الطلاب ونائبه العام الـمقبل. على الرغم من ذلك، كان ماساتشيكا لا يزال يشعر ببعض الضيق بعد ما حدث صباح ذلك اليوم. لـم تكن تصرفات أليسا الغريبة منذ عودتها من اجـتـماعها مع يوكي في صالح الوضع. كان في حيرة، متوترًا من ردها. (نعم… فعلت يوكي شيئًا لها.) بدا أن يوكي قد تعلقت بأليسا (بطريقة سيئة) في عطلة نهاية الأسبوع الـماضي عندما كانوا الثلاثة معًا. كان التنكيل بشخص جاد وتنافسي مثل أليسا متعةً لها. كانت ترى في أليسا الصديقة الـمثالية، أو اللعبة الـمثالية، لذلك كان من السهل تخيلها تستخدم لسانها الفضي الأنثوي للتلاعب بأليسا. (أففف… لا فائدة من تخيل “ماذا لو”.) تنهد في داخله وهو يسير بجانب أليسا التي كانت منطوية على نفسها وعابسة، لكن سرعان ما لـمح مطعمًا مألوفًا فاستجمع قواه وكسر الصـمت. “أمم.. آليــــــا؟” “نعم؟” “أتودين تناول شيء ما؟” “هاه…؟” أليسا حدّقت مذهولةً عندما أشار ماساتشيكا إلى الـمطعم. “أوه، آه… ظننت أننا سنناقش استراتيجيتنا لانتخابات مجلس الطلاب العام القادم.” “…أوه.” ضيقت عينيها وأومأت برأسها بتردد. “حسنًا، لا بأس.” “عظيـم.” ماساتشيكا هبّ إلى الـمطعم مسرعاً، مرتاحًا لأنّها لـم ترفض طلبه، ولكنّه في اللحظة التي وضع فيها يده على الباب… 】إذن هذا ليس موعدًا… 【 طُعن من الخلف بجـمـلة روسية مميتة. (ياااااااااااا إلهي! فقط الجبان من يهاجم من الخلف!) في داخله، صرخ صرخة الساموراي الذي يتعرض للهجوم، لكنه تشبث بـمقبض الباب بركبة مرتعشة، وجر نفسه إلى داخل الـمطعم. بعد أن أُرشدا إلى مقاعدهما، جلسا مقابل بعضهما البعض وطلبا الـمشروبات. “اه… سأطلب القهوة بالحليب.” “أود مشروب الصودا بالبطيخ والـمثلجات بالشوكولاتة.” “…؟!” “…ماذا؟” “لا شيء…” لـم يستطع إخفاء دهشته. كان طلب مشروب غازي من البطيخ الحلو مع مثلجات الشوكولاتة شديدة الحلاوة أمرًا ينافي الذوق السليـم. تغيرت ملامح أليسا بشكل غير مريح بعد أن أدركت مدى استغرابه، فقالت: “أنا منهكة عقليًا، لن أستطيع التفكير بشكل سليـم بدون شيء حلو. تدرك ذلك، صحيح؟” “اه~هاه… على كل حال، هذا كل ما سنطلبه.” الجزء الحلو لـم يكن الـمشكلة. مزيج الأطعمة هو الـمـشكلة. ومع ذلك، تجاهل ماساتشيكا ذلك وأخبر النادلة أنهم انتهوا من الطلب. “إذن.. أحدث شيء بينك وبين يوكي؟” سأل بتردد، راغبًا في تبديد أي شكوك أثناء انتظارهم لـمشروباتهم. “لا شيء، في الحقيقة.” كانت إجابتها قصيرة، لكنها صرفت نظرها بعجل، مما دل على أن شيئًا ما حصل. (يوكي!! ما الذي فعلته لها؟) أدار ماساتشيكا رأسه وهو يسبُّ يوكي في قرارة نفسه، وألِيسا ألْقَتْ نظرة خاطفة عليه قبل أن تعود إلى ما كانت تفعله. “…قلت لها فقط أنني سأترشح لرئاسة مجلس الطلاب معك. هذا كل شيء.” همست. “أوه…” رغم أنه كان يدرك أن هناك أكثر مما قيل، إلا أنه توقف عن طرح أسئلة. “اسـمـع.” ولكن بعد أن نظرت إليه نظرات خفية عدة مرات، كانت أليسا هي التي تكلمت أولاً بنظرة عزم مصـمم. “همم؟” “هل أنت ويوكي… تتواعدان؟” “مستحيل.” رد ماساتشيكا على الفور، وبدا على وجهه الجدية الشديدة. بالطبع لـم يكونا على علاقة. وعلى الرغم من أنه قد بدا سؤالاً منطقياً لأليسا التي لـم تكن تعلم أنهم أشقاء، إلا أن السؤال السخيف جعله يريد أن يصرخ قائلاً: “أهذا ما تظنينه؟ لعبة مواعدة؟” “…لستـما كذلك؟” ” قطعا لا.” أغمضت عينيها، فتابع بحسرة. “لا أعرف ما قاله لك يوكي، لكننا… مثل الأخوة. لا نشعر بأي مشاعر رومانسية تجاه بعضنا البعض.” “لكن يوكي قالت…” “تنهد… اسـمعي. لا تأخذي كل ما تقوله على محمل الجد. قد تبدو وكأنها فتاة مهذبة، لكنها ليست كذلك. إنها تـمازحك لأنها تستـمتع برؤيتكِ منزعجةً.” “…” حدقت فيه أليسا وكأنها لـم تكن راضية عن تفسيره، لكن الوقت كان قد فات. مع عودة النادلة بالطلب، شرع ماساتشيكا في مناقشة العـمل. “إذن.. بخصوص انتخابات العام الـمقبل…” أخذ رشفة من قهوته بالحليب، بيـنـما شربت أليسا صودا البطيخ، ونظرا إلى بعضهما البعض. ” سأصارحكِ. نحن سنخسر أمام يوكي بهذا الـمعدل.” “…!” رفعت أليسا حاجبها الأيـمن عند سـماعها كلامه الصريح. وضعت مشروبها فورًا وألقت على ماساتشيكا نظرةً حادة. “تبدو واثقًا من نفسك للغاية.” “لأنني على حق. لقد رسخت يوكي مكانتها كرئيسة مستقبلية.” أرخى ماساتشيكا كتفيه، غير مبالٍ بنظرة أليسا الحادة. “ألا تظنين أن نقص أعضاء السنة الأولى في مجلس الطلاب أمرًا غريبًا؟ عادةً ما يكون هناك ما لا يقل عن ثلاث ثنائيات يرغبون في الترشح لـمنصب الرئيس ونائب الرئيس. في الفصل الدراسي الأول من الـمدرسة الإعدادية، كان هناك ست ثنائيات بـما في ذلك يوكي وأنا. أي أنه كان هناك اثنا عشر عضوًا.” “اثنا عشر عضوًا؟! هذا كثير…” “وهو كذلك، ولكن معظمهم انسحبوا خلال الـمناظرة الانتخابية التـمهيدية، لذلك لـم يترشح سوى ثلاث ثنائيات فعليًا للرئاسة.” “مناظرة؟” “نعم، مؤتـمر طلابي. آه، صحيح. لـم يـمر سوى عام منذ أن انتقلت، لذا أعتقد أنني يجب أن أشرح لك أولاً ما هو مؤتـمر الطلاب.” الـمؤتـمر الطلابي هو في الأساس ندوة تعقد في القاعة الكبرى لحل الـمشكلات عندما لا يتـمكن الـمعنيون من الوصول إلى نتيجة بأنفسهم أو عندما يكون لدى الطلاب العامين موضوعات يريدون أن يناقشها مجلس الطلاب. ثـمَّ يُبدي كلُّ مُمثِّل رأيه، ويُصوت الجمهور. يشهد كل طالب ما أقره الـمؤتـمر الطلابي، مما خول مجلس الطلاب سلطة تنفيذ تلك القرارات وتطبيقها. ” على سبيل الـمثال، لو لـم نستطع حل الـمشكلة بين فريق كرة القدم وفريق البيسبول أمس، لربـما انتهى بنا الـمطاف إلى إجراء مناقشة في قاعة الـمحاضرات. ولكن الـمبالغة في هذه القضية ربـما تؤدي إلى خلق بعض الضغائن، لذلك عادة ما نحاول إيجاد نقطة تفاهـم بين الأطراف الـمعنية بدلاً من ذلك. نعقد مؤتـمرات الطلاب فقط عند الضرورة القصوى.” “أوه.. واو، كنت أعلم أنهم يقومون بشيء ما في القاعة من وقت لآخر، لكنني لـم أكن أعلم أنهم كانوا يعقدون مناظرات.” “تُنظم مؤتـمرات الطلاب من قبل مجلس الطلاب، ولكن الرئيس ونائب الرئيس هما من يقومان بالأعمال الرئيسية، أما نحن الأعضاء العاديون فنقوم بالأساس بأعمال روتينية مثل معالجة نـماذج التقديـم والـمساعدة في الأعمال الصغيرة الـمتفرقة.” “مثير للاهتـمام… ولكن ما علاقة هذه الـمناظرات بالانتخابات؟” “همم؟ أوه… الـمؤتـمرات الطلابية لها طابع خاص عندما يكون هناك عدة مرشحين للرئاسة.” في كثير من الأحيان، كانوا يعقدون مؤتـمرًا لـمناقشة خلاف الآراء حول سير مجلس الطلاب. كان في الأساس مناظرة. كانوا يجادِلون حتى يتضح الفائز، فكان الـمناظرون يُقيَّـمون ويُحكم عليهم بناءً على أدائهم. “بـمجرد أن تُحكمي على جاذبيتكِ وقدرتكِ على الإقناع وما شابه ذلك في الـمناظرة، يصبح تغيير رأي أي شخص شبه مستحيل. ستُهزمين حتى قبل بدء الانتخابات. أعني.. تخيلي كم سيكون مُرهقًا عاطفيًا أن تستـمري في العمل مع شخصٍ سحقك للتو في الـمناظرة، أليس كذلك؟ لذلك.. وفي معظم الأوقات، يضطر الخاسرون إلى ترك مجلس الطلاب بأنفسهم.” ” الآن فهمت الأمر…” “عادة ما يقصي بعضكم البعض من السباق بهذه الطريقة حتى يبقى ثلاث أو أربع ثنائيات فقط. ليس كل من يترشح للرئاسة يكون عضوًا في مجلس الطلاب، ولكن حتى ذلك الحين، فإن الأمور واضحة أنها غير عادية هذا العام.” قبل انضـمام ماساتشيكا، كانت يوكي وأليسا الطالبتين الوحيدتين من السنة الأولى. انضمَّ عددٌ قليلٌ من الأعضاء الآخرين بشكلٍ مؤقتٍ، ولكنَّ كلَّ واحدٍ منهم غادر في النهاية. وبعبارةٍ أخرى… ” استسلم الجميع بالفعل لأنهم يعلمون أنهم لن يستطيعوا هزيـمة يوكي في السباق. وذلك لقوة ثقة الناس بأنها ستصبح الرئيسة التالية.” “…” “لا حاجة إلى أن أشرح لكِ مزايا رئاسة مجلس الطلاب في هذه الـمدرسة، أليس كذلك؟ إن قيـمة اللقب وحدها تستحق العناء. لقد حدث تزوير واسع النطاق في الانتخابات قبل بضع سنوات…” كانت أليسا تشعر بـمشاعر متضاربة وهي تستـمع إلى ماساتشيكا وهو يتحدث عن الانتخابات بنبرة جادة غير مألوفة. لقد اعتادت على توبيخِه دائـمًا بسبب كسله، حتى أن رؤيتها له وهو يأخذ عمله في مجلس الطلاب بجديةٍ كبيرةٍ صعّبت عليها الأمر. جعلها تشعر… بعدم الارتياح. بالإضافة إلى ذلك، لـم تعجبها حقيقة أن ماساتشيكا بدا غير مبالٍ بوجودهما وحدهما في مطعم. (تســـــك، أن تبدو متكبرًا هكذا أمر هين بالنسبة لك…) لـم تحظى أليسا بالعديد من الأصدقاء، ولأنها كانت دائـمًا متحفظة، فقد كانت هذه هي الـمرة الأولى التي تذهب فيها إلى مطعم بـمفردها مع شخص من الجنس الآخر. كانت حتى على استعداد أن تعترف لنفسها أن الكلـمـة الروسية التي همستها عند الباب كانت تعبيرًا صادقًا عن مشاعرها. توقعت أنها إذا دُعيت إلى مطعمٍ بعد الـمدرسة فهذا يعني موعدًا، بفضل ما ملأته ماريا في عقلها من الـمعرفة عن القصص الـمصورة الرومانسية. كانت مشتتة الذهن. هل تجلس أمامه؟ أم بجانبه؟ ماذا سيفعلون إذا رآهم أحد من الـمدرسة؟ هل سـيـمر أحد بالصدفة ويراهم إذا جلسوا بجانب النافذة؟ دارت في ذهنها مئات السيناريوهات الـمقلقة، ومع ذلك كان الأمر كما لو أنها كانت الوحيدة التي تهتـم. (ما مشكلته؟ أهو معتاد على اصطحاب الفتيات إلى المطاعم على هذا النحو؟ أعني، أعتقد أنه على علاقة بفتيات أخريات غير يوكي.) تذكّرت أليسا وعده لها عندما صافحها في طريق العودة إلى الـمنزل في اليوم السابق، فاشتعل غضبها من جديد. حاولت أن تشرب عصير البطيخ الخاص بها وأن تنسى الأمر، ولكن الإحباط ظل يلازمها. فجأةً.. شعرت بشيء حاد ينقر لسانها، ففتحت فمها على مصراعيه، لتجد أنها قد عضت على القشة كثيرًا حتى أصبحت مسطحةً تـمامًا. (لا عجب أنني كنت بالكاد أحصل على أي صودا)، فكرت.. حياءً من سلوكها الطفولي. “…ولكن، حسنًا، بفضل ذلك، يُفترض أن انتخاباتنا الآن نزيهة.” جلس ماساتشيكا مقابل أليسا، وكان لا يزال يتحدث بجدية عن الانتخابات، ولكن كل ما قاله دخل من أذن وخرج من الأخرى. رغم أنها شعرت بضرورة الاستماع، إلا أنها لـم تستطع التركيز مطلقًا. “أووه.. حقًا؟ كم هذا مثير للاهتـمام.” “أليس كذلك؟ لذا بدلاً من ذلك، يتنافس الـمرشحون في مناظرة حيث―” أجابت أليسا بجوابٍ عابرٍ دون مبالاةٍ قبل أن تأخذ قضـمةً من الـمثلجات. امتدت حلاوة الـمثلجات بالشوكولاتة والفانيليا في فمها… عندما قَضَـمت فجأة على شيء صلب. كانت تلك ملعقتها، فأخرجتها بسرعة من فمها في حالة ذعر. “آلـــــــيا؟ أتستـمـعين؟” “…!” احمر وجهها خجلاً وإذلالاً، وهي ترى الشخص الذي تنتقده عادةً بسبب عدم انتباهه ينظر إليها نظرة شك. “أنا مصغية. لقد كنت مشغولةً بتناول الـمثلجات للحظة واحدة فقط. هذا كل شيء.” “…آه~هاه. حسنًا.. لا بد أن طعمها لذيذ.” هزّ رأسه مترددًا وكأنه فهم، لكن نظرته الـمُشكِكة كانت تقول: لكن أهي حقًا لذيذة جدًا؟ وزاد خجلها من ذلك. (ما مشكلتك؟! السبب الوحيد في تشتت انتباهي اليوم هو أنت، أتعلم ذلك؟!) احتدت في داخلها ثورة من الغضب غير الـمبرر، وحنقت حنقًا غير معقول، ثـم غضت الطرف عن نظراته الـمتشككة. عندها أبصرت الـمثلجات من طرف عينها فخطرت لها فكرة رائعة فجأة. (هيه… هيه~هيه~هيه… لنرى كيف سيكون تركيزه بعد أن أجعله يشعر بنفس الطريقة التي أشعر بها!) أثارت أفكارها الجانب التنافسي لديها، فابتسـمت ابتسامة ماكرة. “أتود أخذ قضـمـة؟” قالت بابتسامة شيطانية. “…؟! أوه..لا. لا بأس…” ” لكنك قلت إنها تبدو لذيذة، أليس كذلك؟ هيا.. لا تكن خجولاً.” أردفت ذلك بهدوء وهي تغرف الكريـمة الـمـخفوقة مع صلصة الشوكولاتة فوقها، ثـم دفعته بها في وجهه مباشرة، دون أن تترك له مجالًا للهروب. “ها أنت ذا.. إليك القليل.” كان ارتفاع الـملعقة الذي كانت تحملها دليلًا واضحًا على أنها لـم تكن تـمنحه إياها، ومع أنها لـم تقل “افتح فـمك.. الطائرة قادمة”، كان من الواضح أنها كانت تحاول إطعامه. (ما هذا؟ ما الذي يحدث؟ لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا. لم نكن نتغازل أو أي شيء من هذا القبيل، أليس كذلك؟ متى حدث ذلك؟) كما توقعت أليسا.. ماساتشيكا لـم يستطع السيطرة على قلقه. لكن رغـم ذلك، صدمته لـم تكن مثيرة للاهتـمام كما كانت تأمل. “أوه، أمم… دعيني أسأل النادلة إذا كان بـمـقدورها أن تأتي لنا بـملعقة أخرى.” “لا تشغل وقتها بشيء كهذا. بالإضافة إلى ذلك، ستزيد من أعباءهم في غسل الأواني الفضية.” “لــــكن…” أي نوع من هوس الإذلال هذا؟ ماساتشيكا استند إلى الوراء بغير وعي، لكن ذلك لـم يـمنع أليسا من مد ذراعها أكثر. “عجّل وخذ قضـمة… هذا أمرٌ طبيعي في روسيا.” “مهلاً.. بجدية؟” كان معظم ما يعرفه عن روسيا من خلال الأفلام والكتب، ولـم يكن قد زارها من قبل، لذلك ظن أن التقبيل غير الـمباشر ربما لـم يكن موجودًا فيها… (واضحٌ أنها تكذب، لا مجال للشك.) أدرك ذلك على الفور عندما حول بصره من الـملعقة إلى أليسا، التي كان وجهها يوحي بالـمؤامرة من النظرة الأولى، ولكن عند النظر إليها عن كثب، لاحظ أن أطراف أذنيها وحتى أصابعها كانت حمراء. كان الأمر أكثر بروزًا بفعل بشرتها البيضاء. (ما الذي حل بها؟ لماذا تفعلين شيئًا كهذا إذا كان يسبب لك الإحراج؟) بعد أن استعاد هدوءه، أصبح ماساتشيكا أكثر قلقًا بشأنها بدلاً من أن يكون مهتـمًا بنفسه. أظهرت تعابيره ذلك جليًا، فعادت أليسا إلى رشدها أيضًا. (ما الذي أفعله؟) وإذا بـمشاعر الخجل تُغلِب عليها فورًا حين أدركَت الحقيقة. شعرت بأنّ جسدها كله يشتعل، وكأنّ كلّ من في الـمطعم يلاحقها بنظراته، ولـم تعد تحتـمل أكثر من ذلك. ولكنها أدركت أن التراجع الآن سيزيد من إحراجها، فاحتفظت بالـملعقة في مكانها وحافظت على تعابير وجهها بصعوبة. “هيا أسرع… الكريـمة ستذوب.” “أوه… حسنًا…” أدرك ماساتشيكا أنها لن تتراجع الآن أيضًا، لذا فقد توقف عن محاولة إقناعها بالتوقف. (لم أكن أتوقع قبلة غير مباشرة هنا…لكنها لن تكون مشكلة. لقد أعددت نفسي بالفعل وسبق لي أن مارست الفكرة مع ماشا من قبل!) قد يكون قد أخطأ في تقدير الـموقف سابقًا، ولكن الـموقف لـم يكن مختلفًا كثيرًا عما كان يعتقده. كان الشعور بالخجل يعني هزيـمته، وكان يريد أن يكون منتصراً، وهذا يعني أن يحافظ على هدوئه ويكمل هذه الـمهمة بنجاح! (الشيء الوحيد المختلف هذه المرة هو أن كوب الورق أصبح ملعقة الآن. هذا كل شيء… هذا― هذا أمر مهم! إننا نتحدث عن ملعقة. شيء كان للتو داخل فم آليا، يلامس لسانها. وضع ذلك في فمي لن يكون مجرد قبلة غير مباشرة. سيكون… قبلة فرنسية غير مباشرة؟!) أرخى أعصابه وحاول تقييـم الوضع بهدوء، لكن سرعان ما فقد هدوئه من جديد. وبينـما كان ينظر إلى شفتيها، قالت: “افتح فمك حتى آخره. ♪” وإذ كانت أليسا تتحدث، بدا له لـمعان أسنانها البيضاء الناصعة ولسانها الأحمر. (أوه! لا تُريني لسانك! هذا مثير جدًا! لا أستطيع تحمل المزيد! أوه! شكرًا لكِ على إخباري أن الفتيات الجميلات لديهن شفاه جميلة أيضًا!) كان في داخله يقاسي من الآلام. لعلّها كانت غرائزه البدائية، لكنه أطاعها وفتح فمه كطير صغير جائع يناجي أمه. “آاااااااااه…” دخلت الـملعقة فمه بهدوء، ولف شفتيه حولها دون وعي. تبددت خطة استعمال أسنانه الأمامية في كشط الحلوى اللذيذة عن الـملعقة من ذهنه تـمامًا. (يا إلهي! لقد حدثت قبلة فرنسية غير مباشرة للتو! لقد تبادلنا قبلة فرنسية غير مباشرة! هل أنا فقط، أم أننا نتحرك بسرعة كبيرة جدًا؟ بسرعة كبيرة جدًا؟ … نتحرك بسرعة كبيرة من أجل ماذا؟ ما الذي أتحدث عنه حتى؟) تخيل ماساتشيكا نفسه يصدم رأسه بالرصيف الخارجي، ويوكي تنظر إليه بابتسامة دنيئة. “هيـــــه.. كيف كان طعم آليا؟” قالت بصوتٍ خبيثٍ، بينـما كانت تربت عليه على كتفه بطريقةٍ خبيثةٍ. توقف ماساتشيكا عن ضرب رأسه، ثـم قام ليصفعها على وجهها. كانت مصدر إزعاج حتى في خياله. “…إنها حلوة.” قال ماساتشيكا بإيجاز، فقد كان شديد التوتر بحيث لـم يستطع قول أي شيء آخر. “…أوه.” ولكن لـم يكن في وسع أليسا أن تنتقد ردة فعله، فسحبت ذراعها. (في الحقيقة، الجو كله حلو! … هذا كله بسببك أيتها الأجواء الحلوة الحمقاء!) (كيف وصلنا إلى هذا الحد؟ كنا نتحدث حديثًا جادًا منذ لحظات. مهلاً… لـم يرانا أحد، أليس كذلك؟) دارت عينا ماساتشيكا في أرجاء الـمكان… حتى ظن أنه رأى شخصاً يعرفه خارج النافذة. (هل هذه… تانياما؟) بدأ يتساءل إن كانت هي بالفعل حتى تنهدت أليسا، فعاد إلى الواقع. عندما أعاد بصره إلى أليسا، رمقته بنظرة تحمل قدرًا كبيرًا من المهابة. “إذن، ما هي خطتك لهزيـمة يوكي بعد كل ذلك؟” عُيُونها كانت ثابتة وهي تسأله رغم الـموقف الصعب. كان ما أذهله هو لـمعان روحها الذي أعمى بصره في مواجهة الـمحنة. (أتمزحين معي؟ “ما هي خطتك لهزيـمة يوكي بعد كل ذلك؟”) (آليا.. لا يمكنكِ أن تغيري موقفكِ فجأة وكأن شيئًا لم يحدث!) لعله كان يـمزح في سره، ولكنه كتـم كل تلك الأفكار بعيدًا وسايرها لأنه أراد تجنب الـمزيد من الإحراج. “حسنًا… علينا فقط أن نسلك طريقًا مختلفًا.” “طريقًا مختلفًا؟” “لا أمل لنا في الانتصار إذا حاولنا مواجهتها مباشرةً… ولهذا السبب يجب علينا تغيير طريقة الهجوم والوصول إلى الطلاب بطريقة مغايرة لطريقة يوكي.” “هل يـمكنك أن توضح أكثر؟” “همم…” دارت عينا ماساتشيكا للحظة. “مـثلـمـا يصوت الناس لـمطربهم الـمفضل في فرقة غنائية، فأنتِ بحاجة إلى دعم الجميع لتتـمكني من التفوق على الـمغني الرئيسي، أي للتفوق على الأفضل.” “…ما الذي تقوله؟ يصوت الجمـيع لـمن يفضلونه، أليس كذلك؟” ” ليس بالضرورة. فبينـما تكون انتخابات رئيس مجلس الطلاب في الغالب مسابقة شعبية، لا يحتاج الـمشجعون إلى التسجيل للحصول على حق التصويت، على عكس التصويت لفرقة غنائية. يلزم كل طالب في الـمدرسة بالتصويت، وهذا يعني أن الأشخاص الذين لا يهتـمون حقًا بـمن سيصبح الرئيس القادم سيصوتون للخيار الأكثر أمانًا. بعبارة أخرى، سيختارون الرئيس السابق في الـمرحلة الإعدادية، الذي أثبت نجاحه وهو شخص يثقون به. أقول صدقًا، فعلت الأمر نفسه في الانتخابات الأخيرة. دعمتُ الرئيس السابق، وكنتُ مندهشًا عندما فاز شخص آخر.” “أجل… الآن وقد ذكرت ذلك، لـم يكن كانزاكي عضوًا في مجلس الطلاب في الـمرحلة الإعدادية.” “أليس كذلك؟ وإذا ترشح نفس الشخصين الـمنتخبين في الـمرحلة الإعدادية معًا في الـمرحلة الثانوية، فهناك احتـمال سبعين بالـمائة على ما يبدو أن يتـم إعادة انتخابهما، مما يجعل فوز تويا أكثر إثارة للإعجاب عند التفكير فيه.” قال ماساتشيكا ذلك وهو يخرج مجموعة من الأوراق من حقيبته. كانت صحيفة مدرسية صدرت العام الـماضي من قبل جماعة صحيفة الـمدرسة. “ماذا؟ ❞طريق النصر: الحلقة الخامسة لتويا كانزاكي ❝ ؟” “نعم، وجد أحد أعضاء نادي الصحف في ذلك الوقت أن الأمر لافت للنظر أن يحاول شخص غير متـمـيز مثل تويا أن يصبح الرئيس التالي، لذلك أجرى معه مقابلة. يبدو أن تويا أعطى هذا الشخص الإذن أيضًا باستخدام اسـمه الحقيقي في القصة الـمميزة، وذلك من أجل بث الأمل في نفسه أيضًا.” “هممم… لا يـمكن للمرء أن يترك حذره أبدًا إذا كان يشعر بأنه تحت الـمراقبة الـمستـمرة.” “أجل، أكاد أجزم أن الرجل الذي أجرى الـمقابلة معه كان يـمزح معه، ولكن مع ذلك، ومع مرور الزمن.. بدأت ملامح وجهه تتبدل بوضوح، وتحسنت درجاته. بدأت تبدو وكأنها قصة نجاح حقيقية، مما نال إعجاب جميع القراء وجعلهم يتعاطفون معه، مما أدى في النهاية إلى فوزه.” “إذن هذا ما كنت تقصده عندما قلت إنه كان لديه قصة جعلت الناس يرغبون في التصويت له؟ بـمعنى آخر، أظهر للطلاب الآخرين كفاحه وعمله الشاق؟” “أنت سريعة الفهم. هذا ما أقصده تـمامًا.” ابتسـم ماساتشيكا لشريكته بابتسامة رضى واضحة، وهو يرفع فنجان القهوة بالحليب ليأخذ رشفة أخرى… لكن تفكيره كان منشغلاً بشيء آخر طوال الوقت. (إذن… ماذا تنوي أن تفعل بالملعقة؟) الـمـلعقة التي أدخلتها في فـمه غصبًا عنه، تلك الـمـلعقة التي يقصدها ماساتشيكا. كانت الآن موضوعةً على منديلٍ أمام أليسا، لكن ما زال لديها أكثر من نصف كوب الـمـثلجات لتأكله، وسيذوب إذا لـم تبدأ في تناوله قريبًا. ألـم تلاحظ ذلك؟ أو كانت تتصنع عدم ملاحظته؟ وفي الوقت نفسه، كانت أليسا تقلب صفحات الجريدة التي أحضرها ماساتشيكا باهتـمام… أو ربـما كانت تتظاهر بالقراءة بينـما كانت تفكر في أمر آخر. (ماذا سأفعل بهذه الـمـلعقة؟) …كانوا يفكرون في الشيء نفسه تـمامًا. بعد أن هدأت، كادت أليسا تـموت خجلاً. حتى هي نفسها لـم تكن تعرف لـماذا كانت تتصرف بطريقة تنافسية للغاية في وقت سابق. (كان ينبغي علي أن أبدأ في تناول المثلجات مباشرة بعد إطعامه)، فكرت. كانت تستطيع أن تعود إلى استعمال الـملعقة دون أن تُظهر شيئًا بعد أن ضايقت ماساتشيكا، وكان ذلك كافيًا. ولكن بعد أن وضعتها لأي سبب كان، كان يزداد صعوبة عليها بمرور الوقت أن تأخذها مرة أخرى. (إنه خطأ كوزي لأنه وضع الملعقة كلها في فمه بهذه الطريقة… اضبط سلوكك أيها المتطفل!) نظرت أليسا إلى الـملعقة، وسرعان ما ألقت باللوم على ماساتشيكا فيـمـا حدث… عندما رأت فجأة بعض بقايا الكريـمة التي لـم يأكلها على الـمـلعقة، فأدارت رأسها بعيدًا. (شفتاه تركتا أثرًا… أرى بوضوح مكان ملامسة شفتيه! شفتاااااااااه!) شعرت بدوار بسيط وهي في حالة من الذعر. عندها تكلم ماساتشيكا بتردد: “عفوًا.. أمم، هل يـمكنني طلب شيء ما؟” “ماذا؟” فيـما كانت أليسا ترمش في حيرة، نظر ماساتشيكا حوله ثـم ابتسـم ابتسامة خجولة ومُرَّة في آنٍ واحد. “أثارت رائحة الطعام شهيتي من جديد… أظن أنني كنت مخطئًا عندما تخطيت وجبة الإفطار، أليس كذلك؟” “اوه… اطلب ما تريد.” فتح قائمة الطعام وقلب صفحاتها حتى عثر على شيء يلفت نظره. لـم يلبث أن ظهرت النادلة بعد أن ضغط على جرس الطلبيات. “بـم أخدمك؟” “آه.. لقد أردت أن أطلب شيئًا آخر. هل هذا ممكن؟” “تفضل.” “أيـمكنني الحصول على السبانخ باللحم الـمقدد الـمقلي، وطبق التوفو مابو بأسلوب شنغهاي، وطبق جانبي من الأرز، وكوبين من الـماء، من فضلك؟” “سبانخ باللحم الـمقدد الـمقلي، وطبق التوفو مابو بأسلوب شنغهاي، وطبق جانبي من الأرز، وكوبين من الـماء، هل هناك شيء آخر يمكنني خدمتك به؟” “أتساءل فقط إذا كان من الـممكن أن يكون طبق التوفو مابو حاراً جداً؟” “بالطــــبع.” “مهلاً. أأنت جاد؟” قالت أليسا ذلك وهي تتراجع للخلف. ابتسـمت النادلة لها ابتسامة مرحة، ثـم عادت تنظر إلى ماساتشيكا. “يـمكنك الحصول عليه بدرجة حرارة مضاعفة، أو ثلاثة أضعاف، أو خمسة أضعاف، أو حتى عشرة أضعاف. فماذا ستختار؟” “ما مقدار حرارة عشرة أضعاف؟” “حسنًا.. أمم…” بعد إلقاء نظرة خاطفة على يسارها ثـم يـمينها، خفضت النادلة صوتها واستـمرت: “صدقني، إنه حار جدًا. جربته مرة واحدة، ولـم أستطع تناول أكثر من قضـمة واحدة منه. سيسبب لك ألـمًا كبيرًا في معدتك.” “إنه كذلك، صحيح؟ جيد.” “ما الذي يبدو جيدًا في ذلك؟” قاطعت أليسا حديثه بوجه خالٍ من التعبير، لكن ماساتشيكا تجاهلها. “إذًا سأختار الحار بـمقدار عشرة أضعاف.” “بالتأكيد. هل هذا كل شيء؟” “هل من الـممكن أن نطلب ملعقة أخرى؟” سأل ماساتشيكا، مشيرا إلى الــملعقة التي أمام أليسا بعينيه. “بالطبع. سأعود حالاً.” أجابت النادلة دون تطفل. بعد التأكد من رحيلها، نظرت أليسا إلى ماساتشيكا التي كان يضع القائـمة على الطاولة. “لـم يكن ذلك ضروريًا.” تذمرت. “أتقصدين الـملعقة؟ أنا محرج. هذا كل شيء. قد يكون طبيعيًا في روسيا، لكن الرجال اليابانيين لا يستطيعون تحمل مثل هذه الأمور.” “أها…” بدت مترددة في البداية، ثـم ارتسـمت ابتسامة مثيرة على شفتيها. “أستغرب جدًا أن يزعجك أمر كهذا، كوزي. لا بد أنك أقل خبرة مما كنت أظن. كنت أعتقد أنك اعتدت على فعل مثل هذه الأشياء مع الفتيات.” ارتسـمت على حاجبي ماساتشيكا علامة من الإحباط، فقد كان يهتـم بها فقط. ” إذا سألتني، فأنا أكثر دهشة من عدم اهتـمامك. يجب أن تكون القبلات غير الـمباشرة شائعة في روسيا.” هسهس بابتسامة مشدودة، فتسبب ذلك في عبوس أليسا وشد جبينها في صـمت. بعد لحظات قليلة، اشتكت قائلة: 【 لن أفعل ذلك مع أي شخص آخر غيرك، أيها الأحمق. 】 (إنجاز جديد: لقد حصلت للتو على أول قبلة غير مباشرة من آليا! تهانينا، ماساتشيكا!) (شكرًا… هل حان أجلي اليوم؟) حدق ماساتشيكا في النافذة وهو يستـمع إلى الإعلان الـمفاجئ في ذهنه، لكنه استيقظ من شروده عندما عادت النادلة فجأة بـملعقة جديدة. “أعتذر عن التأخير. أيـمكنني أخذ ملعقتك القديـمة؟” “أوه… شكرًا.” بعد أن تسلمت أليسا الـملعقة الجديدة، حول ماساتشيكا نظره البعيد إليها وحثها قائلًا: “هيـــــا. إن لـم تسرعي وتأكليها، فستذوب.” “…معك حق.” عدلت طبق الحلوى الـمائل بشكل محرج، وبدأت في تحريك كل شيء من الكريـمة الـمخفوقة في الأعلى إلى رقائق الذرة في الأسفل قبل أن تأخذ قضـمة. ظلت تأكل على هذا النحو لبضع دقائق أخرى في هدوء، ثـم رفعت يديها معًا شاكرةً على الطعام قبل أن تـمسح فمها بـمنديل. ” أود أن أشير إلى أنك تأكل كثيرًا.” قالت أليسا. “ماذا؟ …أوه.” أدرك ماساتشيكا أنها كانت تظنه يتناول وجبات خفيفة بين الوجبات الرئيسية، فقرر أن يوضح سوء الفهـم. “هذا هو عشائـي في الحقيقة.” “لقد شغلني هذا السؤال منذ فترة، لكن ألا تلزمك ضرورة الاتصال بالـمنزل لإخبارهم أنك تتناول الطعام خارج الـمنزل؟ ألا يُتوقع منك أن تعود وأنت شبعانٌ بالفعل؟” “والداي ليسا موجودين الآن.” “أوه…” علاوة على ذلك، كان ماساتشيكا عادةً من يقوم بطهي معظم الوجبات في منزل عائلة كوزي، حيث كان يعيش مع والده. كان يتولى بنفسه مهمة الطهي عندما يكون والده خارج الـمنزل. ” نعم، أنا لوحدي في الـمنزل الليلة، ولا رغبة لي في الطبخ.” تقنيًا.. كان لديه أخت صغيرة تزوره دون موعد مسبق وتطالبه بالطبخ أحيانًا، إلا أنها لـم تزره ليومين متتاليين… لذلك قرر عدم التفكير في الأمر أصلاً. “…مهلاً. أتجيد الطبخ؟” اندهشت أليسا. لكن ماساتشيكا لـم يولي للأمر اهتـمامًا. “لكنني لا أجيد إلا عمل الأشياء البسيطة. تعلـمين، مثل الطبخ دون عناء أو إعداد وجبات في دقائق معدودة، لذا لا يـمكنني عمل أي شيء معقد.” “ما زلت مندهشة. لـم أعتقد أنك تـملك صبراً للطهي.” “حسنًا.. لا يـمكنني إنكار ذلك.” لـم يكن الأمر كما لو أنه كان يحب الطبخ بالفعل. اختار الطبخ لأنه كان أسهل الخيارات. في بداية الـمرحلة الإعدادية، كان يتناول خبزًا مالحًا من نوع معين كان قد اشتراه في اليوم السابق، ثـم كان يتناول طعام الغداء في الكافيتريا الـمدرسية، وفي الليل، كان يتناول نوعًا من وجبات العشاء الجاهزة التي كانت تباع في السوبر ماركت. لـم يـمضِ شهر واحد حتى سئـم من الخبز، وأصبح التسوق اليومي مملاً جدًا، ففكر ذات يوم في أن يصنع وجبة صغيرة رآها على شاشة التلفزيون. حينئذٍ أدرك أن الوقت الذي يقضيه في الذهاب إلى الـمتجر كل يوم لا يتجاوز الوقت الذي يقضيه في الطبخ وغسل الأطباق. فضلًا عن ذلك، كان والده يعطيه ألفي ين يوميًا مقابل الطعام في الأيام التي لا يكون فيها في الـمنزل، وكان أي مال متبقي في جيبه ينفقه فيما يشاء، لذلك كان طهي الطعام لنفسه وسيلة جيدة لتوفير الـمال. ببساطة، قرر أن يطبخ لنفسه بعد تقييم إيجابيات وسلبيات الأمر.

---

ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن

أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات
لا تنسى وضع تعليق للمترجم فهذا يساعده على الاستمرار ومواصلة العمل عندما يرى تشجيعًا.

التعليقات

اعدادات القارئ

لايعمل مع الوضع اليلي
لتغير كلمة إله الى شيء أخر
إعادة ضبط